عواء إخوتي
رعاة يدخنون عند رأسي
مازال الرّعاة في الأودية يبحثون عنّي دون كللٍ،
أصواتهم تأتي إليّ كلّ ليلة مختلطة مع ثغاء الماعز الحزين،
الماعز التي لطالما أطعمتها التّبن والبرسيم بيدي
وجلست أحدّثها حتّى تنام .
نداءاتهم تتسرّب من شقوق الباب وفجوات النّوم دائما
وتتجمّع فوق الطّاولة الصّغيرة قرب السّرير
حيث أترك عادة قلم الحبر ودفتري القديم
وبقايا السّجائر .
كلّ ليلة،
حين أنامُ
أرى رعاةً يدخّنون عند رأسي
وماعزا يرعى ما كتبته .
عندما تمرّين بي
عندما تسوقين أغنامك وتهبطين تلك المسالك المُشجّرة،
عندما تمرّين بي مثل كلّ مساء في رنّة الفضّة وغناء الفلاّحات
وتلحظين خجلي وتردّدي وعيني المطفأتين
سلّمي عليّ، واتركي بعض الماء .
سأسبقك إلى هناك مثل كلّ يوم، وأختبئ في هدأة العتمة
حيث كانت الذّئاب تنتظر نزول فرائسها من كتف النّهر،
وحيث كان زوج أمّك يلقاك بعصاه الغليظة
كيْ يعدّ الحملان، ويتفقّد الأساور حول معصميك .
لوّحي لي في غفلة من الأهل
واتركي بعض الماء
ولا تخافي، أنا لن أجيبك
كما لن أجيب عُواء أخوتي .
اقتفاء أثر الحبّ
الطّالبة التي أتت بالأمس من سيدي بوزيد
وتاهت بين بارات العاصمة
لاقتفاء أثر الحبّ ...
رأيتُها اليوم وقد ضفرت شعرها
ورشّت خدّيها بالحمرة والورد
ولبست فستانا طويلاً
تجلس في محطّة القطار
بانتظار حبيبها ...
من سينتبه؟
أنّها خبّأت كلّ تلك التّجاعيد بانتظار
!قدومه من سيدي بوزيد
ذئبُ الدّغْل يتبع رائحتي
أنا أعمى،
ولي أختٌ تنتظرني في بيت أعلى التّلة
كلّما قلتُ أصعدُ إليها،
أهوي إليك .
خذ بيدي
أنا جريحٌ أيضًا، وَذئبُ الدّغْل يتبع رائحتي
ليس لي عصا كيْ أهشّ بها عنّي
وأبي قطعَ أصابعي العشرةَ
كي لا أعدّ أخوتي .
أعمى
وبلا أصابع
لكنّني مازلتُ أدفعُ صخرتي إلى أعلى التّلة
لأغلق بها البابَ على أختي
قبل أن يصل الذّئب.