ما بعد صوت الربيع العربي: لا صوت يعلو على صوت الثقافة
في البدء لا بد من الإشارة هنا إلى أن هذه الورقة تنطلقُ من ملاحظاتٍ ذاتية لأسباب عدة منها: غيابُ الدراسات الثقافية أصلا أو نُدرتها أو أنها تكون مُضمرة ضمن الدراسات الاجتماعية، وهي دراسات من لزوم ما يلزم في الأوساط البحثية، وهكذا تَعتبرُ السُلطاتُ المُتعددة الدراساتِ الثقافية ترفاً أو مُهددة لمعطياتِها الأيديولوجية التي تستبعدُ الثقافة أصلا، فالثقافة تكشف البُعد الديماغوجي والإقصائي لهذه المؤسسات، وللدولة المُتسلطة التي تتسربل بالأيديولوجيا القومية أو الدينية لإخفاءِ ماهيتها السلطوية المحض.
إن الصفة المُثلى للدراساتِ الثقافية هي أن عليها أن تكون ذاتيةً تأملية، فعليها أن تتفحص نفسها نقديا باستمرار، وبشكل خاص علاقتها مع النظام التعليمي من جهة ومع المؤسسات الثقافية غير التعليمية من جهة أخرى. إن هذا التأملَ الذاتي ليس مسألة منهج بمقدار ما هو ضرورة مُؤسساتية. ويأخذ هذا التأمل الذاتي روتينيا شكل فحص تاريخها الخاص، فهل الدراسات الثقافية تخصص مُحدد أم أنها موجودة ضمن التخصصات المُستقرة وخارجها؟ هل من الأفضل، على سبيل المثال، عدّها ممارسة نقدية أكثر منها تخصصا؟ أسئلة كهذه ليست ثانوية في الدراسات الثقافية، أو كما جاء في كتاب «الدراسات الثقافية: مقدمة نقدية» للباحث الأسترالي سايمون ديورنغ ترجمة د. ممدوح يوسف عمران – عالم المعرفة – العدد 425 – يونيو 2015-الكويت.
***
في حالنا فإن هذه الصفةَ المُثلي أي الدراسة الذاتية التأملية تجعل من المنطلقات الضعيفة، أي غياب الدراسات والإحصائيات نقطة قوةٍ يخصبها المخيال، حيث نستطيع سد الثغرات من جهة وحيث نتخلص من قيود منهجية قد تشد من سبل البحث وتحبسه، والثقافة فعل الإنسان كذات مُبدعة والشارع كمتلق ذاتي أيضا.
***
إن القفز في الخارطة السياسية العربية والمكون الثقافي العربي عن ليبيا -من مصر إلي تونس- هو عطب في المبحث السيو/ثقافي العربي، وهذا الإقصاء يحدث مع مكونات رئيسة في جسم الإقليم مع الجزائر والسودان والسعودية، رغم أن هذه البلاد تمثل عصبا رئيسا في الجغرافيا والتاريخ بل وفي التشكيل الديموغرافي، ونجدُ في الغربِ والعالم جملة، مكتبة كبيرة لمباحث في شؤون هذه الدول وفقرا مُقذعا عربيا، كذلك نجد قصورا فادحا في المبحث العربي عن الإثنيات المكون الديموغرافي للبلدان العربية كالأكراد والأمازيغ والطوارق والتبو وغيرهم، والتي هي مُشكّل رئيس في المكون الثقافي لهذه البلدان. وهذا العطب أسهم في قصور المبحث العربي إجمالا مما جعلني أنوّه عليه هنا وفي البدء.
***
الوضعُ الأمني الحالي في المنطقة وبالتالي الحياتي يُقصى البحث والتأمل، ويجعل ما هو «عاجل» المُقتضى الأول والأخير، خاصة في بلادي «ليبيا» ومدينتي «بنغازي» فهناك المباني تنهارُ علي ساكنيها، والأماكن الثقافية والتعليمية غدت مأوىً للنازحين، وبالتالي لم يعد بالإمكان التفكير فما بالك بالبحث، وعلى المستوى الشخصي ذهبت مكتبتي كما ذهب « الصابري « الحي الذي ولدت وأعيش فيه أدراج الحرب وهُدم تقريبا على بكرة أبيه، وحُوّلَ مركزهُ الثقافي ومدارسه إلى أوكار للقتلة من «داعش» و»أنصار شريعة» و»مجلس شورى بنغازي» وهلم جرا.
***
عليه كل ما في هذه الورقة ذاتي تأملي، وشذرات ثقافية ناتجة من الشغل في الحقل ككاتبٍ وكصحافي وكناشطٍ في الفعلِ الثقافي ليس إلا.
أما قبل: كيف كان؟
ليبيا وهذه حقيقة، بعيدةٌ عن الضوء، ومن هذا تسليط الضوء على وضعها الثقافي كيف كان أمرٌ هام ويحتاجُ وقتا وجهداً، لكن هنا سأكتفي بما يخص الوضع الثقافي الذي كان، والذي كان له الأثر الحاسم أو المُسيطر في الراهن.
لقد نهضت ليبيا الحديثة، كما تقريبا في السودان والسعودية، ضمن حركة دينية إصلاحية هي الحركة «السنوسية» ومُؤسسها الجزائري «محمد بن علي السنوسي» في منتصف القرن التاسع عشر، هذه الحركة المعروفة عند المؤرخين فحسب، تمكنت من صوغِ رؤيةٍ دينيةٍ تقويمية تقوم على الاتّباع من جهة وعلى النظرة الخصوصية الإصلاحية لعلاقة الدين والحياة لمؤسسها الذي نجح بالتمترس في الصحراء الليبية في الابتعاد عن أيّ نفوذ للقوى النافذة حينها، وبالتالي نجح حفيده، من رَئسَ الحركة -بعد وفاة والده المهدي-، في تأسيس المملكة الليبية المتحدة بعد خوض معركة جهادية تحريرية ضد الاستعمار الفاشي الإيطالي بين عامي 1911 و1944 أي نهاية الحرب الثانية، واستقلت ليبيا بقرار من الأمم المتحدة في ديسمبر 1951، إنها دولة حديثة ناتجة بمعنى ما من حركة دينية إصلاحية وتقريبا مرة ثانية كما في السودان والسعودية، ولعل هذا يحتاج للدراسة والبحث في مجال جد هام وجديد ولم يُتطرق إليه بالدرس.
مع الانقلاب العسكري في سبتمبر 1969 بدأت الحواجز واتخذ الإقصاء منهجا وساد القمع والتعسف رغم أن النظام العسكري الذي سيطر به الملازم معمر القذافي كان يصدحُ بالوحدة العربية
بين عامي 1951 و1969 تاريخ الانقلاب العسكري على الملك السنوسي، نجحَ النظامُ الملكي في إرساءِ دعائمِ دولة حديثة، هذه الدولة المُنفتحة على محيطها، وقبل ساعة إنشائها جعلت من انتمائها للجامعة العربية تعبيرا عن رؤية المُؤسسين لبعدها الثقافي العربي والديموغرافي، ولذا كانت المناهج التعليمية في البدء ذات المناهج المصرية، وكذا كان جزء من المعلمين بها من المصريين في كافة المستويات التعليمية، وعلى هذا تأسست الجامعة الليبية مطلع خمسينات القرن الماضي، هذه الجامعة التي أنشأها المؤسسون الأوائل كما صرحٍ ثقافي فموقعها في وسط مدينتي بنغازي وطرابلس، ومكتباتُها ومحاضراتُها مفتوحة لمن شاء وأقامت مؤتمرات فكرية دولية شارك فيها أشهر المفكرين والباحثين حينها كالمؤرخ الإنكليزي أرنولد توينبي وأساتذتها من العالم والعرب مثل عبدالرحمن بدوي من أصدرت له الجامعة الليبية العديد من الكتب، وفُتحت مراكز ثقافية عربية، وكانت المراكز الليبية تغص بالكتب للمؤلفين العرب والأجانب وبكل اللغات، وحتى الكتب الممنوعة في بلدانها توفرت في هذه المكتبات كرواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ التي توفرت في الأكشاك في حينها.
لقد تكرس مفهوم وحدة الثقافة العربية في المملكة الليبية في التعليم وفي الحياة الثقافية، وعليه تم إنشاء المؤسسات الثقافية ولم تكن ثمة حدود، فالمسارح ساهم في إنشائها التونسيون، وكل الفنون العربية توجدُ في هذه المؤسسات ومنها الفنون الشعبية لأقطار عربية عدة.
إذا كانت الثقافة في الدولة الناشئة تُنشأُ لها مُؤسسات مُنفتحة، وإن كانت الحركة السنوسية قد ساهمت في التأسيس فقد تأصل في الدولة بُعدها الإصلاحي ومُنطلقها كحركةٍ ثقافية، وجعل هذا من اللغة العربية كمنزلةٍ للروح فغدت لا حدود في وجه الثقافة العربية والتي ساعتها كانت في أوج نهضتها، وتم إنشاء مكانةٍ للثقافة في المؤسسات التعليمية فـ»أيام» طه حسين هي أيام طلبة التعليم الأساسي، وأُنشئت مؤسساتٌ ثقافية كالمسارح ودور السينما ونوادي الفكر وحتى النوادي الرياضية كانت من صروح الثقافة. لكن مع هذا فإن النظام الملكي في ليبيا -كما جُل الأنظمة الحاكمة في حينها- كان يمنعُ إنشاء الأحزاب والمنظمات السياسية، بل تتم معاقبة كل من يساهم في إنشائها ولو سرا، وكان من هذا مقتل هذا النظام الذي فصل بين الثقافة ومؤسساتها وبين العمل السياسي.
«إن الوعي ونتائجه هما على الدوام، بأشكال مختلفة، جزء من العملية الاجتماعية نفسها « أو كما عبر عنه ريموند ويليمز، وهذا ما يُعبر على أن الاستبداد والسيطرة ليسا بُعدا ثقافيا فحسب بل والأهم البعد الاجتماعي، فلم تكون الأيديولوجية الإصلاحية الدينية هي الحسم في مسألة التسلّط السياسي، ولكن المسألة الاجتماعية كانت الحسم الأبلغ، ولذا كانت ليبيا شارعا ناصريا وفي جُهوزيةٍ لانقلاب عسكري مُماثلٍ لانقلاب جمال عبدالناصر في مصر، وهواري بومدين في الجزائر.
لكن مع الانقلاب العسكري في سبتمبر 1969 بدأت الحواجز واتخذ الإقصاء منهجا وساد القمع والتعسف رغم أن النظام العسكري الذي سيطر به الملازم معمر القذافي كان يصدحُ بالوحدة العربية ويُمارس فعل الوحدة من خلال عقد عدة اتفاقيات سياسية، ولقد غدت الثقافة في عرف هذا النظام أداةَ تغريبٍ وسلب وغزا مفهوم الغزو الثقافي البلاد.
وفي الفترة الأولي لهذا النظام العسكري كان المفهوم الديني هو المفسر للحياة، فالدين والقومية هما مرتكزا الهوية و»القرآن شريعة المجتمع»، لكن القومية كانت كما ورقة سلوفان لتغطية وتمويه البعد الديني الجامح، وما كان مبررا أيديولوجيا لتكريس السلطة الفردية وعبادة الشخصية للزعيم الأوحد صاحب النظرية العالمية الثالثة معمر القذافي الذي نجح في جعل الثقافة مُرادفا للاستعمار، وعليه أسس «جمعية الدعوة الإسلامية»، وكان ساعتها السادات في مصر قد جعل من التيار الإسلامي يُمارس القمع في الجامعات، ويكاد يكون المُهيمن الجامح على الحياة في مصر ما بعد عبد الناصر، وقد أعلن القذافي -»أمين القومية العربية» كما صرح جمال عبدالناصر في خطاب له بطرابلس في ديسمبر 1969- الثورة الثقافية في أبريل 1973 التي أغلقت المراكز الثقافية وكرست المؤسسات الثقافية كمؤسسات دينية، ومن هنا جعل من التلفزيون الليبي محطة لمصطفي محمود والشيخ الشعراوي ومن أيدهما من الليبيين مثل الدكتور على فهمي خشيم ومن العرب، وساعتها بدأ يتم تكريس ثقافة التلفزيون الشفاهية، والكراسات والكُتيبات التعليمية التي كانت وسيلة التنظيمات والأحزاب الشمولية للتثقيف وما نراها الساعة مُنتشرة في كل مكان تقريبا، ولقد أُحرقت الكُتب في الساحات العامة والآلات الموسيقية الغربية ومنع تداول دواوين نزار قباني مثلا وَعد محمود درويش شاعر الشيوعية العالمية المُلحدة، وكان القذافي في أول خطابٍ له بعد الانقلاب أي في 16 سبتمبر 1969 -وهذا اليوم هو ذكرى إعدام شيخ الشهداء عمر المختار من قبل الفاشية الإيطالية عام 1931- قد أعلن أن من تحزب خان، وعليه مُنعت الحزبية وما في شاكلتها من مؤسسات ثقافية واجتماعية غير حكومية، فالمجتمع المدني بهذا عمل من عمل الاستعمار.
تحولت الثورة الليبية منذ لحظتها إلى حرب أهلية، فالنظام الفاشي أعلن الحرب، ولكن الشعب الليبي لم يرفع الراية البيضاء التي لم يرفعها أيضا حين حاول الإسلام السياسي، بعد فشله في الانتخابات، الاستيلاء على البلاد بالعنف
هذا المنحى الديماغوجي كرس مفهوما للثقافة هو خليط من مفاهيم الإسلام السياسي البارز حينها ومن العداء للعقل والعقلانية ومن أوهام التضخم النفطي بعد ارتفاع سعره عقب حرب 1973. هذا التضخم ضخّم شخصية الزعيم القائد المفكر والمعلم القائد، في لحظتها قام النفط بتغطية معايبَ المرحلة عن النُخب فتكونت ثقافة النفط التي جعلت العقل يبحثُ عن مأوى في بلدان «البترو دولار»، لقد هاجرت عقول عربية عدة إلى بلدان النفط ومنها ليبيا، في حين في البلاد تمت محاصرة الثقافة وقمع وسجن المثقفين بالجملة منذ أبريل 1973 وإغلاق المؤسسات الثقافية كالمركز الثقافي البريطاني والأميركي ثم المصري.. وغيرها، وكان تم اعتبار محو الأمية مفسدة، فالتعليمُ الحق ليس في دور العلم بل في الحياة، وهو فعل لدحر الثقافة كنظرةٍ نقدية، ومثال ذلك تم تغيير اسم كلية الحقوق إلى كلية القانون.
لقد تم إفقار الحياة من الثقافة، والتعسف جعل الحياة في الرمق الأخير، فـ»الكتاب الأخضر» فلسفة الحياة حيث لا فلسفة ولا حياة، وفي هذا تم توظيف الثروة النفطية في شراء كل ما يُكرّس الفوضى واللاعقلانية وتكريس البلاد كإمبراطورية للفراغ، والكثير من المثقفين العرب وحتى من العالم مثل روجيه غرودي يُدعون ويحضرون محافل «الكتاب الأخضر»، وكذلك غالي شكري وهو من ساهم في إنشاء «مركز الكتاب الأخضر»، وبهذا تم حصر الثقافة في كُتيب وبه تم دحر الحياة الثقافية بل الحياة نفسها في ليبيا ولعقود: 1 سبتمبر 1969-17 فبراير 2011.
اعتلال كبير أصاب الثقافة من قبل هذا النظام الذي من أدبيّاته مفهوم «اللا دولة» ما عمل على تكريسهِ، ونزعَ إلى تحقيقه في أجواء يُوجزها القاص الليبي عمر الككلي في قصة بعنوان «صناعة محلية»: مواطن أراد شراء كراس إملاء ذهب إلى محل وطلب كراسا بهامشين، اعتذر البائع بأن ليس لديه إلا كراس بهامش على اليمين، مضطرا اشترى الكراس، في البيت كشف عن الكراس لم يجد أيّ هامش. لكنّ الثقافة والمُثقف الفاعل يدرك أن في الطين يكمن التمثال.
لهذا المؤسسات الثقافية الليبية جنحت لوسائط ووسائل تنأى بها عن المُجابهةِ المُباشرة مع السلطة الغاشمة، لهذا أعتقد أن هذا ساهم في نتاج موسوعي بيّن: فـ»مركز الدراسات التاريخية الليبية» أنتج موسوعة تاريخية ليبية شفاهية في العديد من المجلدات، وسجلت حقبة تاريخية هي فترة مقاومة الاستعمار الإيطالي، كذلك تم تحقيق وأصدر في مجلدات يوميات الفقيه حسن التي كُتبت بعامية مدينة طرابلس الغرب في أكثر من نصف القرن الثامن عشر، وكذلك أصدر «مركز الدراسات الأفريقية»، «الموسوعة الأفريقية» الدولية في العديد من المجلدات وبمشاركة دولية، وأنشأ الكاتب والباحث الليبي المعروف الصادق النيهوم دارا لتحرير وترجمة وإصدار الموسوعات العلمية ومنها موسوعة «بهجة المعرفة» وموسوعات تعليمية علمية ومهنية متخصصة للنشء وموسوعات تاريخية مصورة، أما الكاتب يوسف الشريف فقد تخصص في ثقافة الطفل وبمجهود ذاتي أصدر «معجم اللغة العربية للأطفال» و»الموسوعة العلمية الميسرة» وغيرهما الكثير.
وكذلك النجاح الذي حققته الرواية الليبية التي صدر أغلبها في الخارج فهناك أسماء روائية ليبية لا يمكن تجاوزها في الرواية التي صدرت خلال قرن مثل روايات إبراهيم الكوني التي ترجمت للكثير من لغات العالم، والروائي هشام مطر الذي يكتب بالإنكليزية، والروائي أحمد إبراهيم الفقيه وغيرهم.
وهذا التحليل في صيغة التوصيف يبين أن الماضي هو المُقدمة التي أعطبت نهوض مجتمعات خرجت من حروب تحرير ومن فقر مادي وروحي ناتج عن حقبة استعمارية استنفدت الطاقات، ما بات الحديث عنه أو التحدث عن الدور الامبريالي فيه بمثابة الاستخدام الملعون لـ»نظرية المؤامرة». ومثلا فإن في ليبيا الإفقار الثقافي من منع للتعليم ومن إنشاء مؤسسات ثقافية وإغلاق للمكتبات العربية ومنع الأحزاب حصل عهد الفاشية الإيطالية بين عامي 1923 و1945، ولا يمكن القفز عن هذا وعن آثاره في أيّ مبحث لنصوص الثقافة وسردياتها في المجتمع الليبي كما في المجتمعات العربية الأخرى، أو كما يقول الأسترالي سايمون ديورنغ «من أن معرفة الماضي يستدعيها أن الماضي مُستمر الوجود في الحاضر، والذي ليس له وجود في الحاضر ليس له تاريخ، ببساطة أصبح منسيا»، عليه ليس من السهل البحث في البنيات الثقافية باستبعاد لهذا المؤثر الفاعل والرئيس، خاصة والحديث عن دويلات ناشئة ومجتمعات يحقّ بشأنها قول الإيرانية آذر نفيسي «عندما أعيد النظر في تاريخنا، ما يبدو مدهشا بالنسبة إليّ الآن ليس كيف كانت السلطات الدينية قوية وفعالة في إيران بل كيف سيطرت العلمانية المعاصرة بسرعة على مجتمع هيمن عليه بشدة الدين التقليدي والدكتاتورية السياسية. أبدل البهلويون القانون الديني بنظام قضائي معاصر، لكن الضرر الذي لحق بالمؤسسة الدينية كان أكبر بكثير مما يوحي به الفعل وحده».
أما بعد: كيف أصبح؟
الربيعُ العربي الاستثناءُ في التاريخ العربي المعاصر، استثناءٌ في الجغرافيا العربية المُسمى ليبيا، استثناءُ ما حدث في ليبيا التي من أهم ظواهرها غيابٌ للمؤسسات اجتماعية وثقافية وسياسية ومنعٌ للمجتمع المدني والتنظيماتِ غير الحكومية، وغيابٌ قسري عن العالم، ما حدث في ليبيا ثورة ليس كما حدث في الربيع العربي، النظام المسيطر على فواصل ومراكز البلاد أمنيا وعسكريا أعلن الحرب على الشعب الذي يريد إسقاط النظام بوسائل مدنية، بعد أن فقد هذا النظام المُدجج السيطرة على أكثر من نصف البلاد عبر ثورة شعبية سلمية، والعالم قدّم دعما دوليا بعد قرار يُطالب بالتدخل الدولي لحماية المدنيين من مجلس جامعة الدول العربية لا مثيل له في تاريخها، ساهم الإجماع الدولي بدعم تدخلٍ دولي في ليبيا، ومن خلال حربين: ليبية أهلية، وحرب دولية أسقط بها الشعب النظام. هكذا تعين الربيع العربي في ليبيا منذ الساعة الأولي بشكل استثنائي. وكما أن ليبيا مُستبعدة من عين الباحث العربي، استبعد هذا «الاستثناء» من النظرة العربية بالمرة، وتم التركيز على انهيار الدولة دون البحث في مسبباته ودواعيه، مما يظهر تكاسلا، وسوس اللاعلمية الذي ينخر البحث العلمي العربي العاجز.
وقت انبثاق الربيع العربي في ليبيا تحررت الثقافة في ليبيا من أسرها، خلالها انبثق المجتمع المدني، وتكونت جمعيات ومراكز ثقافية وبحثية، ففي مدينة بنغازي وحدها تجاوز عددها الثلاثمئة، وصدرت صحف خاصة وحتى متخصصة، وأقيم العديد من الملتقيات الثقافية والفنية وتأسست مؤسسات وتنظيمات ثقافية وسياسية ومراكز بحثية ونواد للكتاب، وعقدت مؤتمرات وندوات حول كل المستجدات في البلاد، فبدا وكأن المجتمع المدني الذي يعمل من أجل تأسيس دولة مدنية هو البديل للسلطة الغاشمة التي سقطت لكن ساعتها كان «الإسلام في الأسر» دين الناس في أسر منظمات سرية مسلحة وإرهابية انبثقت في تلك اللحظة الاستثنائية وتقنعت بالدين، واستولت بالقوة على مرافق الدولة واتخذت من المساجد منابر لنشر وتوكيد أيديولوجيا العنف للسيطرة على ما تبقى من الدولة.
لقد انطلقت مُؤسساتٌ ثقافية أهلية وسرعان ما توقفت بعد أن تفاقمت الحرب الأهلية، لكن ثمة مُؤشرٌ هام رصدته مؤسسة بي بي سي الدولية في دراسة ميدانية لدول الربيع العربي في الشمال الأفريقي يؤكد: أن الإنجاز الذي تم في مجال المجتمع الأهلي وخاصة الثقافي منه فاق ما حصل في مصر وتونس وأنه انطلق من الصفر تقريبا، وقد كشف أن المبادرات المجتمعية أنشأت مراكز بحثية مستقلة إضافة إلى إصدار تقارير دورية وإقامة ورش عمل في القضايا الثقافية خاصة السياسية منها.
عليه نلاحظ أن المبادرات الفردية والأهلية يمكنها أن تساهم في المجال الثقافي أيضا حينما تتمكن من ذلك لأن الحرية تتيحِ المجال لهكذا مبادرات، وهذا ساهم في إجراء ثلاث انتخابات حرة ونزيهة ونجح فيها تيار الدولة المدنية بالأغلبية وفشل الإسلام السياسي في هذه الانتخابات مما دفعه لأن يُعلن الحرب على الصندوق الانتخابي الذي قبل به قبلا. وساهم في هذا أن الإثنيات كالأمازيغ والطوارق والتبو لأول مرة في ليبيا تتمكن من أن تكون من المكونات الاجتماعية الثقافية والسياسية الناشئة، خلال السنتين الأوليين للثورة حيث أقيمت مراكز تختص بالشأن الثقافي والمجتمعي لكل منها، بل وصدرت معاجم ومجلات في اللغات الأمازيغية والتباوية التي يُسمع عنها لأول مرة العالم، ولهذا اعتبروا قبائل ليبية وهم قوم لهم تاريخهم ولغتهم ومن سكان الصحراء القدماء وممن ساهم في حضاراتها القديمة.
لقد تحولت الثورة الليبية منذ لحظتها إلى حرب أهلية، فالنظام الفاشي أعلن الحرب، ولكن الشعب الليبي لم يرفع الراية البيضاء التي لم يرفعها أيضا حين حاول الإسلام السياسي، بعد فشله في الانتخابات، الاستيلاء على البلاد بالعنف، وبالتحالف مع منظمات الإسلام المتطرف الإرهابية كأنصار الشريعة إحدى التسميات لتنظيم القاعدة.
كان الشارع العربي السبّاق وكانت النخبة في ذهول وهذا من طبائع الأمور في الحال الحاصل، خاصة وأن هذه النخبة قدمت الكثير من أجل أن يحصل ما حصل، فالربيع العربي مفاجأة القرن الحادي والعشرين وإن كان مآله ليس مستحدثا
هكذا حرب هي حرب ضد الفاشية المحلية/القذافي ووريثها الفاشية المتقنعة بأيديولوجيا الدين لكن من آثارها تعطلُ الوضع الثقافي وتحوله إلى الخلف بعد أن كاد يتصدر المشهد.
في رواية «من مفكرة رجل لم يولد» للكاتب الليبي يوسف القويري التي نشرت عام 1965، وهي من روايات الخيال العلمي والمستقبليات كيوميات متخيلة بين عامي 2565 و2567، يتخيل فيها الكاتب أن خليج سرت، وهو أكبر خليج في البحر المتوسط، قد أنشئت في صحرائه أكبر بحيرة ماء عذب اصطناعية، وجعل من مدينة «سرت» أكبر مختبر دولي في علم الصحراء والمياه، والعلماء سكان المدينة وبقية السكان يعيشون في حديقة وافرة، ويتنقلون بالطيران الذاتي في قبة سماوية اصطناعية تحوط أجواء المدينة. «سرت» هذه يحاول «داعش» التنظيم الدولي للنازية الجديد أن يجعل منها «الإمارة» أو المركز للدولة الإسلامية المنشودة، ولا ننسى أن هذه المدينة في هذا الخليج كانت مسقط رأس أحد الفاشيين العرب الليبيين معمر القذافي.
خلاصة تأملية
إنك لا تستطيع الوصول إلى الهدف غير التقليدي بوسيلة تقليدية، هكذا تبين أثناء الربيع العربي المغدور أن «القوي الناعمة» تستخدم «رأسمالها الرمزي» بطرائق اجتازها شارع «الشعب يريد إسقاط النظام»، لحظتها كان هذا الشارع العربي يرسم بلغة «الجرافيتي» ويغنّي الراب، أما الفلسفة التي يتعاطاها فهي الواقعية الإجرائية، ولذا شاهدنا عطالة فكرية عند النخبة التقليدية المتحصنة بنظرياتها الجهوزية من نتائجها خيبة الآمال التي اجتاحت الربيع العربي ما غدا خريفا أو مجرد مؤامرة إمبريالية. وعليه انتشرت لغة تبادل التهم بين النخب والشارع الذي خاب أمله في النخب وفي نفسه حتى، لقد انقلب السحر على الساحر فبتنا لا نرى «القوى الناعمة» حتى في الأحلام مع ظهور أن الكابوس حقيقة ظاهرة مجسدة على الأرض وبأيدي الشعب الذي يريد إسقاط النظام، الكابوس الذي تجسد في العنف أكل إرادة الشعب الذي يريد الحياة، إرادة الحياة تآكلت مع غيابٍ ظاهرٍ للقوى الناعمة وصمتٍ مُطبقٍ للنخب العربية التي تلهثُ خلف «فرانكشتاين» العرب «داعش» أيقونة الفعل وكسر إرادة الشعب الذي أراد الحياة، وفي هذه الحال ظهر وكأنما مرآة ما بعد الربيع العربي تعكس صورة «فاوست» المثقف العربي، وأن القوى الناعمة العربية قد خاب ظنها في نفسها عقب تعاطي شحنة عاطفية زائدة أثناء لحظة الربيع العربي اللحظة الاستثنائية في التاريخ العربي الحديث، اللحظة التي كما التحقق للحلم العربي الذي تحوّل كما الفجاءة إلى دين عنف وعنف الدين، فأمسى العنف مبرر الوجود يتعاطاه الكل كأكسجين ويتعاظم هذا مع استفحال غياب القوى الناعمة وتركها الساحة للغة الرصاص وأساليب الأمن لاستئصال العنف، عُدنا والعود أحمد لشعارنا سيء السمعة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وبطل هذه المعركة «الزير سالم» من يريد «جساس» حيا.
وفي ما بعد الربيع العربي تراجعت الثقافة بعد أن كان قبل هذا الربيع قد أعلن عن موت المثقف، وغدت الثقافة الآن وهنا ردود أفعال كما فتاوى وفتاوى مضادة وتفسيرات تدحضُ تفسيرات وفقه الماضي وما ارتهن إليه الجميع، فالماضي غدا مستقبل هذه الثقافة، الماضي والماضي المضاد ولا أفق غير النظر إلى الخلف الذي أصبح المتراس في حروب أهلية كما هي نافورة للدم هي نافورة التفكك والانشقاقات ومرجعتيها أيديولوجيا ماضوية بحتة، قبائل وعشائر وبطون تتجشأ ما خزنته في سالف الزمان.
هذا التوصيف هو ما تعكسهُ مرآة الراهن، فما فعله الربيع العربي تقليب الأرض، الأراضي العربية مترامية الأطراف وهي الصحارى الكبرى التي يصعب ربيعها لكنه لا يستحيل، لأننا لو نظرنا للفعل الناتج عن هذا الربيع فسنجده يهزّ أركان العالم، وما أنتجه ممّا يسمى «الإرهاب الدولي» يعنى مما يعنى أن المسألة الدينية لم تستنفد بعد، وأن الثورة التي لم تتحقق بعد مآلها إلى الإرهاب، الثورة وسيلة عنف للتغيير وما لم يحدث التغيير فإن العنف سيطرد وإن تم قمعه بالعنف، والربيع العربي ما انقلب إلى حروب أهلية في الكثير من بلدان العرب برهان على أن الثورة التي لا تحقق أهدافها تنقلب إلى ضدها كما تحدث التاريخ.
هذا مأزق الثقافة الراهن عند العرب، إذ أن العنف أمسى ثقافة وقودها ذاتية، والجميع مشغول بإطفاء الحريق أولا وأخيرا، إنها اللحظة الحرجة الأهم والمهم فيها إخماد البركان: أنا مواطن ليبي من مدينة بنغازي حيث بيت النار، في مهجر قسري لانعدام الأمن وتوفر الموت وحيث المقاومة أيضا، لقد عشت منذ بزوغ الربيع العربي في هذه المدينة اطّرادا للعنف واطّرادا لغياب القوى الناعمة، لقد اتخذ من الكلاشنكوف -كما حصل مع الثورة الفلسطينية- إلهاً، ومن المعركة الصوت، ومن أجل هذا لقي الجميع الدعم العربي للتزود بزاد الكلاشنكوف والمعركة التي حوصرت وانحسرت في قتال شوارع بل وبيوت في أجواء جبانة بمعنى الكلمة.
الثقافة العربية ومحنها تُهيمن علينا وتفعل فعلها فينا، فالعُنف المُهيمن الساعة تعبير شائن عن هذه الثقافة لكنه في نفس الوقت تعبيرٌ عن إرادة الشعوب في الحياة، وأينما قلبت الأمور في مدينة كبنغازي مثلا فإنك ملاق هذا: هيمنة فادحة للعنف وتوق ظاهر لدورٍ غائب.
ما دور القوى الناعمة في هكذا حال؟ هل من صوت يعلو على صوت المعركة أو على الأقل يواكب؟ هل من سبيل آخر أو إضافي لمواجهة المسيرة التي طالت من نكبة إلى نكسة إلى نكبة؟ هل ما بعد الربيع العربي بالضرورة خريف لا مناص منه، وإن صار الربيع خريفا أليس من مقتضى الحال التعامل مع ما استجد بوسائل مستجدة؟
»الكتاب الأخضر» فلسفة الحياة حيث لا فلسفة ولا حياة، وفي هذا تم توظيف الثروة النفطية في شراء كل ما يُكرّس الفوضى واللاعقلانية وتكريس البلاد كإمبراطورية للفراغ
لقد ألهب الربيع العربي الشعور ولم يلهب العقول لسان حال الكثير منا، فإن لم يلهب العقول أفلا تلهبها النيران المندلعة في البيت العربي جملة هذه المرة من « تطوان حتى عمان». ولقد كان الشارع العربي السبّاق وكانت النخبة في ذهول وهذا من طبائع الأمور في الحال الحاصل، خاصة وأن هذه النخبة قدمت الكثير من أجل أن يحصل ما حصل، فالربيع العربي مفاجأة القرن الحادي والعشرين وإن كان مآله ليس مستحدثا بالمرة في حال الثورات التي كثيرا ما هوت في حروب أهلية، فالعرب لم يستحدثوا الثورات ومآلها ولكن عرّبوها فقط، ولهذا لا بد من وسائل ومبادرات مُستحدثة للاندماج ولمواجهة هذه المستجدات، وسائل صغرت أم كبرت فالحروب يشعلها الشرر ويطفئها رذاذ المطر، لكن ما تحدثه حينها كبير ونتائجها أكبر، وكما تواكبها قوى النيران تكون في المواجهة والواجهة القوى الناعمة، ولقد ساهم المجتمع المدني وانبثق في الربيع العربي وبادر ونما فيه، وقدم مجهوده الاستثنائي وهو في حاجة للبحث والدراسة واستنباط الأفكار منه، وقبل كان للشباب الذين هم أغلب سكان بلاد العرب الدور الأبرز، وهم الساعة وقود العنف والحروب، ففي ليبيا مثلا قد ينقرض مواليد تسعينات القرن العشرين، وهؤلاء الشباب استحدث قبل وفي الأيام الأولي للربيع العربي طرائق للقوى الناعمة، ليس منها فقط ما أشرت إليه من استحداث لغة «الجرافيت» وغناء «الراب»، بل منها ما أشير إليه حينها من استحداث توظيف الوسائل الإلكترونية والنت ووسائط التواصل الاجتماعي الإلكتروني كالفيسبوك والتويتر، فلقد ظهر أن للثقافة سبلا ووسائل مستحدثة، وخطابا حداثيا في علاقة جدلية بهذه الوسائل التي أيضا أججت العنف الذي يبدو أشبه بنازيةٍ جديدة دينها العنف وقوميتها الدين.
مقترحات
أخلصُ إلى أن أقدم بعض المقترحات إلى الجامعة العربية بمختلف مؤسساتها وإلى كل مؤسسات المجتمع المدني العربي، والاتحادات العربية والنقابية من أجل «عودة الروح» للقوى الناعمة العربية، ومن أجل المشاركة في إنهاء الشعار الذي كتم الأنفاس منذ عقود عربية «لا صوت يعلو على صوت المعركة»، ولأجل إنهاء هذا المجهود الحربي، وضدّ العنف ولغة العنف، وما استشرى في الحياة الثقافية العربية من إقصاء وروح تصفوية دينية متطرفة، والتطرف ما يصبغ حياتنا ويجعل من العرب سلالة عنيفة ميؤوسا منها، لكن لا بد أن نرى الوجه الآخر المقاوم لهذه التيارات المتطرّفة الدينية التي تمارس رقصة الديك المذبوح، حيث يتجلّى الإسلام السياسي في هذه الصورة في النفس الأخير وفي مشهده الدامي الراهن.
أولا: لا بد من أن يكون للقوى الناعمة الدور الأساس في مواجهة العنف بكل صيغه ومرتكزاته ومبرراته، واعتبار أن مواجهة العنف بالعنف تكريس للعنف وسماد له وتخصيب للأرض التي يستنبت فيها.
ثانيا: القوى الناعمة بطبيعتها تعيشُ مع الناس وتنهضُ فيهم وبهم، ولهذا عملها حيث الناس في المدن والقرى، والنجوم البارزون في هذه القوى لا بد أن يدفعوا ضريبة مجتمعية مستقطعة من وقتهم وجهدهم للمشاركة في استنهاض روح رفض العنف ومقاومته.
ثالثا: العمل من أجل خلق تجمّعات وتكوين جماعات من القوى الناعمة غرضها التخفيف من وطأة الحياة العنيف على الشباب، الشباب الذين لا بد من توعيتهم بأن العمل التطوعي هو عمل لتطوير المجتمع، وبالتالي الانخراط في المؤسسات الثقافية التطوعية هو من أجل تنمية المجتمع وتطويره مما يعني العودة بالنفع على الشباب أولا.
رابعا: الخروج من العزلة التي تعيشها النخب العربية والانخراط في عمل مؤسساتي عربي مشترك بعيدا عن المؤسسات الرسمية والتقليدية، وذلك يعني أن الشخصيات العربية والفكرية مطالبة بمبادرات تجاه الشباب، وخلق جماعات منها لتأسيس نواد، وإقامة ملتقيات معهم حيثما كانوا في النوادي وما شابه. لقد شاهدت في كوريا الجنوبية أهم كاتبة معروفة كنجيب محفوظ، تقيم لقاء مع الشباب في حديقة عامة، يتناقشون معها في إبداعها وما يبدعون، وهناك بعض الشخصيات العامة من مثقفي إيطاليا لديهم مدونة إلكترونية، هي عبارة عن ورشة لمناقشة قضايا الشباب يقدّم عبرها هؤلاء الشخصيات خبراتهم في الخصوص.
خامسا: تشكيل وفود من القوى الناعمة العربية والقيام بزيارات لتجمعات النازحين والمهاجرين العرب، وحتى من شخصية واحدة من نجوم هذه القوى أو شخصيتين، وزيارة المدن المنكوبة مثل مدينتي بنغازي، والالتقاء بما يتيسر من سكانها، وهذا يشكل دعما وخبرة ويجعل لهذه القوى دورا في مواجهة العنف وإيقاف استشرائه.
سادسا: أن تتكاتف هذه القوى وتتخذ من مقار مؤسسات الجامعة العربية في فرعها الرئيس أو فروعها الأخرى، ونقيم معرضا لمدينة أو بلدة منكوبة، وأن نعرّف بما تواجهه من عنف وما تقوم به من إبداعات لمقاومة العنف وثقافة العنف والعمل من أجل السلام.
سابعا: فتح صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تشرف عليها شخصيات ثقافية بارزة مهمتها فتح ورش فكرية وحتى إجرائية لمناقشة القضايا الراهنة مع الشباب، واقتراح الحلول والتعاون حولها مع مراكز بحثية مختصة، ومشاركة رجال العلم والمال في مثل هذه الورش لأجل استنهاض الهمم في التفكير والعمل، وجعل مهام إضافية ومستحدثة لهذه الوسائط.
ثامنا: التكامل الثقافي العربي يجسده المثقفون والمبدعون وكل القوى الناعمة، من خلال مبادرات بأقل الإمكانيات الممكنة، ومن خلال توظيف الزخم المتوفر من أجل السلم الاجتماعي وتوفر الأمن، وبالتالي توطيد الوشائج المتوفرة في هذه الثقافة التي تدعو للسلم وللدولة المدنية وحقوق الإنسان، وإعادة الاعتبار للجامعة العربية المؤسسة العربية الوحيدة التي نجحت في البقاء ومن خير ما أنتج العرب، والتي تجمع العرب ولو في الحد الأدنى، بعدما تصرّمت منظمات كثر مماثلة وحتى الدول والأنظمة وبعض المجتمعات العربية.