هل هو عنف التاريخ

الجمعة 2016/04/01
لوحة: إسماعيل الرفاعي

من المؤكد أن اللحظات التاريخية الساخنة تكون مؤثرة على رؤية الكاتب لنوعية كتابته، وحتى لطريقة الكتابة، ولقد عشنا في الجزائر خلال التسعينات حالة مماثلة لما تشهده مناطق عربية كثيرة اليوم، ووجدنا أنفسنا ككتاب منغمسين في الكتابة عن لحظة تاريخية دموية ومؤلمة، أو مطالبين حتى بالصُراخ عبر الكتابة لإنقاذ جانب من إنسانيّتنا وفضح من ينتهك هذه الإنسانيّة في إنساننا الجزائري، ولقد تولّدت من ذلك أسئلة كثيرة حول دور الأدب، وأطلقت على بعض الكتابات التي نحت منحى الشهادة المباشرة على الأوضاع المأساوية بكونها “أدب استعجالي” وليس أدبًا بالمعنى الذي يعنيه الأدب من اشتغال جمالي وفني رفيع قبل أن يكون محاولة تسجيلية أو مجرد إدانة لواقع متأزم ومحكوم بالاستبداد السّياسي والدّيني والاجتماعي وغيرهم من أنواع الاستبداد الكثيرة في منطقتنا العربية. والحق أنه في لحظات العنف والانسداد يصعب توضيح مهام الكتابة، ويصعب حتّى على الكاتب رؤية التراجيديا بوضوح كامل، خاصة إذا كان يعيش في داخلها، فهو يكتب تحت وقع صواعقها وجرائمها وعنفها الهمجي وبربريّتها المتوحشة.

لقد كنت أشعر شخصيًا، على مدار فترة التسعينات الجزائرية التي سال فيها الدّم وارتكبت أبشع المجازر، وأقدمت جبهات دينية على أفظع الانتهاكات في حق الإنسان وحق الحياة وحق الطبيعة، أنني جزء من هذا الكل المنهار والآيل للسقوط والتدمير، ولم أعتقد أن الأدب/الكتابة الأدبية ستنقذ أيّ شيء في تلك السنوات سيئة الذكر، لكن لم يكن هنالك من طريق آخر غير الكتابة في الآن ذاته كخلاص فردي وتطهيري لمواجهة هذه البشاعة اللاإنسانيّة التي تحدث أمامك.

هل تقدر الكتابة على فعل شيء؟ هل يمكن للكتابة أن تنقذ شخصًا من القتل؟ طفلًا من اليتم أو التشريد، امرأة من الاغتصاب أو السّبي؟ لا أستطيع أن أعطي الكتابة كل هذا الدور البطولي الذي لا أظنه يلائمها أيضًا، وعندما أراجع مساري الرّوائيّ من أول رواية نشرتها عام 1998 بعنوان “المراسيم والجنائز″ مرورًا بـ”أرخبيل الذباب” (2000) و”شاهد العتمة” (2003) حتى آخر رواياتي “دمية النار” 2010 و”أشباح المدينة المقتولة” (2012) حتى “غرفة الذكريات” (2014)، أقول بأنني بقيت أكتب عن لحظة عنفية لم تنفد بعد طارحًا السؤال نفسه: لماذا حدث كل هذا؟ ما الذي كان وراء كل هذا الخراب؟ هل هو عنف التاريخ؟ الحكم الاستبدادي؟ قلة الهمة والعزيمة في بناء دولة ومجتمع غير معوقين وصالحين لاقتراح الحلول والآفاق.

إن الكتابة الأدبية في النهاية تهتم أكثر بطرح الأسئلة الشاقة والشقية، وهي تحاول بعبثية كبيرة أن تكون في مستوى “الجرح” ووفيّة مهما كانت الظروف والحالات لروح النقد والقيم الإنسانيّة الرفيعة، وهي لهذا السبب قد لا يظهر أثرها بسرعة ربما، ويكون تأثيرها لاحقًا في إعادة البناء وعندما تستطيع أن تنفذ أشعة الشمس من سجون الظلام التي تحاصرها.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.