إيروس شاملُ الحضور
ظهر الكتاب في منشورات سُويْ سنة 1975. على ظهر الغلاف صورة بطاقة هوية لمحمد ديب و نص للشاعر غير مُمْضى: الجانب الأكثر جلاء للحياة، الجانب المحسوس، هو بالتأكيد الجانب الأكثر عتمة. هو ليس سوى الظلّ المحمول لإيروس ، و ليس و نحن فيه إلا مشروع إيروس نفسه في الأوقات التي لا يبدو فيها أنّه كذلك. كنت أفكّر في الأمر وأنا في القطار الّذي يحملني من فَرْسَاي إلى باريس في يوم رائق من أيام يناير، وواصلت مُحَدِّثًا نفسي أيضا أنّ كلّ شيء فينا مفتون، يصبو إلى نبع النور هذا. ثمّ غمرتني بنورها الرؤية المُعْمِيَةُ لنبع النور هذا. كفاني ذلك لأفهم أن علينا أن نُبْعِدَ الغواية، وحتى الفكرة – مَنْ يذوب فيها لا يعود يُحِسُّ تأثيراتِها، و مَنْ تستحوذ عليه فهو مفقود. اكتشفتُ هكذا أنّ حظّنا يوجد في كثافتنا، تفحصتُ بنظري الوجوه الإنسانية الموجودة في عربة القطار و شعرتُ اتجاههم بالامتنان لأنّهم هنا. لا شكّ أنّني أخذت القطار في هذا اليوم فقط لأبقى طيلة الوقت الّذي يستغرقه السفر قريبا منهم دون أن أتحرّك. كانت أفكاري تدور بشكل طبيعي حول هذه القصائد. و ها هي اليوم بالقوة والوضوح نفسهما تنبثق من جديد بعد شهرين من النسيان. والحال هكذا فهي تخفي داخلها جزء من الحقيقة. وقد يبدو من جانب آخر أنّ هذه القصائد تخدع الحنين إلى لغة أخرى، لغة غير موجودة بالتأكيد، أو لا توجد إلا في الحالة الافتراضية. يجب كذلك رفض هذه الفكرة و قراءَتَها بوصفها قصائد حبٍّ و حرفيا فعل الحبّ. في شهر جويليا 1973، نشرت المجلة الفرنسية الجديدة… (رقم247) ثلاث قصائد لمحمد ديب: ” إشاعة الحرارة” ، “نشر الألم” و”صحراء تتسمَّى”. تمّ دمج القصيدتين الأولى والثانية في قسم “إيروس الناسخ” بتغيير للعنوان بالنسبة “إشاعة الألم” التي أصبحت “إشاعة العتمة”. القصيدة الثالثة توجد في قسم “إيروس الأرض”. أُعيدَ نشر ديوان “إيروس شامل الحضور” سنة 2002 في دار لاديفيرونس. ترجم الديوان إلى اللغة الإنجليزية من طرف بول فانجليستي و كارول لاتييري، منشورات ريد هيل بريس.
تَنَبَّهْ أنَّ مَنْ يَقْرَأْ، هو نَفْسُهُ الكتاب، هو نَفْسُهُ المقروء، وهو نفْسُهُ من يتكَلّمْ و هو نفسُهُ ما ينْقَالُ دون أن يكون القوْلَ.
أرخبيلاتٌ عاطِلَةٌ
_1_
خُضْ عبْرَ القوّة النّومَ
سَفَرَ ظِلٍّ و تَوَجُّسٍ
فَوْقَ تَشَرُّدِ ذاكِرَةٍ عديدةٍ
احْمِ و كَذِّبْ هروبًا
هوَ بيَاضٌ في دغْلِ الصَّرَخاتِ
يكْتَشِفُ مَعْبَرًا و يُضَيِّعُهُ
وأنتَ تَتغَطّى بِالخَرَسِ
ثابِرْ مِنْ ثَغْرَةٍ إلى ثَغْرَةٍ
يا ماءً خفيفًا على الصّخور الحائِلَةِ.
_2_
ماءٌ صابِرٌ بطيءٌ يُريدُ
أَرْجُلاً و أعْمالاً ولا يُحْسِنُ الانْفِلاتَ
ويريدُ فتح الطريق المالحةِ
أذًى أشدّ انْخِفَاضًا لا يُريدُ بُلُوغَ
الجزُرِ المُرْجانيَّةِ المُضْطَرِبَةِ في المَداراتِ
ولا أفْجارَ الاشْتِهاءِ.
_3_
مُتَوَحِّدٌ في ندَمٍ
ظِلٌّ و نومٌ كذلكَ
يضعُ على عتبةٍ
أشْنَةً و كذلكَ شَمْسًا
ومُجَذِّفًا يُثَابِرُ.
AENIGMA
نَاهِشَةٌ
تَجُوبُ دَرْبًا مِنَ القُبَلِ
فَجْأَةً عُذُوبَةٌ
تَلْتَفُّ بِخاصِراتٍ قَابِلَةٍ لِلْمَحْوِ
فَجْأةً بُرْجٌ
يُراكِمُ ضَجِيجَ القَلْبِ
جَمْرَةٌ
تُهدي موْتَها لِلقَصِيِّ مِنْ تِلْكَ الضِّفَافِ
وتُردِّدُ
فَجْأَةً تُنَوِّمُ انْسِيَابًا.
بُطْءُ امْرأةٍ
_1_
تُطَوِّقُ بِالشّمْعدانات الأمْواجَ
تَصْنَعُ ثانيَةً مِنْ هذا الفراغِ رَصَاصًا
وتبْتَعِدُ أكْثَرَ
تنامُ تحت رَمادٍ وهي
كُلُّهَا عصافير مَزْروعَةٌ بِمِقْلاعٍ
سُرْعانَ ما تعودُ إليها مِن جديدٍ.
_2_
وهيَ بَرَدٌ نَهِمٌ مِنْ أجْلِهِا
سيَصْرُخُ اسْمُهُ الّذي مِنْ هناكَ
ويَمْلأُ هذه الضّفاف
إليها سَيسيرُ هذا السُّورُ
في مزادِ الأصْواتِ يَخْتِمُها
فوق موْسِمِ الفريسَةِ.
أقوالٌ أو آثارٌ
والبَحْرُ
يا بَحْرُ أدُقُّ أعْباءَ وعُزلاتٍ
أنْحَتُ أفْجارًا ألْعابًا مُغَامَراتٍ
لأجْعَلَ الفضاءَ أزْرقَ فقط
لكنَّ المرْأَةَ
يا ماءُ أعْرِفُ فَوْقَ ماذا هذا العدمُ
يَحْرُسُ سُيُوفَهُ المُعَلَّقَةَ
أعْرِفُ أيَّ انْتِظارٍ يَكْتمِلُ
والبَحْرُ
فقطْ ماءٌ بريءٌ
أمْنَحُ لِلْحَظِّ فقط
لُعْبَةَ الحَجْلَةِ و أنْسَحِبُ.
حُكْمُ الهواء
مِنْ أجْل ماذا أيّها الارْتِفاعُ الصّامتُ يسْحَبُ
مِنْ لا شَيء ضَجيجَ مَوْجَةٍ الهَواءُ
مِنْ لا شَيء جسدًا يريدُ أنْ يعْرِفَ
أيَخْلُقُ هذه الشّمْسَ وهذا الصّلْصَال
ويتناوَبُ كذلك و يدخلُ في السُّباتِ
وفي هذا النِّطاقِ ماءٌ أيْضًا
وكلُّ ما يَتَسَلَّحُ بِالتَّقَلُّبِ
وكلُّ ما يَفْقِدُ صَوابَهُ
كلُّ ما يَموتُ بِفِعْلِ الزمنِ يصرخُ بالعصافيرِ.
تَمَدُّدُ امْرأةٍ
مُشَكِّلَةً الضِّفَّةَ بِالكادِ
مُبْتَهِجَةً بِالتَّعَبِ
ومَحْفُوفَةً بِالاسْتِراحاتِ
عارفَةً أيّتُها الطّمَأْنينةُ
أينَ تهاجرُ الذِّئَابُ
أيْنَ يَضْرِبُ النَّوْمُ
وبَغْتَةً مسَافَةٌ
مَهْجُورَةٌ في ذاتها
بَغْتَةً هواءٌ خافِقٌ
ثُمَّ اتِّسَاعٌ ثُمَّ فَرْوٌ
ثُمَّ نَداوَةٌ و سَوادٌ
وكُلُّ صَيْدٍ مَفْتُوحٌ.
بَيْرَقٌ شارِدٌ
مُخاطَبَةٌ
على هذه الأقاليمِ اسْتَوْلَى وبِالسِّرِّ تجَلَّلَ و بِصَوْتٍ عميقٍ تكَلَّمَ غيْرَ أنَّهُ في النّهايَةِ حصاةٌ عَبَرتْ زِنا المحارمِ و القيْظَ والبراءَةَ سبَرَ اللُّبَّ وبدَأَ الكلامَ مِن جديدٍ و اسْتعادَ الانْبِثَاقَ البسيطَ في رِحْلَةِ الأمْواهِ الكتِفُ البطْنُ الأقْدامُ الوديعةُ ثُمَّ أهْرقَ البَحْرَ بينَهُم ثُمَّ طَيَّةُ أرْضٍ و مِنْ جديدٍ الوحْدَةُ الشّاطئُ الهَدْهَدَةُ و يبْدَأُ الكلامَ مِنْ جديدٍ.
خسُّ النَّعْجَةِ (1) الّتي تُريدُ ريحَنَا و آسَنَا
لِتَأْتِ مَنْ تُريدُ أنْ تزْرَعَنا شُعَلاً
مِسْحَقَةٌ تُريدُ بُطْلانَنَا
على حُنْجُرُةٍ تَوَّاقَةٍ لِلقاقِمِ (2)
لِيَدٍ تُريدُ مَنْفَانا الصّقيلَ
وضفافًا غريبةً لا يُشْفيها شيءٌ
(1)- خسُّ النَّعْجَةِ (Mache): بقلة زراعية من فصيلة الناردينيات، تؤكل أوراقها نيّئة. حرف هنا بالتاج a .
(2) - قاقِمِ (Hermine): حيوان من الفصيلة السمورية، فروه ثمين.
إيروسُ الأرْض
وَسَاطَةٌ
اهْتِزاَزٌ في ماذا هذا الوَصْفُ لِلأَوْراقِ
افْقِدْ ذاكِرَتَكَ وتَحْتَ يَدَيْها العَجُولَتينِ
لا تدَعْ سوى ذهُولِ النّهار يَهْرُبُ
مُرْتَجِفًا مع ذلكَ مِنْ أنْ تَجْري إلى الغَرَقِ
وأنْ تُضَيِّعَ ظِلاًّ على حَدَقَتَيْكَ
أو هذا الخَوْفَ المُسْتَعِدَّ دائمًا لِلْإِخْلالِ
جاهلاً أيْنَ تُبَذِّرُ حُمَيَّةً ما
وتُكْرِهُ الانْفِتَاحَ و تُقْفرُ المَأْوى
على فَرِيسَةٍ مُقَيَّدَةٍ مِنَ النَّظَرِ
أيْنَ يَغزو و يسْكنُ الضّياءَ
و يَتَحَصَّنُ ليَحْترِقَ فيهِ رُموزًا
أَكْثَرَ تأَجُّجًا مِنْ مُعْجزاتٍ في السّماء.
صحْراءٌ تَتَسَمَّى
حتّى لا تَنْصُبَ الرّيحُ لِلدَّرْبِ الطّاهرِ
شَرَكًا أو تُطْلِقَ مِحْجَرًا
على الولادةِ و قَوانينِ صَحْراءٍ ما
تُريدُ أنْ تُريقَ سَاحِلاً و تَنْقُضَ
بَحْرٌ يُمَجِّدُهُ البَحْرُ هو حقيقَتُكَ
ضياءٌ مَبْحُوحٌ بِالشَّفَقَةِ
مُسْتَسْلِمٌ لِأَيْدي العدُوِّ
أجْدى مِنْ أنْ يسْتَسْلِمَ لِحُلْمٍ بِطريقَةِ وجودٍ
فَصْلٌ أيْضًا تَفْتَحُ كُسُورُهُ
مَعْرِفَةً و خَيْرًا لِمَوْتٍ كامِلٍ
بِفَضْلِ تُخُومِ صُدْفَةٍ على الخصوصِ
مُسْتَعِدَّةٌ لِتَسْليمِ المَدْخَلِ و اقْتِراحِ
الضَّحِكِ لِتَهْوِيَةِ المَمَرِّ
واقْتراحِ الجَسَدِ لِلسَّهْوِ المُعْتِمِ.
مَجْدُ الرّيحِ
_1_
فقَطْ رُبَّما هذه الشُّعْلَةُ
فَقَطْ رُبَّما هذا العَطَشُ
أو السُّنُونُوَةُ الهازِئَةُ
أوْ غَزْوٌ في لا مكانٍ
يَسْرُدُهُ نَهارٌ بِلا نسْلٍ
بِلا احْتِبَاسٍ
هَذا الاخْتِطَافُ ألْعابُ الهواء هذه أيْضًا.
طريقٌ لا يَهْدَأُ
ألَمٌ ليسَ لهُ مِنْ سَبَبٍ
لا قِسْمَةٌ لِهذِه الثَّرَواتِ العديدةِ
بيْنَ القَلْبِ و الخَوْفِ أو هذه الأشْجار
والأفُقِ الّذي لا تَصْفِقُهُ أيَّةُ ريحٍ
لِكَيْ تَخُوضَ و تُخَفِّفَ نُزُوحَهَا
بِتَعَطُّشِ جَسَدٍ
إلى حَيْثُ يَفْرَغُ الصّيْفُ المُتَعَذّرُ على المَسِّ.
نَصٌّ
علَى يَدِهَا تنْكَتِبُ
العِبارةُ و تأْخُذُ طَرِيقًا
على الرّمْلِ تَسْتَعيدُها
الرِّيحُ وتُحَطِّمُها
يُعِيدُ كتَابَتَها الدَّمُ
عذَاباتٍ هارِبَةٍ
يَهْمِسُها الزَّمنُ
تَحْتَ مَدائِحِ خُطْوَتِها
ولَنْ يكُونَ النّظامُ المُتَحَقِّقُ
قدْ قالَ سِوَى الحظُوظِ البعيدَةِ.
PRIMA SOLUTIO
ارْتَسِمِي سُخْرِيَّةً مع الهواءِ
أيَّتُها العُذُوبَةُ أيُّها السَّطْحُ أيَّتُها المَغْفِرَةُ
عندما تلْمَسِينَ الجَلَبَةَ في الخِتَامِ
مُسْتَريحَةً على ورَقَةٍ واحِدَةٍ
واجْنَحِي نائِمَةً مَوْتًا باطِلاً
مُرَوِّضَةً ثَلْجَ الجسَدِ.
SECUNDA SOLUTIO
يا جَسَدًا تزَوَّجَهُ مَرْسًى
و يا عُذُوبةً و سَطْحًا و مَغْفِرَةً
ضِيعِي مِثْلَ تَجْعِيدَةٍ فَوْقَ المَاءِ
واجْنَحِي نائِمَةً مَوْتًا باطِلاً
عندمَا تَلْمَسِينَ الجلَبَةَ في الخِتَامِ
مُسْتَريحَةً على مَوْجَةٍ واحِدَةٍ.
أُهْجِيَةٌ
مُخَاطَبَةٌ
في شَرْقِ الرُّوحِ صَرَخَ الإِنْسَانُ لا علاَمَةَ هناكَ ما عَدا بَابٍ وموْجَةٍ لِتَحديدِ النّهارِ فَهَلْ سَتُسْلِمانِ ما يَتَسَمَّى هلْ سَتَسِيرَانِ وتُبَدِّدَانِ كُلَّ اليَأْسِ الّذي يَتَبَخَّرُ على بَرَازِخِ الماءِ الشَّاطِئِيَّةِ الوَقِحَةِ لِلنَّدَمِ أوْ وَحْدَها بَهِيمَةٌ مِنْ غُبَارٍ تُهْدِرُ اليَنابيعَ الضَّحْلَةَ الّتي تُغَذّي الأسْطُورَةَ وفَمٌ يَنْهَبُ البَحْرَ مُغَامَراتُ العطَشِ الّتي لا تَجِدُ مَكَانًا آخَرَ و اسْتِراحَةً أُخْرَى و مُهِمَّةً أخْرى والإنْسانُ صَرَخَ مُبَاشِرَةً بِعَوْدَةِ التّائِبينَ بِالأوامرِ و الإبْدالاتِ والعُروضِ المُشْتَقَّةِ مِنَ الاسْمِ لا تَفْتِنُوهُمْ و لا تَسْتَقْبِلُوهُمْ لأنَّ مُعاناةِ هذا البَحْرِ الأخْضَرِ وسَاحِبي الأشْرِعَةِ بِالحِبَالِ سَيَمْلأُ مفاصِلَ العظامِ دونَ أنْ تنيرَ طَريقَ عَوْدَةِ رِفَاقِنا لنْ يكُونَ في اسْتِطاعَتِنا سِوى أنْ نَدْعُوَ مِنْ جديدٍ الشَّوَاطئَ الأخِيرَةَ.
إلى ماءٍ أُمُومِيٍّ إلاَّ إذا عَرَّفْتُمُونَا على طريقِ هؤُلاءِ المُغامِرينَ المَسْجُونِينَ الرَّاسِينَ في حَظِّ تاريح ما لكنْ أُتْرُكُونا قبْلَ ذلكَ نُنادي على الظّلِّ دَلَّهُمْ وليسِ بِمَقْدُورِنا سِوى أنْ نَرْفُضَ هذه الصَّرْخَةَ الّتي تَعْدُو.
مِنْ فَرْطِ حُبِّكِ لِلصَّاعِقَةِ
أنْعَشْتِ الخَوْفَ
مِنْ فَرْطِ حُبِّكِ لِلبَحْرِ
تَقَمَّصْتِ النَّهارَاتِ
مِنْ فَرْطِ حُبِّكِ لِلرِّيحِ
رَاهَنْتِ بِحَظِّكِ.
===========
إيروس شاملُ الحضورِ OMNEROS
مادَّةٌ
حيْثُ يَهْتَزُّ عِنَاقٌ
لا نَضَعُ سِوَى فَمٍ
ونتَدَفَّقُ عليهِ
حيْثُ تَنْفَلِقُ دَفْقَةُ شَرَرٍ
أعْرِفُ أيَّةَ لُجَّةِ ماءٍ
نتنَاجَى تَحْتَها.
غَزْوُ الصَّبْرِ
فاتِحَةٌ دَرْبَها لِنَفْسِهَا
دائِمًا وحيدةٌ و دائِمًا
هَدْأَةٌ تَحْتَ الأرْجُوَان
دائِمًا الامْتِدَادُ في الطَّرِيقِ
تَتَقَّدَمُ بِقَدْرِ ما تَنْحَسِرُ
المَوْجَةُ المُبَجَّلَةُ
المَاءُ جاثٍ على رُكْبَتِهِ المَاءُ أكْثَرُ عرَاءً
يَتَمَهَّلُ عِنْدَ الحَواجِزِ
مُهْمَلاً كذلكَ
المَاءُ خَارجَ نَفْسِهِ لِيُلَقِّمَ
تَغْرِيدَةً لِلْعَصَافِيرِ
ويَحْيَا أعْمَى و أسْوَدَ أكْثَرَ.
مكانٌ مُسَمًّى
أيَّتُهَا العَقِيدَةُ الأكْثَرُ حُمْقًا
في أيّ شَراشِفَ وصُمُوتَاتٍ
تُنَوِّمِينَ هذا الثَّلْجَ
و(دونَ أنْ تَقُولِي لِمَاذا)
هادِئَةً تَسْكُبينَ لَهُ
نَفَسًا مِنَ الزَّغَبِ
أيَّةُ فَرِيسَةٍ تَسْتَسْلِمُ
أيُّ ظِلٍّ يُعِيدُ أخْذَها
لِوَقْتِ الاحْتِضَارِ.
بَهِيمَةٌ لِلْمُطَارَدَةِ
إِنَّهَا تَضِيعُ و تُعِيدُ الاكْتِشَافَ
في النَّسِيجِ والاتِّسَاعِ
تَتَكَوَّمُ في صَمْتِهِ صَدَفَةً
إنَّها تَتَسَرَّبُ داخِلَ الخُرافةِ
الجَوَّابَةُ بِفَمٍ أخْرَسَ
تَشْرَبُ فيهِ ما يُشْبِهُ لُهَاثَ بَهيمَةٍ
جسدٌ يَسْتَرِيحُ في جسَدٍ
يُرْسِي نِهَايَةً مُتْعَبَةً
ويَحْبِكُ مُهْلَةَ صَبْرٍ.
كوْكَبَةُ نُجُومٍ
كَمَا تَحْتَ القُبَّةِ الثَّابِتَةِ النَّهْدُ
كما مَتْجَرِ طيُورٍ منذُورٍ لِلْهُيَاجِ
كما صَيْفٍ مَخْبُولٍ مُنْحَلٍّ إلى إنْسَانٍ
كما أيَّةِ رَحْمَةٍ وُعِدَ بِها العالمُ
الأُضْحِيَةُ مَبْسُوطَةٌ في المَسْرَحِ الهَشِّ
الرَّاقِصَةُ تُحيطُ نَفْسَها بِالزَّلازِلِ
الصَّمْتُ في البَعيدِ يُسَلِّي الرُّعْبَ
والعَقْلُ يُغَامِرُ في اللَّهِيبِ
النَّفَسُ يُصْغِي لِلْعَوْدَةِ تَتَعَجَّلُ
بَيْنَ أحْضَانِ إقَامَتِهِ الّتي مِنْ غِيَابٍ
إقَامَتُهُ الّتي مِثْلَ فُلْكٍ بين الأحْضَانِ
لا تُريدُ الذّهَابَ إلى مَمْلَكَةِ الشّتاءِ.
فصْلٌ حتّى نهايةِ الأزْمِنَةِ
وقْتُ هُبُوبِ الرِّيحِ وجسدٌ أنتِ لا تُرْسِلينَ
صُدْفَةً مُثْقَلَةً بِالزَّمَنِ و الذّهَبِ
سِوَى إلى السّاحَاتِ الّتي تزدادُ فيها الهنَاءَةُ
حَيْثُ تَتَضَاعفُ الرّيحُ بِالكَمَائِنِ
وتَتَغَطّى بِالنَّفِيرِ
الأكثَر خُفُوتًا مِنْ خَشَبٍ حَلْقِيٍّ
هكذا تصْعَدُ الحرارةُ الّتي
تمُدُّ ظُلُماتِ عَيْنَيْهَا
إلى ضَواحِي البُحَيْراتِ المُسْتَعْصِيَةِ.
وِصَايَةٌ مَجْنُونَةٌ
سَتَأْتِي الخادِمَاتُ الرَّفِيعَاتُ
لِمَزْجِ اعْتِرافِكِ المَفْتُونِ
بِهُتَافِ أعْضَائِكِ
سَيَأْتِينَ خارِجَ كُلِّ هذهِ الزُّرْقَةِ
لِيُؤَكِّدْنَ اللَّمَعانَ المُطَارَدَ
مِنَ البيَاضِ الشَّامِلِ
وعديدَاتٌ سَيَنْحَنِينَ جاثِيَاتٍ
يُتَوِّجْنَكِ بِشُموعِهِنَّ
وبعد ذلكَ المُنْشِدونَ لِلْبَحْرِ.
فَرِيسَةٌ لِ
تَقُودُكِ نَحْوَ أُبَّهَةٍ
الفِتْنَةُ و هي الطّريقُ أو الطَّمْيُ
الأوانُ أو الهواءُ في تَشَابُكِ الأغْصَانِ
لَكِنْ تُلاَزِمُكِ بِوفَاءٍ أكْبرَ
في ثَوْبِهَا الّذي لِعَصافيرَ
الوِحْدَةُ المُتَفَاقِمَةُ
و لا رَغْبَة لا عذاب
لا حركةٌ لا حُمًّى
لا ملائِكَةٌ تسْهَرُ عند الأبْوابِ
يَبْسُطُكِ في هذه الأنْحَاءِ
البلَدُ المُعْتِمُ فَقطْ
و يُحَرِّرُكِ اللّيْلُ.
حرارةٌ مُتَشَظِّيَةٌ
أَجِّجِي يا أبَنُوسًا رائِعًا
شَمْسًا فيما وراء الذّاكِرَةِ
و امْرَأَةً مُبْتَهِجَةً
أقِيمِي على عذاب الصَّلْبِ
و حَتَّى السَّوَادِ المُسْتَقْصَى
النَّسْرَ السَّاكِنَ لِلْأَيَّامِ
و الاِرْتِدَادُ ذو الثَّرَواتِ العابِرَةِ
مَصْقُولٌ و مَصْروخٌ و مَفْتُوحٌ
لا يَشُقُّ سِوَى الأجْسَادِ الفَانِيَةِ.
مَثَلُ المُوَاساةِ
على حافَّةِ رُشْدٍ ما
المَكائِدُ البَارِدَةُ لِلْهَواءِ
لكنْ لا علاجَ ولا هُدْنَةَ
لِكُلِّ ما نُرِيدُ أنْ نَتَجاهَلَهُ
ولكي نَنْسَى النِّسْيَانَ
ما يَعْرِفُ أنْ يكونَ العيدَ
ويُريدُ أنْ يَقُولَ في أيِّ بِلادٍ
ما هي الطّريقُ الجاهِزَةُ مِنْ قبْلُ
طُفُولَةٌ مُتَعَثِّرَةٌ في الفَحْم (1)
هذا العِلْمُ رُبَّمَا.
(1) - الفَحْمِ (Carbure): فحم ثنائي، كربور الكالسيوم.
جِسْمُ الجريمَةِ
تعْرِفُ يا صليبُ أيْنَ تُلاَمِسُ
البَهيمَةُ أيْضًا مَوْتًا
و هي مَرْبُوطَةٌ إلى التَّعَبِ
أيْنَ يَغْزو نَوْمُكَ
جسدًا مَسْرَحًا زلازِلَ
الساحَةَ الفارِغَةَ للكلِماتِ
و الجَوُّ الأنْثَوِيُّ الذّاهلُ
يَنْشُرُ الاخْتِنَاقَ و الأسْمَالَ
يَبُثُّ رائِحَةً و يَنْتَظِرُ
لكنْ في البدْءِ نَهْدٌ في البدْءِ رِيشَةٌ
لا تُدْفِئُ إلاَّ بَهِيمَةً
لا تُدَلِّلُ إلاَّ نَهَمًا.
تَحِيَّةٌ
التَّلاَفي هو حِصَّتُكِ المُتَلَبِّدَةُ
المُشَجَّرَةُ مِثْلَ يَدٍ مَفْتُوحَةٍ
ومَعُونَةٌ كامِلَةٌ عَيْنَاكِ
في العُلُوِّ نَفْسِهِ بِالضَّبْطِ
تُحِبَّانِ أنْ تَتَخَضَّبَا بِالبَرْدِ
تُثَبِّتَانِ الدُّوَار على خَيْطٍ
أو لا تَنْتَهِيَانِ مِنْ اسْتِرْجَاعِ
الشَّمْسِ المُهْتَرِئَةِ لِلْأَنْسِجَةِ المُتَمَوِّجَةِ.
كي أحَيِّيكِ أيْضًا
مُخَاطَبَةٌ
والإنْسَانُ صَرَخَ لِنَحْتَفِظْ بِمَا لا يَسْتَطِيعُ الصَّوْتُ أنْ يَبُوحَ بِهِ وُصُولُ الشُّهُودِ بَعْدَ حِينٍ ويَجِبُ أنْ نُغَطِّي العيونَ و أنْ نصِلَ هكذَا إلى إضْرَابِ الحُظُوظِ و الصَّرَخَاتِ المُنْطَلِقَةِ في هَيْئَةِ الضَّحِكِ سَتَأْتِي رَأْفَةُ حُلْمٍ لِتُغَطِّي عُيُونَنَا مَرَّةً أخْرَى وسَيَنْبَثِقُ القَرَارُ مِنَ الأحْلاَمِ لا أُرِيدُ أنْ أقُولَ سِوَى الرَّحِيلِ المُسْتَعَادِ في الكُرُومِ و البَهْجَةِ المَعْرُوضَةِ على وِرْكَيْهَا الخَاصَّيْنِ أو المُكَذَّبَةِ أيْضًا مِنَ الحُلْمِ العَاصِمَةُ المُسَلَّحَةُ لِلْمَلِكِ الأُمِّ المُرَوَّضَةِ على حِسَابِ الضَّوَارِي يُحَلِّقُ فَوْقَهَا الظِّلُّ والتَّحَدِّي المُتَوَاطِئُ والمَلاَئِكَةُ السَّوْدَاءُ الأَسِيرَةُ في عُمْقِ المِيَاهِ بِنِعْمَةِ حِقْبَةٍ مَنْسِيَّةٍ خَاضِعَةٌ لِلسِّلْمِ مِنْ يَدٍ إلى يَدٍ مَصْرُوفَةٌ بِعُمْلَةِ النُّحَاسِ لا يَتَطَلَّبُ الأَمْرُ الكَثِيرَ لِتَأْكِيدِ الهَرْطَقَةِ وهَكَذَا لَمْ يَجِدِ الّذِينَ ذَهَبُوا ثَانِيَةً سِوَى حَظِّ طَرِيقٍ بِلاِ طَرِيقٍ وصَعَدُوا مِنْ جَدِيدٍ ثَنَايَا المَجْدِ غَيْرَ عابِئِينَ بِالأَرْضِ الّتي يَضَعُونَ عَلَيْهَا أقْدَامَهُمْ.
السِّمَاطُ الكَأْسُ الحَليبُ
الخُبْزُ و الصَّبَاحُ يُدَوِّرُ
عليهمْ جميعًا بَيَاضَهُ الأزْرَقَ
جميلةٌ جميلةٌ
البُوفيهاتُ مَشْغُولَةٌ دائِمًا
بِإِنْضَاجِ أضْوَاء قديمةً
والرّوحَ السَّمْراءَ الّتي ينْشُرُونَهَا
جميلةٌ مَنْ سَتَأْتي
المِرْآةُ بِسَمائِهَا المَفْتُوحَةِ
حيْثُ تُؤَرْجِحُ خُصْلَةُ شَعْرٍ شَجَرَةً
وتَنْفُضُ غَسِيلَ البارِحَةِ
جميلَةٌ لنْ تَأْتِي
وفي الذّهَبِ الأكْثَرَ عَتْمَةً
مِثْلَ عَلَلٍ بعيدٍ لِلْقَلْبِ
هذا المِصْهَرُ البطيءُ ذو الهَمَسَاتِ
جميلَةٌ جميلَةٌ
ساعةُ الحائطِ الّتي تُعيدُ حسَاباتِها
وتُجَدِّدُ على مَهَلٍ
القِيَاسَ الطّافِحَ لِلْوَقْتِ
جميلَةٌ مَنْ ستأتي.
بَدَاهَةُ الوجود
مُخَاطَبَةٌ
لَقَدْ صَرَخَ لَيْسَ لِي صَوْتٌ لَكِنَّنِي أصْرُخُ سَتَقْتَرِفُ جَرِيمَةً مِنْ أجْلِ راحَةِ الأرْواحِ النّائِمَةِ لكنْ لا تُخَادِعْ أولئِكَ اللَّوَاتي ينْتَظِرْنَ و يَرَيْنَ عُدْ إلَيْهِنَّ بِزَادِ المُسَافِرِ حتَّى و لو لَزِمَ أنْ تَصِلَ جاثِيًا على رُكْبَتَيْكَ في الطّريقِ القَاسي سِرْ في هذه الدَّرْبِ مَهْمَا طالَ الألَمُ بِلا كلامٍ لِتَسْمَعَ بِنَفْسِكَ الكَلِمَةَ وأريجَ المَرْأَةِ و العاصِفَةَ الّتي تَرْفَعُ أبْراجهَا في نهايَةِ الدَّرْبِ أُحْلُمْ هُنا بِالواقِعِ هناكَ لَقَدْ صَرَخَ نِطاقُ السِّلْمِ المَسْفُوحِ على خُطَى البَحْرِ و المَجْلُوبِ بِزَعيقِ نُسُورِ الحِمْلانِ و عليْنَا أنْ لا نُسيءَ الظَّنَّ فيما نَنْسُبُهُ لِلسُّهُولاتِ المُظْلِمَةِ لِنَوْمِنَا خُضْ مِنْ جديدٍ كُلَّ الدُّرُوبِ مُتَرَاجِعًا مُدْرِكًا خَطَرَ كُلِّ التَصَرُّفَاتِ العادِلَةِ ولْيَحْرُصُوا أنْ لا يَجْعَلُونَا نَبُوحُ بِمَا ذَهَبْنَا لِنَفْعَلَهُ هناكَ حينَ لَمْ يَكُنْ لنا مِنْ شُهُودٍ سِوَى التِّلاَلِ وَحْدَهَا و الخُطَى ضاعَتْ في الرَّمْلِ و فيما وراء ذلكَ اسْتَلَمَ الهواءُ و الرّمْلُ تارِيخَنَا و لم يعُدْ هناكَ ما يُمْكِنُ قَوْلُهُ. والتّاريخ ضاعَ في الهواء والرّمْلِ.
في الصَّبَاحِ المُبْيَضِّ إنّهُ هو
الأَعْلَى تقْريبًا مِثْلَ شُعْلَةٍ
إنَّهُ الماءُ الدّاخلُ بِدُونِ شَيْءٍ آخر
والجامِعُ لِكُلِّ ما يرْتَجِف
ثُمَّ جَناحٌ مُقَلَّمٌ على الحَيَاةِ
الماءُ حركاتٌ قَلِيلَةٌ بِلا زِيَادَةٍ
لكنْ يقُودُ بِدُونِ سَبَبٍ آخر
هذه النّار الهاربةَ إنَّهُ الماءُ و قَدْ رحَلَ
الماءُ هو الشِّجَارُ المُتَفَشِّي
هذه الاسْتِغَاثَةُ لِأشْجَار الزَّيْتُونِ
الماءُ هو هذا القَيْظُ الأعْمَى
مثْلَ احْتِراقٍ لِلنَّحْلِ.
غريزَةُ إيروس THANATEROS(1)
سَوَادٌ رَاسِخٌ
هَذَا الغِنَاءُ يَسْتَعِيدُ
الأنْفَاسَ و الذّاكِرَةَ
خَلْفَ فَمٍ
ومُخْتَفِيَةٌ بِكَامِلِهَا
إنَّهَا ضَرْبَةُ الشَّمْسِ
النَّارُ الثَّائِرَةُ
إنَّهَا النَّارُ المُغَذَّاةُ
بِالظِّلِّ و أيَادِيهِ
المَرْأَةُ النّازِحَةُ.
(1) - (Thanatos): غريزة الموت مقابل غريزة الحياة، والشاعر هنا في تناتيروس يتحدث عن غريزة الحب .
مُخَاطَبَةٌ في المَسْرَحِ
بَعْدَ أنْ تَرَاجعَ
بَعْدَ أنْ ضَمَّ و قَلَّصَ
كُلَّ الأشْيَاءِ
وضَعَ هذا المَيِّتُ الدَّامِي
وسَمَّرَ اللَّيْلَ
المُسْتَعْرَضَ في الخَلْفِ
عَطَالَةٌ
مُنْفَرِجَةٌ لِلرٍّيحِ
مِثْلَ سَرِيرٍ مِنَ الأعْضَاءِ.