الروائي يكتب الألم

الجمعة 2016/04/01

يتكاثف الدّم ويتخثر لكثرة ما تراكم على أيامنا، وينتشر الموت المجاني في المدن والقرى، ونفقد بوصلة الحياة، وتتشابه علينا الأحداث والخوارج، ويستوطن في النفوس الخوف والقلق، ويبدو الحاضر شديد الارتباك والمستقبل غائم وغير واضح المعالم، إنه زمن الموت والدّمار والتهجير، والأسئلة الحارة التي تقض مضجع الرّوائيّ وتلسع حروفه بالألم والمخاوف.

ماذا يكتب الرّوائيّ وسط كل هذا الدّمار والخوف، هل يضع رأسه في الرمل ويكتب من زمن آخر أو لزمن آخر، هل ينسلخ من يومه وجلده وحاضره ويسكن في المخيلة التي تهرب به إلى آفاق غير واقعية؟

إن الرّوائيّ الحقيقي هو من ينبت كلماته من تفاصيل الراهن، ويعبّر عن حرارة اللحظة، ويتعمق في مسامها وألمها وقسوتها، لأن الرّواية رغم بنيتها وغايتها الفنية، فإنها المعبّر عن واقع ما أو مرحلة ما، وهو ما يجعل الرّواية الجنس الأدبي الأكثر انتشارًا والأقدر على التعبير عن الحاضر والتنبؤ بالمستقبل.

ليست الرّواية تصويرا فوتوغرافيا مباشرا، أو كتابة يوميات حرفية لأحداث مأساوية، كلها تقوم على بناء نص فني يرتكز على فهم عميق لواقع ماثل بكل قسوته ودمويته، ويسبر أعماق هذا الوجع الطافح، ومن خلال تفكيك الواقع وإعادة بنائه لكشف رؤية معينة، أو بناء وعي جديد، يؤكد على إدانة هذا الموت المجاني، وينتصر للحياة والحرية، لأن الكتابة الإبداعية في الأساس دعوة للحياة وانحياز للحرية والمستقبل.

إن انسلاخ الرّوائيّ من محيطه، ونكرانه للأحداث الجسام التي تجثم حوله، يجعل منه كاتبًا منعزلاً ومهمشًا وفاقدًا للتأثير، بل إنه مؤهل تمامًا للخروج من الجغرافيا والتاريخ، فنجد أن كثيراً من الرّوائيّين بنوا شهرتهم من خلال تعبيرهم عن قضايا مجتمعية وإنسانيّة كبيرة، كالحروب والمجاعات والتغيّرات القيمية الكبرى، من ذلك نتأكد أن الرّوائيّ يكتب من وجع حاضره وألم مجتمعه، ويقود حركة التحرر والتنوير في كل مرحلة من مراحل الإنسانيّة، وغير ذلك هو ينتج نصًا لا يعوّل عليه وغير قابل للتأثير والحياة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.