قراءة في أزمة الفلسفة في العالم العربي
إن إعادة ربط الفلسفة بالقيمة العملية هو فتحها على شيء آخر غير قيمتها النظرية، أي جعلها ثقافية بامتياز، تتمتع بمواهب وقرائح، وتستعمل أدوات وآليات، وتصل إلى نتائج في شكل روائع وصنائع. وقد حدد هيجل هذه القيمة العملية للفلسفة بقوله: “إذ يُفترض أن ما تنسجه الفلسفة هو عمل يتم ليلا مثله مثل غزل بينيلوب، يبدأ من جديد مع كل صباح”. كما وصف هيجل الفلسفة كـ”بومة منيرفا” التي “لا تبدأ في الطيران إلا بعد أن يرخي الليل سدوله” (هيجل: أصول فلسفة الحق، ترجمة إمام عبدالفتاح إمام، القاهرة 1996، ص 94).
لا تشتغل الحكمة إلا كتحليق ليلي، كتفكير بعدي، لما حدث في صخب الواقع وكثافة الحياة. فالتفكير لاحق على الحركة في هذا التحديد. لكن التحديد الأول الذي وضعه هيجل يجعل من الفلسفة نشاطا لا ينضب، يتواكب فيه التفكير مع التدبير؛ لأن نشاط التفكير الذي يتم نهارا بتركيب أفكار أو مقولات، يتم ليلا بتحليل هذه الأفكار والمقولات وإعادة تفكيكها من أجل تركيب جديد يساير الواقع في تناقضاته وملابساته. لا يمكن للفلسفة إلا أن تتماشى مع حركة العالم الذي تسعى إلى قراءته، فتتلبس بأحواله وقفزاته، فما تنسجه في النهار؛ تفككه في الليل لتعيد الكرة من جديد.
لقد وضعت الفلسفة نفسها منذ بدايتها في شكل حوار، والملاحظ أن العصر اليوم يكتشف أهمية الحوار والتواصل، لا في المستوى الثقافي العام فقط، بل كذلك في المستوى الفلسفي نفسه.
إن الفلسفة يجب أن تسعى إلى تكريس مفهوم النظرة الفلسفية النقدية حتى تمكن الاستجابة لتطلعات الفئات العريضة في المجتمعات العربية، حيث أخطأت الحكومات العربية في تفسير أسباب إخفاق مشاريع التغيير من خلال توطين التكنولوجيا وحدها، ومن دون الاستثمار في بناء المعرفة العلمية واستيعاب فلسفة العلم، وصولا إلى المشاركة في إنتاجها. وبقدر ما يحرز العلم من تقدم، فإنه يظل بحاجة إلى العقلانية، هذا دليل على أن كل شيء لم يتحول بعد إلى وقائع علمية، هذا يدل أنه مازال للفكر الفلسفي دور في التجربة البشرية؛ لأنه طالما أن العلوم كلها لم تستقر بعد، وطالما أن اللغة البشرية لم تصل بعد حدّ الدقة الكاملة، وطالما أن حركة المعرفة لم تتوقف؛ لأنها لم تزل تجد ما تتجه إليه، فعندئذ سيبقى للفلسفة وللميتافيزيقا مجال -طبقا لعبارة فؤاد زكريا- تلك الأرض التي لم يمتد إليها ظل العلم بعد (فؤاد زكريا: آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة، القاهرة، دار الوفاء للطبع والنشر، 2004، ص 448).
تأكد الربط بين فلسفة العلم وتاريخه مع إمري لاكاتوش (1922- 1974) ومبدئه النافذ: فلسفة العلم من دون تاريخه خواء، وتاريخ العلم من دون فلسفته عماء. والعلم الحديث ذاته ليس نظاما مقدسا يستلزم الكفر بما عداه، بل هو نظام عقلاني وجب أن ينمو ويزدهر وسط الأنظمة المعرفية الأخرى، وهو ليس ذريعة لفرض النموذج الحضاري الغربي ووأد الثقافات الأخرى، فتحرم البشرية من خصوبة وثراء وتعدد جوانب، إن نعمت بها تنعم بالعلم أكثر.
هكذا تدفقت مياه جديدة في نهر فلسفة العلم ونظريته المنهجية. لقد بات واضحا الآن أن العلم ظاهرة إنسانية ونشاط إنساني، ينمو ويتطور عبر تفاعله مع البنيات الحضارية والاجتماعية والثقافية بأبعادها المختلفة. وهذه بديهية غابت تماما عن العلم النيوتوني الحتمي الميكانيكي، ولم تتبدَّ بشائرها إلا مع ثورة العلم في مطالع القرن العشرين، ثورة النسبية والكوانتم والاقتحام المظفر لعالم الذرة وما دون الذرة. أعقبت هذه الثورة تطورات في التفكير العلمي، سارت قدما وبطيئة ثم متسارعة في طريق تأكيد أن العلم ببساطة ظاهرة إنسانية وإبداع إنساني.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه التطورات في فلسفة العلم ونظريته المنهجية إنما هي في جوهرها مراجعة نقدية للرؤية الوضعية، بدا واضحا كيف تضاعف شأنها بفعل ما تزامن معها من صعود تيارات في الحضارة الغربية تحمل لواء النقد الذاتي والمراجعة الذاتية لمسلمات الحضارة الغربية بجملتها ووضعيات الثقافة الغربية في عمومها، أو في ادّعائها العمومية الكونية والعالمية والمركزية. إنها تيارات ما بعد الحداثة المقترنة بما بعد الاستعمار. انطلقت في النصف الثاني من القرن العشرين، لتصادر على أن قيم الحداثة والتنوير من عقلانية شاملة ووضعية راسخة وواحدية مادية وحتمية ميكانيكية وعلمانية فجة ترسم طريق التقدم المطّرد. وهي تعتبر العلم الحديث أيقونتها وتاجها، قد استنفدت مقتضياتها، وباتت مستحقة للنقد تمهيدا لإغلاق دائرتها والصعود إلى مرحلة حضارية أرحب وأثرى تتجاوز قصور مرحلة الحداثة، فضلا عن جرائمها المتمثلة في استغلال العلم ذاته من أجل تأكيد الاستعمار والسيطرة على الآخرين والمركزية الغربية، وقهر ثقافات الشعوب الأخرى، وتدمير البيئة واستنفاد مواردها (يمنى طريف الخولي: فلسفة العلم من الحتمية إلى اللاحتمية، دار قباء، القاهرة، 2000).
والحديث عن العقلانية في الفكر الإنساني هو حديث عن الفكر الفلسفي برمته منذ اليونان إلى حضارة الإسلام مرورا بديكارت وكانط وهيجل حتى عصرنا الحاضر؛ ولذلك فقد تعددت صور العقلانية باختلاف الحضارات والمذاهب والاتجاهات.
لقد كانت عقلانية العصر الحديث، سواء عند ديكارت أو كانط، بداية لتصور جديد للعقل، هو تصور يختلف عن عقلانية منطق أرسطو القياسي. فالقياس في رأي فلاسفة العصر الحديث عقيم؛ لأنه يؤدي إلى اكتشاف جديد ومن هنا جاءت ثورة بيكون على الأورجانون القديم لأنه منطق صوري يستدل من معلوم على معلوم وهو لا يؤدي إلى كشف جديد بل يقف إلى حدود البرهان على حقيقة معلومة وليس إلى اكتشاف حقيقة جديدة، إنه في النهاية منطق إقناع بحقيقة معلومة سابقا وليس منطق اكتشاف.
وفي القرن التاسع عشر ظهر مفهوم آخر للعقل له دلالة تاريخية، وذلك حين شهدت الحضارة الأوروبية مرحلة لعب التاريخ فيها دورا كبيرا وكان أبرز ممثلي هذا العقل التاريخي هو فردريك هيجل الذي انتهى إلى القول بأن ما يحدد معنى العقل ليست لحظة زمانية واحدة ثابتة، بل حركة التاريخ وهو تاريخ الوعي الإنساني. فالعقل يتطور بحسب لحظات ومراحل تسير من الفكر إلى النقيض ثم يتم التأليف بينهما في مركب جديد وهو منطق الجدل الذي يسري على الطبيعة والفكر والتاريخ وبموجب هذا الجدل تتوالى الحضارات ويتطور الوعي.
هذه المفاهيم الثلاثة للعقل ظهرت في حضن حضارات ثلاث أوروبية بدأت باليونان وعصر التنوير وعصر الأيديولوجيا سواء عند هيجل وماركس القائلين بالعقل الجدلي.
أما العقل العربي فقد تناوله بالبحث أعلام الفكر وفي مقدمتهم الدكتور زكي نجيب محمود الذي تبنى سلاح التحليل في مؤلفاته وسلّطه لنقد اللامعقول والكشف عما في تراثنا العربي القديم من دعوة إلى إعلاء شأن العقل ليكون هذا التراث منطلقا ومرجعا، لعله يدفعنا إلى الأخذ بأسباب الحضارة العالمية المعاصرة.
فقد كانت مسيرة العقل في تراثنا الإسلامي القديم مسيرة دامت خمسة قرون من القرن السابع الميلادي إلى القرن الثاني عشر (زكي نجيب محمود: المعقول واللامعقول.. في تراثنا الفكري، دار الشروق، 1985، ص 70).
يرى زكي نجيب محمود أن فطرة البديهة هي السائدة في القرن السابع حين شغلت الحضارة الإسلامية بالبحث في إقامة دولة والبحث عن عدالة الحكم. وفي القرن الثامن انصرف إلى القواعد والمبادئ العامة لتفسير ميادين الأدب والفن ثم انتهى القرن الحادي عشر والثاني عشر إلى سيادة التصوف واللامعقول. لقد بيّن تاريخنا القديم كيف برزت مدرسة البصرة في القرن الثامن الميلادي بعد التجارب والحروب السياسية التي مرّ بها تاريخ الإسلام ونشأت نتيجة لها الفرق من شيعة وخوارج ومعتزلة. فيها نشأ الاعتزال على يد الحسن البصري المتوفى حوالي 727م، وفيها نشأت الدراسات العقلية الأولى للنحو واللغة التي تعدّ من أروع الأمثلة على حدّة النظرة العقلية التحليلية في تراثنا الفكري.
ويشير الدكتور زكي نجيب محمود إلى أنه لما تولى العباسيون الحكم كانت لتشجيعهم الترجمة عن اليونان وتأسيسهم لبيت الحكمة سياسة تبنوها ليقاوموا بها شعوذات الفرس اللاعقلية، فكانت ترجمة أرسطو واندفاعهم نحو النقل، ولم يكونوا يريدون فقط مقايضة الثقافة الفارسية بقدر ما أرادوا مكايدة الثقافة العربية الخالصة التي تميزت بها ثقافة الأمويين شديدة التعصب للعرب والعروبة.
في القرن التاسع عشر ظهر مفهوم آخر للعقل له دلالة تاريخية، وذلك حين شهدت الحضارة الأوروبية مرحلة لعب التاريخ فيها دورا كبيرا وكان أبرز ممثلي هذا العقل التاريخي هو فردريك هيجل الذي انتهى إلى القول بأن ما يحدد معنى العقل ليست لحظة زمانية واحدة ثابتة، بل حركة التاريخ وهو تاريخ الوعي الإنساني. فالعقل يتطور بحسب لحظات ومراحل تسير من الفكر إلى النقيض ثم يتم التأليف بينهما في مركب جديد
وهناك أيضا الدكتور محمد عابد الجابري صاحب المشروع الضخم عن العقل في الثقافة العربية في تكوينه وبنيته ونقده فيرى أن الحضارات الثلاث: اليونانية والعربية والأوروبية الحديثة، تمثل أبرز ما أنتج العلم بل أيضا نظريات العلم؛ فقد ارتبط العقل في تلك الحضارات بالثقافة التي يتحرك داخلها. ومن ثوابت العقل الغربي منذ هيراقليطس حتى اليوم اعتبار العقل والطبيعة في علاقة مباشرة والإيمان بقدرة العقل على تفسيرها والكشف عن أسرارها. أما بالنسبة للعقل العربي فإنه يتمحور حول ثلاثة أقطاب: الله والإنسان والطبيعة.
وإذا كان العقل الغربي سواء اليوناني أو الأوروبي يربط المعرفة بالأسباب، فإن العقل في اللغة العربية يحمل دلالات أخلاقية، أي أن العقل العربي تحكمه النظرة المعيارية للأشياء. وإذا كانت الفلسفة معجزة اليونان فإن علوم اللغة العربية هي معجزة العرب ومنشأها الزماني هو عصر التدوين (الدكتورة أميرة حلمي مطر: عن القيم والعقل في الفلسفة والحضارة، الهيئة المصرية للكتاب، 2010، ص 168).
لكن الفلسفة في العالم العربي في وضعية مأزومة، حيث إن معظم الأفكار والنظريات الفلسفية المتداولة مصدرها الغرب، إذ نجد ترسيخا لتصوّر معيّن للفلسفة يجردها من وظيفتها النقدية التقويمية على صعيد التنظير الاجتماعي والسياسي، والأمثلة على ذلك كثيرة، فالفلسفة التحليلية التي سيطرت لفترة طويلة على مسرح فلسفة القرن العشرين تنظر إلى الفلسفة كظاهرة محايدة، وأنها إذا أريد أن تكون فلسفة علمية وجب على أصحابها أن يحصروا مهمتها في التحليل النقدي للغة من أجل توضيح معنى ما نقوله من عبارات (لودفيغ فتنجشاتين: رسالة منطقية فلسفية، ترجمة عزمي إسلام، تقديم زكي نجيب محمود، مكتبة الأنجلو المصرية، 1968، ص 31).
ناهيك عن النظرة التاريخية التي ترى أن ممارسة الفلسفة كفر؛ “من تمنطق فقد تزندق”، والمنطق مدخل إلى الفلسفة والمدخل إلى الشر شرّ. وللأسف وجهة النظر هذه لا تزال حاضرة، وغالبا ما ينتقد أصحابها الفلسفة بكونها مدعاة للإلحاد، أو إلى الاختلاف الفكري. ومن ثم فإن ضررها أكبر من نفعها؛ لأنها في رأي أصحاب هذا المنظور أحد أهم عوامل الفرقة والتشرذم الفكري والعقائدي والحضاري (مصطفى محسن: نحن والتنوير، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 2006، ص 44).
وهناك من يرى أن الفلسفة عمل عقلاني مجرّد بعيد عن الممارسة الإجرائية، ومن ثم فهي عديمة الجدوى في مجال تحقيق أي إسهام مباشر في تنشيط الاقتصاد والاستجابة لحاجات السوق، وبهذا تكون المساهمة في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
وعلى الرغم من المعوقات التي تحول دون انتشار الفلسفة بالشكل المطلوب، فهناك ضرورة لتلقين أطفالنا وشبابنا الطريقة المنهجية في التفكير العقلاني النقدي، وانطلاقة التنمية في العالم العربي تمرّ حتما بتدعيم الفلسفة كفكر للنقد والتنوير وتحرير العقول من الأوهام والخرافات، فعن طريق الفلسفة يمكننا بناء ثقافة نقدية حديثة تقوم على الانفتاح والجرأة والقدرة على طرح الأسئلة الحقيقية لا الأسئلة المغلوطة أو المزيفة.
لماذا لا توجد فلسفة عربية أو إسلامية منذ قرابة 800 عام، وبالتحديد بعد ابن رشد؟
لأنه في هذا التاريخ بالضبط تم إقفال باب الاجتهاد. كما أن آخر النظريات الكبرى الفلسفية أنجزها هيجل عام 1830. عقب ذلك لم توجد نظرية شاملة؛ فالماركسية خرجت من عباءة هيجل، والوجودية كما يقول سارتر نفسه هي مذهب في فلسفة ماركس. وفلسفة هيجل لها مصدران: المصدر الأول يوناني من طريق هيراقليطس، والمصدر الثاني عربي والذي أخذ منه هيجل فكرة “مماثلة الوجود” (analogiaentis)، ومؤداها أن كل موجود إنما ينعكس في كل موجود، بما يحقق التماثل والتناظر بين جميع الموجودات وجميع مستويات الوجود.
وقد أخذ هيجل هذه الفكرة في فلسفته ولعل من المفيد لنا أن نورد هنا ما ذكره “بلوخ” بهذا الصدد كاملا لما له من أهمية بالغة، رغم إيجازه الشديد، فقد كتب يقول “إن هيجل ليُعدّ وارثا لتراث يضرب جذوره في المقصد الفلسفي الرئيس لذلك الجوهر الواحد الذي ينتشر في كل شيء”. ابتدأ هذا التراث بصورة المرآة وهي صورة سحرية تماما وشرقية تماما. فالكندي الفيلسوف العربي، كان أول من نظر إلى العالم بوصفه جماعا من عدة معارض للمرايا، تعكس كل شيء ونفس الشيء، وكذلك لا ننسى أثر ابن عربي في هيجل أيضا. القضية أن الشرق فلاسفته في آن واحد شعراء وسلوكيون وساسة. وفلسفتنا هي المزج بين الدين والفلسفة أو ما يطلق عليه “Theosophy”. وهذا الخلط يمتد من أفلوطين المصري (270م) حتى الآن. المشكلة أن أساتذة الفلسفة في العالم العربي قاموا بالعرض والتحليل وتوقفوا عن التنظير، وإذا كانت الفلسفة هي منظومة من القيم (الحق والخير والجمال) فإننا لدينا الكثير من القيم لكنها في حاجة فقط إلى التنظير، أي أن تلك القيم موجودة في الفن والأدب وسلوك الناس. فإذا كانت اليونان أعطت الفلسفة والمنطق والحضارة، والرومان أضافوا إلى الحضارة الإنسانية التكنولوجيا، فالمصريون أعطوا للحضارة الفن والدين (دراسات في أدب وفكر عصري، الحداثة وما بعد الحداثة: الدكتور محمد شبل الكومي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015، ص 175، 176).
والنقد متضافر مع الفلسفة ولا تظهر حركة نقدية إلا ولها خلفية فلسفية؛ فنقد ما بعد الحداثة يعمد إلى إدماج المباحث التاريخية والاجتماعية والسياسية والصياغات التحليلية النفسية عند “لاكان”، وكل هذا جاء من الفلسفة التي قدمها نيتشه ونقده لمفاهيم السببية والهوية والذات. وهنا ظهرت نظرية “موت المؤلف”، وهذا المبدأ نوع من التطرف. وبجانب نيتشه هناك نظريات فرويد التي قوّضت تماما اليقين الميتافيزيقي بالكشف عن انقسام في الذات بين الشعور واللاشعور، ليس هناك انفصال بين القديم والجديد، فالأفكار لا تموت لكنها تتحوّر. وانعكست تلك الأفكار في طريقة عرض الحبكة والشخصيات واستخدام اللغة. لهذا نرى أن روايات ما بعد الحداثة لا تقدم لنا شخصيات لا تنسى، مثل شخصية سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ، وعندما ننظر في أعمال كتاب مثل جويس وهكسلي وفرجينيا وولف نجد أن الشخصية التي لا تنسى غائبة عن أعمالهم كليّا، ومن الصعب حتى أن نتذكر أي شخصية في رواياتهم.