ماهية النص الرقمي
راج مصطلح النص الرقمي مع رواج التقنية الرقمية، فهو النص الذي يتشكل في البيئة الرقمية، بتوافر العناصر؛ الحاسوب، شبكة الإنترنت، والكاتب والتقني المتفاعل. ماهية الشيء هي ما به الشيء من حيث هي، المصطلح منسوب إلى: ما هو؛ جعلت الكلمتان (ما – هو) ككلمة واحدة.. (معجم لسان العرب). لعل جموع تلك النصوص قد ينتج ما يسمى بالأدب الرقمي، وهو الأدب الذي يقرأ بالحاسوب. أما منظمة الأدب الالكتروني “أيلو” أو “ELO” تؤكد (أن من المهم العمل مع الجانب الأدبي بصورة رقمية والاستفادة من القدرات المتاحة على الكومبيوتر مع إمكانية استغلال شبكات الكومبيوتر).. وهنا نقلة جديدة حيث توظيف إمكانات وقدرات جهاز الحاسوب.
أنتجت التقنية الرقمية العديد من الأصناف من النصوص الأدبية، منها التخييل النثري سواء بتوظيف معطيات الانترنت أو بمجرد توظيف اللغة الخطية فقط مع القراء والمطالعة على شاشة أجهزة الحاسوب.. وكذا إنتاج الشعر الحركي الذي يعرض على هيئة فلاش واستخدام أنظمة تشغيل أخرى. ويمكن توظيف الشكل الحوارى كما في المحادثة الفورية أو “Chatterbots”.. ثم مشاريع الكتابة التعاونية التي تسمح للآخرين بالمساهمة بنص ما مثل الروايات التي قد تأخذ شكل رسائل في البريد الإلكتروني. وكذلك النصوص الفيسبوكية التي توظف صفحات الفيسبوك.. ثم الرواية والنصوص التفاعلية والذي يسمى أيضا بالـ Interactive” fiction”
وكان الأدب الإلكتروني/الرقمي الذي هو؛ أعمال أدبية يتم إبداعها عبر وسائط الاتصال وتُنشر أولا عبر شبكة الإنترنت. يمتاز بعناصر هامة، منها سهولة الوصول إليه – قلة قيود النشر- والتفاعل القوي مع جمهور القراء مباشرة على شبكة الإنترنت. مظاهر “التفاعلية” عبرت عن هوية النصوص الرقمية: رواج الكتابة الإبداعية المشتركة خلال فترة مبكرة من ظهور التقنية الرقمية، بسبب أن «خدمة البريد الإلكتروني” التي سبقت ظهور شبكة الإنترنت بشكلها المعروف، وهذا شجع فكرة التأليف الجماعي للنصوص.
كما راجت الكتابة الإبداعية المشتركة باستخدام المنتديات والمواقع الثقافية المتخصصة التي ظهرت لاحقاً.. أن يبدأ أحدهم كتابة نص ثم يضيف عضو آخر على النص، ثم ثالث وهكذا.
الرواية الرقمية والمصطلح
أول عمل روائي وظف الحاسوب والتشعب ظهر عام 1986 في أميركا، تحت عنوان «بعد الظهيرة» لمايكل جويس، وكان ثمرة لقاء مؤلفين حول البرنامج المعلوماتي “فضاء الحكي” (Storyspace) والناشر (Eastgate) ومؤلف نقدي تحت عنوان «الكتابة الفضائية». عشر سنوات بعد ذلك ويظهر أول نصين فرنسيين هما «الزمن القذر» لألان شيفو وجيل أرمانيتي وفرانك ديفور و«20 % حب زيادة» لفرانسوا كولون. وقد بدت التفاعلية في تلك الأعمال المبكرة، ليس أكثر من التعليق على النص الرقمي قبولا أو غيره، دون المساس بالمتن.
فيما بعد ظهر النص التشعبى الذي يتشكل بمشاركة عدد من المهتمين بالنص الأدبي الجديد.. لعل معظم نظريات القرن العشرين في النقد الأدبي والفلسفة كانت إما مُبشرة بظهور «النص التشعبي» باعتباره العمود الفقري لهذه الكتابة الرقمية التشعبية الجديد ومنها: «حوارية» باختين، «جثت»، كما عند “ميشال فوكو” «موت المؤلف» و«تداخل الحقول المعرفية»، كما «النص – الشبكة» و«موت المؤلف» عند رولان بارث، ثم «نهاية الكتاب» و«اللامركز» عند دريدا، و«تناص» جوليا كريستيفا، بل وحتى «متاهة» بورخيس.. الخ. كل ذلك وجد نفسه مشدودا لـ «النص التشعبي» بأكثر من خيط.
ولدت عدة مصطلحات معبرة عن النص الروائي الرقمي الجديد.. «الرواية الرقمية»، «الرواية الإلكترونية» «الرواية التشعبية» «الرواية الترابطية»، «الرواية التفاعلية»، ثم «رواية الواقعية الرقمية».. إجمالا يمكن أن نحصل على ثلاثة مصطلحات: «ترابطية» أو «تشعبية»، «إلكترونية»/«رقمية» ثم التفاعلية.
الملاحظ أنه إذا انتقلنا إلى محركات البحث بشبكة الإنترنت وجدنا العمل الواحد يُصنف في أكثر من خانة. مرد هذه «البلبلة الاصطلاحية» – إن جاز التعبير – كون الوضع الاعتباري للأدب الجديد لم يتحدد بعد، والإنتاج لم يبلغ من التراكم ما يتيح التمييز بوضوح بين أجناس فرعية داخل النوع الجديد.
الرواية «الرقمية» والرواية «الإلكترونية»: يشتركان في غياب السند الورقي، وما أن يخضع نص ورقي للرقمنة حتى يكتسب صفة «رقمي»، من هذه الزاوية، يكون اصطلاح «الرقمي» عاما تندرج تحته الكتابة الخطية والتشعبية على السواء. كما يركز اصطلاح «رقمي» على الطبيعة غير المادية للسند، يركز رديفه «الإلكتروني» على الحاسوب باعتباره الجهاز الذي بواسطته يتم رقمنة النصوص.
الرواية «مترابطة» و«تشعبية»: يشتركان في غياب الخطية فعبر تنشيط روابط الحكي التي تأخذ شكل كلمات أو جمل متناثرة هنا وهناك، يتاح للقارئ الانتقال إلى وجهات سردية أخرى أو الوصول إلى حكايات فرعية أصيلة في متن النص. هذا الترابط مع تشعبه وتعدده قد يشي بالتشتت والمتاهة والتشعب «النصوص التشعبية» (أو المتشعبة) مقابلا للأصل المصطلحي hypertexte).
الرواية “التفاعلية”: لهذه التسمية ميزة إبراز دينامية العلاقة التي تنشأ بين النص الرقمي وقارئه، يُبرز المصطلح الجانب الآتي من السرد الجديد: النص والقراءة معا هما حصيلتا حركات متبادلة يتوقف بعضها على بعض، بين جهاز الحاسوب/مجموعة من البرامج، من جهة، والقارئ من جهة ثانية. بدون تدخل القارئ لن يحقق التفاعل.
خلاصة
باستثناء مصطلح الـ «hypertexte» لا مانع في استخدام المصطلحات كلها “رواية رقمية/إلكترونية/تشعبية/تفاعلية” للدلالة على النص؛ فكل تسمية تركز على بُعد من خصائص الكتابة الرقمية (عبر الحاسوب- توظف خصائص يوفرها الجهاز مثل الصورة أو الصوت وغيره) والنص هو هذه السمات مجتمعة. أما مسألة الخلط الذي يمكن أن ينتج عن اكتساب النص الورقي صفة «رقمي» بمجرد رقمنته حيث يقال “نسخة رقمية بصيغة PDF أو (نسخة رقمية بصيغة وورد”.
رؤية نقدية
ولد التساؤل حول خواص هذا الإبداع الجديد وملامحه (الابداع الرقمي) مثل البلاغة الرقمية التي تعني فن الإقناع في وسائل الإعلام الإلكترونية، أو فن توجيه المحتوى في أنواع جديدة من الخطاب، كالبريد الإلكتروني، صفحات المواقع، ألعاب الفيديو، المدونات، والصور المعدّلة ليناسب الوسط الذي يُقدم عبره (الإنترنت).
فبلاغة الإنترنت تقاس على جانبين:
– الاعتبارات الوظيفية: مجموع ما يجعل الموقع/النص مُستخدما بسهولة، ومُفضلا، والآخر جمالي أو “الاعتبارات الجمالية” حيث سقطت سطوة الكلمات.
– تراجعت أمام سطوة الأيقونات والصور المحملة بالأفكار والانفعالات مع حالة الاختصارات المتعلقة بالتعبيرات الأجنبية المتكررة، لوصف أفعال تتخلل الحوار مثل: lol: laugh out loud، أو لتجنب كتابة تعبيرات شائعة، مثل ..IMHO: in my humble opinion التمرير السريع للأفكار والمفاهيم، في زمن محدود وبضربات قليلة على لوحة المفاتيح..
عناصر تشكل الرواية التفاعلية
الكاتب والناقد الرقمي فالكاتب الرقمي عليه أن يكون “ملما بلغات البرمجة المختلفة وتعلم برامج متعددة منها: الفوتو شوب والفلاش ماكرو ميديا والباور دايركتور وعلم الجرافيكس.. الخ. كما يجب على الناقد الرقمي الجديد الإلمام بكل الخصائص الفنية والوظيفية ﻹنشاء نص روائي ناضج.
ثم القارئ التفاعلي الذي سيعبّر عنه الأدب الرقمي، القارئ الرقمي لم يعد سلبيا كما كان حال القارئ الورقي، يستطيع الاختيار من خلال تقنية الهايبرتكست حيث يستطيع الذهاب مع لينك معين وتجاهل لينك آخر، أو العودة والمزاوجة بينهما وفي كل قراءة سيخرج بشيء مختلف وربما رواية مختلفة.
جانب أول من تأثير التفاعلية الرقمية وهو ما يتجلى من تأثير التقنية الرقمية على بناء الرواية السردية الورقية أو التقليدية (مع نماذج من الروايات الرقمية) مثل رواية: أبناء الديمقراطية (2006) للمصري ياسر شعبان، و” لعنة ماركيز” (2007)، للعراقي ضياء جبيلي، و”حرية دوت كوم” (2008م) للمصري أشرف نصر، و”في كل أسبوع يوم جمعة” (2009) للمصري إبراهيم عبدالمجيد”، و”حبيبي أونلاين” (2009)، للمصري أحمد كفافي، و”فتاة الحلوى” (2010) للمصري محمد توفيق وغيرها.
ثانيًا الرواية الرقمية التفاعلية، أو الرواية التي تمّ سردها إلكترونيًا، والتي لا تمكن قراءتها إلا من خلال الاتصال بالحاسوب، وليس لها نسخة ورقية، مثل رواية ” شات” للكاتب الأردني محمد سناجلة، و”ربع مخيفة” للمصري أحمد خالد توفيق، و”على قد لحافك” للمدونين المصريين بياست وجيفارا وسولو، و”الكنبة الحمرا” للسينارست المصري بلال حسني، و”على بُعْد مليمتر واحد فقط”، للمغربي عبد الواحد أستيتو.. وغيرها.
ماهية التفاعلية في النصوص الرقمية إذن، تتجلى مع عدد من المظاهر منها:
أولا: تفاعل الكاتب الرقمي مع نصه على صفحة الشاشة للحاسوب (خلال مرحلة قديمة).
ثانيا: تجلى شكل تفاعلي بالتشارك بين الكاتب وكاتب آخر لإنتاج نص رقمي جديد.
ثالثا: كانت فكرة إنتاج النصوص التشعبية حيث نقاط يتفاعل معها القارئ لتلقي المزيد من المعلومات والاثارة.
رابعا: إنتاج النصوص التي تعتمد على الصورة والصوت واللون والحركة ثم الكلمة (الأنيميشن) وهي مفردات اللغة الرقمية الجديدة.
خامسا: ذلك التفاعل بين القارئ أو المتصفح مع تلك النصوص بحيث يعدل منها.. ربما تبدو ألعاب الطفل الرقمية أكثر الأمثلة شيوعا لهذا النمط من التفاعل.
إذن تبدو ماهية التفاعلية هي جملة مظاهر التعامل اﻹيجابي من الكاتب الرقمي والقارئ الرقمي مع نص رقمي ما.