أدب الطفل في هامش الكتابة
إن محدودية تجارب الكتابة للطفل عربيا وعجزها عن تأسيس قيم أدبية جمالية وفكرية ترتبط بجملة من الأسباب الموضوعية لعل أهمها غياب الاهتمام الجدي بهذه الثقافة نظرا لافتقاد العمل الثقافي ومؤسساته المسؤولة لرؤية متكاملة للعمل الثقافي الجاد.
في ظل هذا الواقع ومع التركيز على الجانب الدعائي للثقافة، كانت ثقافة الطفل تأتي في نهاية اهتمام وتوجهات هذه المؤسسات. لذلك فإن التجارب الأولى للكتابة للطفل لم تستطع أن تحقق الاختراق المطلوب في مشهد الكتابة الأدبية بالصورة التي تحقق تراكم الخبرة المطلوبة للنهوض بهذا الجنس الأدبي.
إن عجز هذه التجارب عن تأسيس قيم جمالية وفنية وفكرية تأخذ في حسابها خصوصية الكتابة للطفل سواء على المستوى اللغوي أو التخييلي ساهم في تقلص عدد التجارب التي تعنى بأدب الطفل، خاصة وأن ثمة خصوصية فنية وجمالية يجب أن يتوافر عليها هذا الكتاب لاجتذاب الطفل وإغرائه بالإقبال على القراءة.
كل هذا جعل محاولات الكتابة للطفل خلال العقود الماضية إما تتوقف عن المتابعة واستكمال مغامرتها أو تظل تراوح مكانها دون أن أفق ينفتح على المستقبل والجديد. هنا يمكننا أن نتوقف عند تجربة المجلات الموجهة للطفل باعتبارها تختزل واقع ثقافة الطفل والاهتمام بأدبه. لقد عجزت أغلب هذه المجلات عن مواصلة صدورها نظرا لغياب الدعم المادي لها وحاجتها المستمرة إلى التطوير فنيا وفكريا مع غياب الكتّاب المتخصصين في مجالات الكتابة للطفل. في حين عجز ما تبقى من هذه المجلات عن النهوض بأدب الطفل واكتساب انتشار أوسع بسبب غياب الكاتب المختص والاهتمام الحقيقي بتطوير ثقافة الطفل وأساليب اجتذابه ومخاطبته باللغة والأسلوب اللذين يتناسبان مع حاجاته النفسية والعقلية والروحية.
إن مجرد استذكار العديد من أسماء هذه المجلات، التي توقفت عن الصدور خلال العقود الماضية، يكشف عن حالة التراجع الواضحة في الاهتمام بثقافة الطفل وأدبه، بينما تزدهر أنواع أخرى من الكتابة بحثا عن الشهرة والمنفعة والانتشار.
لقد ترافق هذا التراجع في دور المجلات الخاصة بالطفل مع تقلص واضح في عدد الكتب الخاصة بأدب الطفل، مع تراجع اهتمام الكاتب العربي بأدب الطفل وغياب الحوافز المادية والمعنوية التي تشجع هذا الكاتب على مغامرة الكتابة للطفل. هذا الواقع يمكن تلمّسه من خلال محدودية عدد كتب الطفل المنشورة من قبل المؤسسات الثقافية العربية أو من قبل مؤسسات النشر العربية الخاصة التي لم تجد في نشر هذا الكتاب ما يحقق لها الربح المطلوب في سوق الكتاب العربي.
تراجع مستويات القراءة
إلى جانب ما سبق هناك عاملان آخران لا يقلاّن أهمية من حيث تأثيرهما في ضعف الاهتمام بأدب الطفل وثقافته، أولهما تراجع مستويات القراءة لأسباب متعددة اقتصادية وثقافية، تتصل بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المجتمعات العربية، وبالتالي قلة اهتمام مؤسسات النشر العربية التي تبحث عن الربح المادي بنشر كتاب الطفل. يرتبط هذا الواقع أيضا بغياب الجوائز العربية الخاصة بالكتابة إلى الطفل، ما ينعكس سلبا على توجهات الكتّاب العرب، خاصة وأن الكتابة للطفل لم تتمكن من انتزاع مكانتها الأدبية والإبداعية في الحياة الثقافية العربية حتى الآن بسبب غياب هذا الاهتمام المأمول.
على مستوى آخر يظهر غياب دور المدرسة الواضح في تعزيز ظاهرة القراءة وتوسيعها باعتبارها جزءا من المنهاج والخطة الدراسية. إن التشجيع على القراءة وتعزيزها عند الطفل تبدأ من هذه المرحلة التأسيسية الهامة لكي تتحول القراءة إلى قيمة معنوية وأدبية في حياة الطفل، وهكذا فإن غياب الخطط المدروسة وغياب المكتبات التي تلبّي هذه الحاجة، جعل القراءة تعتمد على مبادرات خاصة من قبل الأسرة وإدراكها لأهميتها، في تنمية عقل وشخصية الطفل وتهذيبه. لقد شكلت جميع هذه الأسباب عامل تثبيط للكاتب العربي دفع به إلى قلة الاهتمام بأدب الطفل، خاصة وأن هذه الكتابة العربية محكومة في الغالب بمحددات ثقافية ومعنوية يفرضها الواقع الثقافي والقيمة الأدبية التي يحددها هذا الواقع كما يحصل الآن بالنسبة إلى الرواية وقبل ذلك إلى الشعر.
إزاء هذا الواقع اتجهت بعض مؤسسات النشر العربية الخاصة بثقافة الطفل وأدبه إلى سد هذا النقص من خلال ترجمة كتب الأطفال عن اللغات العالمية دون أن يكون هناك في الغالب اختيار مدروس لترجمة تلك الكتب بصورة تتناسب مع الحاجات النفسية والعقلية والثقافية للطفل العربي ودون أن تتوفر الجوانب الفنية التي تغري الطفل بالإقبال على القراءة نظرا للكلفة المادية التي تتطلّبها عملية تزيين هذه الكتب بالصور والرسوم، خاصة أن هذه الدّور تسعى من أجل تحقيق الربح الأعلى ما يعني أن يترتّب على المؤسسات الثقافية الرسمية القيام بهذا الدور لسدّ هذا النقص، لكن هذا آخر ما تفكر به.