أطاريح في الزمن التاريخي الراهن

الخميس 2022/12/01
رسم: بهرام حاجو

الأطروحة الأولى

الزمن التاريخي هو السيرورة التاريخية التي تنتج مرحلة جديدة ذات كيف مختلف عن قديمها. يعيش البشر في استقرار وتحولات، الزمن المستقر هو الزمن الذي لا ينتج حدثاً يحدد ملامح جيدة للانتقال والتحول. أما الزمن المتحول هو الزمن الذي يعيش مخاض الولادة.

الأطروحة الثانية

الزمن التاريخي هو سلسلة من الاستقرار والركود والانحطاط والنهضة والثورة بالمعنى الفلسفي.

والمتأمل للزمن التاريخي البشري العام يقع على صحة هذه الأطروحة، فقد انتقل البشر العصر الحجري والصيد، إلى عصر الزراعة، إلى عصر الصناعة إلى عصر الرقمية. كل هذه المراحل ثورات بالمعنى الفلسفي للكلمة.

الأطروحة الثالثة

إن تقسيم الزمن التاريخي الذي عرضه ماركس وتلامذته بوصفه انتقالا من المشاعية إلى العبودية ومن العبودية إلى الإقطاعية ومن الإقطاعية إلى الرأسمالية هو من حيث المبدأ تصور واقعي للزمن التاريخي، ولكنه لا يشير إلى تعينات الزمن التاريخي المختلفة إلا في حال واحدة ألا وهي أسلوب الإنتاج الآسيوي.

الأطروحة الرابعة

على المستوى المجرد ينوس الزمن التاريخي بين نهوض وركود،بين تأخر وتقدم ،بين استقرار وانفجار بين استمرار وقطيعة.

الأطروحة الخامسة

إن الزمن التاريخي ليس مجرد حركة موضوعية منعزلة عن الإرادة، سواء كانت الإرادة واعية وهادفة، أو كانت الإرادة عفوية.

الأطروحة السادسة

ولهذا فإن الزمن التاريخي هو جدل الإمكانية والواقع. لا يمكن لإرادة مهما توافرت على قوة أن تنقل التاريخ إلى حالة تجاوز إلا إذا كانت حالة التجاوز إمكانية قابعة في قلب الحالة المتجاوزة.

الأطروحة السابعة

كما أن هناك قطيعة معرفية هناك أيضاً قطيعة تاريخية، بل إن القطيعتين متلازمتان. فالآلة البخارية هي قطيعة معرفية خلقت إمكانية القطيعة التاريخية. وقس على ذلك.

الأطروحة الثامنة

ينقسم الزمن التاريخي إلى زمنين: زمن تاريخي عالمي وزمن تاريخي محلي، والعلاقة بين الزمانين علاقة معقدة.

الأطروحة التاسعة

إن الزمن العالمي هو في الغالب زمن الدولة أو الدول العالمية التي تخلق نوعين من الزمن التاريخي: زمن الدولة العالمية الساعية للهيمنة ونشر معاييرها، وزمن الدول المحلية التي تعاني من أمرين متناقضين: الاختراق العالمي وقبوله فالاختراق العالمي ورفضه.

الأطروحة العاشرة

إذا كان الزمن التاريخي ركودا ونهضة وتجاوزا وقطيعة، فإن هذه المفاهيم الدالة على حركة التاريخ بعامة ذات تعيّن مختلف. فالانتقال من القرون الوسطى الأوربية إلى عصر النهضة، ليس هو الانتقال من عصر الانحطاط العربي إلى عصر النهضة العربية. فإذا كانت النهضة الأوروبية قد أسست للإنسانوية وولادة مركزية الإنسان في مقابل مركزية الإله في القرون الوسطي، فإن النهضة العربية واجهت الإجهاض بفعل قوة الرأسمالية الغربية الاستعمارية.

الأطروحة الحادية عشرة

إذا طالت العطالة التاريخية التجاوزية وفقد المجتمع نخبته، وماتت الفئات الوسطى المحركة للتاريخ بحكم آلات القمع المختلفة، وتفشّى الفساد والفقر ساد الركود التاريخي الخطير.

الأطروحة الثانية عشرة

وإذا استمر الركود التاريخي ولم تعد تميز السلطة القامعة لنهرية التاريخ بين الاستقرار والاستنقاع، تكون المستنقع التاريخي.

الأطروحة الثالثة عشرة

يتكوّن المستنقع التاريخي من جثث الإمكانيات التي ماتت وحُرم التاريخ من ولادتها، ومن الأحلام المجهضة والآمال التي تبخرت، والعنف الذي راح ينمو في النفوس، وإرادات الخلاص العقلانية وغير العقلانية، والأحقاد بكل أنواعها.

الأطروحة الرابعة عشرة

في اللحظة التي تضعف فيها لاعصبية الدولة التي تمنع النهر من الجريان ينفجر المستنقع التاريخي ويعم البلاء، فغياب النخبة عن صناعة التاريخ العقلاني وصعود الوسخ التاريخي المستنقعي لا يسمحان لعقلانية التجاوز أن ترسم البديل .

الأطروحة الخامسة عشرة

الزمن التاريخي الراهن هو زمن المرحلة الانتقالية إلى عالم مختلف. والمرحلة الانتقالية هي مرحلة تسود فيها حالة موت القديم ومخاض ولادة الجديد الذي يحتاج إلى زمن يطول أو يقصر في ضوء الشروط الموضوعية المتنوعة لهذا المجتمع أو ذاك.

الأطروحة السادسة عشرة

إن مسار الراهن العالمي هو العولمة التي لم تأخذ صيغتها النهائية بعد، العولمة بكل ما تولّده من حاجات ومآزق وأزمات.

الأطروحة السابعة عشرة

لقد فككت العولمة بنية النظام الرأسمالي القديم القائم على ثلاثية الرأسمال والعمل والسعلة، وبروز المراكز والأطراف، وما تولد عنه من أيديولوجيات في كل أنحاء العالم، وانتقل العالم إلى ثلاثية الرأسمال والآلة الذكية والسلعة.

الأطروحة الثامنة عشرة

أدت الآلة الذكية إلى بطالة ما كان يسمى بالطبقة العاملة، وإفقار الفئات الوسطى، وضعف في سيطرة الدولة على بنية الإنتاج التي صارت عالمية، وفوق هذا وذاك، ماتت الأطراف وتغيرت بنية المراكز التقليدية.

الأطروحة التاسعة عشرة

رسم: بهرام حاجو
رسم: بهرام حاجو

تفضي المراحل الانتقالية تاريخياً إلى الحالات الآتية:

مرحلة التجاوز والقطيعة والازدهار وولاد مستقبل يؤسس لراهن مختلف: ازدهار

مرحلة الركود الطويل للراهن تاريخ: أزمة

مرحلة التراجع عن الزمن التاريخي الراهن: مأزق.

ولكن يجب أن نميز بين المراحل التاريخية لمراكز الحضارة العالمية وتحولاتها، والمراحل الانتقالية للدول والمجتمعات الأقل تقدمًا على المستوى التاريخي. فضلا عن اختلاف الدول الناهضة.

الأطروحة العشرون

إذا كانت أوروبا وأميركا واليابان والصين وروسيا وما شابه ذلك من دول ناهضة قد انتقلت من مركزية الإله إلى مركزية الإنسان، وما تولد عنه من مركزيات الثروة والعقل والعلم، فإن العولمة قد خلقت في هذه الدول التناقضات بين مركزية الإنسان وما تولّد عنها من المركزيات آنفة الذكر، حتى صرخ الأوروبي بمصطلح موت الإنسان.

وما موت الإنسان إلا نهاية مركزيته لقاء مركزية الآلة والثروة والتي قضت على قيمة العمل قضاء عطل من الحاجة إلى يديه، وهذه هي البطالة الظاهرة والمقنّعة. كما طرحت لأول مرة النتائج الكارثية لموت الطبيعة – أمّنا. فهل باستطاعة هذا العالم أن يتجاوز هذا البؤس الوجودي العالمي؟ هل يمكن للعولمة أن تجدد مركزية الإنسان دون تناقض بين الإنسان والثروة والآلة؟

الأطروحة الحادية والعشرون

إن الكثير من الدول التي كان يسميها سمير أمين ومفكرو أميركا اللاتينية الأطراف بالقياس إلى المراكز، لم تعد أطرافا، بل تحول بعضها إلى دول هامشية، وأخرى تعيش حالة نهوض بالقياس إلى تاريخها القريب.

فالدول التي تشهد الآن صراعات حول المستقبل وتعيش أشكالا من الحروب الأهلية العلنية والمضمرة، تمر في مرحلة انتقالية من الصعب توقع مصيرها.

فالعراق واليمن وسوريا ومصر والسودان والصومال وتونس وباكستان وبنغلادش وما شابه ذلك تعيش تناقضات صعبة فلا هي قادرة على أن تكون في تيار التقدم العولمي ولا هي بقادرة على أن تظل كما هي الآن، ولم تنتصر فيها بعد أيّ مركزية من المركزيات التاريخية. ولهذا، فإذا كانت الدول المركزية السابقة تعيش أزمة تغير، والأزمة انقطاع مؤقت في المسار المتقدم، فإن هذه الدول تعيش حالة المأزق التاريخي الذي يتميز بطول المدة والعجز عن التوقع.

فيما كوريا الجنوبية وبعض دول نمور آسيا، ودول الخليج العربي والسعودية، تعيش حالة نهوض تاريخي يستجيب لروح العولمة. ولهذا فراهنها ينطوي على توقع مستقبلها.

الأطروحة الثانية والعشرون

هل يمكننا القول بأن الراهن يشهد تناقضاً بين مركزية الإنسان من جهة ومركزية العلم في تعينه في ثورته المعلوماتية وما يترتب على ذلك بازدياد مركزية الثروة على حساب مركزية الإنسان؟

لا شك بأن هذا التناقض واقع في كل أنحاء الوجود الإنساني الآن، وهذا ما يخلق حالة من الضياع لم تشهد مثله البشرية.

غير أن هناك بلدانا في العالم مازالت تعيش التناقض بين مركزية الإله ومركزية الإنسان، في مرحلة الضياع هذه. ويشهد راهن هذه البلدان ما يمكن تسميته بالصراع من أجل مستقبل يقيم في الماضي ومستقبل يتجاوز الحاضر.

الأطروحة الثالثة والعشرون

إن الراهنة هو حقل الممكنات المختلفة والمتناقضة، هذه الممكنات بقدر ما هي واقعية، بقدر ماهي من خلق الإرادة، ومرتبطة بدورها بالإرادة البشرية، وممكنات التأخر التاريخي، والضياع الإنساني، ودمار الطبيعة، لا تقل عن ممكنات التجاوز.

إن الفلسفة وهي تكشف عن هذا كله فإنها توفر لإرادة التجاوز قوة فاعليتها، فمكنات التجاوز إن ماتت فإنها تميتنا معها، وعند التاريخ البشري الخبر اليقين.

فيلسوف فلسطيني من سوريا مقيم في الإمارات

عميد بيت الفلسفة

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.