الذين قتلتُهم حتى الآن
أعترف.. قتلتهم جميعا.. كلّ واحد بطريقة.. والدي أوّلُهم، أدخلتُهُ غرفة مظلمة كي لا أرى ملامحه، وخلعتُ عن وجهه نظّارته كي لا تجرح يدي، ربطتهُ على الأرض وفتحت ساقيه، وبدأت أنهال على خصيتيه ضربا بيديّ وبقدميّ وبِعصا غليظةٍ حتّى قتلتُه، قتلتُه أكثر من مرّة، ثمّ كرّرتُ العمليّة في كلّ مرّة كان يضربني فيها بعنفٍ ويقول “يا كلب أنا شخّيتَك شْخاخ! بيطلعلك تجادلني؟”.
ولن أُنكِر.. لم أشعر بالندم، قتلتُهُ وأنا أرتجف، ثم ارتحتُ تماما، أيضا صديقي قاسم فقد مارس الجنس مع كلّ الفتيات اللواتي أعجبنَني في الصف العاشر، وكنتُ خجولا لا أجرؤ حتّى على التحدّث إليهنّ، طلبتُ منهُ أن يأخذني بسيّارة والده الفارهة إلى أعلى نقطة في جبل قاسيون، وشربَ وهو يحدّثني عن نفسه معهنّ، وعن بطولاته الجنسيّة رغم ضعفه الجنسيّ الذي يجعلهنّ غير سعيدات، وثملَ تماما وهو يتباهى بصورهنّ على هاتفه المحمول الثمين الذي لا نحلم به نحن الفقراء، ثمّ وقفَ على الحافّة وضحك بخبث وضجيج فوق المدينة، فأخرستُ ضحكته ودفعتُه، فتدحرج من الجبل ومات.. ثم هبطتُ الجبل ركضا!
بعدها بعام، قبض عليّ أ. هاني مدرّس مادة التاريخ وأنا أشتمه من تحت المقعد لأُثيرَ الشغب، فسحبني من عنقي إلى أوّل الصفّ، أمسكتُه من عنقه لكيلا تنكسر هالة “زعيم الشغب” التي صنعتها لنفسي، لم أُرِد أن أضربه، لكنّه عندما شتم أمّي، لم أعد أرى شيئا أمامي سوى الدم، هشّمتُ وجهه بيديّ، ثم طرحته أرضا، وبدأتُ أركلُ رأسه، ثمّ رفعته وبدأت أضرب رأسه بشبك الحديد الذي يسيّج ممرّ الطابق الثالث، ثم سقط ووجهه غارق بالدم ومخطّط على شكل مربّعات الشبك!
بعد شهر، تفاجأتُ أنّه لم يمت حينها، فذهبتُ للاعتذار منه ليسقط حقّه وكي لا أذهب إلى السجن، ثم قتلته لاحقا.
عنصر الأمن الذي اعتقلني وضربني وبصقَ عليّ في صندوق سيارة الاعتقال، أدخلتُ بندقيّته في مؤخرته، وأنا أسأله بكامل نذالتي “ما بدكن حريّة ما هيك؟.. هي مشان شو؟ هي مشان تقول طز بالحريّة”.
مدير دار النشر، وعشيقته التي أقنعتْه ألّا ينشر ديواني بعد أن وافقت عليه اللجنة، فاعتذر عن نشره، انتظرتهما ليلا، وراقبتُ دخولهما للمكتب حيث كانا يلتقيانِ عادة، انتظرت قليلا بعد أن انطفأت كلّ الأضواء، ودخلت عليهما، أطلقت الرصاص من مسدّس بكاتم صوت، وتركتهما مقتولين عاريين بفضيحة.
إحدى المعتوهات التي تسمّي نفسها شاعرة، ثم تتقيّأ علينا كلاما ساذجا لا علاقة له بأنواع الكتابة الإبداعيّة إلّا إذا أدخلنا كتابة التقارير الأمنية فيها، حاولت ألّا أجرح شعورها، وتحدّثت معها بشكل خاص عن الأخطاء اللغوية والإملائية وكسر الوزن والتناص/السرقة والمباشَرة التي في نصّها، فثارت كأنّ أحدا ما قد بال على فستان عرسها، وشنّت الحملات ضدّي واتهمتني بأنني عدوّ النجاح، ذكوريٌّ لا أريد لامرأة أن تصبح مشهورة! هذه المعتوهة، جعلتها تتنفّس تحت الماء الذي سرقت جملته، ثمّ وضعتها في مكتبة للكتب السخيفة، وأحرقتها وإياهم!
بعد كلّ عمليّة قتل أقوم بها، كنت أشعر بألم كبير في فكّي، فقد اكتشفتُ أنّني حين أقتل أكزّ على أسناني، أضراسي تحديدا، وأفتح عينيّ كثيرا حتّى لا تمرّ لحظة دون أن أراها، أراقب ملامحهم، كيف تكون آخرُ نظرةٍ للإنسان، آخر صوتٍ يطلقه، آخر نفَس، وآخرَ خليّة حيّة في جسده تصاب بالشلل، أعترف بجبني وخوفي، أتجنّب الشجارات أمام الناس، لذلك أقتلهم وحيدا دون أحد، ثمّ إذا رآني أحدٌ ما، أقتله، البطولة بالنسبة لي هي انتصارٌ فرديّ مطلق، يبدأ بالخوف، وينتهي بانتهائه، الخوفُ يخلق البطولة، ليسَ بطلا من لا يخاف، هو مجرّد وحش لا أكثر، والوحوش لا تستمتع بوحشيّتها عادة!
قتلتُهم جميعا، أخي الصغير المدّلل أكثر منّي، زوجة أبي حين شتمت أخي الصغير، زوج أمّي حين ضربها، أمّي حين تركتنا صغارا، ابن عمّتي المخبر، عمّي المثقّف، جارنا المزعج، أطفال الجيران الذين يلعبون في الحارة، والد صديقة قديمة كان يضربها، صديقي الذي خانني مع عشيقة سابقة، حلّاق الحارة الذي شوّه قَصّة شعري، ابن جارتنا الصغير الذي حوّلها من أنثى يانعة إلى أمّ، الشبّيحة الذين حطّموا سيّارتي، سائق الباص، المهرّب من تركيا إلى اليونان، الشرطيّ الألماني الذي قال “أتمنّى لك يوما سعيدا” بعد أن جعلني أدفع غرامة ماليّة، وآخرون لا أذكرهم، قتلتُهم بعنف غير مسبوق بعينينِ مغمضتين كنتُ أظنّهما مفتوحتين، ثم فتحتهما وأكملت.
كلّ هؤلاء الذين قتلتُهم بأحلامي مازالوا أحياء، يهجمون على ذاكرتي كجيش واحد، يضحكون ويرقصون وينظرون إليّ بشماتة، لم يختفوا، ولا حلّ لإنهاء وجودهم على ما يبدو إلّا في قتل ذاكرتي!
كثيرون فعلوا مثلي، كثيرون قتَلوا، كلّكم قتَلتم في أحلامكم، إلّا أنكم لم تعترفوا بعد!