جبير المليحان تجربة منبر قصصي
مضت أكثر من ثمانية عشر عاما على انطلاق شبكة القصة العربية التي دشّنت على يد القاص والكاتب السعودي جبير المليحان، التي أراد لها منذ بداياتها أن تكون بيتا للسرديين والقاصين من كل أقطار الوطن العربي، من الخليج إلى المحيط، ومن بغداد حتى اليمن. وفعلا، هذا ما أسفرت عنه شبكة القصة العربية، إذ استطاعت أن تلملم شتات القصة تحت سقف واحد كان قادرا على أن يقدّم للقراء أجيالا متنوعة من التجارب المختلفة، ومن التقنيات المتنوعة، عبر شبكة علاقات امتدت ببطء منذ أكثر من ربع قرن. مجلة الجديد تتوقف معه في حوار حول تجربته في شبكة القصة العربية.
بالعودة إلى إحصائية موقع القصة العربية حتى نوفمبر 2018، والتي لا تشمل المنتدى، فإن عدد الكتاب بأسماء حقيقية: 2777 قاصة وقاصا، وعدد المشتركين: 20583 مشتركا، وعدد النصوص المنشورة: 20039 قصة، وعدد التعليقات على القصص: 107803 تعليقا، وعدد القراءات للنصوص: 45207277 قراءة، وعدد الزوار: 21194270 زائرا.
هذه الشبكة العنكبوتية المرجعية المهمة للمشتغلين على فن القصة في الوطن العربي لم تتلق أي دعم مادي أو إعلاني مطلقا، لا من مؤسسات رسمية ولا أهلية، باستثناء جائزة الصندوق العربي للثقافة والفنون في إحدى دوراته السنوية، والدعم الخاص بطباعة الكتب الورقية.
وفي حديثنا مع المليحان عن بداية تشكّل موقع القصة العربية يقول “ربما جاءت وكأنها صدفة؛ كأن تكون لديك مجموعة طيور من الكلمات تريدها أن تحلق، لكن ثمة من كان يحبل لها الأفخاخ في الفضاء، إلا أن السماء تنفتح لك لتطلق هذه الطيور بحرية؛ (دخلت الإنترنت رسميا إلى المملكة العربية السعودية في عام 1997 بموجب قرار وزاري، وسمح للعامة بالوصول إلى الإنترنت في عام 1999). كنت عام 1998 أنشر زاوية في إحدى الصحف، وتم إيقافها حيث لم يعجب اقتراحي بتخصيص التلفزيون وكيل الوزارة، فطلب إيقاف الزاوية. فتحت في نفس العام موقع (القصة العربية) لنشر نصوصي. وبقي في مرحلة التجهيز حتى نَشَرتُ أول النصوص القصصية في 9 مايو 2000 في الموقع. وسرعان ما انتشر الخبر بين أصدقائي القاصين السعوديين، وطلبوا نشر نصوصهم، ثم بدأ الأصدقاء الساردون العرب يتوافدون إلى الموقع من ذاك العقد وحتى الآن”.
ويتابع “في عام 2004 اقترح أعضاء موقع القصة العربية فتح نافذة للحوار، فألحقنا بالموقع (منتدى القصة العربية) الحواري شاملا المواضيع الثقافية؛ الآداب والفنون والموسيقى والكتب وقصص الأطفال، والقصص المترجمة والمعمل الأدبي وأبواب أخرى. كانت قوانين وضوابط المنتدى وآلية المشاركة والنشر في (شبكة القصة العربية) قد نضجت فأعلناها في المنتدى. وكانت تنص في البداية على أن (شبكة القصة العربية) منبرٌ عربي حر لجميع الأقلام الحرة في أي مكان في العالم، يهدف إلى تأصيل حرية الحوار، وتعدديته، والرقي بلغته في ما يتعلق بالكتابة السردية القصصية، وتطوير آفاقها، وتنويع تقنياتها، مصحوبة بنقد مبدع، وكاشف، ومصاحب، ودال. يطرح بشتى الصور والأشكال ضمن الشروط المذكورة من أجل رفعة الفكر والثقافة، والمساهمة بفعالية في كشف واقعنا العربي وصولا إلى مستقبل أفضل للإنسان العربي في سعيه نحو الحرية والعدل والسلام”.
ويضيف المليحان “إن ‘منتدى القصة’ توأم ‘لموقع القصة العربية’، يهدف إلى تطويره وتحقيق أهدافه. إن الغاية التي نسعى إليها دائما (في الموقعين) هي تطوير فن السرد القصصي والرقي بأساليبه، وتنويع تكتيكاته، والتعريف بكتاب القصة العرب وإنجازاتهم، على المستويات العربية والعالمية. نحن نعول كثيرا (في منتدى القصة) على الدور الكبير الذي ينهض به النقد المبدع، الجاد، الذي يتخذ من الموضوعية نبراسا. ومن الطبيعي القول إن ‘المنتدى’ مخصص للأدباء المبدعين المتميزين بإتقان لغتهم العربية، التي هي وسيلتهم ووعاء إبداعهم وأفكارهم، وهذا يحتم أن يكون الطرح بلغة عربية سليمة وأسلوب جزل وراق. إن لغتنا العربية هي دوحتنا التي نستظل بها، وهي التي توحد أفكارنا ورؤانا مهما تعددت غصونها، وتنوعت ثمارها. لذا فإن استخدام العامية بشكل كامل ممنوع، ويتم حذف ما يكتب بها فورا، كما أن تطعيم المقالات والمداخلات بالعامية غير مستحب، ووجود أخطاء إملائية أو نحوية أو أسلوبية إنما يحسب على الكاتب، وليس على الشبكة. لذلك فإن المشرف على القسم سيقوم بتنبيه العضو في حالة الإخلال بسلامة اللغة بشكل ملفت، وفي المرة الثانية سيتم حذف المشاركة”.
توقفنا مع ضيفنا من خلال إشرافه على الموقع حول الأسئلة التي تشغل القاصين في الوطن العربي؟ وهل هنالك سؤال أو قضية أو فكرة يمكن أن تشكّل مظلة لهم؟ أم أنهم يمكن وصفهم بأنهم أسراب ذات قضايا متشتتة ومختلفة طبقا لاختلاف جنسياتهم؟
يجيب “من خلال الإشراف والرصد المستمر للنصوص الواردة أجد أن الكثير من القصص تعالج الأوضاع التي نتشارك فيها كشعوب عربية ومنها: مسألة الحرية، دور العلم في تقدم الشعوب، تحليل ونقد الكثير من العادات التي تعيق طرق النمو والتقدم، العلاقة بين الرجل والمرأة، مكانة المرأة في مجتمع محافظ، القيود التي تفرض على النساء والشباب خاصة ونقد الموروث”.
ويوضح المليحان أن تقنيات وأدوات الكتابة -خاصة في السنوات الأخيرة بعد ظهور وانتشار وسائل التواصل- تغيرت، ويقول “غدا النص مختزلا، قصيرا، وربما فارغا من شعلة الإبداع، كما أن مستوى صحة اللغة لم يعد الهم الكبير لدى البعض، إضافة إلى الحديث عن الهم الفردي المحض، والهامشي والمتروك والمهمل”.
وعن قراءته الشخصية -بحكم تجربته الطويلة- لواقع القصة القصيرة في الخليج العربي على مستوى الاشتغال، وعلى مستوى تطور التجربة مع تعاقب الأجيال وأين يضع القصة القصيرة السعودية عربيا، يقول المليحان “أعتقد أن النص القصصي في السعودية وسلطنة عمان قد تجاوز إطاره المحلي محلقاـ بإبداع- في الأفق العربي، مع النص المغربي والسوري والمصري وبعض البلدان العربية الأخرى. إن ولادة كتّاب نصوص قصصية جديدة دائما، واستمرارهم في الإبداع يلاحظان بوضوح في هذين البلدين. كما أن تنوع الطرح وتعدد التقنيات واستخدام أساليب تجريبية جديدة تدعم اعتقادي هذا”.
مسلسل تاريخي للشبكة
- لقد مر الموقع (شبكة القصة) بعدة مراحل، يمكن إيجازها:
- موقع القصة العربية كموقع شخصي عام 1998، ورابطه الإلكتروني هو: http://www.arabicstory.net
- بداية النشر القصصي للكاتب وآخرين في 9 /5 /2000، وكان الموقع ينشر 15 نصا كل أسبوعين.
- إضافة (منتدى القصة العربية) عام 2004، ومازال عاملا، ورابطه الإلكتروني هو: http://www.arabicstory.net/forum
- إضافة (جريدة القصة العربية) عام 2008، وهي الخاصة بأخبار الثقافة والفن والأدب والموسيقى. وقد توقفت بعد سنتين.
- تمت دعوة الموقع لحضور معرض صنعاء الدولي للكتاب عام 2004 من قبل وزير الثقافة والسياحة اليمني خالد الرويشان، وطبع أول كتاب ورقي من محتويات الموقع باسم (قصص سعودية)، وسلم لمؤسس الموقع كهدية. وقد ضم الكتاب نصوصا لسبعين كاتبة وكاتبا من السعودية.
- تمت طباعة الكتاب الثاني والثالث والرابع بجهد وتمويل شخصي من مؤسس الشبكة. وبالتعاون مع نادي الشرقية الأدبي برئاسة الأستاذ خليل الفزيع، تم إصدار الكتاب الورقي الخامس من محتويات الموقع حتى الآن، ولدى الموقع عروض لطباعة ثلاثة كتب أخرى، من أصدقاء ومؤسسات ومجتمع مدني.
- أصبح الموقع ينشر يوميا مجموعة من النصوص اعتبارا من مارس 2002. واستمر حتى الآن.
- تم إنشاء موقع القصة العربية في الفيسبوك. وينشر فيه القصص التي ينشرها الموقع يوميا. وهذا هو الرابط: https://www.facebook.com/jubair.M.M/
- تم إنشاء موقع القصة العربية في تويتر، وينشر فيه القصص اليومية أيضا، وهذا هو الرابط: https://twitter.com/jubairm
- يعمل المليحان الآن على نسخة جديدة للشبكة، ويتوقع أن تلقى إقبالا كبيرا، خاصة وأنها مرتبطة بجميع وسائل التواصل الاجتماعي.
سيرة ذاتية مختصرة
جبير المليحان: كاتب وأديب سعودي، ومؤسس شبكة القصة العربية، وله العديد من المؤلفات القصصية والروائية. عمل في الصحافة متعاونا ومتفرغا، ورأس مجلس إدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي مدة خمس سنوات، انتهت بتقديم أعضاء المجلس استقالتهم احتجاجا على وزارة الثقافة والإعلام لحجب لائحة الانتخابات.
فاز بعدة جوائز، وتم تكريمه في 2015، ضمن المبدعين في دول الخليج العربي في المجالات الثقافية والأدبية والفنية خلال الحفل الذي أقيم بالعاصمة القطرية على هامش الاجتماع الواحد والعشرين لوزراء الثقافة في دول مجلس التعاون الخليجي. كما تم تكريمه من قبل نادي الرياض الأدبي في ملتقى النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية في 2016. وفاز بجائزة وزارة الثقافة والإعلام السعودية عن روايته “أبناء الأدهم” في عام 2017، والمقامة ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي بالرياض.