التعبير المسرحي مشاكس منذ القدم
التعبيرية المسرحيّة، تعبيرة مشاكسة منذ القدم، منذ ظهور الممثل اليوناني «تسبيس» في القرن السادس قبل الميلاد.
هي تعبيرة في صراع دائم وتحدّ مستميت لكل أصناف الثوابت، سواء كانت تلك الثوابت كهنوتية، سياسية أو اجتماعيّة.
وعبر السيرورة التاريخيّة للمدونة المسرحيّة الإنسانيّة، كان الممثل العمود الفقري لهذا التمشي والضمير الذي هندس زراعة الوعي بين الشعوب المحرومة عبر الأزمنة، لذلك تنقّل من بلد إلى بلد وتعرّض لمختلف المخاطر وشتّى المضايقات، لكنّه أصرّ على التعريف بفنه، وحرّض بأساليب فنيّة متعدّدة على التمرد، وانتهاك الثوابت، وفسح مختلف العلل السياسيّة والاجتماعيّة، وكان ديدنه الأوحد: لا مهادنة مع الظلم والطغيان والجبروت والفساد، وشتى الأمراض الاجتماعيّة. فالممثل حقق منذ البدء ذاك التواصل الدياليكتيكي بين تراكمات الماضي ومتطلبات الحاضر دون الوقوع في الابتذال.
ويتداخل عند الممثل الحامل لهذا المشروع الإنساني صوتان: صوت الخطاب المسرحي وهو يجدّد أسئلته الإبداعيّة ذفي مساءلة الماضي وتأويله- وصوت الخطاب النقدي لتجربته ليجدّد أسلحته المعرفيّة. إنّه التمشي المثالي للممثل الصادق.
في تجربتي المسرحيّة وعلى امتداد قرابة أربعة عقود يعدّ الممثل بالنّسبة إليّ العنصر الوحيد الحي في العرض المسرحي، فهذا التفرّد لدى الممثل يأتي من ذلك العمل المتواصل عل اكتشاف مدارات جديدة ويبدأ من مبدأ التجاوز بعد النقد ثمّ الإضافة وصولا إلى التغيير. فالممثل يقوم بعمليّة سحريّة، تلك العمليّة التي أسالت الكثير من الحبر قديما وحديثا وعبر مختلف المقاربات المسرحيّة.
فالممثل كان ومازال الشغل الشاغل لمختلف المجدّدين المسرحيين، فهو يعدّ المرتكز الأساسي في العمليّة المسرحيّة ودونه ينتفي الفعل المسرحي، وهو الحلقة التي تصل المتفرج بالركح وبكل مكوّنات العمل المسرحي.
المسرح يعلّمك الاقتراب من إنسانيّة الإنسان، ولكي تعيد الممثل إلى دوره الحقيقي أي إلى المسرح، يجب أن نجعل منه إنسانا يتمكن من تحقيق ذاته بفنّه وبالتالي بمهنته فالفن دون مهنة هو شبح يصعب المسك به، والمهنة دون فن آلة تدور في الفراغ، لذا وجب حماية الممثل من نفسه كما يقول اجان كوبرب.
إنّ ثقافة الممثل مرتبطة أساسا بهضم المناهج المسرحيّة ووضعها على محك التجربة والفعل المسرحي والتقدم بها إلى فضاءات أرحب.
إنّ قائمة التجارب المسرحيّة التي بحثت فيها في تجربتي في ثقافة الممثل ومنهجيته وإبداعه طويلة ولا يتسع لها هذا المجال.
فالسؤال الملحّ هنا، ونحن في إطار محدّد جغرافيا ولكن أيضا فكريا، يتمثل في معرفة مدى استيعاب الممثل التونسي لثقافة الممثل في أشكالها ومفاهيمها الإنسانيّة والجماليّة. كما يتمثل أيضا في إثارة سؤال آخر ضمني. هل يمكن الحديث عن ثقافة خصوصيّة للممثّل التونسي في ظل الثورة التي عاشتها البلاد، والتي نسفت كل المكتسبات الماضية وانطلقت في فراغ مقيت. كما نتحدث عن خصوصيّة ثقافة الممثل الإنكليزي، أو الياباني أو الألماني؟
وهل يمكن الحديث عن وجود هاجس حقيقي لدى الممثل التونسي لاكتساب ثقافة تجعله يتجاوز وظيفته اللادائمة إلى وظيفة أعمق وأشمل بحيث تتجذّر في صلب المدلول الإبداعي للعمل المسرحي؟