إضاءة المعتم من حياة الرجل والمرأة
تعد الحركات النسائية (وضمناً حركة كتابة المرأة) عنصرًا مهمًا في تكوين المجتمع المدني، فقد ثارت المرأة لذاتها المقهورة ولسلبها حقوقها وتكبيل حرياتها وتقييدها من قبل السلطة الأبوية والقبلية، حتى استطاعت تحصيل بعض الاعترافات بكينونتها مما منحها فرصة للوقوف صفًا إلى صف بجانب الرجل في النضال من أجل التحرر الوطني وانتزعت بعض المشاركات في الحياة العامة، ومن هنا اتسعت مطالبها في مقاومة التمييز ونادت وما زالت بالمساومة في الحقوق والواجبات، ورفضت أن تكون صفرًا بلا قيمة إنتاجية باعتبارها تشكل نصف المجتمع وأكثر.
أظن أن المرأة الكاتبة رسمت صورة غير نمطية للرجل في الرواية النسائية العربية، وأتقنت الكتابة عن دواخلها وأمومتها الفطرية، فأبدعت بعضهن في الكتابة كحزامة حبايب وآسيا جبار وعدنية شبلي وليانة بدر وسحر خليفة وكفى الزعبي ودلع المفتي ومنى الشيمي ونغم حيدر وغيرهن، لكن مقارنة بأعداد الكاتبات العربيات واللواتي يتوجهن لكتابة الرواية، فإن أسماء المبدعات تقتصر على نماذج معينة. كما أن منهن من تحدثن بلسان الآخر بحيادية، باعتبار الرجل شخصية محركة أو أبطال أعمالهن الأدبية، كما أن أدباء رجالا أمثال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وواسيني الأعرج وفادي عزام كتبوا عن العنف الذي تتعرض له المرأة في أعمالهم الأدبية، وبالتالي ليس هناك من داع لتجنيس الأدب بمسمّيات أدب نسوي أو أدب الأظافر المقلمة لأن الإبداع الكتابي وقضايا المرأة وهمومها لم تقتصر على كتابة المرأة أو بوحها بخصوصيتها وإقحامها في الأدب بغير هدف وليس في كتابة الرجل بلسان المرأة أي اقتناص أو تكلف أو نقص.
وقد تفنن الشعراء في رسم متخيل وصفي لجسد المرأة وحاجتها لتكون مالكة حريتها، وأبدعت شاعرات في تحويل العبارة الشعرية لمعزوفة من الكلمات تعصف بالقلب وتحيله جنة، وهذا النوع من الوصف لا يمكنه رصف الرواية لأنها ستغرق بفجاجة البوح بدلًا من وضع القارئ أمام قضايا الإنسان على مر العصور. وأبدعت الكاتبات في كتابة التفاصيل الصغيرة التي قد يمرّ عنها الكاتب دون أن يعيرها اهتمام يُذكَر. ورغم أن المرأة تنقاد لعاطفتها والرجل ينقاد لعقله إلا أن ميزان الإبداع أن يولد النص حرًا متجردًا من صوت كاتب/ته؛ فالحنق والغضب أو الاحتجاج على مظلمة أو الشغف والحلم كلها مشاعر الشخصيات وليس الكاتب/ة.
أيضًا، يتوجب الوقوف على الأسباب والنتائج لفرضية أن الرجل نكدي، صاحب ميول جنسية وذكوري، وأن العنف صفة متوارثة بالدم لديه، لفهم ودراسة إن كانت الكتابة النسائية العربية متنفسا وهاجسا داخليا أو تجنيا المرأة على الرجل أم أن الكتابة تسليع لصورة المرأة أو أنها مسألة معيقات وقيود تحررت منها الكاتبة أو آمال ترغب بمشاركتها مع الأخريات بدافع الصحو والتجربة والكشف والإفصاح عن المسكوت عنه أو أنها تخاف خسارة حماية الرجل.
لستُ من النوع الذي يكتب في التابوهات ولا يعني ذلك رفضي لقبول ما يُكتب في المحظورات، لكن جلّ اهتمامي وتركيزي فيما أغفلته القافلة وهي تسير في طريق الكتابة عن ثالوث الدين والجنس والسياسة. أظن أن النفس البشرية يجب أن تنضبط بمفهوم الموضوعية والأخلاقية لتتحقق الجرأة للنص.
في روايتي “أثلام ملغومة بالورد” الصادرة مطلع عام 2018، كان ضمير المتكلم “أنا” حاضرًا بشكل مكثف لأنها رواية سيرة، علمًا أن هناك فرقاً بين السيرة الذاتية ورواية السيرة والمذكرات، لكن كلها جزء من أدب الاعترافات، وعليه، فالإفصاح والكشف يمثلان ثيمة رئيسية للعمل. أذكر قراءة لأحدهم في روايتي، قال بما معناه إن حياة، الشخصية الرئيسة، كارهة للرجال “متحاملة” وأن ذلك انعكاس لما أنا عليه ككاتبة صاحبة الفكرة. لأيام غضبتُ من هذا الحكم الظالم ورحت أعيد قراءة الرواية مرة تلو الأخرى متخذة زوايا مختلفة للقراءة، فكنتً المرأة في النص، وكنتُ القارئة المرأة وكنتُ القارئ الرجل وكنتُ القارئ المثقف الذي يكتب عن العمل، فلم أجد نفسي تجنيتُ على أحد ولا أعتبر نفسي نسوية أو كتبتُ كضحية للسلطة الأبوية وإنما للمرأة الهوية التي تمثل وطنًا حرًا.
حاولت أن أقرأ بعين الناقد السوسيولوجي، بمعنى أبحث عن الهوية بصورها واختلافها فتساءلت عن عدم التفات هذا القارئ لدلالة العنوان وأسماء الشخصيات وربطها بسلوك الشخصيات والنهاية المفتوحة، وتساءلت عن عدم ربطه بين القضايا والموضوعات والذاتي والجمعي في العمل. ولماذا لم ينتبه إلى أني ككاتبة أسلط الضوء على الظلم الواقع من المرأة على المرأة كما من الرجل على المرأة. أظن أنني استطعت أن أسلط الضوء على جانب معتم من حياة الرجل والمرأة في سياق رابط الزواج والأسرة والأخوّة من جهة والغيرة الأنثوية والصراع على التملك والأنانية للرجل من جهة المرأة.