شاعر عالمي
لطالما قرأنا كلمات نزار قباني التي “ليست كالكلمات”، واستمعنا إليها وردّدناها في ما بيننا، في مطلع الشباب على وجه الخصوص، ونحن نختلس النظر إلى حبيباتنا الصغيرات. تلك الكلمات العذبة المباشرة التي كانت تلهب مشاعرنا وتعبّر عن اللوعة التي تعتصر قلوبنا الصغيرة. ولطالما استمعنا إليها بأصوات المطربين الأحب إلى قلوبنا، بدءا من أم كلثوم، عبدالحليم حافظ، فايزة أحمد، فيروز، نجاة الصغيرة، ماجدة الرومي وكاظم الساهر… وآخرين. كلّ هذا جعل من نزار قباني أسطورة عربية، وأحدى إيقونات القرن الماضي خاصة، والشعر العربي الحديث عامة.
على أنّ انتشار كلمات نزار قباني لم يقتصر على العالم العربي، بل استعارت هذه الكلمات أجنحة، لتصبح كنوارس مهاجرة تحطّ في مختلف بقاع الأرض. وها هي تعبر البحر المتوسّط وتحط على شواطئ إيطاليا أيضا.
الموضوعات الأربعة التي اشتهر بها نزار قباني في إيطاليا هي: تغنيه بدمشق، المساحة الكبيرة التي حظيت بها المرأة في مشروعه الشعري، تغنّيه بالحب العذري والحسي، ثم أشعاره السياسية.
نأيه عن دمشق، الذي فرضه عليه عمله الدبلوماسي وتنقلاته بين البلدان، جعله يغرق في الحنين إليها، ويسعى إلى خلقها من جديد، فأصدر كتابه المعنون: “دمشق نزار قباني”. فضلا عن ذلك فقد وردت دمشق في قصائد أخرى. ثم شاءت الأقدار الحزينة أن يعود، مؤخرا، نصه الشعري “القصيدة المتوحّشة” إلى الأذهان، بفعل البيت الشهير “أحبّيني بعيدا عن بلاد القهر والكبت … بعيدا عن مدينتنا التي شبعت من الموت”. وقد خُطّ على أحد الجدران في مدينة حلب. فتناوله بعض الكتاب والمثقفين الإيطاليين، وهم يتحدّثون عن مأساة سوريا، ليصبح لسان حال مدينة حلب، مدينة القهر والكبت والموت.
أما موضوع المرأة، العزيز على قلوب الأوروبيين، فقد جعل من نزار قباني المدافع عن حقوقها والمطالب بحريتها، بل وجعل منه الشخصية الثورية على العادات والتقاليد والأعراف. وكان النقاد الإيطاليون يدركون الجدل الذي خلقه الشاعر في الأوساط العربية.
في حين جعلته قصائد الحب يحتل مكانة يحسد عليها، إذ عادة ما نجد بضعة أبيات من شعره، أو قصيدة كاملة من قصائده، تحتلّ مكانها ما بين كبار الشعراء الإيطاليين أو العالميين. فإذا ما بحثنا عن نزار قباني على صفحات الإنترنت، سنجد أشعاره، على سبيل المثال، بين أشعار أوجينيو مونتاله، آلدا مريني، ناظم حكمت، بابلو نيرودا وغيرهم.
أما أشعاره السياسية، بالذات ما بعد نكسة 1967، فقد أخذت صدى واسعا، واهتم بها النقاد الإيطاليون منذ اللحظات الأولى لصدورها، وكتبوا عنها مقالات ودراسات مختلفة. وقد لاحظ النّقاد انقلاب حال الشاعر بعد النكسة، لما أصاب العالم العربي من هزيمة كبرى جرحت وجدان الشاعر والإنسان في نزار قباني. أدّى كل ذلك، حسب النقاد الإيطاليين، إلى إيقاظ ضمير نزار قباني السياسي، والذي كان غارقا، قبل ذاك، في شعر الحب والغراميات الرقيقة. وأحدث انقلابا في تاريخه الشعري، وقاده إلى كتابة أعنف قصائده السياسية الجارحة والموجعة.
أول ترجمة صدرت لبعض قصائد نزار قباني في إيطاليا كانت في أنطولوجيا، عام 1962. وتضمّ هذه الأنطولوجيا، التي تحمل العنوان “نقوش من الشعر العربي المعاصر”، بعض كبار الشعراء العرب، بينهم عمر أبوريشة، جبران خليل جبران، بدر شاكر السيّاب، أبوالقاسم الشابي، نازك الملائكة، عبدالوهاب البياتي، ميخائيل نعيمة، وآخرين. وقد صدرت عن أحدى أكبر دور النشر في إيطاليا: درا نشر موندادوري. بعد ذلك بعشر سنوات، 1972، صدرت مقالة في مجلة “الشرق الحديث” عن شعر نزار قباني، بعنوان “نزار قباني، شعر في الحب والنضال”، بقلم الناقد جوڤـانّي كانوڤـا. عام 1974 يقوم الناقد نفسه، كانوڤـا، وفي ذات المجلة، بكتابة مقال عن كتاب نزار قباني “قصّتي مع الشعر”، وكان الكتاب – إذّاك – قد صدر منذ ما لا يزيد عن سنتين. في حين صدر في العام 1976 كتاب “شعر”، عن مؤسسة الشرق في روما، ويضم مجموعة من قصائد نزار قباني في ثلاثة مواضيع رئيسية: الحب، الحوار مع الذات، شعر النضال. وقد اشتمل الكتاب على مقدّمة غنيّة بأقلام كل من النقّاد جوڤـانّي كانوڤـا، م. دي لوكا، مينگـانتي وبيلّيتّيري.
في عام 2001 صدرت أنطولوجيا شعرية تضمّ معظم كبار الشعراء في العالم، في 640 صفحة، عن دار النشر “جونتي” في مدينة فلورنس، وكانت لنزار قبّاني حصته فيها أيضا، فضلا عن محمود درويش وأدونيس وشعراء آخرين. وفي العام نفسه صدرت ترجمة للمجموعة الشعرية “الكبريت في يدي ودويلاتكم من ورق”، أضيفت إليها قصائد أخرى. وقد قامت بترجمة المجموعة والتقديم لها ڤـالنتينا كولومبو، وصدرت عن دار نشر “سان ماركو دي جوستينياني”، في مدينة جنوى. ثم صدر آخر ما صدر، حتى الآن، في العام 2016 مجموعة “أحلى قصائدي”، والتي أشرف على ترجمتها نبيل سلامة وسيلڤـيا موريسي، عن دار نشر جوفانس في ميلانو.
فضلا عن ذلك هناك عدد كبير من المقالات على صفحات الإنترنت عن نزار قباني وشعره وشاعريته، إضافة إلى كم كبير من قصائده المنشورة في المجلات والصحف الإلكترونية والمدوّنات الشخصية وغيرها.