في نقد العنف
كان يتم تناول العنف والصراع عموما حتى عام 1990 من وجهة نظر العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية، مثل الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة، وكان ينظر إلى الحروب الصغيرة، والصراعات منخفضة الشدة كنتيجة للاستقطاب الثنائي في أوضاع الحرب بالباردة. لكن أصبح بعد عام 1990 زيادة في نسبة الحروب التي تجري في داخل الدول ولم يعد الأنموذج الذي ينظر لها بوصفها حروبا بالوكالة كافيا لتفسير طبيعة هذه الحروب والعنف المتفجر عنها. فنهاية الحرب الباردة والاحتفال بانتصار النموذج الليبرالي لم يأت بنهاية التاريخ التي رفعت شعاراً آنذاك. إذ أصبح الإرهاب وما يعرف بالحرب على الإرهاب والعنف سائدا ومهيمنا على الأوضاع الداخلية، وأن لهذا ديناميكياته الخاصة.
لقد أحدثت الصراعات المحلية تحولا مهما في حقل دراسات الصراع والعنف. فقد أصبحت نظريات العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية عاجزة عن الإمساك بديناميكيات وتعقيدات هذه الحروب الجديدة. وعندها بدأ التركيز على العوامل المحلية والأسباب الداخلية في سياقات العولمة الكونية وأثرها على تشكل الهويات الجماعية، أي بدأ يمعن النظر في ديناميكيات الجماعات الإثنية والطائفية، والمظالم الجماعية وغيرها.
لذلك يستدعي تنامي ظاهرة العنف في العالم اليوم التّفكير في أسبابها ونتائجها، لا اعتماداً على تراث من تقاليد سياسيّة ومقولات أخلاقيّة نتّخذها نقاطا ثابتة نتّكئ عليها، ولكن نقوم بافتتاح طرق جديدة في التّفكير من شأنها أن تنتج مفاهيم مختلفة تساعد أكثر على الفهم العميق للظّاهرة، وعلى معالجتها والتّصدّي لجذورها. وهذا لا يتعارض مع الحاجة إلى مراجعة ونقد الأفكار التي تناولت العنف لكي لا تنقلب قوالب جاهزة ترسم مسار البحث، ولتمكينها بذلك من أن تسعف بإرشاديّتها طرق التّفكير في استلهام نسغها الحيّ إلى ما يتجاوزها لتحقيق المطلوب ولصياغة مقاربات جديدة أكثر فاعليّة، مقاربات تساعد في تركيب رؤية واقعيّة وموضوعيّة.
لقد ناقش المفكّرون طويلاً وبشكل معمق أيضاً مسألة العنف. هناك أنواع عديدة من العنف، منها البنيويّ ومنها اللّغويّ ومنها الرّمزيّ والدّينيّ، ومنها الدّمويّ الذي يحرّض على القتل، ومنها ما دون ذلك. وما يهمّني هنا هو كيف تتحوّل هذه الأنواع بسهولة من العنف اللّفظيّ إلى العنف المادّيّ، أي إلى الإيذاء الجسديّ والقتل.
هناك طرق عديدة لمقاربة العنف، لكن ما أتناوله هنا هو مسألة العلاقة بين العنف واللاّعنف من خلال مناقشة ثلاثة مسائل هي:
أوّلًا: القدرة على تحمّل العنف وطبيعته التي تتّخذ أشكالًا مختلفة.
ثانيًا: حدود العنف.
ثالثًا، العنف واللاّعنف، والسّياسة.
أوّلا: القدرة على تحمّل العنف وطبيعته التي تتّخذ أشكالا مختلفة
هناك أنواع عديدة ومتنوّعة من العنف يمكن إدراجها ضمن خطاطات مختلفة بحسب الغرض من التّحليل، فهناك، على سبيل المثال، العنف القانونيّ الذي تناولته مقاربة والتر بنيامين، والعنف البنيويّ الذي ينزَع بشكل ممنهج وقاسٍ عن المستهدفين به إنسانيّتهم لأجل ترويضهم وإخضاعهم، وهو يقع بحسب فرانز فانون في صلب النّظام الكولونياليّ، وهناك العنف الشّموليّ الذي يفقد الطّبيعة الآدميّة قيمتها الإنسانيّة الذي تصدّت له حنّة أرندت في مقاربتها فأسمته بالشّرّ الجذريّ. لم يكن هدفي من هذه المقالة هو تصنيف الأنواع المختلفة من العنف، ولكن بالأحرى مناقشة طرق تصريفه وتحويله إلى أثر مادّيّ ملموس، أي كتعذيب وأذى جسديّ، وكقتل وإبادة جماعيّة.
لقد استمرّ العنف ملازماً للمجتمع البشريّ طوال التّاريخ، وتخبرنا الذّاكرة الثّقافيّة أنّ الماضي لم ينتهِ هكذا بكلّ بساطة، فحتى بعد فترات كُمُون طويلة للعنف يمكنه الانفلات ليعود عودة المكبوت. إنّ الاعتقاد بإمكانيّة إنجاز تنوير حاسم ونهائيّ، أو بإمكانيّة وجود طريقة محدّدة تضع نهاية للعنف بشكل دائم يخلّص البشريّة هو اعتقاد واهم مُضَلِّلْ. بل هو تضليل خطير لأنّ مهمّة التّنوير استمرار اليقظة في مقاومة العنف والحدّ من تفلّت أشكاله.
فالطّبيعة المتلوّنة للعنف تجعله يتّخذ أشكالًا جديدة ومختلفة عن أيّ وقت مضى. إنّه يتخفّى مثل بروتيوس آلهة البحر في الأسطورة الإغريقيّة، ولا يمكن الحدّ مسبقًا من الطّرق التي قد يظهر بها في مسيرة التّاريخ، لذلك فإنّ الوعي بأشكاله الجديدة والمتوقّعة، فهم بنياتها وديناميكيّاتها، التّوعيّة بخطورتها وكشفها للرّأي العامّ هي أكثر ما يواجهنا من تحدّيات صعبة ومستمرّة، فالاستجابة المناسبة والجدّيّة تجاه العنف هي أن نفهمه ونحلّله. لقد تطرّق فانون مثلا إلى العنف الكولونياليّ كشكل من أشكال العنف المنهجيّ لفضح الحركة الكولونياليّة وكشف تراثها المثقل بالجريمة ضدّ الإنسانيّة، لأنّ مواجهة عنفها ينبغي ألّا يقتصر فقط على إدانة ما تمارسه على السّكّان الأصليّين من تمييز ووحشيّة، ولكن يتطلب أيضا تفكيك بنياتها نظريّا لأجل تعرّف آليّات اشتغالها وأدوات نظمها المعقّدة، وما تقدم عليه مؤسّساتها العدوانيّة من إجراءات غاشمة تذلّ أهالي البلد وتجرّدهم بشكل منتظم من إنسانيّتهم فتطمس هوّياتهم ولغاتهم وثقافاتهم لتجعل منهم مجرّد كائنات تافهة لا أصل لها ولا جذور.
يساعدنا بنيامين، من جهة أخرى، على فهم السّبل والحالات التي تظهر بها الأشكال المهلكة لسلطة الدّولة فيما يتعلّق بالعنف القانونيّ في وقت نعتقد فيه بشكل عفويّ أو معتاد ودائم أنّ القانون وحكم القانون يمثّلان حماية للمواطن ضدّ عنف يفتقد المبرّر. فيضيء بنيامين الجوانب المظلمة من حكم القانون، ليكشف لنا كيف يصبح في أوقات الأزمات وسيلة للعنف، ونتعرّف طرق التّمييز بين الاستعمال “الشّرعيّ” للعنف عن غيرها من الاستعمالات “غير المنضبطة” و”غير الشّرعيّة”. وقد تحدّث جاك دريدا في دراسة عميقة (Force of Law: The Mystical Foundation of Authority) عند التّعليق على مقال بنيامين “نقد العنف” عن الخداع والتّضليل في الادّعاء بوجود معيار واضح محدّد، وقواعد أو مبادئ للتّمييز بين العنف المقبول وغير المقبول.
وقامت أرندت، في هذا السياق، بتحليل العنف الشّمولي في القرن العشرين حيث سعت إلى عرض فهم لما تتميّز به التّوتاليتاريّة من صفات، فكشفت عن ماهية النّزعات التّاريخيّة الخفيّة التي تبلورت في الأنظمة الشّموليّة بعدما رأت ممارساتها العنيفة رأي العين، وهي ممارسات شبيهة بتلك التي حدثت في الماضي وفي أشكال مختلفة من الحكم يجمعها ويوحّد بينها تاريخ طويل حافل بالمذابح، بالتّعذيب، وبالإبادة الجماعيّة. لكن مع انفجار التوتاليتارية ظهر عنف جديد، هو القضاء المبرم على العفويّة بالإجهاز على الاختلاف والمغايرة وإزالة التّنوّع الإنسانيّ وجعل البشر لا لزوم لهم.
لقد استشهدت بهذه الأمثلة من أجل التّأكيد على نقطة أساس في مسألة العنف تتعلّق بعدم إمكانيّة التّحديد المسبق لكيفيّة وتوقيت انفجاره. لأنّه لا يظهر في العالم بشكل واضح ولكن يتستّر وراء سياج منيع من البراءة، ويتمترس بمبرّر الضّرورة متدثّرا بشعار الشّرعيّة ومستعملا تكتيك المباغتة، لذلك صار مرعباً ومنفلتا بفعل التّطوّر التّكنولوجيّ، وتطوّر الأشكال الأوتوماتيكيّة للحرب. ولذلك أيضا، فإنّ مهمّة فضحه وكشف ما يغذّيه ينبغي أن تتجاوز ما يحرّضه ويحرّض عليه، وما يستديمه فيبقي عليه أو يوسّع من نطاقه إلى بيان ما ينبغي أن يكون عليه شكل الردّ، وهي من غير شكّ مهمّة صعبة ومعقّدة لأنّها تتجاوز ما هو نظريّ إلى ما هو عمليّ وميدانيّ.
إنّ مهمّة تثوير المفاهيم وتطوير أشكال الوصف وأنماط التّحليل التي تمكّن من استكناه ماهية هذه الظّاهرة تصبح ترفا فكريّا وعملا لا فائدة ترجى منه ما لم يرافقها جهد تنويريّ يتثـقّف به المجتمع ويحفّزه على الرّدّ العقلانيّ المطلوب تجاه السّلوك العنيف. فلكي يكون الموقف قويّاً إزاء العنف لا بدّ من ترقية الوعي الجمعيّ وتحفيزه على قبول التّغيير، على احترام الاختلاف والمغايرة والإقدام بشجاعة على رفض العنف. فتقييد العنف وكبحه ليست مهمّة السّياسيّين فحسب، وإنّما هي مهمّة مشتركة بين قطاعات الدّولة يتصدّى لها المربّون والوعّاظ، المفكّرون والفلاسفة، الأطبّاء وعلماء النّفس، رجال السّلطة وفقهاء القانون، المؤرّخون وعلماء الاجتماع. إنّها مهمّة نبيلة وصعبة يتعيّن أن يتجنّد لأدائها الجميع حتى تحقّق النّجاح المرغوب.
ثانيا: تقييد العنف
عرف المجتمع البشريّ طوال تاريخه دورات من العنف أو من التّأرجح والتّقلّب بين العنف وضدّ العنف كما يصفه بنيامين، فقد كان هناك على الدّوام إغراء للردّ على العنف بعنف مضادّ. ففي مقالتيهما لاحظت أرندت كما فانون أنّه من الوارد أن يكون للعنف العفويّ والمباشر مبرّر أخلاقيّ ومغزى سياسيّ، فضحايا الوحشيّة والإذلال غضبهم غير عقلانيّ يعبّر عن سخط شخصيّ وسياسيّ، ومع ذلك فهو مبرّر أخلاقيّا. وتقليديّا لطالما اعتبر الامتعاض والاستياء انفعالا سلبيّا ينبغي التّغلّب عليه، لكنّ تمييز الأشكال المُرضية لهما عن تلك التي تظهر كردّ فعل عنيف على الظّلم السياسيّ من شأنه أن يعالج الضّحايا ويحرّرهم ممّا قد تفضي إليه هذه المشاعر “الطّبيعيّة” من انحراف في اتّجاه العنف. فنحن نحتاج إلى التّحذير من إغراء الاحتفاء بالعنف وتمجيده مع العمل على التّخفيف من حدّة الانفعالات التي يعاني منها الأفراد والجماعات كما تؤكّد أرندت عند شجبها القويّ لموقف سارتر الذي اعتبر أنّ الرّغبة في الانتقام لا يمكن كبتها عند ضحايا الكولونياليّة، وأنّ العنف سيجعل منهم أناسا أحراراً. لا يسع المرء إلاّ أن يتّفق مع ما ذهب إليه فانون بشأن إدراك حدودِ العنف ولزوم تقييده، فبالرّغم من إقراره بضرورة الغضب الذي يثير العنف بشكل مباشر وفوري، والذي بدونه لن تكون هناك أيّ حركة ثوريّة أبداً يعترف تماما أنّ “روح الانتقام” وأنّ “العنف العفويّ” يمكن أن ينحطّ ويتفسّخ بسرعة فيحطّم الحركة الثّوريّة. لذلك تراه قد أكّد كثيراً على دور القيادات السّياسيّة التي تصغي للأحداث وتتعلّم من النّاس في الحيلولة دون انزياح العنف وانحرافه عن جديّة الكفاح من أجل التّحرّر، وعن أهداف مقاومة المحتلّ، لا سيما وأنّ ما يواجه الحركة الثّوريّة من تهديدات جدّيّة ومتنوّعة لا يأتي من الخارج وإنّما يعتمل بالداخل. فمهما كان الدّور الذي يلعبه العنف الثّوريّ والكفاح المسلّح في الإطاحة بالنّظام القمعيّ إلاّ أنّه لا يكفي أبداً لخلق ما يدعوه فانون التّحرّر وتدعوه أرندت الحرّيّة العامّة. إذ يمكن أن يكون العنف وسيلة ضروريّة وفعّالة للإطاحة بالنّظام القمعيّ والحكم الشّموليّ؛ لكن لا يمكنه أبدا أن يخلق سلطة مخوّلة من قبل المجتمع ولا أن ينجز المطلوب لتحقيق الحرّيّة العامّة بشكل فعليّ وملموس.
إنّ التّفاؤل السّاذج مثل التّشاؤم السّاذج كلاهما وجهان لعملة واحدة، وإنّ الارتياب من النّظريّات الحتميّة يدعم الرّوح الثّوريّة والتّطلّع للحرّيّة، فيضفي على الحراك الاجتماعيّ بالسّعي إلى مأسسته وإضفاء الطّابع السّياسيّ عليه. وهذا الارتياب هو ما يسمّيه أندرياس كاليفاس: (Democracy and the Politics of Extraordinary: Max Weber, Carl Schmitt, and Hanna Arendt) استثنائيّة السّياسة الثّورية مقارنة بالسّياسة السّياسويّة، وهو ما يلفت فينومينولوجيّاً الانتباه بحسب أرندت إلى البهجة والإثارة التي تظهر في المواقف الثّورية.
مازلنا وللأسف نجابه صعوبة الإبقاء على فكرة الحرّيّة حيّة وملموسة، وعلى ممارستها بشكل غير عنيف، وهي معضلة نظريّة وعمليّة تواجه عالما يزداد عولمة فيزداد فيه إغراء اللّجوء إلى العنف كلّ يوم.
ثالثا: اللاّعنف، العنف، والسياسة
توجد حجج قويّة لدعم الالتزام الأخلاقيّ والسّياسيّ باللاّعنف، لأنّ أكثر المشاكل خطورة في العالم اليوم هي ظاهرة تضخّم السّلطة. فمع صعوبة مقاومة بنيات فكريّة وعلاقات تقوم على قاعدة “الأمر والطّاعة” في تصوّر السّلطة يصبح وصف رايت ميلز في كتابه “سلطة النخبة” معقولا حينما يرى أنّ الطّبيعة النّهائيّة للسّلطة هي العنف. لم تتوقّف أرندت عن تصوّر طريقة مختلفة للتّفكير في السّلطة وأثناء ذلك، أثارت الانتباه إلى تطوّر أنماطها وطرق ممارستها عندما يعمل النّاس معاً بشكل منظّم ضدّ العنف فيتغلّبون عليه، وينجزون إصلاحا جذريّا ناجحا يثبت بالملموس فاعليّة السّلطة غير العنيفة. وهذا ما تؤكّده وقائع التّاريخ المعاصر حيث كانت نتائج المقاومة السّلميّة التي قادها غاندي في الهند حاسمة ومبهرة، وحيث حقّقت حركة الحقوق المدنيّة في أميركا نجاحا لافتا، واستطاعت الإضرابات العامّة السّلمية في الجزائر أن تنجح في إقناع المحتلّ الفرنسيّ بأنّ الإصرار على الاحتلال قضيّة خاسرة على الرّغم من انتصاراته العسكريّة، كما استطاعت حركة التّضامن في بولندا بالإضافة إلى الحركات السّلميّة التي اجتاحت شرق أوروبّا أن تسقط أعتى الدّكتاتوريّات الشّيوعيّة الواحدة تلو الأخرى. وبذلك تكون سلطة أكثر فاعليًّة في مواجهة العنف من العمل المسلّح قد ظهرت بالفعل، مع أنّي لا أعتقد أنّه من الممكن التّنبؤ متى وأين يمكن أن يظهر أو يتطوّر هذا النّمط الجديد من السّلطة، ولا تحديد الأحداث والظّروف التي تحفّز ظهورها والإقدام على ممارستها ميدانيّا. وكلّ ما يمكن استفادته من الفحص الدّقيق لتلك الحركات السّلميّة التي نجحت في تخويل السّلطة للشّعب هو أنّ النّاس هم دائمًا من يقودها ويُهيّئ لها، وأنّه من الضّروريّ أن تبقى فكرة ما يمكن أن تنجزه قوّة اللاّعنف حيّة حتى في أحلك الظّروف حينما تبدو المعارضة ميؤوسا منها.
إنّ النّظر في مخاطر أيّ تبرير لاستعمال العنف، وفي الطّرق التي يساء بها استعمال هذا التّبرير مسألة سياسة عامّة، وإنّ الطّريقة العملانيّة لتقييد سوء الاستعمال تكون ممكنة التّطبيق عند فتح نقاش نقديّ عامّ حول إيجابيّات وسلبيّات أيّ تبرير مقترح للعنف. فالمسألة ليست مسألة مواجهة حالة معزولة ولكنّها مسألة تتعلّق بالسّياسة وبالحكم السّياسيّ، وقضيّة تتطلّب مشاركة المعنيّين بنتائجها وبمضاعفاتها الوخيمة في تقييم مختلف الآراء والحجج المدلى بها كحلّ لمعالجة موقف ملموس ومحدّد، فالحكم السّياسيّ محفوف بالمخاطر دائمًا، تعتمد ممارسته السّليمة على توفّر حياة اجتماعيّة عامّة ملتزمة بمنطق الإقناع، وعلى مجتمع يأخذ بالاعتبار الظّروف المحدّدة والملموسة مع الوعي بقابليّة الخطأ. إنّه عندما يذوي النّقاش العام ويموت الانخراط فيه يصبح مصير المجتمعات عرضة للتّلاعب، وعندما تطمس الحقائق وتمسخ الوقائع من أجل الدّفاع عن مصالح أنانيّة وتحقيق غايات وضعيّة عندها لا يبقى ما يمنع من تفجّر العنف.