الجنون يتدلى

الجمعة 2019/03/01
لوحة: نصر ورور

الهواء أكثر هواء

نظراته بها ذلك الحزن المعاتب. رأسه لا يتحرك بسرعة وكأن شعره القليل أثقل عليه بعض الشيء. التجاعيد المستمرة في تسلق جبهته المتعبة تزيد من الثقل. كانت شفتاه منطبقتين على فمه وكأنه يخاف أن يتكلم. كُنت أقف أمامه مباشرة ملطخا بكل الأوقات التي طالعته خلالها. استمر هو بالنظر إليّ واستمريت أنا بالوقوف إلى أن شعرت أن الهواء الذي حولي لم يعد يحتمل أنفاسي، تركته ينظر إلي ورحلت بعيدا حيث النظرات أقل والهواء أكثر هواء.

الجنون يتدلى

عندما كنت في الغرفة بدت نظيفة وجدرانها بيضاء. سقفها مقسم إلى مربعات متساوية ويسمى سقفا مستعارا حيث يخفي السقف الحقيقي أعلى منه. أي أنه سقف يتدلى من سقف. فبدت لي السماء متدليه من سماء.

والآن أجلس فوق صخرة أمام البحر فبدا البحر فوق بحر. كانت الأشياء متراصة على بعضها أمامي وكأنها تنتظر أن أذهب. فراغ الهواء أمامي انتقل إلي وملأني تماما. لم أكن حزينا ولم أكن متألما كنت فقط مرتبكا بكل حياة الداخل والتي تحولت إلى فراغ صامت يدفعني إلى تراكمات من الجنون.

ثقل الألوان

كل ظفر من أصابع يدها مطلي بلون مختلف. فبدت يداها وهي تمسك بالآيباد وكأنهما غطاء له. بدا البلاط مرتبا فوق الممر الذي تجلس على طرفه والعمود الذي يحمل أطراف المبنى أيضا متناسقا مع لون الاحتراق الأحمر وإن بدا وكأنه أقل حرارة. شعرها مكوم على رأسها منذ زمن فقد تهدلت بعض خصلات منه وبدا مرتبكا بعض الشيء. كانت تنظر إلى الشاشة التي بين يديها متناسية حركة السيارة من حولها. لم تكن تنتظر أحد، كانت فقط تتوقع أن تتوقف عن البكاء بعد قليل ثم تعاود البكاء مرة أخرى فقد كان قلبها مثقلا بالتراب.

أشياء الطريق.. عمى مستمر

كان الطريق أمامه فارغا تماما، والشمس تسقط على الإسفلت بقسوة. في وقفته كان يشعر بارتطام الأشعة على الأسفلت وكأنها تكسرات ثلجية ساخنة. يده كانت تشير إلى السيارات السريعة القادمة من طرف الطريق أمامه. يحمل حقيبة رمادية من القماش أو من الجلد أو منهما معا، لم يكن يعرف بالتحديد مما هي مصنوعة. حقيقة لم يفكر في ذلك فقد كان همه منصبا كي يصل إلى أطراف المدينة بأسرع وقت ممكن. فراغ الطريق وقسوة الشمس أربكاه وأنسياه مشكلته الأساسية. كان يقف منذ أربع ساعات. حاول المشي ولكنه توقف وكأن الحياة توقفت من حوله وأصبحت السيارات المنطلقة بسرعة هائلة لا تلحظ وقوفه المستمر وبدا لها من علامات الطريق القاسية.

تشقق البدايات

احتراق الوقت المستمر بينهما كان بلا رحمة. فقد اشتعلت السنوات أمام عينيه وتهدم جسده وأصبح جاهزا للهزيمة. كان في بداية السنوات الأخيرة ونهاية التوهج في الحياة أو هكذا يعتقد. لم يربط بينه وبين النساء شيء بعيدا عن الرغبة. كان يستمر في الانهزام وكأنه أدمن الألم. نظر إليها، تحسس جسدها، لمس أطرافها، ونظر إلى المرآة واكتشف أنه فعلا هزيمة متحركة باتجاه الهاوية. لم يتقدم كثيرا فخطواته القليلة دفعت به إلى المنحدر هناك عند تكسر الأشجار حيث ارتطم جسده بقوة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.