هذا العدد
يحتفي هذا العدد بثقافة النقد والسؤال النقدي انطلاقا من اعتبار يرى استحالة إجراء مراجعات فكرية وثقافية وسياسية في مجتمعات عربية قلقة وأحوال متفجرة بلغت في العنف والجريمة حدود اللاعودة، وتنذر بتفككها وخرابها تماما، وبالتالي خروجها من طور التحضر إلى اطوار الهمجية، ما لم تبادر إلى امتلاك وعي نقدي متجدد ورؤى نقدية جديدة يطورها المثقفون، ويطورون معها ادوات نقدية مبتكرة وخلاقة، وذلك عبر حركات فكرية حديثة تنتمي إلى المديني والمدني والتمدني، ديدنها أن تشعل الانوار في ظلام الحاضر العربي، وفي مواجهة ثقافة اليقين العبودي والطغيان، وأصحاب فكرة الرعية الخاضعة إلى الأبد.
ملفان في العدد، يتأسس أولهما على مقالات تستفز في الأذهان السؤال النقدي حول الكيفية التي يمكن معها للثقافة العربية أن توقظ في الشخصية الثقافية سلامة الحس بإزاء كينونة الذات، بحيث يكون الفرد الاجتماعي عصياً، تلقائياً، على قبول ثقافة الطغاة والطغيان، والابتلاء بها. وبالتالي فإن السؤال الجوهري الجامع لهذا الملف هو كيف يكون العربي مالك رأسه، حتى لا يصبح حطبة في ثقافة المجاميع وقد تحولت إلى قطيع مأمور، وقطيع منحور.
الملف الثاني هو "سجال" الشهر وفيه مقالتان تحملان ردا نقديا مدافعاً عن الذات من قبل مفكرين الأول عربي هو جاد الكريم الجباعي والثاني هو المفكر الفرنسي ميشال أونفري الذي نشرت "الجديد" في عددها الرابع حوارا معه أجاب خلاله عن عدد من الاسئلة الإشكالية المتعلقة بالإسلام والعنف في المشرق العربي، وكذلك في فرنسا. وفي جوار الحوار، في العدد نفسه نشرت المجلة مقالات نقدية بعضها كتب خصيصا في مناقشة لبعض أفكار اونفري وبعضها وقع في فضاء السؤال حول علاقة المجتمع والفكر الغربيين اليوم بثقافة المهاجرين العرب إلى أوروبا، وبطبيعة تعامل فرنسا مع مواطنيها المسلمين ومع العرب عموما.
أونفري الذي ترجمت له المقالات النقدية المتحاورة مع حواره، كتب ردا تميز بالعصبية والدفاع عن الذات أكثر مما جرب الخوض في سجال فكري أبعد غورا مع الآراء النقدية التي تناولت أفكاره التي أبداها في الحوار.
في كلتا الحالتين يشكل هذا الردان المنشوران في العدد نموذجا أولياً جيدا للاستجابة التي تطلعت إليها "الجديد" من جراء الحوارات والمحاولات النقدية الأخرى التي قدمتها، حتى الآن، على صفحات أعدادها الخمسة السابقة.
بخلاف هذين الملفين العدد حافل بالكتابة القصصية ومقالات الرأي والشعر وكذلك هناك حوار شيق مع الشاعر الأميركية من أصل فلسطيي نعومي شهاب ناي تحت عنوان: "الذاكرة والطوفان" ومختارات من شعرها.
المحرر