هذا العدد
في هذا العدد تطوي “الجديد” نصف عام وتفتتح النصف الثاني منه مثابرة على نشر النصوص الإبداعية المبتكرة إلى جانب النصوص الفكرية الجريئة، وعلى إدارة حوار فكري حرّ يوسع من أفق البحث ويمنح السؤال النقدي مساحة مضاعفة من خلال سجال تلكأت النخب المثقفة، وترددت طويلا في مباشرته، لا سيما حول ما يتصل بالقضايا الفكرية الشائكة والملفات المهجورة كسلا أو يأسا أو خوفا.
يحفل هذا العدد بنصوص شعرية ومسرحية وقصصية وكذلك بأبحاث ومقالات ودراسات وتخطيطات وأعمال فنية.
كرست “الجديد” ملفها الفكري لهذا العدد، جريا على ما انتهجته في أعدادها السابقة، لخوض مناقشة مفتوحة مع المفكر طيب تيزيني من خلال حوار متعمق مع صاحب “من التراث إلى الثورة” الذي عرف بإسهاماته الفكرية الجريئة على مدى نصف قرن، وبرز اسمه في العالم العربي منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي، لا سيما في الطروحات والسجالات التي حاولت قراءة الواقع العربي، بجموده وتحولاته، في ضوء علاقة الشخصية العربية بالتراث، وأثر التراث العربي في تشكيل المنظومات الفكرية والاجتماعية والسياسية، وفي تحديد توجهات الثقافة العربية المعاصرة في مجتمعات عربية قلقة.
سوف يلاحظ قارئ طيب تيزيني في حواره مع “الجديد” أثر الوقائع التراجيدية وانتكاسات الانتفاضة السلمية في سوريا على تفكير الرجل، ونقرأ هذا خصوصا في ما سماه بـ”اللحظة المناسبة” للتغيير.
ويقصد بها “الفرصة التاريخية” التي تتوفر لها شروط تحقيق انتقال سلمي للمجتمعات العربية من الاستبداد إلى الحرية. فيذكرنا بمقولة زعيم الثورة الروسية فلاديمير إيليتش لينين “أمس باكر وغدا متأخر”، في وصفه للوقت المناسب للثورة على الطغيان القيصري.
استعادة تيزيني لهذا المصطلح تريد أن توحي بأن الواقع العربي لم تنضج فيه شروط الانتقال الديمقراطي، لا سيما في الجغرافيا السورية حيث قاد العنف الرهيب للنظام البلاد إلى حمامات دم وإبادة جماعية، ونقل الحراك الاجتماعي من حيزه السلمي إلى أرض العنف، وجعل من القضية السورية قضية إقليمية ودولية بالغة التعقيد تورطت فيها عشرات الدول والمليشيات الإرهابية ذات الطابع الإسلامي الشيعي والسني، وهو ما شوّش الصورة الأولى الباهرة للحراك السلمي، وجعل الثقافة العربية بكل مكوناتها في حالة عجز جلي عن أن تقيم قراءة خلاقة للوقائع والمجريات تستجيب لطموحات الأجيال الجديدة وتطلعاتها، وتفعل فعلها في مجرى الأحداث.
بهذا العدد تواصل “الجديد” شق طريقها محتفية بالنص المبدع والفكر الحرّ.
المحرر