الجهل والتّخلف
في الواقع أنّ دمنا المسفوك لا يتوقّف، فإمّا أنّنا نخوض حروبًا تفرض علينا من قبل أعدائنا دون أن نستعدّ لها -حرب حزيران 1967 مثلًا-، أو أنّنا نقتل بعضنا بعضًا، وهذا ما شهدناه في أكثر من قطر عربيّ، ولذلك أسباب ترتكز جميعها على مستنقع الجهل الذي نعيش فيه، وولّد لنا سلسلة من حلقات التّخلف في مختلف المجالات.
ووضعنا في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة له خصوصيّته التي تفرض مواجهة هذا العدوّ الغاصب الذي يفرض سياساته بالقوّة العسكريّة الهائلة وغير المنضبطة. ومنذ وعيت الحياة أنا المولود في العام 1949 وهناك سؤال يلحّ على عقلي وفكري وهو: ما أسباب هزائمنا المتلاحقة؟ ووجدت الجواب يكمن في جهلنا وتخلّفنا وانغلاقنا الثّقافيّ، وبالتّالي فإنّنا خضنا حروبًا بالهتافات، والتّغنّي بأمجاد الماضي، فهزمنا “بجدارة” ومن هنا جاءت رواياتي “ظلام النّهار وجنّة الجحيم” وزمانهما يمتد ما بين أربعينات وستينات القرن العشرين. والبطل فيها هو الجهل والتّخلف، أي أنّنا لم نكن نملك أيّ سبب من أسباب النّصر، وبالتّالي فإنّ هزائمنا كانت حتميّة. ومع ذلك لم نتّعظ من هزائمنا.
وعندما جاءنا “الرّبيع العربيّ” كشف عوراتنا أكثر من ذي قبل، وثبت أنّ الأحزاب التي كانت تسمّي نفسها ثوريّة وطليعيّة لم تكن سوى بالونات منفوخة، فركب المتأسلمون الجدد الموجة، وكانت لهم تحالفاتهم مع قوى أجنبيّة، فغرقت المنطقة في اقتتال داخليّ، دمّر بلدانا وقتل وشرّد شعوبًا، وجاءت روايتي “زمن وضحة” في العام 2015 والبطل الرّئيس فيها أيضًا هو الجهل والتّخلف الذي يقودنا إلى الاقتتال، وخدمة أجندات أجنبيّة بدماء ومال وتمويل عربيّ مسلم.
والأدهى والأمرّ أنّ المتأسلمين التّكفيريّين الجدد يعودون إلى مراجع دينيّة قديمة من وضع البشر، ويقدّسونها ويرتكبون الموبقات السّبع بناء على ما ورد فيها. مع علمهم المسبق أن لا مقدّس في الدّين سوى القرآن والسّنّة الصّحيحة. ومواجهتنا مع الاحتلال فرضت عليّ أن أكتب مسلسلي الرّوائيّ “درب الآلام الفلسطيني” الذي أنجزت منه ستّة أجزاء حتّى الآن، تضاف إليها روايتي “أميرة” الصّادرة عام 2013 عن نكبة العام 1948. ما تتعرّض له أرضنا من مصادرات واستيطان، وكذلك استهداف أطفالنا بالقتل والاعتقال، أملى عليّ أن أكتب رواياتي للفتيان “عشّ الدّبابير، الحصاد والبلاد العجيبة” يضاف إلى كتاباتي القصصيّة للأطفال. تضاف إلى ذلك كتابتي ليوميّاتي” يوميّات الحزن الدّامي” عندما تزداد أنهار الدّماء.
