عبدالرحمن الكواكبي والطفلة السودانية حجاب النورتجربة في البحث عن الحرية
قرأتم مؤلف عباس محمود العقاد عن عبدالرحمن الكواكبي الذي جاء لقبه على غلاف الكتاب بعبارة «الرحالة كاف» وهو الاسم السري الذي أطلقه الكواكبي على نفسه في مؤلفه «طبائع الاستبداد» كما اختار لقبه الذي اختاره لنفسه في سائر منشوراته ولكتابه «أمّ القرى» وهو «السيد الفراتي» وقد يتوهم القارئ من كلمة «الرحالة» أن المؤلف سيتحدث فيه عن رحلاته فيصف مواقعها وذكرياته فيها، وبذلك يمسي الكتاب مرجعاً لأدب الرحلات عند العرب، من الناحية الجغرافية. في حين اختصَّ فيه الكتاب بشخص الكواكبي وأخباره ورسالته وفلسفته في الاستبداد وآرائِه الإصلاحية في السياسة والدين.
فدفعاً لاستغراب القارئ خُلُو كتاب العقاد من وصف رحلات الكواكبي وأسبابِها، سأوافيكم -أنا حفيده- بأسباب هذه الرحلات والنتائج التي أثمرتها، ممّا يميزها عن سائر رحلات العرب والمسلمين التي كان الغرض منها وصف الأماكن التي قصدها الرحالة، من الناحية الجغرافية وقليلاً من النواحي الإتنية والميتولوجية.
أقول: ضج الكواكبي من الاستبداد وقد لاقى الأمرَّين وهو في حلب، وأخفق في ثورته القلمية في مناهضة الاستبداد وفي إصلاح ممارسات المسلمين وتقويم اعوجاجهم، ذلك لأن سيف الاستبداد كان مشهراً فوق رأسه بيد مستبد ظالم إلى جانب مُدّاح البلاط الذين لبسوا لباس علماء الدين بالباطل، واتخذوا لأنفسهم لقب «رجال الدين» فلم يرَ سبيلاً للتحرر إلا في السبل التي تبتعد به عن وطنه حلب خاصة، وبلاد الشام عامة، وقرر هجرة الوطن والانطلاق في العالم لينشر دعوته الإصلاحية وأفكاره الاجتماعية.. فلنستمع إلى ما جرى معه:
طرق بابه رجال من حي باب النيرب بحلب فخرج إليهم فأخبروه بأن حراً يعذب خادمته الزنجية أشد العذاب مما لا يحتمله الرجل العاقل، ورجوه أن يردعه عن غيّه. فوافقهم وبعث بزوجته إلى زوجة الرجل لتنصحها وزوجها في أمر الجارية. ولكن الرجل عاد إلى غيّه تعذيباً للطفلة، فأعاد القوم الشكوى إلى «السيد» فذهب بنفسه إليه وأنّبه فاحتجَّ هذا بأنه تكلف لشرائها في موسم الحج مئة ليرة عثمانية ذهباً وهي لا تنفع في الخدمة.
فسأله أن يتخلى عنها على أن يسدّد له ما تكلف في شأنها، فرضي الرجل، فأوفد الكواكبي يستدعي بكره كاظم الذي جاءه بمئة ليرة نقدها الرجل وأخرج الطفلة من بيته قائلاً لها اذهبي فأنت حرة، فأعلمته أنها لا تعرف أحداً في المدينة وأنها قد خطفت من قريتها «سنار» وبيعت لهذا الحاج في مدينة «جدة» فجاء بها إلى حلب، سألها عما إذا كانت ترغب في أن تلجأ إلى بيته ريثما تتهيأ له إعادتها إلى أهلها فهو سيرحل إلى مصر ومنها يوصلها إلى السودان. فسألها عما إذا كانت تريد ذلك فوافقت الطفلة وهي لا تكاد تصدق عرضه.
وجاء بها إلى زوجته وأولاده قائلاً لهم -كما حكت لي عمتي عفيفة- هذه أخت جديدة لكم ترعاكم وترعونها. وسترافقكم إلى مصر يوم أستدعيكم للّحاق بي لأوصلها إلى أهلها بالسودان.
وغادر الكواكبي أهله ومدينته في رحلة امتدت من الإسكندرونة إلى إسطنبول إلى بيروت فدمشق فيافا فالقدس فالإسكندرية فالقاهرة فالحديدة فصنعاء فعمان فجيبوتي فالصومال فبومباي، ثم انعطف إلى الجزيرة العربية وتوغل في الربع الخالي على ظهور الجمال إلى الخليج العربي فالكويت والبصرة، ثم انعطف إلى مكة فمصر. ولما نفِد ماله عاد سرّاً إلى حلب لمدة شهر رهن خلاله بيته الجديد لدى رجل من آل هنانو بخمسمئة ليرة عثمانية ذهباً ورجع إلى مصر مخبراً زوجته بأنه سيرسل لها برقية مشفّرة إلى الحاج عبدالحليم جودة ليوافوه إلى مصر مع الفتاة الزنجية، وكان والدي فاضل في الثانية من عمره. ورحل…
ووردت البرقية بنعيه، ولم تلتحق به أسرته التي كانت قد تهيأت للحاق به ولا الفتاة الزنجية التي أدركت سن البلوغ -على ما أعلمتني- قبل أشهر. وكان ذلك في 13 حَزِيران (يونيو) 1902.
ماذا فعل الكواكبي في رحلته؟
نشر كتاب «أم القرى» الذي حوى ضبط جلسات مؤتمر مكة «أم القرى» العالمي الإسلامي الذي يحرره بيده. كما كان ينشر مقالات بتوقيع «السيد الفراتي» في الصحف المصرية ضد الاستبداد فتثير اهتمام الناشئة والخديوي بالذات الذي جهد حتى اكتشفه وأرسل بطلبه وأعلن حمايته له. ولما تابع رحلاته إلى البلاد العربية راح يحرّض الشعوب العربية والقبائل على الخروج عن طاعة العثمانيين واستبدادهم واستعدادهم للثورة العربية لإعادة الخلافة إلى العرب، وقد اجتمع بإمام اليمن يحيى رحمه الله الذي استضافه وابنه الكاظم كما أعلمني عمي هذا. كما اجتمع بأمراء الجزيرة وشيوخ القبائل ويمتحن استعدادهم لنصرة فكرته التحررية.
وليس عجيبا أن يصل خبره إلى صاحب الثورة الاشتراكية «لينين». فلقد أرسل له هذا رسالة صودرت مع أوراقه بعد اغتياله ونقلت إلى الأستانة. ولقد حدثني عنها المرحوم الزعيم «إحسان الجابري» أخو «سعدالله الجابري» الزعيم السوري، على أنه قرأها في أرشيف المابين السلطاني في إسطنبول حينما كان موظفاً هناك في حداثته وأمرني بأن أفتش عنها وأعاد عليّ الطلب عدة مرات، ولكنني لم أتمكن من الوصول إليها لأن الأتراك لا يسلمون أيّ وثيقة تتعلق بتاريخهم في البلاد العربية.
أما من الناحية العلمية، فإنه قد اهتم في رحلته في الجزيرة والربع الخالي بجيولوجيا الجزيرة واستجلب منها نماذج من أرضها ومعادنها وزيتِ قارِها الذي لم يكن يظهر إلا في أماكن مجهولة بشكل (القطران) ليجري تحليل ما جمعه في مصر. ولعله أول رجل اهتم بزيت القار الذي وجده ولم يكن أحد يتنبأ بأنه دليل امتلاء الجزيرة بالنفط.
في رحلة الكواكبي الكبرى إلى جنوبي آسيا وبلاد الهند وآسيا الوسطى توغل شمالاً حتى بلاد «الروسيا» (وقد وردت بلفظ «السوريا» بخطأ مطبعي في نشرة مصرية بعد وفاته) وأعتقد أنها في أوزبكستان حيث اطلع على العدد الأول لجريدة «إيسكرا» الذي طبعه لينين في أوزبكستان، واسمها يعني «الشرارة» وقد ذيله بعبارة «من هذه الشرارة سينطلق اللهيب». وأعجب الكواكبي بهذه العبارة إعجاباً جعله يستعير عبارة أخرى تعادلها بالمقصد حينما جمع مقالات كتابه «طبائع الاستبداد»، فلقد جعل عنوانه كما يلي:
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
وهي كلمات حق وصيحة في واد
إن ذهب اليوم مع الريح فلقد نذهب غداً بالأوتاد
توقفت كثيرا عند وصفها نفسها بأنها "عبدة" حتى وجدتني مضطرا إلى سؤال والدي فاستغرب رحمه الله وراح يعاتبها على مقولتها هذه مع أنها حرة وقد أعتقها أبوه من نير ذلك الحاج الظالم وأمست كأم له ولإخوته وربتهم حتى كبروا
إنذار بثورة يكتب سطورها، كما تنذر الشرارة بلهيب قادم
وعاد من رحلته الكبرى هذه بعد أن كشف أحوال الشعوب الآسيوية المسلمة وحقق في مواقفها من الحكم العثماني، وامتازت رحلته هذه عن نتائج رحلات الرحالة العرب ممّن سواه بنتائجها السياسية والدينية التي شرحها في كتبه: «طبائع الاستبداد» و»أم القرى» و»صحائف قريش» و»العظمة لله» و»أحسن ما كان في أسباب العمران» و»أنساب العرب» (الذي بقي لدى المرحوم رشيد رضا) و»مبحث في الرق في الإسلام» الذي صودر مع ما صودر من كتبه وأوراقه بعد اغتياله. ولا ننسى أن الخديوي -حينما قلب له ظهر المجن- قد أمر بعدم نشر مقالاته في الصحف المصرية فصار ينشرها باسم مستعار كما أنه نشر جريدة جديدة اسمها «العرب» في «عدن» وانتشرت في مصر وكتب فيها أن عنوانها هو «صندوق البوستة 517» إمعاناً في السرية. وقد حملت من المقالات الثورية ما لم تحمله جرائده الحلبية.
أما النتائج العلمية التي سعى إليها بما حمله من مواد أرض الجزيرة فلم يتسنَّ له نشر شيء عنها بسبب منيته. وأما النتيجة التي كان وعد بها الطفلة السودانية (التي كانت حملت منذ خطفها اسم «سعيدة» فعرفت به في حلب) على أنه سيعيدها إلى بلدها «سنار» فقد ذهبت في سمّ فنجان القهوة الذي جرّعوه إياه!
فما هي قصة تلك الفتاة السودانية؟
في عرض زيارته للصومال وجيبوتي كشف عن أعمال القرصنة والاتجار بالعبيد الزنج الذين يحضرهم أعداؤهم من أفريقيا السوداء إلى البحر الأحمر حيث يهيئ التجار الإنكليز وسائل النقل إلى جدّة ويودعونهم لدى مقاولين عرب لبيعهم في موسم الحج.
وقد أشار الكواكبي إلى ذلك في كتابه «الرق في الإسلام» (كما أشار الكاتب «نديم الكواكبي») والمؤكد أن تحقيقه في أحوال الرق حينما زار الصومال وجيبوتي وما كتب، مشيراً بإصبع الاتهام إلى الإنكليز كان الملهم له فيه الطفلة التي تنتظر أخباره بشأنها في حلب.
ولست أدري ما إذا كانت تلك الفتاة قد أفصحت عن اسمها الأصلي لجدي عبدالرحمن، إلا أنني لا أعتقد بذلك وإلا لكان قد أعلن اسمها لأهله فلا يدعونها باسم «سعيدة»! ولقد كتبت قصة دادتي التي ربتني والتي كنت وأهلي نعتقد أن اسمها «سعيدة»، كما حدثتني هي بها بلسانها، فلكم أن تستمعوا إلى هذه القصة.
مأساة حجاب النور
كنت طفلاً لم أدرك مأساة «حجاب النور»…
كانت لنا مربية سودانية هي «الدادا سعيدة». فتحنا عيوننا على الدنيا أنا وإخوتي، فوجدناها مع أهلنا واحدة منهم، ولمّا وعينا فارق اللون فيما بينها وبين سائر الأهل أقنعتنا بأنها كانت تشرب القهوة كثيراً وهي صغيرة رغم نصيحة الأطباء لها بالابتعاد عن الإكثار منها، فاسودَّ لون جلدها. وبهذه الطريقة تمكنت -هي وأهلنا- من إقناعنا بالتفسير المناسب لعمرنا والقضاء على استغرابنا.
ولكنها فوجئت بي ذات مرة وأنا ألعق حثالة جميع فناجين القهوة التي شربها ضيوف عمتي، فلما أخرجتني من المطبخ غاضبة قلت لها: إنني أريد أن أصير مثلك.
وكبرت حتى صرت صبياً في السنين الأولى من المدرسة الابتدائية، فكان لا بدَّ لمثلي من أن يدفعه الفضول إلى معاودة نفس السؤال، بل وإلى إضافة أسئلة أخرى أساسية عليه تتعلق بأهل مربيتنا ومكانهم ولونهم، ذلك بعد أن أدركت أنها ليست أختاً لأحد من أهلي وأن أهلها آخرون لا يقيمون معنا تركتهم ربما لأنها غضبت عليهم لسبب ما.
ولما تقدمت بي السن وأشرفت على البلوغ عاودت السؤال والتحقيق فأعلمتني مربيتي بأنها هي التي أوكل إليها جدي عبدالرحمن أمر تربية والدي «فاضل» وعمّتي «نظيرة» الطفلين الصغيرين. وقد أكد لي والدي رحمه الله قولها.
ولم أكتفِ بهذا الجواب، وإنما تابعت التحقيق فاستجوبتها عن سؤال يتعلق بأهلها ومكانهم، قبل أن تأتي إلى جدّي، فأعلمتني بأنها جاءت من «جدّة» بالحجاز مع إحدى قوافل الحجاج الراجعة إلى حلب حيث رافقت رجلاً جاء بها إلى بيته فعاشت مع أسرته عدة أشهر لاقت فيها عذاباً مبرحاً من الضرب والتعذيب الجسدي والجوع، فكانت أصوات استغاثتها تصل إلى مسامع الجيران.
فشكا أهل الحي أمرها إلى جدي عبدالرحمن فبعث بزوجته لتتحدث مع زوجة الرجل الذي استخدمها، ولكنه عاود فعله المحرّم فعاود أهل الحي الشكوى فذهب إليه جدي وأمره بإعادتها إلى أهلها، فاحتج بما أنفقه عليها وبلغ المبلغ مئة ليرة عثمانية ذهباً ما لا يمكنه من عتقها. فما كان من جدي إلا أن طلب بكره الكاظم يأتيه بمئة ليرة دفعها لصاحب الجارية وأمره بمنحها حريتها، وكان ذلك وأعلمها جدي بأنها أمست حرة.
فطلبت منه أن يؤويها لعدم وجود أهل لها في حلب ولعدم إمكانها معرفة أين أهلها، فرضي بها أن تشارك أسرته العيش معهم ريثما يعثر على أهلها في رحلة مقبلة له، وأوكل لها أمر رعاية الطفلين والدي وعمتي إلى جانب أمهما وشقيقاتهما. ولم يوضح لها وجهة سفره إلا حينما غادر حلب في رحلته الأخيرة إلى مصر التي توفّي فيها بعد سنتين، ثم لحقت به زوجته إلى الدار الآخرة خلال سنة بينما كانت تتحضر للحاق به إلى القاهرة منتظرة برقية منه، تلك التي جاءت تحمل نعيه.
و لم تزد «الدادا سعيدة» على شرحها هذا زيادة أكثر فائدة. حتى إنها كانت تنفي نفياً مطلقاً معرفتها بشيء عن بلادها وعن أهلها الزنوج الذين رحت أحدثها عنهم مما شاهدته في السينما في فيلم «طرزان» وفيلم «التاجر هورن»، وتنكر معرفة الأسد والتمساح وسيد قشطة رغم أنها شاهدت صورهم في السينما بعد أن أقنعتها والدتي باصطحابها معها. كل ذلك جعلني أطمئن إلى أنها لا تعرف أفريقيا السوداء بخلاف ما كان يشرح لي والدي.
كنت طوال طفولتي أعشق -أنا وإخوتي وأولاد عمي وأولاد عمتي نظيرة- الجلوس إلى جانب «الدادا سعيدة» لنستمع إلى حكاياتها بلهفة شديدة تلك الحكايات التي كانت قد تعلمتها من جدتي ومن نساء حلب. ولا أنسى إحدى حكاياتها عن الفتاة التي بقيت وحدها في البيت فجاءها عبد أسود مقتحماً الدار لأنها نسيت بابها مفتوحاً ولم تقفله كما أوصتها أمها، فأراد أن يأكلها، ولكنها كانت ذكية جداً، فعرضت عليه أن تقدم له الشراب والحلو وتغني له وترقص ثم له أن يأكلها بعد ذلك. فسُرَّ لعرضها وأمرها بالغناء والرقص فراحت تضرب على الدف وتغني بصوت عالٍ جداً وتقول:
يا جارنا الهندي
تعا شوف شو عندي
عندي عبد أسود
رايح ياكلني.
فوصل صوت غنائها إلى جارتها ففهمت معناه. ولكن العبد الأسود لم يدرك المراد منه، وهبت الجارة تخبر زوجها فجاء إليها وخلّصها وقتل العبد.
في ذلك اليوم كان عمري خمس سنوات، وكثيراً ما كررت علينا الحكاية. حتى خطر لي أن أسألها:
- هل أنت عبدة أيضاً؟ فأنت كذلك سوداء؟
- نعم، أنا أيضاً عبدة. ألا تشاهد كيف أن لوني أسود؟
- هل أكلت أحداً؟
- كلا، فأنا عبدة مسلمة.
حجاب النور وابنة عبدالرحمن الكواكبي
وقصصت حكاية الدادا على ابن جيراننا (هو الآن الأستاذ خلدون الكيخيا) فأيقن أنها من أكلة البشر. فسألها مرة عمّا إذا كانت ستأكله فقالت له: إذا لم ترتكب ذنبا. ولكنه أذنب ذات مرة فسألته هل يريد أن يرى ذيلها، فأعلن التوبة.
ولا أنسى كيف كنا نتدافع ونتشاحن ونتسابق على حجز المكان الملاصق لها حينما نتمدد فوق فراشها الواسع في غرفتها أو على مصطبة النصيف الصيفي. كما لا أنسى يوم أقسمت لي بأن حليب ثدييها ليس أسود، وأنا لا أصدقها، وهي عاجزة عن إتيان البرهان!
توقفت كثيراً عند وصفها نفسها بأنها «عبدة»، حتى وجدتني مضطراً إلى سؤال والدي فاستغرب رحمه الله وراح يعاتبها على مقولتها هذه مع أنها حرة وقد أعتقها أبوه من نير ذلك الحاج الظالم وأمست كأمّ له ولإخوته وربتهم حتى كبروا. وكانت إجابتها له بأن الناس هنا يقولون ذلك لأنها سوداء وهم يطلقون لفظ «عبد» على كل لون أسود شأنهم في ذلك شأن الأتراك، أليسوا يسمون البلبل الأسود «عرب بلبلي» ويسمون الفول السوداني «فستق عبيد»، وينادون كل حيوان أسود باسم «عرب عرب عرب»؟
لا تقل لي إن لذلك أسباباً عميقة. فأنا أدرك هذه الأسباب المؤسفة الآن. ويجب أن أكون صريحاً جداً مع التاريخ وملتزماً الأمانة التاريخية. فأبيّن أن العبودية والاسترقاق كانا خصلة سيئة تجري في دم أجدادنا نحن العرب رغم موقف الدين الإسلامي من الرقيق، وكذلك في سائر الشعوب، فالناس في الأيام الأولى لم تكن لديهم الأفكار السامية عن الحرية الشخصية وقداستها. والشعوب بأسرها كانت -منذ الخليقة- يستعبد بعضها البعض الآخر إذا هو تغلب عليه.. واستعباد الأبيض للأبيض كان سابقاً على استعباد الزنوج، وبقيت الحال كذلك حتى عمَّ الاستعمار بلاد الزنج وافتقر الزنوج فصاروا -بتحريض ومساعدة من الأجانب، ومنهم بعض القبائل الزنجية- يسرقون أفراد القبيلة المعادية ويبيعونهم للتجار من مختلف الأعراق.
فانحصر الاسترقاق في أفريقيا باللون الأسود. ولم يفد ظهور الديانات السماوية، فلا الدين المسيحي ولا الدين الإسلامي تمكّنا من منع الاسترقاق رغم إعلانهما أن الإنسان أخو الإنسان، وأن الأبيض والأسود أمام الله في ميزان واحد وأن أكرمهما عند الله هو الأتقى. فالديانات لم تنصّ على تحريم الرق واستعباد الإنسان للإنسان والدين الإسلامي، آخر الديانات، أخذ بالمصلحة المرسلة فعالج أمر العبيد الذين كانوا موجودين بيد أسيادهم بعلاج العتق إذ ربط به كل تكفير عن ذنب أو رغبة في ثواب.
وكان يجب على المسلمين أن يدركوا الحكمة من ذلك وأن شرع الله في ذلك لم يكن نافلاً وإنما المقصود منه تحرير العبيد كافة فلا يعودون إلى استرقاق إنسان آخر ولو كان أسود.
أما سنّة التطور الإنساني فليس لها حدود. ولئن كانت دنيا الحشرات تسمح لجماعات النمل بأن يسترق بعضها بعضاً بشن حروب جماعية وسرقة بيوض الجماعات الأخرى لتفقيسها وتغذيتها بما يجعل منها عاملات مستعبدة للأعمال القاسية، فإن الإنسانية لم تسمَّ إنسانية إلا لتمييزنا عن عالم الحيوان. ولهذا صرنا إلى قوانين عالمية تمنع تجارة الرقيق نصاً أو قياساً واستنتاجاً. والدساتير الوضعية هي الكافلة للحرية الشخصية.
ولكنها -حتى الآن- خالية من أيّ نص يحظر على الإنسان أن يتخلّى عن حريته بملء إرادته ويرضى ببيع نفسه من الغير. وما المانع في هذا الشأن إلاّ العرف والعادة وهما المتحكمان في سير الإنسانية جمعاء رغم قيام التفاوت في المدنية. فنحن الآن لا نجد حادثاً واحداً في المجتمعات المتمدنة مفاده تأجير طفل من إنسان آخر ليكون تحت إمرته ونهيه طيلة حياته لسنين قد تصل إلى الخمس عشرة سنة أو بيعاً نهائياً إلاّ في بلادنا وفي الهند. وما هذا إلا من رواسب العبودية في بلاد هي مهد الأديان، رغماً عن وجود النصوص القانونية التي تمنع هذا التصرف.
أما رواسب العبودية التي مارسها الأميركان فلقد تطوّرت من استعباد الزنوج إلى استعمار أكثر الشعوب، اقتصادياً، وعسكريا أحياناً والاستعمار هو ابن الرق.
أما في البلاد العربية، فيجب أن نعترف أنّ منّا الذين كانوا يشكلون عصابات الاتجار بالرقيق من المخطوفين أطفالاً وكباراً، سواء في غرب أفريقيا (كما شاهدنا في فيلم كونتا كينتي الواقعي) وبيعهم المخطوفين للإنكليز، أو في شرقيها وبيعهم من تجار الرقيق الهنود والأتراك والعرب، على ساحل الجزيرة العربية، وفي جدّة بالأخص.
ذلك بسبب كون الزنوج هم آخر أضعف الشعوب ولأنّ اختطافهم سهل بسبب المعيشة السيئة والمجاعات المتوالية والمستمرة وانعدام وسائل الحماية. وهذا هو السبب في سيطرة تعبير لفظ «عبد» على كل أسود ولو كان «فولاً». حتى في إعلانات الدولة الرسمية يسمون الفول السوداني «فستق العبيد» مع كل أسف ومرارة تحزّ في القلب ولا نجد سبيلاً للقضاء عليها في الجرائد والراديو والتلفزيون، مما يشكل معرّة في جبين المسؤولين عن وسائل الإعلام. ولكم تشاحنت مع بائعين لهذا «الفستق» – كما يسمونه- محتجاً على هذه التسمية التي لا تنمّ إلا عن انحطاط في التربية الاجتماعية وانعدام الإنسانية والتعالي العرقي المتعجرف السخيف الكاذب المضحك والعفوي في آن واحد، فكنت لا أقابل إلا بالسخرية من احتجاجي.
ولا بدَّ لي هنا من أن أذكر بأن إطلاق لفظ «العبيد» على الزنوج كاسم علم لم يكن معروفاً قبل العصر العثماني، فلقد كانوا يسمون «الزنج» وثورتهم في الخليج سميت ثورة الزنج رغم كونهم من المسترقين أصلاً. أما لفظ «عبد» في العصور الإسلامية فكان يطلق على أيّ عبد أسير أياً كان لونه. فإن كان أسود اللون قالوا عنه «زنجي» وإن كان أشقر السمات قالوا «كرجي» وإن كان أصفر اللون قالوا عنه «هندي»، إلى غير ذلك من ألفاظ التمييز المكاني لا اللوني. على أن العبيد، بالفعل، كانوا، بغالبيتهم المطلقة، من البيض الأسرى.
أرجو المعذرة لهذا الاستطراد في الحديث. ولكنها نفثة مصدور واستطراد لم يجرّني إليه إلا واقع من حديثي مع مربيتي الحبيبة «الدادا سعيدة» رحمها الله، ذلك الواقع الذي أثبت لي وسيثبت لك ما أسلفت من تعليق واستطراد.
على أنني -حينما أدركت سنّ الشباب- عدت مرة إلى بيتي في إحدى أمسيات الصيف، وكان خالياً إلا من «الدادا سعيدة» التي كانت متربعة فوق سجادتها الممدودة على المصطبة المطلة على سائر مدينة حلب والأفق البعيد (إذ كانت أرض دار جدي في أرفع مستوى من أراضي حلب بحي الفرافرة تحت القلعة) فإذا هي تبكي وتمسح دموع عينيها. فدهشت كثيراً وأدركني الخوف والفزع من مكروه حاصل، فسألتها الخبر فأنغضت إليّ برأسها، فأصررت عليها، فقالت:
- ما بالك تبكين إذن؟ - لا أدري... الآن، بعد طول السنين، تذكرت طفولتي وأنا أراقب هذه الغيوم التي تشبه غيوم "سنارة" التي كنت أراقبها في كل مساء. وتذكرت خطفي في الغابة من قبل أعداء قبيلتنا وبيعي للعربان في "جدة" فاحترق قلبي يا ابني!
- تذكّرت أباك الذي ربيته، وتذكّرت جدك الذي استشهد في مصر ولم نتمكن من اللحاق به ليعيدني إلى أهلي، وجدتك وعمك وعمتك…
- أو لم تتذكري أباك وأمك؟
- أكاد لا أعرفهما.
أقسمت عليها أن تحدثني بالحقيقة، فإذا بها، بعد إطراق وتنهد، تفتح في صدرها بئراً عميقة غاصت وغصت معها فيها إلى القرار، فاسمع ما قالت لي:
- أنا -يا حبيبي- من بلاد السودان، وبلدي اسمها «سنّارة». والدي كان شيخاً في مسجد البلد، يعلّم الأطفال قراءة القرآن واسمي «حجاب النور». كنا نخرج لجمع الخضار والفواكه من غابة قريبة بسبب فقرنا لنعود بها ونأكلها في البيت مع إخوتي الصغار وتبيع أمي منها. و في إحدى الجولات، وبينما كنا في طريق الغابة، عند مطلع الشمس، انتأيت مكاناً قصياً لقضاء حاجة خلف شجرة، مبتعدة عن ركب أهلي، فإذا بكف قوية من خلفي تطبق على فمي، وبأيد كثيرة تطوقني، فأُحمل بعيداً، وهناك يُكمُّ فمي بشريط وتُعصّب عيناي وأحمل على دابة أمام رجل يمتطيها.
إلى أن ترجّلنا على مسافة بعيدة. ولما فكّوا العصابة عن عيني وجدت نفسي ضمن مجموعة من الأطفال ذكوراً وإناثاً، عرفت واحداً منهم فقط من أهل بلدتنا أصغر مني. وأقعيت مثلهم على الأرض موثوقة اليدين مكمومة الفم. ثم وزّعونا على أماكن أخرى. وفي اليوم التالي أعادوا عصب عينيّ، وشعرت بأنهم أركبونا في قارب، ولم أبصر إلا حينما أزالوا العصابة عن عينيّ فإذا نحن على شاطئ بحر لا أعرفه في حياتي سرنا فيه حتى بلدة قالوا إن اسمها «جدّة»، فأفردوا البنات عن الصبيان، كل نوع في حظيرة.
وبعد أيام قضيتها في البكاء والعويل والضرب المبرّح، عرضوني على أحد الحجاج الحلبيين فاشتراني وجاء بي إلى حلب. وقد أطلق عليّ هذا الحاج الحلبي اسم «سعيدة» ونبهني إلى أنه اسمي الجديد بدلاً من «حجاب النور» اسمي الحقيقي. وقضيت في خدمة هذا الحاج سنتين تقريباً ذقت خلالهما الأمرّين من العذاب، وكانت أصوات استغاثتي تصل إلى الجيران. فراح هؤلاء يشتكون للأفندي، أعني جدك «عبدالرحمن» الله يرحم عظامه، فأرسل جدتك فجاءت تحدث زوجة الحاج وتنصحها بوجوب الكف عن تعذيبي.
ولكن ذلك لم ينفع في ردعهم عن تعذيبي، فكرر الجيران شكواهم. فاستدعى جدك التاجر الحاج الحلبي وأمره بإعتاقي فرفض متذرعاً بما أنفقه لشرائي، وقد سمعت منه ذلك الحديث لأول مرة، فأمره جدك بأن يقبض منه قيمة شرائي ويعتقني، وكان جدك مسموع الكلمة ويفك المشنوق من حبل المشنقة في حلب، ولما قبض الحاج المبلغ في اليوم التالي أعتقني، فقال لي جدك اذهبي حيث تشائين فأنت اليوم حرّة. فقلت له: لا أعرف أحداً، فأين أذهب؟ فعرض عليّ أن يضيفني إلى أولاده وأن يسعى في إعادتي إلى بلدي وأهلي.
ودخلت بيت جدك، وفهمت جدتك ما جرى لي، فألبستني أجمل الثياب وخصصت لي غرفة هي التي أشغلها الآن. فكنت أختاً لعماتك وبنتاً لجدتك. وعهدوا إليّ بتربية والدك «فاضل» وعمره سنتان، وعمتك الرضيعة «نظيرة».
وما هي إلا أيام حتى غادر جدك حلب، بعد العيد الكبير، إلى غير رجعة بعد أن كان قد وعدني باللحاق به مع زوجته وأولاده إلى البلد الذي لم أعرفه إلا بعد أن جاء نعيه بينما كانت جدتك تحزم متاع السفر للحاق به حين ورود برقية سريّة منه، فإذا البرقية جاءت نعياً لا دعوة، وهي من مصر.
أما جدتك فقد برّح بها الحزن فلحقت بزوجها إلى ربها خلال سنة واحدة أدركتُ خلالها سنّ البلوغ. وبقيت مع الطفلين والنساء الصبايا حتى عودة أعمامك من حرب «السفربرلك». وهكذا مرت الأيام، وأنا لم أحدث أحداً من أهلك بأيّ كلمة من هذا الحديث ذلك لأنني كنت أخشى أن يتخلّوا عنّي فأعود إلى بيت ذلك التاجر بعد أن أصبحت من أفراد الأسرة، ذقت معهم السراء والضراء: ثروة أعقبها فقر ثم حياة الكفاف، فأنتم جميعاً أسرتي. وليس بإمكاني أن أعود إلى بلدي وأسرتي فأنا أجهل أسماءهم فضلاً عن أنني لم أعد أرضى عنكم بديلا.
– ما بالك تبكين إذن؟
– لا أدري..، الآن، بعد طول السنين، تذكرت طفولتي وأنا أراقب هذه الغيوم التي تشبه غيوم «سنّارة» التي كنت أراقبها في كل مساء. وتذكرت خطفي في الغابة من قبل أعداء قبيلتنا وبيعي للعربان في «جدّة»، فاحترق قلبي يا ابني!
بكيت كما بكيت وأنا أكتب هذه السطور.
بحثت أمرها مع عمي ومع عماتي ففوضوا إليّ أمر البحث والتحري عن أهلها وبلدتها «سنّارة» بالسودان فلعل هناك شعاعاً من ضوء يهدينا إلى ما فيه خيرها.
وفي خلال مسعاي مرضت «الدادا حجاب النور» واشتدَّ بها المرض.
وفي أحد الأيام، كنت قاعداً إلى جانبها أواسيها، طلبت منّي أن أنقلها إلى دار إيواء الزنجيات اللواتي لا أهل لهنّ وهي دار تعرف بـ «خانقاه الملكة ضيفة خاتون» التي وقفتها لإيواء كل زنجية لا أهل لها في حلب في حي الفرافرة بقرب دارنا، فسألتها عن السبب فقالت:
- أخشى أن يقعد بي المرض عن خدمة نفسي وأنا لا أريد أن أحمل على الأيدي، فأنا أعرف عذاب رعاية المريض المقعد في آخر حياته، فلقد مات أربعة من أهلك تباعاً بين يدي. كما أطلب منك شيئا آخر.
- لا والله يا دادا، ستبقين طيلة حياتك بينا. ولكن، ما هو الشيء الآخر؟
- هو أن تعتقني أنت وإخوتك وأولاد عمك وأولاد عمتك نظيرة وعماتك وأعمامك وأن تستنطقهم لفظ العتق الصريح.
– أعوذ بالله يا دادا، إنك تهذين. كيف نعتقك؟ ومن تكوني حتى نعتقك؟
– أنا عبدة، ألا ترى لوني؟
ومدت ذراعها مكشوفة لتريني لون بشرتها السوداء، غير مكتفية بلون وجهها، إمعاناً في التأكيد.
– ولماذا لا نكون نحن البيض عبيداً لك؟
– كلا يا بني فلقد كرّمكم الله سبحانه وتعالى بلونكم الأبيض فلا يجوز أن نجحد نعمته.
لوحة: حسين جمعان
– من قال ذلك لك يا دادا؟ ليس هو الله الذي فعل ذلك التفريق في اللون ليميز البيض عن السود إنما هي شمس بلاد السودان غيّرت لونكم من البياض إلى السمار. صدقيني واسألي عمي وسائر الناس.
– لا يا بني. لقد سمعت مرة من درس الشيخ في الجامع الكبير أن الإنسان إذا أراد أن يعتق عبده فيجب أن يتلفظ بلفظ العتق جهاراً، وإنني لم أسمع ذلك اللفظ حتى الآن من أحد من أهلك أو منك.
وقطعت عنّي الكلام والمناقشة في حقيقة كونها عبدة، فقلت لها:
– ألم يخلّصك جدي من ذلك التاجر ويقول لك أنت حرة تذهبين حيث تشائين؟
– نعم ولكنه لم يلفظ لفظة العتق لا هو ولا ذلك التاجر بلفظ صريح كما يقول الشيخ. أريد أن أسمع تلك الكلمة.
– كيف تريدين سماعها؟ إن أحداً منا لا يعترف بأنك عبدة فأنت أخت وأمّ وأنت حرّة من اللحظة التي خلقت فيها وقد أعلنك جدي عبدالرحمن وأعلمك أنك حرة فهو لا يعترف على عبوديتك.
– رحم الله جدك. لقد أنقذني فعلاً، وسافر على نية أن الحق به مع أهلك فيعيدني إلى أهلي لأصبح حرة فعلاً ولكنهم سمّموه في مصر وتوفّي بينما كنا نستعد للسفر إليه، ولم أطلب هذا الطلب من سواك. عبثاً كنت أحاول إقناعها بأنها حرّة وبأنّ لونها لا يعني العبودية. وكان المانع من إجابة طلبها بالتلفظ بلفظ العتق هو خجلي فعلاً فضلاً عن أنني لا أعترف بموضوع الرق مطلقاً.
ورحت أكتم البكاء في حنجرتي ثم فكرت وأدركت أنّ عليّ أن أدوس على اعتباراتي وعلى خجلي وكبريائي في سبيل إرضائها وإراحة وجدانها ونفسيتها لكي لا تموت إلا وهي تشعر بأنها حرة وليست عبدة أو لم تعد عبدة، وأن تلك هي أمنية حياتها الطويلة. فقلت لها بخجل ما بعده خجل وألم ما بعده ألم:
– إذا كنت عبدةٍ لي، فأنا قد عتقتك لوجه الله.
- وإخوتك وأعمامك؟ وعماتك وأولاد عمك وأولاد عمتك؟ يجب أن تسمع منهم لفظ العتق، وهي أمانة لي في رقبتك.
- أنا كفيل بهم، وها أنذا ذاهبٌ إليهم لأسمع منهم لفظ العتق.
ولما اشتدَّ بها المرض في طور النزع الأخير، سألتها عما ترغب فيه، فقالت:
- أنا مشتاقة لأمي… آه ، من يأخذني إليها؟ اكتبوا لها: إن حجاب النور تموت يمّه.
* والنص ينشر بإذن خاص من «المركز العربي للأدب الجغرافي/ارتياد الآفاق»