المختصر

الاثنين 2021/02/01
لوحة حسا بلان

الترجمة كوسيلة عنف وهيمنة

في وقت توشك فيه الترجمة الآلية باستعمال الكمبيوتر أن تحدث نقلة كبرى في طرق تواصلنا وعلاقتنا باللغات، تحاول تيفان صامويو، أستاذة الأدب المقارن بجامعة باريس 3، في كتابها “الترجمة والعنف” تجديد النظرة إلى العمل الترجمي، وفي رأيها أن ذلك لا يتم إلا متى كففنا عن اعتبارها الفضاء الوحيد للقاء سعيد بين الثقافات، وفهمناها كعملية ملتبسة، معقّدة وسلبية أحيانا. تقوم مقاربتها الجديدة على دراسة تاريخ العنف الذي كان للترجمة فيه دور كبير، كالهيمنة الاستعمارية ومعسكرات الإبادة ومجتمعات الميز العنصري والأنظمة الشمولية، وكذلك على حالات أدبية تكشف عن عنف خاص بفضاء الترجمة، وكيف يمكن أن نقلب المعادلة حتى تتحول الفواصل العازلة إلى إصلاح للعنف المرتكب. والكتاب، علاوة على قضية الترجمة، يتوجه إلى كل الذين يهتمون بالحوار بين اللغات، والإمكانية السياسية لخلق عوالم مشتركة.

الرجل الذي حرّر المستقبلصورة

هذا كتاب لجان ميشيل دجيان عن إيفان إيليتش القس النمساوي الذي صار فيلسوفا، وقد عرف كمفكر في الإيكولوجيا السياسية، وناقد شرس للمجتمع الصناعي، إذ كان حذّر منذ مطلع السبعينات من هذا السباق المحموم الذي يقود الإنسانية إلى الهلاك. وإذا كان تقرير دنّيس ميدوز قد حذّر من التلويث الخارجي للأرض، فإن إيليتش أدان التلويث الداخلي للحضارة الغربية. قال عنه إدغار موران “لقد أبهرني بطريقته في انتهاك الأفكار السائدة عن المدرسة والمستشفى والمواصلات، لكي ينبهنا إلى آثارها المضادة، التي تأكدت من بعد تدريجيا. فبينما وجد المجتمع الصناعي والاستهلاكي نسقه، كانت هناك حاجة بالفعل إلى بعض الجرأة لإدانة نهب ثروات كوكبنا وآثار النمو المضرّة. سوف نتذكر أيضًا أننا مدينون له بالدفاع عن ‘التعايش’، تلك العبارة التي لم تكن تستخدم في ذلك الوقت. ومن باب الاعتراف بفضله أن نسلط الضوء اليوم على عمله في هذه السيرة الفريدة التي خصه بها ميشيل دجيان.”

الرغبة والعصيان في العصر الرقمي

إن الرغبة في الظهور وعرض الذات على الآخر في شفافية غير مسبوقة تصدران عن الأفراد أنفسهم. نعرف منذ مدة أن التكنولوجيات تقع في صميم أجهزة السلطة، فالأدوات التي ابتكرتها التكنولوجيا هي أدوات مراقبة وسيطرة وتحكم، وأدركنا شيئا فشيئا أن استعمال تلك الأدوات التي تبهرنا وتسجننا تغير إطار مجتمعاتنا وبناء الأفراد في علاقتهم بالفضاء والزمن. وكتاب “مجتمع الاستعراض” لبرنارد هاركورت، أستاذ الفلسفة والحقوق في جامعة كولومبيا، يندرج في هذا المجال، ولكنه يذهب أشواطا أبعد في التحليل المعتاد للاستعمالات التكنولوجية الجديدة للمعطيات الرقمية. فهو يبين لنا من خلال أمثلة عديدة أن رغبتنا الشديدة في الوصول إلى كل شيء، فورا، لم تخلق مجتمع تحكّم ومراقبة فقط، وإنما أيضا مجتمع تعرّ ونرجسية.

 بولغاكوف في ترجمة جديدةصورة

درج أندري ماركوفيتش في الأعوام الأخيرة على إعادة ترجمة الأعمال الروسية الكبرى، بعد أن لاحظ تلاعب المترجمين بأصولها لإخضاعها للذائقة الفرنسية. بعد روايات دستويفسكي، قام هذه المرة بإعادة ترجمة رواية “المعلم ومارغريتا” لميخائيل بولغاكوف ترجمة لصيقة بالنص الأصلي. تروي الرواية زيارة الشيطان، وولاند كما أسماه الكاتب هنا، لموسكو رفقة أعوانه، ليجول في عالم تسوده الغرائز الدنيا، حيث الخبث والحسد والجبن سمات مميزة، ويدخل الغريب والعجيب إلى العاصمة الروسية ليدمر العقلانية المنحرفة للإدارة السوفييتية، التي تعجز عن فك طلاسم السحر الأسود. وكلما كانت ردود فعل السلطة سلبية أو غبية، ازداد وولاند استهزاء، وازداد النظام تأييدا لسخرية هذا الكائن، رغم أنه يطعن في سردية السوفييت، ويبين تهافتها.

المجتمع السوفييتي بعد ستالين كما قبله

يسرد ييغور غران مطاردة الكا جي بي لأبيه الكاتب الروسي أندري سينيافسكي خلال الستينات، في كتاب يجمع بين السيرة والرواية التاريخية والكوميديا والرواية البوليسية، ليسلط الضوء على طبيعة النظام السوفييتي في الستينات، ويعطي الدليل على أن الحرية كانت تعيش في الخفاء وهي ترزح تحت ثقل السلطة الشمولية. في هذا الكتاب، وعنوانه “المصالح المختصة” وصفٌ لما كانت عليه التوتاليتارية دون ستالين. بعد أن هلك الوحش، وأدينت جرائمه، أطلق سراح عدد كبير من المساجين، وخفّ الرعب قليلا، ولكن كل مجالات الحياة الاجتماعية، من الاقتصاد إلى الفنون، ظلت كما كانت قبل 1956 محكومة بأيديولوجيا الحزب، مثلما ظلت كل الجهود الفردية والجماعية موجهة لغرض واحد هو تعزيز الشيوعية. ولم يسلم من ذلك حتى المجال الأدبي، حيث حددت نظرية الواقعية الاشتراكية خصائص أدب جعل أساسا لخدمة هدف مشترك لا يمكن النأي عنه، وحيث ينبغي أن يكون البطل إيجابيا والمناخ العام باعثا على التفاؤل.

الكاثوليكية الفرنسية رهان اليمينصورة

يستعرض يان ريزون دو كلوزيو في كتاب “ثورة كاثوليكية مضادة” التحول الذي تشهده الكاثوليكية الفرنسية في الأعوام الأخيرة، ويعتقد أن مصير الكنيسة مرهون اليوم بمن بقي من أوفيائها الذين رفضوا الأصولية والتقدمية وقبلوا المجلس الفاتيكاني الثاني، لكنهم استعاضوا عن آثاره المزعزعة للاستقرار بزيادة الولاء لسلطة الفاتيكان. فهم إذ ظلوا مستمسكين بلاهوتية يوحنا بولس الثاني ثم بنديكتوس السادس عشر، يعتبرون أن الديمقراطية ينبغي ألا تتحرر من النظام الطبيعي. ومنذ معارضة قانون سيمون فيل الذي شرّع الإجهاض وخبرتهم النضالية ما فتئت تغتني، وقد كشفت المطالبة بـ”التظاهرات للجميع” عن قوتهم، لكن تلك القدرة على التعبئة لا يمكن فهمها بمعزل عن تطورات الحياة السياسية، فالكاثوليكية، حين تستعمل كحدّ للهوية الوطنية ودعامة أخلاقية للجمهورية أو رافعة لوعي إيكولوجي، صارت مصدرا سياسيا شرعيا، مثلما صار الحصول على أصواتها رهانا في صفوف اليمين.

من داخل تشايناتوان

 “تشايناتوان من الداخل” رواية مذهلة لشارلز يو، وهو أميركي من أصول تايوانية، ينتقد فيها المجتمع الأميركي بعامة، والآلة الهوليودية بخاصة. وقد صاغها في شكل سيناريو سلسلة تلفزيونية بوليسية، بالأسود والأبيض، وديكور مطعم خيري في قلب تشايناتاون “غولدن بالاس”، ويسلط فيها الضوء على أحد الأبطال، واسمه فيليس وو، يؤدي دورا صغيرا في “آسيويي الخدمات”، فيمزج الخيال بالواقع، متلاعبا بالدور الذي يرغب كل واحد في أدائه، ليحوزه في الحياة كما في الشاشة. في الرواية أيضا معالجة جديدة لبعض الثيمات الكلاسيكية كمسار عائلة من المهاجرين، وأشكال العنصرية، والبحث عن شعور هووي. وقد استطاع أن يكون مقنعا إلى حدّ بعيد في معالجته تلك المواضيع بفضل أصول عائلته التايوانية ودراسته الحقوق في جامعة كولومبيا، وبداياته المهنية في بعض مكاتب المحامين ومشاركته ككاتب سيناريو في مسلسلات تلفزيونية.

 اليسار الفرنسي والأنوار   صورة

منذ عدة أعوام، يتعاقب نقد راديكالي لصميم إرث الأنوار، أي العقلانية والتقدمية والكونية. هذا النقد يزعم تبني انعتاق المهيمَن عليهم، وخاصة الأقليات التي تتعرض للتمييز، كعلامة تقليدية فاصلة بين مختلف تيارات اليسار، ولكنه لا يشكل امتدادا لها منذ ظهور الحركات الاشتراكية والشيوعية والأناركية، التي مثل أفقها توسيعا لمعارك فلاسفة الأنوار البورجوازيين. فهل أن جانبا من اليسار يتنكر لنفسه؟ تتساءل ستيفاني روزا، الباحثة المتخصصة في الأنوار والثورة الفرنسية، في كتابها “اليسار ضدّ الأنوار”، وهو امتداد لبحوثها السابقة عن إرث القرن الثامن عشر في العالم المعاصر، وعن تحول الطوباوية إلى برنامج سياسي. والكاتبة لا تضع مثالا لرجال التنوير الذين تتجاهل جوانب كثيرة مظلمة (كالعنصرية والتمييز بحسب الجنس والاستعباد). كما أنها لا تنفي ما تعانيه الأقليات من ظنون، تلك التي يتجاهلها أحيانا مناضلو اليسار والواجب يقتضي أن يجعلوها من قضاياهم الأولية.

أزمة المهاجرين في عيون زيغموند باومان

من مؤلفات عالم الاجتماع البولندي زيغموند باومان التي ترجمت إلى الفرنسية بعد رحيله كتاب بعنوان “غرباء على أبوابنا”، يعالج فيه صاحب “المجتمع السائل” أزمة اللاجئين. من قديم الزمان، يطرق الهاربون من ويلات الحروب والمجاعات الأبواب الأكثر أمانًا. أولئك الفارون هم غرباء مسكونون بالخوف والجزع. أمام هذا الوضع الذي شهد منه التاريخ أمثلة كثيرة، تتحدث وسائل الإعلام في هوس عن “أزمة هجرة” تهدد نمط حياة الغربيين، فيتولّد ارتباك أخلاقي حقيقي. هذا الشعور المنتشر في المجتمعات الغربية هو الذي يتوقف عنده عالم الاجتماع البولندي ليبين كيف استغل رجال السياسة والأحزاب ذلك الخوف لنشره في أوساط الطبقات الضعيفة، مع وعد بأنها لن تقيم الجسور بل الجدران والسدود. لئن كان هذا الوعد يطمئن على المدى القصير، فإن مآله الإخفاق على المدى الطويل، لأن هذه الأزمة تهمّ البشرية جمعاء، لكونها مدينة لبعضها بعضا، ما يحتّم ابتكار طرق جديدة للعيش معا.

إعادة النظر في علاقتنا بالعالمصورة

الهيمنة على العالم، استغلال موارده، تخطيط مجراه… يبدو أن المشروع الثقافي للحداثة الغربية قد بلغ منتهاه، وأن العلم والتقنية والاقتصاد والتنظيم الاجتماعي والسياسي قد جعلت البشر والأشياء متوافرة بشكل متواصل وغير محدود. ولكن لمّا صارت كل الخبرات وثروات الوجود الكامنة طوع اليد، انفلتت فجأة من بين فروج الأصابع، وانغلق العالم بشكل غريب، وبات صامتا وغير قابل للقراءة. فقد أظهرت الكارثة الإيكولوجية أن غزو البيئة يكيّف وسطا معاديًا، وكشف بروز أزمات متغيرة ابتذال إرادة في التحكُّم أدت إلى فوضى عارمة. وكلما تحولت وعود التفتح إلى تعليمات بالنجاح، والرغبات إلى حلقات إحباط لا تنتهي، لم يعد الفرد يمسك بحياته المنفلتة. وبذلك، يقول الفيلسوف الألماني هارتموت روزا في كتابه الجديد “جعلُ العالم غير متوافر”، صار تصرفنا في الطبيعة والأشخاص والجمال الذي يحيط بنا كما نهوى يحرمنا من التفاعل معها، وتلك هي المفارقة التي نتخبّط فيها اليوم. ولتجاوزها لا بدّ من إعادة ابتكار علاقتنا بالعالم.

سيادة الدولة في الغرب

 عادة ما يعبر بعض المحللين عن أسفهم على تراجع سيادة الدولة القومية التي نابت عنها قوة رأس المال العالمي، ويرون أن تصحيح عمودية الدولة وسلطتها هو السبيل الوحيد للاعتراض على الشمولية النيوليبرالية. ضدّ هذا الوهم، المنتشر بكثرة في اليسار، قام بيير داردو وكريستيان لافال بهذا البحث الطويل في التاريخ المعقد للدولة الغربية الحديثة منذ نشأتها، انطلاقا من مثال الكنيسة القروسطية إلى دورها الحالي كدولة استراتيجية في التنافس الدولي. إن فهم مراحل ذلك البناء وتطوراته يكشف عن هيمنة على المجتمع وعلى كل فرد فيه بشكل من قبيل التقديس، فألغاز الدولة، وتعلق ممثليها باستمرارها، والقداسة التي يحيطون بها أنفسهم، كلها عناصر تغيرت من حيث شكلها ولكنها ظلت على مبدأ قوتها. ولا يمكن الرد على تحديات العولمة الرأسمالية والتغيير المناخي دون التراجع عن هذا الإرث، كما يرى المؤلفان في كتابهما “هيمنة”.

السيادة بين الدولة والسوق المعولمةصورة

في كتاب “السوق ضدّ البشرية” يؤكد الباحث الفرنسي السويسري دومينيك بور أننا نواجه اليوم زوال سلطة الدول، فقد تبخرت بفعل سوق معولمة، ولا يمكنها أن تصمد أمام قوة تلك السوق المدمرة لكوكب الأرض وللروابط الاجتماعية، ما يجعل السيادة إشكالية. تلك السيادة تحدَّد بكونها “مصدر تجسيد وجود أفراد مجتمع بالقانون”. قد تكون ظاهرة، تحيل على هيئة مخصوصة كالدولة أو الكنيسة، أو مضمرة يمارسها المجتمع نفسه دون وساطة مؤسساتية، حسب قواعد متفق عليها. في أوروبا، منذ الإصلاح الغريغوري في القرن التاسع إلى معاهدة ويستفالي عام 1648، اقتسمت الكنيسة والدولة السلطة، ولكن بداية من القرن السابع عشر، أمسكت بها الدولة وفرضت الديانات، ونظّمت الأراضي والأسواق، فصارت السيادة فريدة. ولا حلّ في نظر الكاتب إلا بالعودة إلى تقاسم السيادة، ولكن بين الدول والسوق المعولمة هذه المرة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.