رسائل إلى الكاميرا الأنثى.. نظرات في الثيمة
في تلخيص؛ هي رسالة أرجو أن تجد مكانها منذ بدايتها، وإلى نهايتها، في ذاكرة عينك وأذنك وعقلك لأنها تخرج في إخلاص من ذات الأماكن المتجاورة في آن واحد داخلي. وفي الأخير؛ قد تكون رسالة مثيرة للانتباه لي أيضا، أنا المتوطن على الجانب الآخر من عملات القاموس اللغوي في خطابات الحياة، في زمن ندر فيه الانتباه لأمر مثير يخص “الموطن”.
بداية؛ في ظني لم يخرج للوجود أمر ما يسترعي الانتباه محدثا إزاحة وخلخلة بسيطة وإيجابية للسائد، إلا من معين التجريب المرح والحر والجاد مع العالم. وبما أن الفن في المبتدأ والأخير هو فن الحكاية، وأنه، وفي التأكيد، لكل منا حكاية يراها في لحظة ما جديرة بالحكي، لذا دعيني أسر لكِ حكاية من طفولتي، أظنها مرحة، ولعلها تثير انتباهِكِ نحو مسار رسالتنا السينمائية الأولى.
كنت في طفولتي مرسال غرام بين الابن الأكبر لمنجد الحارة والابنة الصغرى لبائع الألبان. نعم؛ كنت، ولا أزال، كاتم سر عظيم. فقط لأنها تشعرني بأني جدير بنيل شرف السر. وبأني، ومن خلاله، سأصبح جزءا من عالم خاص أقدره ويقدرني. وتوافقت تلك الصفة مع محبتي للأشياء النائية عن العين والتي بها قدر، ولو ضئيل، من الإثارة. المهم عزيزتي؛ فلنعد إلى ذلك الطفل الذي يتأمل كثيرا في الأمور التافهة المهيبة.
حملت الرسالة الأولى في حماس مشهود وقمت بأداء مهمة ليلة غراميات المسافة في نجاح ووفق كل تنبيه. فحلق ابن المنجد وابنة بائع الألبان في ملكوت السعادة والاطمئنان. لكني لم أكن كذلك؛ فقد لفت انتباهي أن الفتاة الفارهة استلقفت مني الرسالة خلف الباب الموارب والعتيق والضخم وخبأتها سريعا فور سماعنا لخوار جاموسة في عمق الزريبة. لست بطفل جاحد؛ نعم حصلت على ابتسامة وقبلة عرفان سريعة ولكنها بُتِرت بغلق للباب جراء خوار جاموسة. للحظة وقفت في ظلام زقاق دامس لا يضيئه إلا فعل التخبئة وموقعه. ملعون أنا في ربكتي؛ لقد دست الشيء المهم سريعا فوق الثدي الأيسر ثم هيئته ليعود مندسا بضغطة لوضعه الطبيعي. ألا تخشى أن ينز حليب ثديها على رسالته مع تهيئتها لوضعه وضغطتها فتضيع الكلمات؟ لماذا هذا المكان تحديدا؟
سرت نحو منزل ابن المنجد لأطمئنه بإنجاز المهمة مرددا “لعل ثديها الأيسر معطوب ولا ينز لسبب أو لآخر”. كتمت دهشتي وأسئلتي وأجوبتي الحائرة بنفس قدر كتمان السر في انتظار المهمة الثانية بفارغ الصبر لعلها أخطأت الموقع وتدس رسالته الهامة التالية في مكان حميمي آخر لا يحدث عطبا في الرسالة. فتأكد الأمر ذاته فزادت الأسئلة ومعها علت الدهشة. مر صيف إجازة كامل في رحلتي ما بين القلبين إلى أن أتى الصيف التالي ولمحت أمي تُكرِر الفعل فانطلق من داخلي دون روية كل سؤال. ومع ضحكات أمي والأجوبة قطعا بُحت بسر ابن المنجد وبائعة الألبان، فلن أبقى حائرا مع ذلك الأمر الجلل. بعدها قاطعني سيد ومنال، فقد كانت أمي تلقاهما ذهابا وإيابا بنظرة “لقد عرفت سر صيفكما الماضي” أو فلنقلها سينمائيا.
لم أغفر لأمي وضعها في موقع فاضح السر إلا حين نشبت مشاجرة ضخمة وعنيفة في الصيف الثالث بين قبيلتي المنجد وبائع الألبان، منتهية بهزيمة ساحقة ومدهشة أيضا لطائفة المنجدين قاطبة. وإنها بذلك كانت تحميني، وتحمينا، من التورط في شأن عائلي معقد لا يخصنا. ومنذ ذلك الصيف تغزلت “شبكة من صلات تجاور” بين انتباهي لهذا الفعل المتكرر من الفتاة وأمي وجارتنا ونساء أخريات وبين أجسادهن وعلاقتها بأمورهن الهامة والسرية. وآخر انتباهتي في ذات الشأن كانت نحو صاحبة السعادة مالكة منزلي في الجمالية، حيث دست ثمن إيجار الشهر الفائت في ذات الموقع. لكني، وللحق، تعجبت؛ فقد دست فوقه أيضا هاتفها الكبير.
بعيدا عن البعد الاقتصادي للموقع أو عاطفيته يسيري التبرير إلا أن الشعور بـ عدم الأمان خارج نطاق الجسد هو في ظني “الغالب” على تحفيز هذا الإختيار. حيث لا شيء آمنا خارج الجسد الأنثوي؛ فكل عالمها إما مُنتَهَك وإما مقموع ومشكل بحيث يكون قابلا للإختراق في أي لحظة، تاركا لها السبيل الواعي “الأيسر” من ثنائية التفكير. أي تماهي الضحية مع الجلاد. في تحويل زمني متدرج من ثقافة الخنوع والدفاع نحو ثقافة يصبح الجسد والوعي به فيهما أداتا سيطرة وهجوم مضاد. وفي هذا الطريق تتشكل الشبكة المعقدة داخل خطاب عدم الأمان السينمائي للمرأة، بكل انحرافاته المتوسلة أو الدفاعية، في شكل أقل في خطابات سينما المرأة العالمية، وفي شكل أكثر ضراوة في خطابات سينما المرأة العربية، مبتعدة هجوميته عن النقاء والتمايز داخله، محتربا وأحيانا منتقما على أرضية شبكة مفردات وتراكيب جمل وفقرات لم يترك لها الفضاء الكافي ولا الزمن المناسب لكي تتبنى، ولو للحظة، شعورا أو مدرَكا واحدا تنطق بهما على لسانها.
عماد ارنست صورة شخصية
وقطعا ما قلل من انحرافات تعقيدات التوسل والدفاع في خطاب سينما المرأة العالمي لا يمكن نسبه في قدر كبير وبأي حال من الأحوال للإسهامات النقدية للرجل بل إسهامات المرأة ذاتها في عملية النقد للخطاب البصري والاجتماعي السياسي الذكوري. وسأشير إلى مثالين من أشهر تلك الإسهامات الرائدة مثل الكاتبة الأميركية والمخرجة والمُعلِمة والناشطة السياسية سوزان سونتاج Susan Sontag (16 يناير 1933 – 28 ديسمبر 2004) بإسهاماتها الرئيسة في مجالات الفوتوغرافيا، وتشريحها للتفسيرات الذكورية، وتسليطها الضوء على تناحر أنواع الإرادات الراديكالية لدى الجنسين، وحرصها الذهني الدقيق في أساليب الحياة، ووضع المجاز المرضي تحت مجهر الأنثى، وكيفية النظر إلى مرض الآخرين، ثم تشريحها لفوران مفهوم الحب وشبكة تعقيدات العواطف المصاحبة له، وكذلك نقدها الجذري للمجتمع الأميركي. ومن جانب آخر من المحيط وفي القارة الأوروبية أتت المُنظِرة البريطانية العظيمة أطال الله في عمرها لورا ميلفي Laura Mulvey (15 اغسطس 1941) والتي ألقت في 1975 بحجرها العظيم في بحيرة نقد السرد السينمائي من خلال مقالها الشهير المنشور في صحيفة الشاشة البريطانية المتخصصة في دراسات الفيلم والتلفاز والمعنون بـ”السعادة البصرية وسينما السرد” Visual Pleasure and Narrative Cinema، والذي ضمنته لاحقا في كتاب مقالاتها المرجعي “البصري والسعادات الأخرى” Visual and Other Pleasures. هذا الكتاب الذي أحدث طفرة نوعية في نظرية الفيلم عبر تقاطع علم النفس الفرويدي واللاكاني مع النظرية. بحيث افتتحت به دخول علم النفس كمدخل هام وعفي في النظرية السينمائية أكثر من سابقيها من النقاد الرجال مثل جان لوي بودري وكريستيان ميتز، مستخدمة مفاهيم كل من فرويد ولاكان كأسلحة سياسية مشهرة في وجه خطابات السينما الأميركية الكلاسيكية مبتكرة أيضا لمصطلحات رائجة الآن في النقد السينمائي النسوي مثل “تحديقة الذكر” وتحويل المرأة إلى “موضوع للرغبة”، مميزة في دقة علاقة موضع الكاميرا بنظرة الرجل للمرأة داخل خطاب الفيلم الأميركي الكلاسيكي عبر اقتراحها بالتمييز داخل “تحديقة الذكر” ذاتها بين “النظرة التلصصية” نحوها كتمثيل لأنثى يتم النظر إليها و”النظرة الصنمية” نحوها كبديل عن الحرمان أو كما يتم تحليله في علم النفس كخوف كامن من الإخصاء.
وأنا شخصيا، وكمخرج، أدين بفضل عظيم، قطعا مع أخريات مثل إيريس باري وبولين كايل، في مراجعتي لتوجهي البصري نحو المرأة بإضاءاتها على سقطات حسية وذهنية في خطابي، ودفعي إلى مراجعات أكثر حذقا لتاريخ الخطاب السينمائي عامة وتاريخ الرواد وخطاباتهم خاصة.
ومع فقداننا، لأسباب عِدة، في مجال السينما العربية عامة وسينما المرأة بشكل خاص لهذا النوع التشريحي المشحوذ والمتوقد والدقيق للسطوة الذكورية في خطابات سينمانا أصبح من السهل سقوط خطاب المرأة العربية السينمائي في التوسلات والدفاعات. ولنشر إلى أشهر جملة متداولة في السنوات الماضية وهي جملة “عايزه ورد يا ابراهيم” في فيلم “أحلى الأوقات” 2004 للمخرجة المصرية هالة خليل وربط النسب القديم لها والشهير أيضا في فيلم نيازي مصطفى 1966 “صغيرة على الحب” في جملة “أنا عايزة من دا يا حزومبل” كمؤشر على نوع خطاب المرأة السينمائي في مصر كمثال للتوسلات والدفاعات والانصياع الكامن في خطاب الأنثى لخطاب الذكر، وكذلك الانصياع داخل الخطاب الأنثوي المستقل عبر التمجيد والاحتفاء بالاستثناء الذكوري، فآخر أفلام المخرجة الفلسطينية الواعدة آن ماري جاسر “واجب” 2017 يحمل ذات الانصياع.
في ظني ليس أمرا سويا التمسح ككائنات أليفة تسعى للدفء من وجود آخر هو ذاته مصدر القلق. ولا أمرا مستقيما أيضا، أن يتم ترك خطاب مشاعرك ووعيك ليتحدث عنه رجل كما فعل المخرج التونسي فريد بوغدير في “حلفاوين”!
عزيزتي: لعلكِ الآن قد فهمتِ، أو أحسستِ، برغبتي، كإنسان أولا، وكمخرج يعمل في ذات الوسيط ثانيا، أني لا أريد أن أسمع أصداء خطابات نوعنا تُحجِم من إمكانياتك، بل أريد أن أراكِ وأسمعكِ تتحدثين بلسانكِ وعنكِ وبمفردات خطابكِ. أريد أن أسمع حكاياتك الاستثنائية منزوعة من سطوة مسارات اختيارات الوجود الذكوري. وفي ظني لن يحدث ذلك إلا عبر مقاربة مختلفة منكِ للمكون الرئيس في عملية ابداع الخطاب السينمائي وهو الثيمة!
دعينا الآن ننتقل من طرقات الذاكرة الخاصة وذاكرة الوسيط مباشرة نحو ما يصفه الرجل، في خبث، بـ”مملكتك”، بالرغم من هيمنة أعلام الذكور عليه بواسطة الميديا؛ وهو “المطبخ”. دعينا نتحرك نحو “مطبخنا السينمائي المفتوح على الإنصات المتبادل”، متخففين وغير عابئين بحلول لعنات تناحرات الماتشو والفيمنيست، وما بينهما، من صناع أفلام أو نقاد مهيبين من الجنسين، الأموات منهم قبل الأحياء.
لقطة مشهد الفتسان من الفيلم الفلسطيني الفرنسي الكولومبي "واجب"
ففي ظني أن الثيمة، وليست الفكرة الرئيسية- فكثيرا ما يلتبس الأمر بينهما، هي المكون الأول الذي علينا الحديث بشأنه في الرسالة الأولى. وقد تكون حكاية طفولتي، أو ما شابه من حكايات تخصك، مفيدة في اقتناصها من أجل صنع إزاحة إدراكية حسية بسيطة وإيجابية لها ولمطبخنا لنبتعد، ولو ميليميترات، عن مطبخ الـDefacto السينمائي. ذلك المطبخ العالمي المفروض كواقع “بقوة ما” على خطابينا السينمائيين، مدركين ما يخلقه في خطابينا من انحرافات غير حرة وغير إنسانية وغير فنية. انحرافات متجلية بصور شتى في خطابات السينما العالمية، فما بالك بالسينما العربية منها، محررين من معصمينا قيدي أحكام القيمة وأفعل التفضيل، ومن كاحلينا قيدي التفكير الثنائي ونرجسية النوع، لنتحرك نحو وضع الأمور في ما نراه نصابا مناسبا، مستعينين في تفكيرنا بالتذكير دائما بأنه وعلى الرغم من مرور أكثر من قرن إلا أن خطابات السينما مقارنة بخطابات الفنون الأخرى ما زالت وليدة، وأن كلا من “الماتشو” الغني ماديا و”الماتشو” المهيمن سياسيا وفلسفيا تحكما في أغلب مجريات إنتاج وترويج خطاباتها، وذلك بالتوازي مع ظهور الرواد المكافحين وتعاقب الأساتذة المطورين الذين تلقفوها في المهد ثم في الطفولة ليعلموها، تارة من الفلسفة، وتارة من محددات طبيعتها، وتارة من ذاكرة الفنون الستة الأخرى، أوليات قاموس إلقائها. ولكن، وللأسف، فقد كان ذلك يتم تحت راية الحكايات الكبرى الحداثية، والتي تهاوت أمام مجاعات وأوبئة وكوارث وحروب عالمية كافية لأن يقف الإنسان، أيا كان نوعه، حين يدرك قوة وبطش وسيطه معلنا “ثمة أمر غير مناسب في تعاطينا مع العالم من أعلى وعلينا إمساك أول مكون”.
عزيزتي: فلنعد سويا إلى حكايتي الأولى كطفل والتي سردتها في البداية، وتحديدا إلى لحظة دس الفتاة للرسالة في موقع صدرها الآمن، ولنبدل ذلك الطفل بكِ والفتاة بابن المنجد. ها أنت تتحركين في حماس مشهود ووفق كل التنبيهات وكامل الحرص لتسلميه الرسالة أيضا في خلسة. لكن وإذا كان هذا العالم تحكمه وتقمعه وتنتهكه أنثى ففي أي موقع آمن سيدس رسالته “سيد”؟!
أتلك ابتسامة؛ أم ضحك صداح؟
ها قد وصلنا إلى سهول المرح وبدأنا نفقد الموطنة، وعبر الإزاحة نتموطن ثانية في فضائينا وأزمنتنا. فلنعد ثانية إلى الطفل ونمرح أكثر في أنطولوجيا تاريخ ثيمة “قوة الحب” Forcefulness of Love. فقد ترين ذلك الطفل الذي يعدوا في حماس بين قبيلتي المنجد وبائع الألبان ما هو إلا شكسبير ذاته، وما المجتمع الحامل للدراما إلا مجتمع “روميو وجولييت”، وما أمي إلا بريخت قاس أفسد اندماجي وتدخل بكسر الإيهام مطلقا نافورة الوعي. وأراهنك أنكِ ترين أمي مُحِقة من زاوية نظرها إلى العالم. رجاء لا تتراجعي عن ذلك؛ فأنا أيضا أرى بريخت محقا من زاوية نظره.
والآن تجلس معنا في مطبخنا قامتان مهيبتان في فن الثيمة والتعامل معها ومع سطوتها وكيفية ترويضها لصالح وجهة نظرهما في العالم. إنهما شكسبير وبريخت. ما الذي يميزهما؟ قولا واحدا؛ إنهما يمتلكان عالما. وإذا أردتِ الآن ترك وسيط المسرح والذهاب لوسيطنا السينمائي ثانية حيث نتناول معضلتين كبيرتين في قاموس الإلقاء السينمائي فيمكنكِ إبدالهما في سهولة ويسر بـ”هيتشكوك” ووغودار. ورغم كونهما موضع اتهامات كثير منها حقيقي وأقلها مفتعل إلا أن كلاهما يمتلك عالما أيضا. السؤال؛ كيف تبدأ رحلة فنان في امتلاك عالما؟
أن يخلص كجزء من الكون للحظة “الإثارة الأولى” سواء كانت تلك الإثارة تأتي عبر شعور أو حدث أو واقعة أو ضوء أو صوت أو أقصوصة أو رواية، وأن يقدس لحظة التواصل تلك مع العالم، وأن يقتنصها، ويميزها داخله في علاقتها بدينامية ذاكرته ووعيه ورحلة جسده في اللحظة، أن يتشبع بها بشكل كامل، ولا أبالغ حين أقول “عليه أن يترنح بها حسيا ومعرفيا”. فذلك الإخلاص هو خط دفاعه الأول عن تميزه كإنسان أولا، وعن جاهزيته ثانيا للنضال ضد الواقع المفروض وصراع التقاليد المكرور والخطابات المتعددة وتنحيتها بعيدا للتهيئة لـ”الإثارة الثانية”، والتي تدفع بعملية تبلور الثيمة نحو النقاء، فكل واقعة في العالم تحمل داخلها احتمالات الـ 36 ثيمة المتعارف عليها، وعلينا في الأخير اختيار واحدة. ولن نحتار بعدها في ما إذا كنا نختارها أو هي التي تختارنا في آن، مدركين أننا، وفي الوقت المناسب، سنختار بين الـ35 الأخرى عددا مناسبا لمساندتها كجذور شجرة صغيرة تدافع عن وجودها الحيوي.
إن تلك الإثارة الثانية هي التي تهيئنا تماما وتدفع معها عملية قنص والتقاط نقطة الهجوم على “أضعف موقع من الثيمة”، نعم أضعف موقع، ليتشرب منها الدينامية الأولى لمفرداته وخطابه وتركيباته الكامنة بغرض وحيد؛ الامتلاك التام للثيمة، ومنها ستتساقط كل فخامة مزيفة وكل مسالب اليقين المسبق عن العالم بعيدا عن كاهلنا، ومعها تتألق التفاصيل التافهة والتجاورات المهملة في تقليد جمالي وحيوي يميزنا تماما عن الآخر سواء كان رجلا أو امراة، راحلا أو على قيد الحياة. وعندها إرسال التحية للرواد داخل خطابنا السينمائي سيأتي من منبع أنهم “ليسوا أباء أو قامعين بل أخوة في التفكير”. ومعها تنحل العقدة عن لسان “الشكل” و”التمويل” في خطابكِ السينمائي.. وتلك رسالة أخرى.