المختصر

الأربعاء 2019/05/01
لوحة وليد نظمي

1- كبار الفلاسفة على المحكّ

في كتاب “من سقراط إلى فوكو”، يستعرض فرنسوا دورتيي مؤسس مجلة “العلوم الإنسانية” خمسة عشر علَما من أعلام الفلسفة الغربية، بأسلوب بعيد عن التعقيد، وخيط رابط حول السؤال: هل يجعلنا الفلاسفة حقا أذكياء؟ ومن الأسئلة التي يحاول الإجابة عنها: فيم تصلح الفلسفة؟ لنعيش عيشة أفضل، أم لنفكر بطريقة أفضل؟ وهل تتصل بمعارف وحقائق من جنس أعلى كما يعتقد أفلاطون وسبينوزا وهيجل؟ أم هي محض منهج لحسن قيادة العقل كما يرى ديكارت، وإيضاح الأفكار كما يقول فيتجنشتاين، أو خلق علم جديد للفكر كما يعتقد هوسرل؟ أم لعلها ببساطة فكر نقدي، آلة جهنمية لا تنتج أيّ معرفة، ولكن تسعى دائما إلى وضع كل شيء موضع تساؤل، كما اقترح سقراط لمفكري التفكيك.  لفهم المسعى الفلسفي، وطبيعته وطموحه، أجرى دورتيي ما يشبه التحقيق مع كبار الفلاسفة عبر التاريخ، بحثا عن المشروع المؤسس الذي غذّى فكر كل واحد منهم، بوضعه في مرحلته، وظرفه، وحدسه المؤسس، دون إخفاء زوايا الظل والتناقضات والمآزق. لذلك كان العنوان الفرعي للكتاب “الفلاسفة على مقعد اختبار البدلاء” لمعرفة مآل الفلسفة التحليلية والفينومينولوجيا وفلسفة العلوم بعد قرن من رواجها.

 2- بنية الفكر الاقتصادي

أصبحت لغة الاقتصاد متداولة ولولاها لكان العالم الحالي في مثل غموض الكون دون فيزياء نيوتن. هذا الكتاب يستعرض في البداية كيف تولّدت فكرة “علم الثراء”، وهو العنوان الذي اختاره جاك ميسترال، ويبين من خلال استكشاف نقاط ضعفها، الجينالوجيا الثقافية للمادة التي جسدت ذلك المطمح. بيد أن الفكر الاقتصادي ليس مجرد غرابة ثقافية، فقد ظل منذ أربعة قرون وثيق الصلة بالفلسفة السياسية: فمونتكريستيان وسميث وماركس وليون فالْراس وكينز وفريدمان رافقوا تحولات الأزمنة الحديثة مرافقة مونتسكيو وروسو وتوكفيل وراولس لها، وأعطوا معنى لتَشكل مجتمعِ الأفراد التدريجي كأعوان اقتصاديين أو رعايا سياسيين. ويشير الكاتب إلى التوتر القائم دائما بين الدوائر الاقتصادية والسياسية، ولكن العصر النيوليبرالي، الذي نشهد اليوم تفسّخَه، يدفع ذلك التوتر إلى ذروته. وفضل الكتاب أنه يحلل بطريقة جديدة تناقضات الفردانية المعاصرة وقرائنها، ويوصي بضرورة تجاوز الطلاق الراهن بين الوضوح الاقتصادي والإرادة السياسية.

3- نقد النيوليبرالية

من أين يأتي هذا الشعور الملتبس بأننا نعاني من تأخر عام، يعززه الإيعاز الدائم بضرورة التكيّف مع نسق التحولات في عالم معقَّد؟ كيف يمكن تفسير هذا الاستعمار المتزايد للحقل الاقتصادي والاجتماعي والسياسة عن طريق معجم التطور البيولوجي؟ إن جينالوجيا هذا الإلزام يقودنا إلى ثلاثينات القرن الماضي، إلى منابع فكر سياسي قويّ ومنظم، يقترح سردية بالغة التمفصل عن تخلف الجنس البشري عن بيئته ومستقبله. اتخذ اسما له “النيوليبرالية”، نيو لأنه خلافا للقديم الذي كان يعتمد حرية تعديل السوق لخلق استقرار نظام الأشياء، استدعى مقومات الدولة كالقانون والتربية والحماية الاجتماعية ليحوّل الجنس البشري ويبني السوق بشكل متصنّع، أي بيوبوليتيك في وجه من الوجوه.  ومنظروه، مثل الأميركي والتر ليبمان، يعتقدون أن الجماهير تنحو إلى استقرار الوضع الاجتماعي أمام التدفقات التي تهزه، وأن حكومة تكنوقراط وحدها كفيلة برسم طريق التطور للمجتمعات الرازحة تحت الوضعيات المحافظة. في “ينبغي التأقلم” تناقش بربرا ستيغلر أستاذة الفلسفة السياسية بجامعة بوردو تلك النظريات، وتقترح تأويلا آخر لمعنى الحياة وتطوراتها.

4- الفلسفة الشعبية

Thumbnail

بعد أن اجتاح مصطلح الـ”بوب” شتى الحركات الموسيقية والتشكيلية والمسرحية، ها هو يقترب من الفلسفة. في كتاب بعنوان “ما هي البوب فلسفة؟” ينفي لوران دو سوتر أستاذ نظرية القانون بجامعة بروكسل أن يكون المقصود ابتذال الفلسفة وانخراطها في مجتمع الاستهلاك بمكوناته الصناعية والثقافية والشعبوية. ورغم اعترافه بأن الفلسفة صارت لدى بعضهم أداة تربوية لأساتذة يائسين، ولدى آخرين محاولة مضحكة لإقحامها في مجالات الروك والسينما والتلفزيون واجترار ما سبق من بديهيات، فإنه يؤكد أن البوب فلسفة أو الفلسفة الشعبية كانت تشغل جيل دولوز منذ سبعينات القرن الماضي، وكان الفيلسوف الفرنسي يرى فيها وسيلة لإنقاذ الفكر من غواية التصحيح المدرسي والتقديس الجمالي، ويطمح إلى ابتكار فكر فوضوي، يحوّم بالفلسفة ليفتحها على ممكنات غير مسبوقة. والبوب فلسفة هو المصطلح الذي وقع عليه اختياره.

5- مقاربة الإيكولوجيا فلسفيا

هيأ الاحتباس الحراري للانقراض الجماعي السادس، ولكننا لا نملك أدوات للتفكير في “الأنثروبوسين” أي أنثروبولوجيا العشاء الأخير. بأسلوب ساخر، يتناول البريطاني تيموثي مورتن في كتابه “الفكر الإيكولوجي” خطاب أصحاب النوايا الطيبة، أولئك الداعين إلى عالم أكثر خضرة، وما هم في الواقع سوى محترفين يحاولون إراحة الضمائر، وتخضير البرامج الانتخابية. بفضل هذا الكتاب، الذي صدر في بريطانيا قبل تسع سنوات ولم يترجم إلى الفرنسية إلا مؤخرا، نتعلم كيف نفكر بطريقة مختلفة ونتحرر من مفهوم الطبيعة، لنغادر المحلي نحو العالمي، ونعي غرابة العالم وروابط الأشياء ببعضها بعضا. حتى الفن المعاصر أو سينما الخيال العلمي يتضح أنهما منبع للإلهام. من تشارلز داروين إلى بليد رانر، ومن وليم وردزورث إلى بيورك، ومن بيرسي شيلّي إلى إمانويل ليفيناس، يقدّم لنا تيموثي مورتن الأستاذ المحاضر بجامعة رايس بهيوستن، نصا يتوجه إلى عامة القراء، رغم جدته في الحقل الفلسفي المعاصر.

 6- الكذب في نظر كانط

هل يمكن أن يكون الكذب حقًّا؟ هل لمبادئنا قيمة عملية؟ ما معنى الحقوق؟ وأيّ عدل يمكن أن ننتظر من علاقاتنا الاجتماعية؟ “الحق في الكذب”، مشفوعا بـ”النظرية والتطبيق”، نصان لكانط في ترجمة جديدة، وشروح مستفيضة، تكشف لنا عن الجدل الذي أثاره الفيلسوف الألماني، في مرحلة التطلع إلى النظام الجمهوري الذي عقب الثورة الفرنسية، حين لم يكتف بالنظرية الخالصة، بل بيّن أننا لا يمكن أن نواجه اللامبالاة أو الانتهازية، سواء على المستوى الأخلاقي أو المستوى السياسي، إلا إذا أقررنا بعناية القيم التي نريد أن نحافظ عليها. ويخص تأمّلُه الفردَ المقبل على خيار أخلاقي معقّد، أو المتردد من جهة دوافعه العملية، حين يواجه التفاوت الاجتماعي، أو يشغله مصير الإنسانية. وكانط هنا يقترح محاولة فلسفية، إشكالية، لما تكون عليه الحياة العادلة، ويدعونا إلى التفكير في المثل الأعلى الاجتماعي الذي نحتاج إليه.

7- فلسفة المعيش اليومي

لنا فيض من الأخبار، ولكننا لا نعرف كيف نستغلها، وبدل أن نقيم لها وليمة، نحس أننا متخَمون. ذلك ما يطرحه الفيلسوف رفائيل إنتوفن في كتابه “أخلاقيات مؤقَّتة جديدة” الذي ينصح بممارسة الفلسفة كي لا نغرق في الأحداث المتسارعة، وبشكل يوميّ، لأن الفلسفة في رأيه تعطي كل حدث نكهة لغز أو سؤال. مثلا: هل كان من الأفضل القبض على هارفي وينشتاين أم تركه بلا عقاب؟ لماذا يكون الاعتقاد بأن كل الناس الذين يشبهوننا يفكرون مثلنا أمرًا خطيرًا؟ هل يمكن ممارسة الحظر باسم التسامح؟ هل الفرج سلاح حرب؟ هل تحول أناكين سكايوولكر إلى دارك فاردور من تلقاء نفسه؟ إذا كان الرّب موجودًا، فهل نحتاج إلى الإيمان به؟.. تلك كلها أفكار مسبقة عالجها أنتوفن في كتابها الأول “أخلاقيات مؤقتة”، وواصل الحفر فيها في هذا الكتاب.

Thumbnail

 8- بين حرية الشعب وفاعلية السلطة

هل دخلنا عصر الانحطاط الديمقراطي، وحتى عصر ما بعد الديمقراطية؟ في كتاب بعنوان “كيف نحكم شعبا ملكا”، يعتقد بيير هنري طافوايو، رئيس كولاج الفلسفة، والأستاذ المحاضر بكلية الآداب ومعهد العلوم السياسية بباريس، في وجود ثلاث خيبات وهو أن الديمقراطية الليبرالية تعاني من أزمة تمثيل حادة، ومن عجز عام فظيع، ونقص عميق في المعنى. أي أنها فقدت في مسيرتها الشعب الذي يؤسسها، والدولة التي تحافظ عليها، والأفق الذي يوجهها. إن ما اعتبرناه تقدما مكتسبا، أي الدمقراطية، اتضح أنه في الواقع حظيرة مدوّخة. والكتاب في مجمله رسالة في الفن السياسي، يدعو القارئ إلى التفكير في الأسباب التي تخلق سرّ الطاعة الإرادية، لأن فن الحكم في الديمقراطية هو فن المحكوم كيف يُحكَم. بين كابوس العجز الشعبي وشبح الاستبداد، كيف السبيل للمصالحة بين حرية الشعب وفاعلية السلطة؟

9- أشكال الحياة وأنماط الوجود

تصور الأوديسة، أقدم ملحمة شعرية في الثقافة الغربية، الانقلاب الذي يطرأ على أوليس الذي يتحول إلى ذاته نفسها أمام اندهاش من فشلوا حتى تلك اللحظة في التعرف عليه. وبذلك يمثل أوليس أول صورة من سلسلة تجسد تلك العملية الغريبة: المرور من الوجود في طور ظلمة إلى الوجود كذات في شكل حقيقة. ماذا يعني ذلك المرور؟ كيف تتمّ النّقلة؟ ما هي الأشكال التي اكتستها فكرة الوجود كذات في الفكر الغربي؟ في كتاب “أن تكون ذاتَك. وجه آخر للفلسفة”، قام كلود رومانو، أستاذ الفلسفة في السوربون والجامعة الكاثوليكية بملبورن، بالبحث في مصادر فكرة الوجود بحق كما تتجلى في المثل الأعلى المعاصر للصدقية الشخصية، بالتأكيد على جينالوجيا ذلك المثل الأعلى، واستحضار بعض أشكاله القديمة. فيكتشف القارئ عدة أنماط من الخطاب، فلسفية وفقهية وروحانية وبلاغية وأدبية وجمالية. أي أن رومانو يرسم تاريخا عن الفلسفة الغربية بعيدا عن الميتافيزيقيات الكبرى للأنا والذاتانية، ويختار سبلا مغايرة في بحثه عن أشكال الحياة وأنماط الوجود.

 10- تشظي الأمة الفرنسية

خلال بضعة عقود من السنين، تغير كل شيء، ولم تعد فرنسا، في زمن السترات الصفراء، كما كانت، فالأمة التي كانت ملتحمة، متمسكة بقيم جمهورية واحدة لا تتجزأ، تحولت إلى أرخبيل تجهل جزره بعضها بعضا. في كتاب “الأرخبيل الفرنسي” يتصور المحلل السياسي جيروم فوركي، الآثار الثقافة والأخلاقية لهذا الانجراف، ويلاحظ مدى تغير علاقة الفرنسيين بالجسد من خلال تنامي بعض الممارسات كالوشم وحرق جثث البشر، وعلاقتهم بالحيوانية كالامتناع عن أكل لحوم الحيوان، وانتشار مناهضة نظريات تفوّق الإنسان على الأجناس الأخرى، الحيوانية بخاصة، ولكن الأخطر هو امّحاء تدريجي لفرنسا القديمة تحت ضغط فرنسا الجديدة التي أدت إلى تفتيت المجتمع كله: انفصال النخب، استقلال الفئات الشعبية، تشكل جيوب كاثوليكية، إقامة مجتمع متعدد الثقافات، وتشتت المراجع الثقافية المشتركة. على ضوء هذا الانقلاب الأنثروبولوجي نفهم الأزمة التي تمر بها المنظومة السياسية.

11- الخصوصية الفرنسية

ترجع أصول اللائكية إلى الحروب الدينية، حين بدأت القوة الملكية في التحرر من سلطة الكنيسة. من هذه الأزمة الأصلية ينطلق فيليب راينو، أستاذ التاريخ بجامعة بانتيون أسّاس، ليذكّر بأن مرسوم نانت يسمح بأن يكون الفرد فرنسيا دون أن يكون كاثوليكيا، وهي الثغرة التي حاول لويس الرابع عشر سدّها لاحقا. غير أن الملكية المطلقة لا تستمد شرعيتها من الأسس الدينية قدر ما تستمدها من العقلانية الإدارية لسلطتها الممدِّنة والمحضِّرة. ولما اندلعت الثورة، لم تعد فرنسا مملكة كاثوليكية، بل بحثت لها عن سبيل تؤدي إلى دولة لائكية منزوعة من كل تصور تيولوجي. استمر النزاع بين الكاثوليكيين والجمهوريين حتى القرن التاسع عشر، عندما التزمت الجمهورية الثالثة بعَلمانية نضالية أدت إلى قانون 1905، اتخذ أشكالا أخرى لينتهي عام 1984 إلى محاولة إقحام المدرسة الخاصة الكاثوليكية في التعليم العام. ورغم أن المشاكل بدأت منذ الستينات بتطور العادات والتقاليد وظهور حقوق جديدة، كزواج المثليين والإنجاب بمساعدة طبية، ووجدت دائما طريقها إلى التوافق بين المؤمنين وغير المؤمنين، فإن ما يمثل مشكلا عويصا أمام العلمانية، في نظر الكاتب طبعا، صعود الإسلام الذي يطرح على العلمانية مشاكل غير مسبوقة ويخلق الشقاق حتى داخل العلمانيين أنفسهم.

12- انحراف الذكاء الاصطناعي

بعض الروبوتات المنزلية تقوم بدور الوشاة، وبعض الأجهزة المبرمجة للتخاطب مع الحرفاء يشتمونهم، وبعض المنظومات المعلوماتية تساهم في النزاعات بين البشر، بل وتكون سببا في إثارتها. في 18 مارس 2018 قتلت سيارة ذات قيادة أوتوماتيكية تابعة لشركة أوبر امرأة كانت تعبر الشارع في مدينة بولاية أريزونا، فكان أول موت لمترجل يتسبب فيه لوغاريتم. من المسؤول؟ الإجابة عن هذا السؤال تُعدّ من بين التحديات الملحّة على علاقة الإنسان بالتكنولوجيات الرقمية، وليس المطلوب كيف نجعل الذكاء الاصطناعي عطوفا بل كيف نجعله لا يعوّض الإنسان كعامل أخلاقي. في كتاب بعنوان “الروبوتات والشر” يتناول ألكساي غرينبوم الفيلسوف والفيزيائي المتخصص في علم الميكانيك الكمّي هذه المسألة، ويرى أن اللجوء إلى الصدفة وحدها هو الذي يمكن أن يحرر الآلة من المسؤولية التي نريد أن نحمّلها إياها.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.