الشبكة العنكبوتية والسرقات الأدبية
ظاهرة السرقة الأدبية قديمة، لعل من أشهرها تلك التي رصدها ابن طيفور عام 280هـ في كتاب “سرقات الشعراء” عن سرقات البحتري من أبى تمام.. وكتاب “السرقات” لابن المعتز عام 296 هــ. ثم كتاب “ابن وكيع” عام 393 هـ “المنصف في نقد الشعر وبيان سرقات المتنبي” فأثبت سرقة المتنبي لما يقرب من خمسين شاعرا. حسب قول المؤلف.
لعل أبرزها ما ردده البعض عند المتنبي، كان يأتي على النص فيجاريه ولا يقترب من ألفاظه، وإنما كان يزيد الفكرة أو الصورة الشعرية جمالا فيتفوق على النص الأصلي ولذلك أدرجت سرقاته ضمن السرقات الأدبية المحمودة !
ولا تقتصر السرقات الأدبية على النشر الإلكتروني، بل قد يبدو عكسيا، حيث تنشر بعض المطبوعات الورقية ما يُنشر في المواقع الجادة على الشبكة، دون إذن أو تصريح، أو إشارة إلى المصدر.. (لا يخلو البحث عن السرقات من تنوع أشكال السرقات، كما في حالة سرقة الأبحاث العلمية ورسائل الدكتوراه والماجستير.. وسرقة الألحان الموسيقية، بل واللوحات الفنية مثلما فعل الفرنسي مارسيل دو شامب وإعادته رسم الموناليزا لدافنشي في عام 1919) والتاريخ يخبرنا عن عبدالرحمن بن خلدون وتسلله إلى رسائل إخوان الصفا دون إشارة للمصدر).
السرقة الأدبية وعلاقتها بالإنترنت
في السابق كان من يقوم بهذه الظاهرة يتم كشفه على الفور، مع إمكانية توقيع الجزاء المناسب (أقلها الفضيحة الأدبية)، بينما في وقتنا الحاضر هذا الأمر غير متاح حيث كثرة وسائل الإعلام وجهل بعض من يدير هذه الوسائل ساهم بشكل فعال في انتشار هذه الظاهرة وعلى الخصوص في مواقع الإنترنت
ففي أحد المواقع الأدبية على شبكة الإنترنت، وجد من الشعراء المبتدئين من يدعي أنه صاحب قصيدة جيدة، بينما هي من القصائد المعروفة للشاعر المعروف نزار قباني.
حقوق المؤلف في بيئة النشر الإلكتروني
تعددت وتنوعت أشكال انتهاك حقوق المؤلفين على شبكة الإنترنت، وشملت أنواعاً كثيرة من الأعمال الأدبية والموسيقية والأعمال المسرحية وأعمال الرسم وغيرها من المصنفات الأخرى، مما جعل المؤلفين والمبدعين يخسرون اعتباراتهم الفكرية وحقوقهم المادية، وشكل ذلك عائقا أمام استمرار الإبداع والتميز الفكري.
يبدو أنه مع سهولة النسخ مع قلة التكلفة وتزايد مستخدمي الشبكة فائقة السرعة، بدت مشكلة السطو على حقوق المؤلف من الأمور السهلة، وهو ما آثار السؤال حول كيفية المحافظة على حقوقه؟
تعريف حقوق الملكية الفكرية
“هي تلك الحقوق التي ترد على كل عمل إبداعي مبتكر أنتجه العقل البشرى في مجال الآداب والفنون والعلوم والصناعة والتجارة، وهى حقوق استئثار لمالكها الاستئثار بها قبل الغير مدة من الزمن، لقاء الجهد الإبداعي والمبتكر الذي مكنه من التوصل إلى هذا الحق” (حسب د. غالب شنيكات).
وقد عُرفت حقوق الملكية الفكرية لنشاط العقل البشرى منذ القدم، إلا أن الدور الذي تلعبه التقنيات الجديدة تضيف أهمية متزايدة لها، وهي على قسمين:
الأول: حق الملكية الصناعية والتجارية.. تلك التي تشتمل على الاختراعات، الرسوم والنماذج والمنتجات الصناعية، العلامات التجارية والصناعية والخدمية (ليست ضمن محاور البحث).
الثاني: حقوق الملكية الأدبية والفنية.. وهي المتعلقة بحقوق الإنتاج الذهني في مجالات الفن والأدب والعلوم تلك التي تتصرف إلى الأداء الفني والأعمال الجماعية والبث الإذاعي.
وهي المشتملة على الرواية – القصة- الشعر- المسرحية – الصحف – قواعد البيانات- الأفلام – الموسيقى – اللوحات الزيتية – الصور- المنحوتات – مصنفات الهندسة المعمارية – الخرائط – الرسوم التقنية.
كما ينسب إليها: حقوق الممثلين والموسيقيين في الأداء، وحقوق منتجي التسجيلات الصوتية والأقراص المدمجة.
من المؤلف؟
هو الشخص الذي أبدع المؤلف وحده، وقد يكون شخصا معنويا أو طبيعيا.. وقد يشترك أشخاص في التأليف.
الحقوق المعنوية للمؤلف
في انتساب المصنف إليه.. في تقرير نشر المصنف.. في إجراء أي تعديل على مصنفه.. في دفع أي اعتداء على مصنفه.. في سحب مصنفه.
ولا يحق لأي طرف الاستغلال المادي للمصنف إلا بإذن كتابي، مثل: استنساخ المصنف.. ترجمة المصنف.. التأجير التجاري للمصنف.. توزيع المصنف.. النقل إلى الجمهور في وسائل الإعلام. بالتالي فالمصنف المحمي قانونا: هو كل عمل مبتكر أدبي أو فني أو علمي أيا كان نوعه أو طريقة التعبير عنه أو أهميته أو الغرض منه.
شروط الحماية القانونية
أن تتوافر في المصنف.. صفة الابتكار.. تنصب الحماية على التعبير على أفكار المؤلف، لا على الأفكار المجردة.. تنصب على المصنفات المحددة بطبيعتها، سواء طبيعة أدبية أو فنية أو علمية.. وأخيرا تنصب الحماية على المصنف بعد ظهوره. فيما تشمل الحماية المصنفات التي يكون مظهر التعبير عنها الكتابة أو الصوت أو الرسم أو التصوير أو الحركة: الكتب، المحاضرات والخطب والمواعظ، المسرحيات بأنواعها، الأعمال الموسيقية، أعمال الرسم والتصوير والنحت، الرسوم التوضيحية والخرائط وغيرها.
وعلى ما سبق، يقترح د. غالب شنيكات في دراسة له حول طرق الحماية التالية:
أولا: الحماية القانونية.. تعتمد على التحذير قبل الاستخدام، والمعاقبة بعد إساءة هذا الاستخدام.
ثانيا: الحماية التقنية: وضع تقنية تعيق إساءة الاستخدام من خلال مفاتيح إلكترونية أو كلمات سر.. الخ. (هذه وقفة عاجلة لموضوع شائك، لم تحسم الكلمة الأخيرة فيه).
وقد قسمت أخلاقيات استخدام الإنترنت إلى نوعين:
الأول: أخلاقيات استخدام الإنترنت بين المستخدم ونفسه.. وهي ترتكن إلى الوازع الديني والأخلاقي العام لمراقبة الذات، حتى يمكن تجاوز تلك النوعية من المشاكل.. مثل احترام الذات.. عدم تعريض الذات للأخطار.. عدم النظر إلى المحرمات وكل ما لا فائدة من ورائه.. عدم إضاعة الوقت عند استخدام الشبكة.. عدم الإضرار بالجسم وإعطائه الراحة الواجبة.. الخ.
الثاني: أخلاقيات استخدام الشبكة بين الشخص المستخدم وغيره.. سواء مع الجهاز “الآلة” أو مع أناس آخرين. وهو القسم الذي يمكن أن تُسن له القوانين، إلا أنه يبقى المحور الأساسي لتطبيق هذه القوانين هو الوازع الشخصي.
مثال ذلك احترام الملكية الفكرية للغير “intellectual property” مثل وضع المصدر للمعلومة والصورة وغير ذلك في إطار الاستخدام وتوثيقه بذلك. عدم سرقة أو نسخ أعمال الغير كالأعمال الإبداعية أو البرامج والخطط وغير ذلك. ففي مجال البرامج يقترح عادل الطلحي في دراسة له إلى العمل على استخدام المصادر المفتوحة أو المشتركة shareware وهو ما يشجع المتخصصين أو الهواة لإنتاج ما يناسبه من البرمجيات.
كما أن الحفاظ على الأسرار والخصوصيات بنشرها أو الاطلاع عليها مثلما يمارسه البعض بما يعرف hacking، وقد يصل الأمر إلى تخريب مصادر تلك المصادر المعلوماتية cracking.
وفى ضوء تلك الصورة العامة، كانت كل الاتجاهات القانونية والأخلاقية نحو دراسة ما يمكن تفعيله لتزكية الإيجابي على الشبكة، وتجاوز السلبي.
توصيات عامة جديرة بالملاحظة
– نشر الوعي بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في البيئة الرقمية للمؤلفين ومستخدمي شبكة الإنترنت.
– تفعيل الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية في البيئة الرقمية (شبكة الإنترنت) وإصدار قانون عربي يضمن هذه الحماية في البيئة الرقمية.
– إيجاد مسؤولية قانونية على موردي خدمات الإنترنت إذا لم يلتزموا بوضع أنظمة تتضمن معلومات عن المشتركين معهم.
– إيجاد أنظمة عربية موحدة تتبنى وضع تدابير تقنية تمنع وتجرم التحايل عليها لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لها في البيئة الرقمية.
تبني وتشجيع إنشاء جمعيات عربية إقليمية لإدارة حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة في البيئة الرقمية ووضع قواعد وأنظمة لهذه الجمعيات.
– تجريم النسخ الإلكتروني من شبكة الإنترنت.
– تفعيل دور العقود في الحفاظ وحماية حقوق الملكية الفكرية في الفضاءات الرقمية.
تحديد القانون واجب التطبيق والاختصاص القضائي في منازعات حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لها في البيئة الرقمية.
– تأسيس هيئة عربية لمتابعة التطورات الدولية القانونية والتقنية في مجال حقوق الملكية الفكرية.
– وضع قانون عربي خاص بالإنترنت والنشر الإلكتروني على شبكة الإنترنت.