أمواج‭ ‬الوعي

الثلاثاء 2016/03/01
تخطيط: فيصل لعيبي

لا شك أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬مستحدثة‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬السياسي‭ ‬العربي‭ ‬الحديث،‭ ‬خلفت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجدل،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬أفرزتها،‭ ‬والنتائج‭ ‬الآنية‭ ‬التي‭ ‬تمخّضت‭ ‬عنها‭. ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬يتميز‭ ‬برأي‭ ‬الكثيرين‭ ‬بخاصية‭ ‬الفجائية،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬الاستغراب‭ ‬حين‭ ‬ملاحظة‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬سعى‭ ‬أصحابها‭ ‬إلى‭ ‬رصد‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وتحليلها‭ ‬معرفياً‭ ‬وسياسياً،‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬إجاباتها‭ ‬الراهنة‭ ‬ورهاناتها‭.‬

إن‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬مقولة‭ ‬عامة‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬تعميم‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تجارب‭ ‬بلدان‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬حمّالة‭ ‬أوجه،‭ ‬ونتائجها‭ ‬متباينة‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬وكل‭ ‬تجربة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الخصوصية‭ ‬التي‭ ‬يجعلها‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬تجارب‭ ‬الآخرين‭. ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الملامح‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يشترك‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بلد،‭ ‬والقاسم‭ ‬المشترك‭ ‬بينها‭ ‬جاء‭ ‬حول‭ ‬انتفاضة‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬كسرت‭ ‬حال‭ ‬الانغلاق‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية،‭ ‬وأسّست‭ ‬لتاريخ‭ ‬جديد‭ ‬فاصل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التراجع‭ ‬عنه،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سبباً‭ ‬كافياً‭ ‬لاستعجال‭ ‬نتائج‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الحُكم‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬بسرعة‭ ‬وسهولة،‭ ‬لأنها‭ ‬حركة‭ ‬جدل‭ ‬وصراع‭ ‬لا‭ ‬يُحسم‭ ‬مسبقاً،‭ ‬وهي‭ ‬الوعي‭ ‬التاريخي‭ ‬وجدل‭ ‬التاريخ‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النجاح‭ ‬والفشل،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الدقّة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬التفاؤل‭ ‬المفرط‭ ‬ـ‭ ‬في‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬التحوّل‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬على‭ ‬الأبواب‭ ‬ـ‭ ‬وبعيداً،‭ ‬أيضاً،‭ ‬عن‭ ‬التشاؤم‭ ‬المحبط،‭ ‬لأن‭ ‬المعيار‭ ‬الحقيقي‭ ‬للتغيير‭ ‬لا‭ ‬يتمّ‭ ‬عبر‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالأنظمة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬بمدى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إنجازه‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬التغيير‭ ‬السياسي‭ ‬ـ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ـ‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وأن‭ ‬يستطيع‭ ‬تشكيل‭ ‬“قطيعة‭ ‬معرفية”‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬السياسية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬السائدة،‭ ‬تنتقل‭ ‬بالمجتمع‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬سابق‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬لاحق‭ ‬يردم‭ ‬الفجوة‭ ‬المعرفية‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬بديل،‭ ‬مشروع‭ ‬حضاري‭ ‬جليّ‭ ‬وطَموح‭ ‬يستوعب‭ ‬مدارات‭ ‬عديدة‭ ‬منها‭ ‬السياسي‭ ‬والفكري‭ ‬ـ‭ ‬المعرفي،‭ ‬مشروع‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية،‭ ‬وبموجبه‭ ‬يصاغ‭ ‬المستقبل‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الحقيقية‭ ‬والمواطنة،‭ ‬وقبول‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬يمثّل‭ ‬عنصر‭ ‬قوة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أُحسن‭ ‬توظيفه‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الاندماج‭ ‬الوطني‭.‬

ولكن‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬يشكل‭ ‬حدثاً‭ ‬تاريخياً‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬التاريخي‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الركود‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬طوال‭ ‬عقود‭ ‬كثيرة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬مرحلة‭ ‬أولية‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬العام‭ ‬لحركية‭ ‬التاريخ‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬إجبارية‭ ‬للانتقال‭ ‬نحو‭ ‬الثورة‭ ‬الحقيقية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضرورة‭ ‬هضم‭ ‬الماضي‭ ‬وتصفية‭ ‬الحساب‭ ‬مع‭ ‬رموزه‭ ‬وطروحاته‭ ‬قبل‭ ‬المضيّ‭ ‬قدماً‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل‭.‬

إن‭ ‬شرارة‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ـ‭ ‬سياسية،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬حياة‭ ‬الشعوب‭ ‬والحضارات‭ ‬لا‭ ‬تشكل‭ ‬إلا‭ ‬بداية‭ ‬البدايات،‭ ‬أو‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬التشكل‭ ‬الأولي‭ ‬الذي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يشهد‭ ‬صراعاً‭ ‬محموماً‭ ‬بين‭ ‬الأطروحات‭ ‬والأطروحات‭ ‬المضادة،‭ ‬ويحتاج‭ ‬حيزاً‭ ‬زمنياً‭ ‬كافياً‭ ‬لبلورة‭ ‬الإطار‭ ‬الأنسب‭ ‬للإجابة‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬المرحلة‭. ‬وعندما‭ ‬تبرز‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬زمني‭ ‬معلوم‭ ‬لتكسب‭ ‬مشروعيتها‭ ‬العملية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الثقافة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬السائدة‭.‬

إن‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬تتأثر‭ ‬بثقافته‭ ‬ووعيه،‭ ‬وكلما‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬ثقافةً‭ ‬ووعياً،‭ ‬كانت‭ ‬حياته‭ ‬أرقى‭ ‬وأفضل،‭ ‬إذن‭ ‬فالثقافة‭ ‬والوعي‭ ‬لهما‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات،‭ ‬وهما‭ ‬ليس‭ ‬أمراً‭ ‬ترفياً‭ ‬كمالياً،‭ ‬لأن‭ ‬ممارسات‭ ‬الإنسان‭ ‬ومواقفه‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬قناعاته‭ ‬وأفكاره،‭ ‬والثقافة‭ ‬الأفضل‭ ‬تنتج‭ ‬قناعات‭ ‬ورأياً‭ ‬أفضل،‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬الإنسان‭ ‬وتصرفاته‭ .‬كما‭ ‬يقاس‭ ‬مستوى‭ ‬تقدم‭ ‬أيّ‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬المجتمعات،‭ ‬بمقدار‭ ‬فاعلية‭ ‬حركة‭ ‬الوعي‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬أوساطه،‭ ‬فعلى‭ ‬أساسها‭ ‬تتحدد‭ ‬مكانة‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتصاغ‭ ‬شخصيات‭ ‬أبنائه‭.‬

إن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬والوعي،‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬جدلية،‭ ‬فكما‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تنمّي‭ ‬الوعي‭ ‬وتجدده،‭ ‬فكذلك‭ ‬الوعي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يثور‭ ‬على‭ ‬الثقافات‭ ‬البالية‭ ‬ولهذا‭ ‬فتجديد‭ ‬الثقافة‭ ‬يعني‭ ‬تجديد‭ ‬الوعي،‭ ‬وتجديد‭ ‬الوعي‭ ‬يعني‭ ‬تجديد‭ ‬الثقافة،‭ ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الوعي‭ ‬إذا‭ ‬بلغ‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬النضج‭ ‬الذي‭ ‬يمكّنه‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬التطور‭ ‬وما‭ ‬يقف‭ ‬عائقاً‭ ‬في‭ ‬وجهه،‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬منحصرا‭ ‬في‭ ‬إدراك‭ ‬جوانب‭ ‬الواقع،‭ ‬بل‭ ‬يتعدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إدراك‭ ‬نفسه‭ ‬كوعي‭. ‬فالإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يأخذ‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬تغيير‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬معين‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬أفضل‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يعي‭ ‬واقعه،‭ ‬ووعيه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬ينصهر‭ ‬الوعي‭ ‬داخل‭ ‬عقلية‭ ‬المجتمع،‭ ‬فإن‭ ‬التخلف‭ ‬الفكري‭ ‬سيبقى‭ ‬مهيمناً‭ ‬بأدواته‭ ‬ووسائله‭ ‬تحت‭ ‬منظومة‭ ‬من‭ ‬التصورات‭ ‬والمفاهيم‭ ‬والعادات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬وتقاوم‭ ‬نهضته‭ ‬وتنميته‭. ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬إدراك‭ ‬قيمة‭ ‬الوعي‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬توفّرت‭ ‬فيه‭ ‬وسائل‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬بات‭ ‬ضرورة‭ ‬وليس‭ ‬ترفاً‭.‬

أصبح‭ ‬التغيير‭ ‬مفهوماً‭ ‬حاضراً‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬المجتمعي،‭ ‬الذي‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬شمساً‭ ‬تُشرق،‭ ‬وعلى‭ ‬الحاكم‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬بأن‭ ‬التغيير‭ ‬أصبح‭ ‬قدراً

ولذا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قياس‭ ‬مستوى‭ ‬تقدم‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬إلا‭ ‬بمقدار‭ ‬فاعلية‭ ‬حركة‭ ‬الوعي‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬تركيبته‭ ‬المجتمعية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬مجتمع‭ ‬هناك‭ ‬فئة‭ ‬فاعلة‭ ‬ومنفتحة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬والاشتغال،‭ ‬وفئة‭ ‬أخرى‭ ‬مناهضة‭ ‬للتغيير‭ ‬لا‭ ‬يميزها‭ ‬عن‭ ‬الأولى‭ ‬سوى‭ ‬التشدد‭ ‬والانغلاق،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬تقدم‭ ‬المجتمع‭ ‬وتطوره‭ ‬مرهوناً‭ ‬بأيّهما‭ ‬الأكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الإمساك‭ ‬بزمام‭ ‬الأمور‭ ‬وبالتالي‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الساحة‭.‬

إن‭ ‬الواقع‭ ‬يقول‭ ‬بأن‭ ‬ثقافة‭ ‬الاستبداد‭ ‬الفردي،‭ ‬والشمولي‭ ‬شكلت‭ ‬نمطاً‭ ‬من‭ ‬وعيين‭ ‬متناقضين،‭ ‬وعي‭ ‬التخلف‭ ‬في‭ ‬عمقه‭ ‬وفي‭ ‬تركيبته‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ‬وتقاليد‭ ‬وممارسات‭ ‬رسخت‭ ‬تخلفاً‭ ‬فكرياً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الشرائح‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وعرقلة‭ ‬مسار‭ ‬التطور‭ ‬المجتمعي،‭ ‬والوعي‭ ‬الثاني‭ ‬وعي‭ ‬التطور‭ ‬والسير‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل‭ ‬للتغيير‭ ‬السياسي‭ ‬والثقافي‭ ‬والحداثة‭ ‬الفكرية،‭ ‬وبناء‭ ‬دول‭ ‬المواطنة‭ ‬في‭ ‬أنظمة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬لرفع‭ ‬المستوى‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬لمجتمعاتها‭ ‬بتعاون‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬ومؤسساته‭ ‬التعليمية‭ ‬والتربوية‭ ‬والإعلامية،‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬إفساح‭ ‬مساحة‭ ‬أكبر‭ ‬لحرية‭ ‬التعبير‭ ‬والإبداع‭ ‬وقبول‭ ‬التعددية‭ ‬واختلاف‭ ‬الآراء‭ ‬وتنوع‭ ‬المشارب‭ ‬والمذاهب،‭ ‬بالحداثة‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية،‭ ‬أي‭ ‬إنتاج‭ ‬وعي‭ ‬ثقافي‭ ‬وفكري‭ ‬وتنموي‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬وهذا‭ ‬الوعي‭ ‬تبلور‭ ‬في‭ ‬الحقائق‭ ‬التالية‭:‬

*‭ ‬إسقاط‭ ‬ما‭ ‬صدَّقه‭ ‬الحكام‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬القائم،‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬حبهم‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬يحكمون،‭ ‬وبأنه‭ ‬بالروح‭ ‬وبالدم‭ ‬يفديهم،‭ ‬وعرّفتهم‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬حصانة‭ ‬لأيّ‭ ‬نظام‭ ‬تحت‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬الشعارات‭.‬

*‭ ‬تعرية‭ ‬هؤلاء‭ ‬الحكام‭ ‬الذين‭ ‬برعوا‭ ‬في‭ ‬تمزيق‭ ‬“الرعية”‭ ‬التي‭ ‬يستبدون‭ ‬بها‭ ‬بالجهوية‭ ‬والطائفية‭ ‬والقبلية‭ ‬وباللامساواة‭ ‬“فقر‭ ‬وبطالة”،‭ ‬وكان‭ ‬لطبيعة‭ ‬وحدود‭ ‬وكثافة‭ ‬التفاوتات‭ ‬“السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية”‭ ‬اختفاء‭ ‬طبقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬حاملة‭ ‬للتغيير‭ ‬والتقدم‭. ‬إنها‭ ‬ظواهر‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬شرخ‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وطلاق‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬حكامه‭ ‬الذين‭ ‬جعلوا‭ ‬“الرعية”‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬يُساء‭ ‬التعامل‭ ‬إليها،‭ ‬ويُبخس‭ ‬من‭ ‬قيمتها،‭ ‬مما‭ ‬تسبّب‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الإخفاقات‭ ‬والانكسارات‭ ‬وغياب‭ ‬الشعور‭ ‬بالمسؤولية،‭ ‬وأخذ‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬“الرعية”‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬ذي‭ ‬البنية‭ ‬الهشة‭ ‬وبما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬توترات،‭ ‬يبحث،‭ ‬وبما‭ ‬يتكشف‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬تحدٍ،‭ ‬لإيجاد‭ ‬معنى‭ ‬لحياته،‭ ‬وعلى‭ ‬طرائق‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬حريته،‭ ‬إنها‭ ‬حالة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الركود،‭ ‬ولكنها‭ ‬كاشفة‭ ‬عن‭ ‬نجاح‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬تقنيات‭ ‬النمو‭ ‬الشخصي،‭ ‬وفي‭ ‬نضج‭ ‬متعدد‭ ‬الوجوه‭ ‬مرتبط‭ ‬بالأزمات‭ ‬الخانقة‭ ‬“الضغوط‭ ‬الظرفية‭ ‬المدمرة‭ ‬وانمحاء‭ ‬نقاط‭ ‬الاستناد‭ ‬والتعقيد‭ ‬المتزايد‭ ‬والعجز‭ ‬عن‭ ‬التقدم‭ ‬والانكفاء‭ ‬على‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة…”،‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬ولَّدت‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬الآن،‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي،‭ ‬بجيل‭ ‬شبابه،‭ ‬أمواجاً‭ ‬متلاطمة‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬هادر،‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬مسؤوليات‭ ‬متعاظمة،‭ ‬وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬صيرورته،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬رفع‭ ‬المصادرة‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬مستقبله،‭ ‬والاستجابة‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭ ‬منه‭ ‬بخصوص‭ ‬مشروع‭ ‬حياته‭ ‬بإعادة‭ ‬التجديد،‭ ‬باستمرار،‭ ‬تبعاً‭ ‬لقراراته‭ ‬البحتة‭.‬

*‭ ‬زحف‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬صنعت،‭ ‬المعاناة‭ ‬الداخلية‭ ‬والتوترات‭ ‬والهوس‭ ‬حتى‭ ‬المرض‭ ‬بهموم‭ ‬شعبهم،‭ ‬ثوراتهم‭ ‬إلى‭ ‬الساحة‭ ‬بشكل‭ ‬سلمي‭ ‬وعلى‭ ‬المكشوف،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬تميل‭ ‬كلياً‭ ‬لمصلحة‭ ‬الحاكم،‭ ‬زحف‭ ‬وبظل‭ ‬حماية‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬شعبه‭ ‬المقهور‭ ‬بعد‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬القمع‭ ‬والكبت،‭ ‬وعلى‭ ‬المشاكل‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬أرهقه‭ ‬الأمل‭ ‬بالمستقبل،‭ ‬وعلى‭ ‬تيارات‭ ‬النفي‭ ‬السياسي‭ ‬والتيارات‭ ‬القوية‭ ‬للهجرة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬بلده‭ ‬المليء‭ ‬بالخيرات،‭ ‬وهو‭ ‬مستعد‭ ‬للتضحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الخلاص،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عرف‭ ‬موطن‭ ‬الداء‭ ‬المستفحل‭ ‬الذي‭ ‬يسبب‭ ‬كل‭ ‬مآسيه‭ ‬والكامن‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬دولة‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬شيَّدت‭ ‬أطرها‭ ‬الدساتير‭ ‬المعمول‭ ‬بها،‭ ‬وفي‭ ‬ديمومة‭ ‬العمل‭ ‬بقوانين‭ ‬الطوارئ‭ ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬الدولة‭ ‬الأمنية‭ ‬وفرضت‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬“الرعية”‭ ‬مصادرة‭ ‬لمستقبله‭ ‬اجتماعياً‭ ‬وسياسياً‭ ‬خلال‭ ‬سيرورة‭ ‬تبدأ‭ ‬منذ‭ ‬دخوله‭ ‬الحضانة‭ ‬حتى‭ ‬الردح‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬وحصاراً‭ ‬رغماً‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬تحدّد‭ ‬تصرفاته‭ ‬ولا‭ ‬تسمح‭ ‬له‭ ‬بأي‭ ‬شعور‭ ‬بالتمايز‭ ‬الفردي‭ ‬أو‭ ‬الميل‭ ‬نحو‭ ‬أيّ‭ ‬تكون‭ ‬اجتماعي،‭ ‬وتسمير‭ ‬مصيره‭ ‬بأمل‭ ‬الخلاص‭ ‬في‭ ‬الآخرة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬روابط‭ ‬حشرته‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سلطات‭ ‬وضوابط‭ ‬ضاغطة‭.


لوحة: بطرس المعري

*‭ ‬ثار‭ ‬الشباب‭ ‬وهو‭ ‬معتدّ‭ ‬بذاته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كفاءات‭ ‬يمتلكها‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬في‭ ‬سُبات‭ ‬وتُوَلِّدُ‭ ‬فيه‭ ‬شعوراً‭ ‬بالحرمان‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬مليء‭ ‬بالأطر‭ ‬الضاغطة،‭ ‬وحاكم‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬إلا‭ ‬صورة‭ ‬نفسه‭ ‬ولا‭ ‬يتأمل‭ ‬إلا‭ ‬كُنه‭ ‬ذاته‭.‬

*‭ ‬معارضة‭ ‬ما‭ ‬تبذله‭ ‬مؤسسة‭ ‬مفرطة‭ ‬التسلط‭ ‬لفرضها‭ ‬عليه‭ ‬قاعدة‭ ‬تقليد‭ ‬قداسي‭ ‬يُعاد‭ ‬توظيفه‭ ‬في‭ ‬غسل‭ ‬أدمغة،‭ ‬وفي‭ ‬تكوين‭ ‬ناشئة،‭ ‬لتمجيد‭ ‬حكام‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬ممارساتهم‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬للرمزية‭ ‬أو‭ ‬القدسية‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬تاريخي‭ ‬حقيقي‭.‬

*‭ ‬كَسْرُ‭ ‬غلَّ‭ ‬“المفروض”،‭ ‬وواجب‭ ‬الخضوع‭ ‬لحقائق‭ ‬موجودة‭ ‬أمام‭ ‬“الرعية”،‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬أقل‭ ‬تقديراً،‭ ‬وأصبحت‭ ‬المطالبة‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬بتحديد‭ ‬المرجعيات‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬معنىً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع،‭ ‬وبتثمين‭ ‬حقه‭ ‬بهذا‭ ‬السعي‭ ‬نحو‭ ‬مرجعيات‭ ‬متطورة‭ ‬تشكل‭ ‬هويته،‭ ‬وتحقق‭ ‬التجديد‭ ‬في‭ ‬ضوابط‭ ‬جديدة‭ ‬لمستقبله‭.‬

*‭ ‬ظهور‭ ‬هويات‭ ‬شبابية‭ ‬جديدة،‭ ‬لإسقاط‭ ‬النماذج‭ ‬القسرية‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬أنظمة‭ ‬الاستبداد‭ ‬على‭ ‬تكريسها‭ ‬بغرض‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مجتمعاتها‭. ‬ووعي‭ ‬الجيل‭ ‬الشاب‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فيه‭ ‬حقير‭ ‬ويستحق‭ ‬الازدراء،‭ ‬وأنه‭ ‬فقد‭ ‬كل‭ ‬بُعد‭ ‬سام‭ ‬لوجوده،‭ ‬وطرحت‭ ‬فلسفة‭ ‬الحياة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬سيناريو‭ ‬جذاباً‭ ‬يمكِّنه‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬حياته‭ ‬فيه‭.‬

*‭ ‬إرادة‭ ‬الجيل‭ ‬الشاب‭ ‬بالقطيعة‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬القائم،‭ ‬وإرادته‭ ‬بالانتفاضة‭ ‬ليتخلص‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬مسطح‭ ‬تتراجع‭ ‬آفاق‭ ‬دلالته‭ ‬“فقدان‭ ‬معنى‭ ‬وجوده،‭ ‬اختفاء‭ ‬غاياته،‭ ‬فقدان‭ ‬حريته،‭ ‬أزمة‭ ‬المواطنة‭ ‬والمشاركة‭ ‬السياسية”،‭ ‬وليحقق‭ ‬رؤيته‭ ‬المتفائلة‭ ‬بإنسانيته‭ ‬وإمكانياته‭ ‬وقدراته‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬الأمور‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭ ‬والعثور‭ ‬على‭ ‬أجوبة‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬الواقع‭ ‬المحيّرة،‭ ‬وأن‭ ‬يجد‭ ‬مخرجاً‭ ‬أو‭ ‬باباً‭ ‬للخلاص‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬صنعتها‭ ‬الأنظمة‭ ‬وهي‭ ‬أزمة‭ ‬مزمنة‭ ‬مستعصية‭ ‬يتخبط‭ ‬بها‭.‬

*‭ ‬الشعور‭ ‬بالقدرة‭ ‬الكلية‭ ‬على‭ ‬سلوكيات‭ ‬المجازفة،‭ ‬بعد‭ ‬التساؤل‭ ‬كما‭ ‬تساءل‭ ‬“بوعزيزي‭ ‬وآخرون”‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الحياة‭ ‬تستحق‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬أنْ‭ ‬تُعاش،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬هي‭ ‬طريقه‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬معاناة‭ ‬تهميش‭ ‬المجتمع،‭ ‬وطريق‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬توجه‭ ‬صاعد‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬بفضائلها،‭ ‬وفي‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطي‭ ‬التعددي‭ ‬بتكافؤ‭ ‬فرصه‭.‬

*‭ ‬امتلاك‭ ‬الوعي،‭ ‬وتبعاً‭ ‬لصروف‭ ‬التاريخ،‭ ‬بالاضطهاد‭ ‬والظُلم‭ ‬وسلب‭ ‬الحرية،‭ ‬وأيضاً‭ ‬امتلاك‭ ‬الإرادة‭ ‬للتعبير‭ ‬وواجب‭ ‬النضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيجاد‭ ‬معنى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المستقبل‭ ‬“الحرية”،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬نقل‭ ‬شرعية‭ ‬السيادة‭ ‬للشعب،‭ ‬وتحقيق‭ ‬التكافؤ‭ ‬بين‭ ‬الأشد‭ ‬قوة‭ ‬والأشد‭ ‬ضعفاً‭ ‬ليصبح‭ ‬الشعب‭ ‬قوة‭ ‬تحوّل‭ ‬سياسي‭ ‬واجتماعي‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬مشتركة‭.‬

*‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬إلى‭ ‬منظومة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬رافعة‭ ‬للأفكار‭ ‬والأفعال،‭ ‬ورفض‭ ‬الانتساب‭ ‬إلى‭ ‬التقاليد‭ ‬الحصرية،‭ ‬والوعي‭ ‬باقتسام‭ ‬الشروط‭ ‬ذاتها‭ ‬وبالتالي‭ ‬وجوب‭ ‬التنظيم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬النضال‭ ‬ضد‭ ‬الاستبداد،‭ ‬والانتفاض‭ ‬لتحقيق‭ ‬هوية‭ ‬مختارة‭ ‬وليست‭ ‬مفروضة،‭ ‬هوية‭ ‬تسمح‭ ‬بممارسة‭ ‬الحرية‭ ‬وتشييد‭ ‬الشخصية،‭ ‬وإنتاج‭ ‬نظام‭ ‬بدون‭ ‬حاكم‭ ‬فرد‭ ‬مستبد،‭ ‬أو‭ ‬حزب‭ ‬شمولي،‭ ‬سعياً‭ ‬إلى‭ ‬تجنب‭ ‬مساوئ‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬واقع‭ ‬والمضيّ‭ ‬بعيداً‭ ‬لمواجهة‭ ‬كافة‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬ولّدها‭ ‬النظام‭ ‬القائم‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬المميزات‭ ‬المتوقعة‭ ‬من‭ ‬تغييره،‭ ‬لحلها‭ ‬سياسياً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬بنَفَسٍ‭ ‬من‭ ‬العدالة‭.‬

*‭ ‬الإدراك‭ ‬بضرورة‭ ‬حمل‭ ‬وعد‭ ‬للوطن،‭ ‬وأمنيات‭ ‬بسيطة‭ ‬للشعب‭ ‬(الحرية)،‭ ‬والتصالح‭ ‬مع‭ ‬الحداثة،‭ ‬والرهان‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭: ‬(قبول‭ ‬الحوار‭ ‬السلمي‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وقبول‭ ‬التعددية‭ ‬والاختلاف،‭ ‬ونبذ‭ ‬التحجر‭ ‬والتزمت‭ ‬حيث‭ ‬يكمن)‭.‬

*‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬فهم‭ ‬سبب‭ ‬الانتفاضات‭ ‬هو‭ ‬معاناة‭ ‬جيل‭ ‬جديد،‭ ‬رفيع‭ ‬العزم‭ ‬شديد‭ ‬الحرص،‭ ‬ملّ‭ ‬من‭ ‬الصبر‭ ‬وطال‭ ‬به‭ ‬الخوف‭ ‬ويريد‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬دول‭ ‬السُلَط‭ ‬وتشابه‭ ‬ممارساتها،‭ ‬انتفض‭ ‬بعقل‭ ‬اجتماعي‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عقد‭ ‬اجتماعي‭ ‬جديد،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬عهد‭ ‬جديد‭ ‬عقلاني‭ ‬ومستنير‭ ‬وإنساني‭ ‬لصالح‭ ‬قوى‭ ‬التقدم‭ ‬والمستقبل،‭ ‬ولإعادة‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬الدولة،‭ ‬وإعادة‭ ‬تأليف‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬شديدة‭ ‬الاختلاف‭ ‬عمّا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬وأواسطه،‭ ‬وتشييد‭ ‬مساراته‭ ‬في‭ ‬الانتماء‭ ‬وجعلها‭ ‬متعايشة‭ ‬بشكل‭ ‬عقلاني‭.‬

‮ ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬التغيير‭ ‬مفهوماً‭ ‬حاضراً‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬المجتمعي،‭ ‬الذي‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬شمساً‭ ‬تُشرق،‭ ‬وعلى‭ ‬الحاكم‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬بأن‭ ‬التغيير‭ ‬أصبح‭ ‬قدراً،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬فُرض‭ ‬على‭ ‬“الرعية”‭ ‬من‭ ‬أنماط‭ ‬سلوكية‭ ‬بدأت‭ ‬تتحرك‭ ‬وتفلت‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬المفروضة،‭ ‬وأنها‭ ‬لا‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬المعايير‭ ‬الحداثوية‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.