أرواح خطرة

الجمعة 2016/04/01
لوحة: عدنان حميدة

أشعر بأنّ فعل الكتابة لا يستجيب بالبساطة التي نعتقد، أعني الكتابة الإبداعية. ثمّة مقاومة لفكرة الكتابة، ربّما احتجاجًا على هذا الخروج المروّع للإنسان عن طبيعته، وعلى التغيّرات الوحشية التي طرأت عليه بما يذكّر بالمتحوّلين في السينما العالمية.

الكتابة فعل إنساني بامتياز وما يجري لا يمتّ إلى الإنسانيّة في شيء، بدأ بما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه من جرائم قتل وحرق للأحياء من الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق، مرورًا بما تمارسه التنظيمات التكفيرية في سوريا والعراق وليبيا وأنحاء كثيرة من العالم، وليس انتهاء بما ترتكبه بعض الأنظمة العربية من قتل وتنكيل بشعوبها حفاظًا على بقائها هي.

في سوريا بلغت الأمور حدود التحلل من مقومات الجدارة الإنسانيّة التي استغرق بناؤها آلاف الأعوام من عمر البشرية، لقد أحرقوا كل السفن ولم يعد التراجع ممكنًا، ما يثيرني أن البديل الوحيد لعدم التراجع هو السحق والموت والدّمار، ومع ذلك لا أحد يريد التوقف عند الحقائق الوطنية والموضوعية والإنسانيّة التي استجدّت.

بعض المتديّنين تحوّلوا إلى أرواح خطرة تجوب عالمنا وتجوسه وتحيل القتل والدّم إلى فضائل دينية، وهم بهذا يخترعون دينًا جديدًا بمواصفات دامية مدبّبة، فيما يصاب الدين الذي نعرفه بحالة كسوف تاريخية لا تشير الدلائل إلى إمكانية شفائه منها على المدى القريب.

لقد أمسى عالمنا كئيبًا مثيرًا للشفقة، وبتنا معه ننتظر ما إذا كان ثمة سبيل إلى الخلاص من تلك الأرواح، ومن تلك الطبعة الدامية من (الثورات) الملتبسة.

لو طاوعتني الكتابة في زمن الدّم هذا لكتبت عن جثث البراءة الملقاة على أرصفة الشوارع العربية، وعن بقايا جداول الفرح التي جفّت، وعن الدهشة التي اختفت من حياتنا بعد أن صار كل شيء ممكنًا، بما في ذلك الخيانة والتنكر للأوطان وقطع الرؤوس والأعضاء وتعليقها في باحات الأسواق.

لو طاوعتني الكتابة لأسهبت في الحديث عمّا حلّ بأحلام الشعوب بالحرية والتحرر والعدل والحق. إن أكثر ما يثيرني الآن هو ذلك الانتهاء المشين لصلاحية الخيال، بعد أن سبقته الأحداث وتفوقت عليه.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.