المختصر: الآخر وحشًا
في كتابها الجديد “المسلمون في المخيّلة الغربية”، تعرض صوفيا روز آرجانا، أستاذة الدراسات الإسلامية الزائرة بكلية إليف للّاهوت في دنڤر، لتمثيلات الصور النمطية التي قرّت في الخيال الغربي تجاه المسلمين. مرتكزة على طرائق تحليل أنساق الخطاب كما هي عند الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، وناهلة من نظرية الاستشراق التي صاغها المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، تستقصي آرجانا طائفة من “النتاجات الإبداعية” -والتي من ضمنها الفن والأدب والسينما- كي تقص حكاية ليست عن الكيفية التي شكّل فيها المسلمون هوياتهم، بل بالأحرى عن الكيفيّة التي شكل فيها المفكرون الغربيون أفكارًا حول المسلمين بوصفهم وحوشًا”.
الكينونة وكوكتيلات الدرّاق
بعد كتابها كيف تعيش: حياة مونتين في سؤال واحد وعشرين محاولة لإجابة ما”، والذي حصدت به جائزة حلقة نقاد الكتاب القومي الأميركية في حقل السّيرة للعام 2010، يأتي كتاب سارة بيكويل الجديد، “في المقهى الوجودي: الكينونة والحريّة وكوكتيلات الدرّاق“، سرديّةً مشحونة لأطوار “الوجوديّة” ودفاتر أحوالها، كواحدة من أكثر الحركات الثقافية أهمية في القرن العشرين.
تأخذنا بيكويل في رحلة شيّقة، تمزج بين الفلسفة والسيرة الشخصيّة لأبرز المفكرين الثوريين الذي شكّلوا الوجودية، كفكرة فلسفيّة ومنهج حياة، منذ انقداح شرارتها الأولى في مقهى “بيك دو غاز″ بمونبارناس في باريس ثلاثينات القرن العشرين، حين سأل ريموند آرون صديقيه، جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، في أثناء النقاش بحماسة بالغة معهما حول الفينومولوجيا القادمة حديثًا من برلين “إن كنت فينومولوجيًّا، فإنك تستطيع الكلام عن هذا الكوكتيل وتستنبط فلسفةً من ذلك!”.
كانت هذه العبارة البسيطة، كما تقول بيكويل، هي التي ألهمت سارتر لإدماج الفينومولوجيا في حساسيته الإنسانونية الفرنسية، مبتدعًا “مفهومًا فلسفيًّا جديدًا يستلهم ثيمات الحرية المتطرفة والكينونة الأصلية والنشاط السياسي”.
ثم سرعان ما تكتسح هذه الحركة المقاهي ونوادي الجاز والحركات اليسارية قبل أن تعرف في العالم أجمع باسم الوجودية في الحقبة التي تلت الحرب العالمية الثانية وتساهم بشكل كبير في “فكر الحركات التحررية كالنسوية وحقوق المثليين ومناهضة الكولونيالية”.
وليس كتابها مجرد عرض تاريخيّ للرؤية الوجودية عن الصراع والحب والانكسار والتمرد والإنسانونية والمسؤولية الفردية من منظور تاريخي فحسب، بل هو استقصاء معمق لما يستطع الوجوديون تقديمه لنا في هذه اللحظة التي يجابه فيها المرء أسئلة ملحة تتعلق بماهية هذه الرؤية وسبل استبطانها.
ما بعد ثورات الربيع العربي
“الإسلام والديمقراطية والربيع العربي”، عنوان الكتاب الجديد الذي صدر في مطلع هذا العام لكل من جون إسبوسيتو (أستاذ الدراسات الإسلامية والعلاقات الدولية بجامعة جورج تاون، والمدير المؤسس لمركز الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي-المسيحي بكلية والش للعلاقات الخارجية) وتمارا صنّ (أستاذة التاريخ الإسلامي بمركز حمد بن ثاني آل خليفة بجامعة جورج تاون) وجون فول (أستاذ التاريخ الإسلامي بمركز الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي-المسيحي).
يستقصي الكتاب ثورات الربيع العربي، أو ما يطلق عليها المؤلفون اسم “موجة المقاومة المدنيّة”، في ضوء جدلية العلاقة التاريخية بين الدين والسياسة في المجتمعات الإسلامية. كما يتطرق إلى تناول مصير الديمقراطية في العالم الإسلامي، خاصة بعد نجاح الإسلام السياسي في الوصول إلى السلطة في تونس ومصر بانتخابات حرّة. ولا يغفل الكتاب عن البحث في مسوّغات النزعات الفكرية والسياسية المعارضة للربيع العربيّ، ليس في ضوء أسئلة المساواة والعدالة الاقتصادية والمشاركة الديمقراطية والعلاقة بين الإسلام والديمقراطية فحسب، وإنما أيضًا في ضوء الجدل القائل إنّ مشاركة حركات الإسلام السياسي في العملية الديمقراطية ما هي إلّا “حيلة” لفرض ثيوقراطية غير ديمقراطية حين تتسلم هذه المجموعات مقاليد الحكم؛ وهي مقولات تناصرها نخب اقتصادية وسياسية وعلمانية تفضل ثيوقراطية علمانية على ديمقراطية تسيطر فيها الأحزاب الدينية على الحكومات.
خطاب العشق
في كتابها الجديد، “الآرغونيّون”، تكتب الشاعرة الأميركية ماغي نيلسن سيرة هادرة، تمتزج فيها الأنواع الكتابيّة، عن الرغبة الجنسية والحب والهوية الفردية واللغة. ترسم نيلسن في هذه السيرة خيوط علاقتها مع النحات الأميركي هاري دوج، مستقصية أطوار المسرّة والألم، على شاكلة المثقف العموميّ، فتخضع تجربتها الشخصية لاستكشاف شديد الدقّة في ضوء ما قاله المفكرون البارزون حول الجنسويّة والجندر وأحوال الزواج المختلطة. بيد أن المحور الرئيس الذي يدور حوله الكتاب في مجمله هو دفاع الكاتبة الراديكالي عن حرية الفرد المطلقة، وحقه في الاختيار.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الكتاب قد فاز مؤخرًا بجائزة حلقة نقاد الكتاب القومي الأميركية المرموقة عن فئة النقد.
جامُ غضب وحرث قديم
كان الروائي البرازيلي ذو الأصول اللبنانيّة رضوان نصار قد توقف عن النشر في بداية ثمانينات القرن العشرين، على الرغم من ذيوع صيته كأحد أقوى الأصوات الأدبية في البرازيل بعد نشره لروايته الأوليين. هجر نصار الكتابة وتفرغ للفلاحة وتربية الماشية. ثم يتخلّى، في العام 2011، عن جميع ممتلكاته التجارية لصالح جامعة ساو كارلوس الفيدرالية، لتجري عليها بحوثًا زراعية، وتعمل على إقامة حرم جامعي جديد. يتخلى عن كل شيء، ويختار حياة منعزلة بمزرعة صغيرة يمتلكها في الريف.
وظلّ نصار مجهولًا لدى القارئ بالإنكليزيّة (مثلما هو الآن مجهول بالعربيّة) حتى أقدمت دار بنغوين العريقة في بداية هذا العام على نشر ترجمتين لروايتيه الشهيرتين “حرث قديم” (1975) و “جامُ غضب” (1978).
تتحدث الرواية الثانية بلغة شعريّة هادرة عن علاقة رجل متقدم في العمر مع صحفيّة شابة، في أجواء تذكرنا بمناخات الروايات الأيروتيكية للشاعر الإنكليزي دي. إتش. لورنس. فيما تسرد الرواية الأولى حكاية “الابن الضّال” الذي يهجر بيته، هاربًا من جحيم أبيه المتزمّت.
حكايات الإيطالية المجهولة
على الرغم من أنّ إيلينا فيرّانتي هي روائية إيطالية مجهولة الهوية، ولا يعرف شخصيتها الحقيقة سوى ناشر أعمالها، إلّا أن أعمالها تواصل تحقيق حضورها اللّافت، ليس على صعيد المراجعات النقديّة فحسب، وإنما أيضًا بين جمهور القرّاء الذي يقبل عليها بحماسة شديدة. وسبب هذا الرّواج عائد إلى كون شخوص رواياتها لسن نساءً متخيّلات، بل واقعيّات: غير متعلمات، وغير ثريّات، ولكنهنّ، على الدوام، مليئات بالحياة وبالشكوك والوعي والطموح والحب والكراهية والطاقة والغريزة الجنسيّة.
آخر أعمال فيرّانتي، رواية “حكاية الطفلة الضائعة”؛ وهي جزء من رباعية تعرف باسم “الروايات النابوليّة”. تستقصي الرواية أطوار حياة إلينا غريكو، الفتاة الطيّبة الواعية، عاشقة الكتب، وصديقتها ليلى النزقة الطائشة، منذ طفولتهما وحتى بلوغها سنّ الرشد، وهما تحاولان إيجاد حياتين لهما في خضم ثقافة الطاعة العمياء والعنف والمحرّمات التي تسود الحيّ/السجن الذي تقطنان فيه على أطراف نابولي في إيطاليا.
الذكاء الخارق
في أوائل هذا العام، أصدرت مطبعة جامعة أكسفورد طبعة ورقية جديدة من كتاب الفيلسوف السويدي “الذكاء الخارق: المسالك والأخطار والاستراتيجيّات”، تضم تعليقًا جديدًا من طرف الفيلسوف على هذا الكتاب الذي أصدرته الدار ذاتها في العام 2014.
يجادل بوستروم في أطروحته، هذه، حول احتمالية أن تصبح الآلات بذكائها الخارق شكل الحياة المسيطر على الأرض. فهي تتفوق على الأدمغة البشرية في الذّكاء العمومي، وتستطيع تطوير قدراتها على نحو أسرع. فهل سيكون المستقبل شاهدًا على “كارثة وجوديّة” تصبح فيها الإنسانية معتمدة، في أفعالها، على ما تقرره لها الآلآت؟
ساعة عودة النوتيّ من البحر
بعد “في الصباح التالي: الخوف والجنس والجنوسة” (1994) و”آخر ليلة في الفردوس: الجنس والأخلاق في نهاية القرن” (1997) و”في مديح حيوات فوضويّة” (2012)، يأتي كتاب الروائية الأميركية كيتي روفي الجديد “الساعة الأرجوانية: كتّاب عظام في خواتيم أيّامهم” لتسرد لنا اللحظات الأخيرة لستة مفكرين وفنانين وكتّاب بارزين هم سيغموند فرويد وسوزان سونتاغ وديلان توماس وجون أبدايك وموريس سينداك وجيمس سولتر، وكيف تأمّل هؤلاء الكتّاب ساعة الموت “الأرجوانيّة” التي وصفها تي. إس. إليوت في “الأرض الخراب”، بِـ”بساعة المساء التي تكافح في طريق العودة إلى الوطن، وتعيد النوتيّ إلى البيت من البحر”؛ ليس بوصفها لحظة قاتمة تخطف آخر أنفاسهم، وإنما لحظة رؤيويّة تحتفي بالحياة نفسها، وتشرع أمامهم أبواب الإبداع على مصارعها.
بعد الحادي عشر من سبتمبر
ليلى أبو العلا روائية سودانية ولدت في القاهرة، عاشت في أسكتلندا، وتكتب أعمالها بالإنكليزية. صدرت لها في شهر مارس من هذا العام روايتها الخامسة “سماحة الأعداء”، والتي تقدم فيها سردية تستقصي أطياف صورة أن يكون المرء مسلمًا في النظام العالميّ الجديد الذي ساد في أعقاب الهجمات الإرهابية التي ضربت أميركا في الحادي عشر من سبتمبر. بطلة الرواية هي ناتاشا ويلسون، المولودة في الخرطوم باسم ناتاشا حسين لأمّ روسيّة وأب سودانيّ. تعمل ناتاشا في إحدى الجامعات الأسكتلنديّة، وتجري دراسة حول الإمام شامل الداغستاني، قائد المقاومة ضد الروس خلال حروب القوقاز. وحين تكتشف بأن سيف الإمام قد انتقل إلى أحد طلابه، واسمه عوز، عن طريق الإرث العائليّ، فتقرر زيارته في بيته لرؤية السيف. ولكنّ عوز الذي كان يستخدم بريدًا إلكترونيا تحت اسم “سيف الإمام شامل”، ويرسل منه رسائل على شاكلة “الأسلحة تستخدم للجهاد”، قد ألقي القبض عليه في صبيحة ذلك اليوم من قبل قوات مكافحة الإرهاب.
تجد ناتاشا نفسها، بعد هذه الحادثة، منجذبة إلى حياة عوز ووالدته، فتغوص عميقًا لتلقي الضوء على الروابط التي تجمع بين الماضي والمستقبل، لتجابه إرثها الإسلامي ومعنى الهوية؛ ليس بالنسبة إليه فحسب، وإنما بالنسبة إلى العالم الذي تعيش فيه.
جبال البرتغال العالية
بعد فوزه بجائزة المان البوكر في العام 2002 عن روايته “حياة باي”، والتي باعت أكثر من 12 مليون نسخة حول العالم، وتحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي حقق نجاحًا باهرًا، لم ينشر الروائي الكندي يان مارتل سوى رواية واحدة؛ “بياتريس وفرجيل” في العام 2010. وما إن أقدمت دار “سبيغل آند غراو”، في الثاني من شهر فبراير لهذ العام، على نشر روايته الثالثة “جبال البرتغال العالية”، حتى تصدرت قائمة النيويورك تايمز لأفضل الكتب مبيعًا.
تدور أحداث الرواية في ثلاث حقب زمنيّة مختلفة وممتدة؛ سنة 1904، حين يعثر شاب اسمه توماس في لشبونة على كرّاس قديم يلمّح إلى وجود أداة خارقة تستطيع أن تعيد التاريخ. يركب توماس سيارته، ويشرع في رحلة بحث عن هذه العجيبة. ثم، وبعد خمسة وثلاثين عامًا، يجد باثالوجيّ برتغالي نفسه في بؤرة سرّه الشخصي، متورطًا في مآلات الرحلة التي قام بها توماس. وبعد خمسين سنة، يلجأ سيناتور كنديّ إلى قرية أسلافه في البرتغال، مكروبًا ومتفجعًّا على موت زوجته. ولكنه يصل إلى هناك صحبة رفقة غير عادية: شمبانزي. في ذلك المكان، تنتهي رحلة البحث عن العجيبة التي بدأها توماس قبل قرن من الزمان، وعلى نحو غير متوقع.