الروبوت في سرد الخيال العلمي للطفل

الجمعة 2021/01/01
لوحة سارة شمه

راجت صناعة الروبوتات الآن (2020) ﺇلى حد اﻹبهار، حيث أن الصين وفرت روبوتا على شكل ونغمة صوت مذيع من المشهورين، كما شكل آلة عاملة في مصانع السيارات والأجهزة الإلكترونية.. وحتى المستشفيات بعد أن نجح الروبوت الطبيب في الجراحة والفحص السريري والمعملي. أصبح توظيف الروبوتات ظاهرة أكدت حضورها مع القرن الـ21، ولا يمكن تجاهلها، بل يجب البحث عمّا يمكن استثماره وإنجازه معها، خصوصا مع النشء الجديد، بحيث يلعب دوره التربوي والعلمي، في تزكية التفكير العلمي.

يرصد المتابع لبداية نشاط ولرواج الروبوتات، أن البدايات العلمية بدأت منذ بدايات القرن الماضي (القرن الـ20)، حيث تم تصنيع “جيروسكوب” وهو الجهاز الذي يحدد الاتجاهات ويرشد القائم عليه بأي طارئ، وهو بالضبط ما تم استخدامة في الطائرات، ومنذ تلك الأيام وما بعدها يتمكن الطيار من شرب فنجان القهوة بعيدًا عن  قمرة القيادة بلا قلق، بعد ضبط الجهاز على الاتجاهات المطلوبة!

ﺇن جوهر صناعة الروبوت الآن تعتمد على خطوة تطوير أجهزة سابقة (خاصة باللمس والرؤية والحركة والاتجاهات) وتجميعها على شكل ما؛ بشري كان أم دومية ما. بالتالي نتوقع قريبًا ذلك الروبوت المعتمد على الشم والتفكير المركب.

الطريف والهام ها هنا أن الخيال البشري لم يقصر مع هذا المنجز العلمي الآن، بل ظل طوال تاريخه اﻹبداعي يسعى لتحقيقه على أشكال مختلفة ومتنوعة.. تمامًا كما المبدع المعاصر ليعبّر بخياله عن منجز الروبوت الحالي والمستقبلي.

ﺇن كل ما أنتجته القريحة البشرية وما سوف تنتجه، ما كان ليتحقق لولا تلك الهبة الربانية التي وهبها الله للإنسان دون غيره من المخلوقات ألا وهي هبة “الخيال”.. وسوف نبحث هنا عن تلك العلاقة والمنجزات بسبب الخيال في مجال الإبداع السردي عند الطفل تحديدًا.

الخيال والثقافة العلمية للطفل

يعد تناول موضوع الخيال والثقافة العلمية للطفل على ارتباط وتداخل، بحيث يلزم التعامل معهما معا. قال العالم الفلكي الأميركي كارل ساجان “يبدأ كل إنسان منا حياته وكأنه واحد من العلماء، فتكمن في داخل كل طفل مشاعر وأحاسيس العالم التي تجعله يتعجب ويندهش، إزاء الأشياء من حوله في الطبيعة”.

وهو ما يعني أن “الدهشة” هي من فطرة الطفل ومن طباع العلماء، ولا عجب أن تكون الثقافة العلمية، مع توظيف الخيال الأدبي، مدخلا لأدب جيد للطفل. وهو ما يتلاءم مع معطيات العصر، وإنجازاته العلمية. وهذه نظرة سريعة نحو “العلم” من حيث هو حصيلة العطاء اﻹنساني وجوهر منجز الإنسان على الأرض، في مقابل الحاجة الملحة لتلقين الطفل وتربيته لاستيعابه وتقبله والعمل به في النهاية.

تشير الدراسات في مجال تاريخ العلوم، أن القرن العشرين قفز بالإنجاز العلمي في كافة المجالات، حتى فاقت مجمل ما أنجز طوال حياة الإنسان على الأرض، منذ بدء الخليقة على صورتين متلازمتين: أنه أصبح معقدًا عن ذي قبل، وأيضا المادة العلمية متضخمة ومتنوعة ما بين الفيزياء والعلوم الرياضية والطب والبيئة وتكنولوجيا الفضاء ثم البيولوجيا الحيوية وغيرها. كما أصبحت بالتالي المادة العلمية الناتجة عن البحوث في كل تلك المحاور وغيرها، مادة ضخمة.

إلا أن من يتصدى للكاتبة للطفل عليه أن يعي هدفه، أن يتسلح بالمعلومة العلمية، ويتخير موضوعه والقارئ الذي سيتوجه إليه. ليس المطلوب أن يصبح الطفل عالما، بل المطلوب أن يتعرف على

عالم الطبيعة من حوله، واستيعاب وفهم جوهر العلم على اعتبار أنه طريقة في التفكير، وفهم أن كل العلوم على اتصال وتواصل، فلم يعد عالم الكيمياء بعيدًا عن عالم الطب والهندسة مثلا، وأن العلوم على صور متطورة دومًا.

بتلك المحاور مع تبسيطها يمكن للطفل التطلع إلى المستقبل وهو واع بأن العلم ليس أمرًا مجردًا، كما يمكن أن يستوعب فكرة أن الإنسان عنصر من عناصر البيئة أو الطبيعة، يتفاعل معها وتتفاعل به.

أما عن دور كاتب الطفل في العلوم، فيعد من الأهمية، بحيث يلزم التوقف أمام ملامحه وخصائصه والشروط الواجب توافرها فيه، حتى يتسنى إنتاج مادة مناسبة للطفل وصحيحة علميا، كأن يكون من الدارسين للعلوم، أو المحبين للاطلاع عليها، مع معرفة أساسيتها سواء في مجال الذرة (تركيبها وخصائصها) والوراثة (قوانينها وتطبيقاتها) وهكذا في كل العلوم.

ببب

كما يلزم أن يكون الكاتب فاهما لجوهر حقيقة العلم، حتى لا يبدو أنه يعمل في اتجاه واحد وغير ملم بطبيعة العلم، التي هي أن العلم قابل للفهم.. كل العلوم قابلة للتغيير والتطوير.. ليس بوسع العلوم أن تقدم إجابات على كل الأسئلة.. يعتمد العلم على الإثبات والبرهان.. وأن الخيال مشارك للأفكار العلمية في رأس العالم. إن مجمل تلك المفاهيم تعين الكاتب على أن تصبح أعماله أقرب إلى الثقافة والخيال العلمي، وتنقذه من الوقوع في الفانتازيا أو المغامرات البوليسية أو الأكشن، بينما يظن أنه يكتب في “أدب الخيال العلمي.

لذا هناك بعض الخصائص الواجب توافرها في الكاتب إذا ما تصدى للكتابة العلمية للطفل وهي أن يكون الكاتب محبا للعلم والاطلاع على تاريخه ومستجداته.. وأن يكون من ذوى الخيال الخصب الواسع.. فقدرة الخيال العلمي الممتزجة بالمفاهيم العلمية الصحيحة، تفيد في التنبؤ، والتنبؤ يعد من أهم ملامح الأعمال العلمية للطفل (فقد تعتمد بعض الأعمال الأدبية للطفل بفكرة غير مطروحة، تنبّأ بها الكاتب بخياله ومعتمدا على حقيقة علمية ما).. كما أن التناول اﻹجرائي للفكرة العلمية من ناحية الأسلوب والمعالجة الفنية يجب أن يكون مناسبًا وجيدًا، يتسم بالبساطة والحيوية.

أما موضوع الكتابات العلمية، على شكل كتاب ﺇبداعي أو كتاب تنظيري علمي مبسط، فهو في عدد من الخصائص المناسبة منها إبراز دور الخيال في الكتابة العلمية.. الجاذبية والتشويق في الأسلوب والمعالجة.. أهمية  الإخراج الفني للمادة الإبداعية، سواء كانت على الشكل الورقي المتعارف عليه أو على شكل رقمي بتوظيف الإمكانات الهائلة للكمبيوتر الآن.. مخاطبة المرحلة العمرية التي يحددها الكاتب قبلا وهي قاعدة ملزمة وهامة قد يغفلها البعض.. إبراز أهمية تطبيق الحقائق العلمية، لتصبح الشجرة والمياه والهواء والبيئة من الموضوعات الأساسية.. كما يفضل إبراز موضوع طريقة التفكير العلمي من الموضوعات الهامة، بإبراز التقابل والتناقض بينه وبين التفكير الخرافي.

مع ذلك فالثقافة العلمية عمومًا وما يخص الطفل منها خصوصًا، تلقى العديد من المشاكل في العالم العربي، ربما للأسباب التالية:

قصور السياسات الواضحة لرعاية وسائل التثقيف العلمي. وعدم توافر الدوريات والمطبوعات والآليات المختلفة لنشر الثقافة العلمية. ونقص البرامج الإعلامية العلمية، والمتاح منها قليل الخبرة وغير جذاب. ونقص آليات نقل الثقافة العلمية من مصادرها، داخليا بالدولة العربية أو خارجيا من خارجها. وقلة فاعلية دور البحوث العلمية ومتاحف العلوم بالأقطار المختلفة. وقلة المتاح من الإنتاج العلمي المبسط والواجب توافره للطفل وكاتب الطفل معا. وغياب فهم جوهر العلم وفصله عن الحياة اليومية، حتى يبدو أحيانا “المصطلح العلمي” وغموضه سببا في نفور القارئ العادي والطفل. ونقص شديد في ترجمة كتب تبسيط العلوم عن اللغات الأخرى للدول التي لها منجز علمي. والفهم الخاطئ بالنظر إلى الثقافة العلمية بعيدًا عن الأدب والتاريخ.

إذا كان الواقع الثقافي يشير إلى ندرة الكاتب العلمي للطفل، سواء على مستوى الثقافة العامة أو الأدب، فلا سبيل سوى الانتباه إلى خطورة الظاهرة، بعد الاعتراف بها، ثم العمل بإخلاص على تلافيها. فالمشكلة ليست كلها مادية، جانب كبير منها يخضع لمنهجية التفكير القاصر، بالنظر إلى الثقافة العلمية على كونها جافة ومملة وعديمة الجدوى!

ملامح توظيف الروبوت في نصوص الخيال العلمي للطفل

في أدب الطفل ضرورة الاهتمام ببعض العناصر الواجب توافرها ومنها الاهتمام بالقصة والحبكة التقليدية، والتخلي عن التعقيدات لتجنب الغموض. والاهتمام بالشخصية حاملة الفكرة، الغرض منها ربط الطفل بالعالم الخارجي أو المتخيل. والاهتمام باللغة السردية، ثم الصور والرسومات (الأخيرة لها الأولوية مع المرحلة العمرية من 3 – 6 سنة، وبدرجة أقل من 7 – 9 سنة). كذلك الاهتمام بتوظيف الخيال في كل الأعمال الإبداعية للطفل، وتزداد مع حكي الخيال العلمي. والاهتمام بعرض فكرة تناسب الحقائق العلمية، والمرحلة العمرية التي نخاطب بها الصغير.

إن الأهمية التركيز على نشر وذيوع الأعمال التي وظفت الخيال العلمي في كل الفنون للطفل مع ضرورة أن تتولى الهيئات الثقافية إصدار سلسلة باسم “أدب الخيال العلمى”. ثم أن يدخل فن الخيال العلمي ضمن مناهج التدريس بالمدارس، لها كل الضرورة لبناء أجيال لهم ميزة التفكير العلمي.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.