عندما بكى نيتشه
“عندما بكى نيتشه. هي رواية خيالية تاريخية كتبها البروفيسور الأميركي إيرفين يالوم في عام 1992، وهو أستاذ فخري في الطب النفسي بجامعة ستانفورد.
وتسرد لقاءًا افتراضيًا بين شخصيات الحياة الواقعية الدكتور جوزيف بروير الذي أدت نتائجه العلاجية إلى إنشاء التحليل النفسي الحديث والفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه الذي يعد من أبرز فلاسفة ما بعد الحداثة. أحداث القصة تدور حول الدكتور جوزيف بروير الشهير الذي يعالج اكتئاب فريدريك نيتشه دون علمه ومعرفته. يستخدم إروين يالوم خياله التاريخي ليجمع فريدريك نيتشه مع الدكتور جوزيف بروير. وهو واحد من علماء النفس البارزين في العالم. تم تحويل الرواية إلى فيلم في عام 2007 بالعنوان نفسه، ومن إخراج بينشاس بيري.
يصور الفيلم لقاءً متخيلًا بين عالِم النفس الشهير جوزيف بروير والفيلسوف نيتشه. في هذا الفيلم نعرف أن الطبيب النمساوي جوزيف بروير المكلف بعلاج نيتشه من الصداع النصفي المتكرر ومشاكله النفسية بشكل أكثر سرية. ينتهي الأمر بالرجلين بمعالجة بعضهما البعض من خلال مشاركة قصصهما، وبالتالي مساعدة بعضهما على تجاوز علاقاتهما المضطربة مع النساء. يبدأ الفيلم بتلقي الدكتور جوزيف بروير) الممثل بن كروس) رسالة من لو سالومي (الممثلة الكندية كاثرين وينيك) وتطلب منه اللقاء به. وتحدد موعد المقابلة في الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي في كافيه روزيه وتؤكد له أنها مسألة (حياة أو موت)، ويظهر في المشهد الأول دكتور بروير وهو يمعن النظر في ساعته وينكشف لنا التاريخ وكان في ربيع عام 1882 في ريزورت تاون على نهر الدانوب. تقبل (سالومي) سيدة شقراء جميلة وبفستان أحمر، وتخبره بأن صديقها يخطط لقتل نفسه بسبب حالة الكآبة التي أصابته، ولهذا القرار عواقب جسيمة على الدكتور وعليها وعلى العالم كله، وحين يسأل الدكتور ومن هو صديقك؟ فتجيبه: إنه الفيلسوف فريدريك نيتشه، وحين يسأل الدكتور: وما هو مرضه؟ ترد عليه: إنه يعاني من صداع مضن، وإن نيتشه يكابد أعمق حالات اليأس. وتؤكد سالومي للدكتور بروير بأنه الشخص الوحيد القادر على إنقاذ صديقها نيتشه وخلاصة من يأسه وعلاجه من الاكتئاب والرغبة في الانتحار بعد أن رفضت لو سالومي الارتباط به. وتخبر (سالومي) الدكتور بروير في قدرتها على إقناع الفيلسوف فريدريك نيتشه (أرماند أسانتي) في الحضور إلى مكتبه.
لوسالومي الروسية الشقراء والمعروفة عند المهتمين بفلسفة نيشته بأنها المرأة التي يهيم بها حبا ولكنها اختارت صديقه عليه وهي التي سببت له ألما عاطفيا. وهي معشوقة العباقرة والمحللة النفسانية الشهيرة، جمالها وعبقريتها جعلا أكثر العباقرة في عصرها يهيمون بها كنيتشه الذي كتب عنها أنها “أنانية كقط” ثم أرسله هيامه بها إلى مصحة مدينة “إينا” النفسية تحت رعاية والدته، وريلكه الذي كتب لها عبر الرسائل أجمل ما كتب في حياته، وسيغموند فرويد الذي أصبحت على يده من أشهر المحللات النفسانيات، وفيكتور توسك الذي انتحر بعد أن هجرته، والموسيقي الألماني الشهير فاغنر رفيق نيتشه.
في البداية يعتذر الدكتور عن علاج الفيلسوف نيتشه، وبعد أسبوع من هذا اللقاء تزوره لو سالومي في عيادته. ويسألها الدكتور: هل أنت مسؤولة عن مرضه؟ وترد سالومي: هذا ما يعتقده مريضك.
اشترطت سالومي على الدكتور بروير معالجة نيتشه من أمراضه العقلية دون معرفته لكونه يرفض التسليم بحالته المرضية. ويعتقد الدكتور بروير أنه يستطيع علاج الأمر من خلال طريقة جديدة يسميها “العلاج بالكلام”. تزود سالومي الطبيب بكتابين من مؤلفات الفيلسوف نيتشه وتطلب منه قراءتهما حتى يتعرف على مريضه بشكل أفضل. وبعد أن قرأ بروير كتابي نيتشه المنشورين في ذلك الوقت، وافق على تولي علاج تلك الحالة المرضية رغم أنها صعبة للغاية.
في لقاء الدكتور بصديقه سيغموند فرويد (الممثل جيمي إلمن) يخبره بالحالة المرضية التي مرت عليه، وهي لرجل لديه ميول للانتحار. وكالعادة يبدأ الأمر من المرأة، والمرأة تشعر بالذنب وتطلب معالجته سرا من كربه النفسي بالإضافة إلى علاج آلامه الجسدية. الطبيب قبل هذه التحدي وهو نفسه لا يدري لماذا وافق على تنفيذ الطلب. وحسب تفسيره لا يستطيع أحد أن يرفض طلبا لتلك السيدة ويقصد (سالومي)، ويصفها الدكتور “يمكنها أن تقنع حصاناً ان يبيض!”.
في أول زيارة للبروفيسور نيتشه إلى عيادة الدكتور بروير، ينكر يأسه ويؤكد هو جاء للبحث عن دواء للصداع النصفي، وأن آلامه هذه ماهي إلا المخاض لولادة كتابة الجديد (هكذا تكلم زاردشت). يحدث الدكتور قائلاً: كلما نهضت كي أبني جسراً مع الآخرين، أصدع بالخيانة، في البداية كان ذاك الموسيقى (ريتشارد فاغنر) وقد عانيت بسببه، وبعدها مع تلك المرأة “. ويقصد بها (لو سالومي).
وفي لقائهما الثاني، يصدم الدكتور بعزمه على الرحيل إلى مدينة بازل. ويفكر الطبيب بخطة للحيلولة دون رحيل نيتشه قبل استكماله للعلاج، ويقترح عليه صديقه وطالب الطب (فرويد) “ربما لو كشفت نفسك على نيتشه، فقد تجذبه إليك، وما أن تكسب ثقته حتى يصبح كتابا مفتوحا أمامك”. يقتنع الطبيب (بروير) بالفكرة ويقدم عرضه إلى البروفيسور نيتشه وهو عملية تبادل مهنية، هذا يعني أن يكون الدكتور طبيبه للعلاج الجسدي لمدة شهر وبعدها يصبح الفيلسوف نيتشه هو المعالج للدكتور لعلاجه العقلي ويشفيه من يأسه. يوافق نيتشه على المقترح، نيتشه يشجع الدكتور بروير على التصرف بناءً على رغباته قبل نفاد الوقت. وأصبح فرويد مفتونًا بجلسات العلاج التي أجراها الدكتور بروير مع نيتشه. الدكتور بروير (بن كروس (طبيب متميز حقق اكتشافات رئيسية في الفسيولوجيا العصبية والفيلسوف نيتشه يتبادلان أدوارهما. يستخدم الطبيب طريقة اندماج الوعي باللاوعي في علاج الفيلسوف نيتشه.
اللقاءات بين الطبيب النفسي جوزيف بروير ونيتشه تتكرر وتتطور. حاول الأول تطوير هذا اللقاء عبر الحوارات التي تناقش بعض المسائل الوجودية، ليغدو لقاءً رمزياً بين الفلسفة وعلم النفس، كما يقدم الفيلم تصوراً عن الطريقة التي صاغ بها نيتشه كتابه المعروف “هكذا تكلم زرادشت”. وما إن وافق الطبيب حتى بدأت رحلته في علاج نيتشه ليجد نفسه في خضم ذلك وقد أخذ دور المريض بدل أن يكون الطبيب، حيث يكتشف وجود تشابه في الأعراض ما بينهما، تلك الأعراض التي يخلقها الوجد الفلسفي تجاه المرأة. وجد الدكتور (بروير) نفسه وقد أمسى يبحث عن نيتشه ليرقد أمامه على السرير ويبدأ هو في الحديث عن مريضته (بيرثا بابنهايم) التي أحبها رغم أنه متزوج والكوابيس التي تطارده منذ أن اضطر إلى هجرها بعد أن علمت زوجته بأمرهما. الدكتور جوزيف بروير طبيب ناجح متزوج من ماتيلدا (جوانا باكولا) ولديه ثلاثة أطفال. الكاتب أراد أن يجمع بين عالم النفس جوزيف بروير والفيسلوف فريدريك نيتشه وهما شخصيتان واقعيتان عاشتا في نفس الزمان (القرن 19) ولكنهما لم تلتقيا في الواقع بل في خيال الكاتب حين جمعتهما سالومي. في أحد المشاهد، يطلب الدكتور بروير من الفيلسوف نيتشه تفسير حلمه، حين يراه بهيئة جنرال يساعد جنوده على الانتحار، وعندما يسأله: هل ذقت طعم الحب؟”، ويجيب البروفيسور نيتشه “دعني أذكرك بكلمات غوته (كن رجلاً ولا تتبعني، بل اتبع ذاتك)”، ينصح الدكتور” أتريد ما يهدئ من روعك؟ اذهب إذاً، وأرضع حلمة الخرافة”.
تظل الأحلام تراود الطبيب وكلها تدور حول معشوقته بيرتا وهيامها به، وصوتها يطارده في منامه “ستبقى على الدوام الرجل الوحيد في حياتي”. وكان أداء الممثلة (ميشيل ياناي) التي أدت دور بيرثا مدهشا ومتقناً وخصوصا عند تجسيد حالات التشنج والهلوسة التي تنتابها بين حين وآخر. الطبيب يعترف لنيتشه بأن الحياة دون بيرثا ستكون بلا ألوان، لأنه في حاجة ماسة إلى العاطفة، إلى السحر والذي تمثله مريضته السابقة بيرثا!، رغم أنه يعيش حياة آمنة، لكن نيتشه يهمس في أذنه “الخطر يكمن في الحياة الآمنة”.
ربما تمثل بيرثا بالنسبة إلى الطبيب جوزيف بروير هروبا من حياته الآمنة ومن فخ الزمن. تصبح أيام الجلسات مع نيتشه بالنسبة إلى الطبيب جوهر أيامه وراحة للانكشاف.
يطلب نيتشه من الطبيب بروير مرافقته إلى المقبرة لزيارة قبر أبية الذي يحرص على زيارته مرة في الشهر وهناك يكتشف أن اسم والدة الطبيب (بروير) كما هو مثبت على شاهدة القبر (بيرثا بروير 1818 – 1845) التي ماتت في ريعان الجمال والصبا، ونعرف أنها ماتت وهو في السنة الثالثة من عمره. ويبرر له نيتشه حالة الهوس ببيرثا لم يكن متعلقا أبداً ببيرثا، والتي تسكن في عقل الطبيب وتحميه من السقوط هي أمه (بيرثا الحقيقية) وليس مريضته (بيرثا العاجزة)، ويبوح نيتشه للطبيب بأنه صحيح خائف من مواجهة الموت، لكنه في نفس الوقت، يشعر أنه عاش من أجل عائلته ومرضاه وطلابه، وأن الشيء الوحيد الذي أحبه في حياته هو أنه أنجز واجباته تجاه زوجته وأولاده، هنا ينتفض نيتشه ويرد بقوة “واجب؟ واجبك خدعة، ما هو إلا الستارة التي تختبئ خلفها، كي تبني أبناءك كما يجب، إبدأ ببناء نفسك! وفيما يخص زوجتك، دعها تهرب من هذا السجن الذي تتقاسمانه”.
عند عودته إلى المنزل، يتصل الدكتور بروير بصديقة فرويد ليأتي وينوّمه مغناطيسيًا. يقوم فرويد بذلك، وبينما يخضع الدكتور بروير للتنويم المغناطيسي، فإنه يتصرف بخياله المتمثل في ترك عائلته للحياة مع بيرثا في إيطاليا. يؤكد الدكتور بروير على اتخاذ القرار المتعمد كوسيلة لتحقيق السعادة: اختيار المهنة، ومن أين تريد أن تدار. أين يعيش، وما إلى ذلك. عندما يأتي الدكتور بروير، يدرك أنه قد حقق (دون وعي) الحياة التي كان يحلم بها طوال الوقت. من خلال العلاج بالتنويم المغناطيسي، يتخلص الدكتور بروير من هوسه ببيرثا ويبدأ في طريق الشفاء. تعافى الآن، يمكن للدكتور بروير أن يعالج هوس نيتشه مع لو سالومي بشكل صحيح. نيتشه يبكي ويتحسر على حياته التي لم تتحقق، معربًا عن رغبته في العيش بشكل طبيعي. يعترف نيتشه أن أصل يأسه وهوسه هو رهاب الذات (الخوف من أن يكون وحيدًا). عندما اعترف الدكتور بروير بأن لو سالومي كانت وراء العلاج الكامل من البداية، أصيب نيتشه بالذهول.
وحينها شعر نيتشه بالخسارة، خسارة لو سالومي والطبيب أيضاً بعد اكتشاف خدعته له، نزلت دموعه على خده وبكى نيتشه يسأل الطبيب (جوزيف بروير) “لوكان لدموعك صوت، فماذا كانت تقول؟“، ليرد “لكانت دموعي قالت نحن أحرار، لم تحررنا يوما إلى أن فتح د. بروير البوابة”، وماذا عن الحزن الكامن خلف دموعك؟ “ما من حزن، بل راحة هي عظيمة. إنها مفارقة فالعزلة لا توجد إلا في العزلة”، يجيبه الطبيب “وما أن تشاركها مع أحد حتى تتبخر ياصديقي”، يرد الطبيب على وجع وحزن نيتشه بعد بكائه!
في الختام استقل نيتشه في المساء القطار الذاهب إلى روما الدافئة ومع رحلته الجديدة مع زرادشت وكتابه الأشهر (هكذا تكلم زارادشت). واستمر الطبيب (بروير) في ممارسة الطب ثلاثين عاماً أخرى، لكنه لم يستخدم العلاج بالكلمات مجدداً. أما لو سالومي فقد تابعت جمعها لأعظم عقول أوروبا، وتحت رعاية سيغموند فرويد أصبحت محللة نفسية شهيرة. بيرثا بابنهايم قامت بدور رائد في مجال الخدمات الاجتماعية وقد كرمتها ألمانيا بعد وفاتها عام 1954 بإصدار طابع تذكاري بحمل صورتها. سيغموند فرويد بقى زائرا دائما لمنزل بروير وقد وصف حالة (أنا أو) وهو الاسم المستعار لبيرثا في كتاب بروير وفرويد “دراسات في الهستيريا” الكتاب الذي أطلق ثورة في التحليل النفسي.
أجاد الروائي إيرفن يالوم في ابتكار حبكة تجمع هذه الأسماء عبر خيوط تحرك أولها شخصية الروسية لو سالومي، وأجاد المخرج أيضاً في ربط هذه الخيوط في قالب درامي وكوميدي ساخر أحياناً. نيتشه يسافر على مضض إلى فيينا ليتم فحصه من قبل الدكتور بروير. كانت جلسات العلاج اليومية بين الرجلين صلبة ومثيرة للجدل بعض الشيء، لكن مع مرور الوقت، يتخلصان من أمتعتهما الشخصية ويزدادان راحة مع بعضهما البعض. يتم تبادل الأسرار ومناقشة الرغبات والمخاوف الوجودية العميقة، نيتشه مهووس عاطفياً بلو سالومي، في حين يتخيل الدكتور بروير مريضته بيرثا التي ترك زوجته من أجلها. عالج دكتور بروير بيرثا بـ”العلاج بالكلام”. يتشارك الرجلان في هذه الفتن الجسدية مع بعضهما البعض، مشيرين إلى مقدار ما اختطفته هذه الرغبات الساحقة من حياتهما. يهدر الدكتور بروير ساعات في النهاية مهووسًا بشوقه إلى بيرثا، مما ينتقص من قدرته على أن يكون أبًا وزوجًا محبين. لا يستطيع الدكتور بروير أن يأكل أو ينام. كل ما يريده هو أن يترك حياته وراءه ويبدأ من جديد مع بيرثا في إيطاليا. هكذا تلازما أثناء العلاج وتصادقا وحبكا خيوط الفيلم التي بدأت بالتركيز على محور فكرة “التداعي الحر” وانتهت ببكاء نيتشه لأول مرة أمام صديقه الطبيب (جوزف بروير)، ثم يستقل في نفس المساء قطاراً متجهاً إلى جبال إيطاليا الدافئة ومنعزلاً في كهوفها ليخرج منها بعد حين برائعته “هكذا تكلم زرادشت”. كان مشهد بكاء نيتشه من أجمل مشاهد الفيلم حين كان يروي في نهاية الفيلم للطبيب قصته مع معشوقته لو سالومي وكيف أنها سحرته بجمالها وذكائها وشخصيتها ووصف له اللحظة الوحيدة التي تبادلا القبل فيها وكيف أنها لحظة خالدة لن ينساها أبداً، وسردت له كيف أنها غدرت به لتهجره علانية مع صديقه ورفيق دربه الموسيقار الشهير فاغنر.
يصور الفيلم الحوارات التي دارات بين نيتشه وطبيبه النفسي، ويفصح فيها نيتشه عن فلسفة القوة التي ينادي بها، هذه الحوارات أيضاً حول فلسفته في الحياة والعلاقات والأوهام والأديان. فيلم يدور بين الفلسفة وعلم النفس وارتباط كل منهما بالآخر. يتجاهل الفيلم أيضًا ذكر زوجة ريتشارد فاغنر، التي كان نيتشه يحبها بشدة قبل أن يقع في حب لو سالومي وهي عشيقة نيتشه المفقودة في الفيلم. كما لم يتم ذكر أخت نيتشه على الإطلاق في هذا الفيلم والتي تعتبر واحدة من أكثر الأشخاص نفوذاً في حياته والتي كان يحتقرها بشدة.
فيلم عميق جداً في فكرته وفي أبطاله والرسائل التي يحاول أن يقدمها. والحوارات التي تدور بين الفيلسوف والمعالج والأسئلة التي تدور بينهما تجعل المشاهد معهما في نفس الغرفة، قصة الفيلم هي خيال كامل. جميع الشخصيات في الفيلم حقيقية لكن القصة نفسها خيالية من بداية الفيلم حتى نهايته. وهذا أمر لا جدال فيه، لأن نيتشه على حد علمي لم يقم حتى بزيارة فيينا على الإطلاق. هذه حقيقة مثيرة للاهتمام بالمناسبة، نظرًا إلى أن فيينا كانت مركزًا ثقافيًا يتحدث الألمانية، وربما حتى أهم مدينة ناطقة باللغة الألمانية في ذلك الوقت. لذا لم يزر نيتشه فيينا ولم يقابل جوزيف بروير الذي كان ينبغي ذكره في رأيي وبالتحديد في نهاية الفيلم حيث وصفوا ما حدث مع الشخصيات بعد أحداث الفيلم. وهنا يؤكد الفيلم على أن الشخصية حقيقية. أعتقد أن هدف كاتب الرواية (دي بالوم) الذي استند إليه الفيلم هو إثارة نقاش حول كيفية تأثير فلسفة نيتشه على نظرية التحليل النفسي لكل من الطبيب جوزيف بروير وسيجموند فرويد.
صورالفيلم الفيلسوف نيتشه بأنه “انعزالي” وكان بالأحرى غير ملتزم، بمعنى آخر بأنه كان حرًا ومختلفًا إلى أقصى الحدود. ومع ذلك، كان هذا اللامثال مهووسًا جدًا في نيتشه لدرجة أنه كان عليه دائمًا أن ينفر الجميع، وكان هذا نوعًا من النمط القهري.، الفيلم لم يرسم إلى أي مدى وصلت هذه العلاقة بين سالومي ونيتشه. لكن نيتشه كان يحبها حقًا وقد رفضته. من المحتمل أنها كانت مهتمة فقط بفكر نيتشه، لكن الرجل لم يكن مثيرًا للاهتمام بالنسبة إليها، أولاً، لأن نيتشه لم يكن رجلاً حسن المظهر – تم تصويره في الفيلم على أنه شخص مهمل لذاته بشكل خاص في حالة سيئة – وثانيًا لأن أخلاقه ومزاجه يجعلانه شخصًا لا يسهل حبه.