الخضر في التراث العالمي
يبتني المؤلف كتابه على تساؤلات يطرحها، يسعى للإجابة عنها منها ما سبّب انشغال المفسرين وعلماء الحديث وأصحاب الفرق وعلماء الكلام والنُّقَاد والشعراء والكُتَّاب والفلاسفة والفنانين بالخضر؟ ومنها كيف تحوّل الخضر إلى مصدر إلهام للأولياء؟ ومصدر إبداع؟ والأخير عبر توسيع مخيال الناس فمنهم من يُقسم أنه يراه وهكذا. وقد تدخل التساؤلات في دائرة علم الأديان المقارن من خلال دوافع الخلط بين شخصيات الخضر وإلياس وجورجيوس؟
يحتوي الكتاب على أربعة أقسام هي: المستشرقون والخضر، والمفسِّرون والخضر ودور المفسرين في نشأة النقد الأدبي وتطوره، والصوفيون والخضر، وأخيرًا الخضر في الأدب. في الحقيقة لا أعرف سببًا أو دافعًا يُبرِّر للمؤلف تقديم الجزء الخاص بالمستشرقين عن سائر مباحث الكتاب، فكان الأجدى به تأخيره إلى نهاية الكتاب، خاصّة أن الشخصيّة في أحد جوانبها إسلاميّة مهما كان لها من ترددات في الأديان الأخرى وهو ما انعكس على أشكال التعبير المختلفة. خاصّة أن المستشرقين نظروا إلى الخضر على أنه أسطورة، وقد وقف المؤلف على عناصر الالتقاء والتباعد بين شخصيتي الخضر وجلجماش ومن أهمها أن جلجماش يبحث عن الخلود في حين أن الخضر لا يبحث عنه، لكنه هِبَة.
يأتي المبحث الثاني «المفسرون والخضر ودور المفسرين في نشأة النقد الأدبي وتطوره»، كدراسة لأثر المفسرين في نشأة النقد القديم، ومرجع فرضيته التي تُعَدُّ استكمالاً لما انتهى إليه في أطروحته للماجستير عن «دور الشعراء في نشأة النقد وتطوره»، إلى أن معظم مُصطلحات علم الحديث والفقه والتفسير انتقلت إلى النقد الأدبي، بل يذهب بعيدًا إلى أن عناوين بعض الكتب النقدية التراثية ما هي إلا صدى علوم الفقه والحديث والتفسير، ويدلّل لهذا بطبقات الشعراء، والموشّح في مآخذ العلماء على الشعراء، ومنهاج البلغاء وسراج الأدباء، وغيرها.
يقف المؤلف في مبحث مستقل بعنوان «الصوفيون والخضر»، عند الحكايات الأسطورية التي أحاطت بالشخصية، حيث وجد الصوفيون في شخصية الخضر وما حُكي عنه مادّة خصبة لترويج أفكارهم، وتبرير لحالات الهيام من قبل المريدين، وينتهي الكاتب بعد عرض الكثير من علاقات الخضر بالأولياء، إلى حقيقة اختفاء الخضر دون العثور على أثر عليه، لينتقل إلى كُلِّ مَن يلتمس العون منه مِن ذوي الحاجات.
لا ينسي المؤلف تجليات الخضر في الأدب، وهو ما يُعَدُّ أشبه بتمثيلات للشخصية في الشعر والرحلة والرواية والقصة والأدب الشعبي، حتى غدت شخصية الخضر رمزًا للكتابة أو موضوعًا لها، سواء في الآداب العربية أو الغربية حيث نجد حضورًا له عند جوته في الديوان الشرقي وريكرت، وكذلك في الآداب الشرقية فنجد له ترددات في أشعار نظامي الذي يراه «سيد العالم»، وفي قصيدة خضر نامة لنصر الدين هنذائي، وكذلك عند حافظ شيرازي، ومحمد إقبال وفريد الدين العطار، مما يشكِّل مادّة خصبة في حقل الدراسات المقارنة كما تمثِّل شخصية الخضر في السير الشعبية دورًا أساسيًا حيث وجدت فيه مواصفات الفارس الذي تنشده وتتبناه، كما تضفى عليه صفات أحادية، فالشيء المهم أن التراث الشعبي أضفى على شخصية الخضر صفات نورانية، وأن عليه هيبة، حتى أنه جعل من اللّون الأخضر الذي يتحلّى به أيقونة ضد الموت ورمزًا للحياة والديمومة.
يُمثِّل هذا الكتاب إضافة حقيقية لحقل الدراسات الشعبية، وكذلك المُقارنة بما تضمنه من مقارنات واستشهادات من آداب مختلفة دلّل عليها حضور الشخصية في كافة الآداب واللغات المختلفة، وعلى كل ستبقى شخصية الخضر الأكثر جدلاً لشغله الناس في حضوره وغيابه، وإن كان عوّض الأخير في استحضاره في مخيالهم والقصص التي حيكت عنه، وعن خوارقه أو كراماته.