المصباح الذكي X.. السارق من الآخرين كل عزيز
لو أن أحدا قال قبل 10 أعوام إن هناك جهازا سيتمكن من إزاحة التلفزيون عن عرشه وانتزاع الكتاب والصحيفة من بين أيدينا وأن يجعل الهاتف المنزلي قطعة أثاث مهملة ويطلق النار على صناعة الكاميرات التقليدية والرقمية، ذات الصور الثابتة أو الفيديو، بل وينفذ انقلابا عمليا وفكريا على الكمبيوتر المكتبي أو المحمول، لقلنا إنه يبالغ. هذا لا يعني أننا لا ندرك قدرة التكنولوجيا على إحداث الاختراقات المذهلة.
عصرنا هو عصر الفتوح التكنولوجية. لكن الأمور كانت تبدو وكأنها تسير بخطوات منفصلة. أي أن التلفزيون كان يسابق كل وسائل الإعلام الأخرى وينتصر عليها بما صار يوفره من وفرة وتنويع في المحتوى. وأن الهاتف الأرضي، ومنذ عقود، أصبح قادرا على التواصل عبر القارات. وأن الكتاب والصحيفة صارا ينتجان بأساليب وطرق أرخص وبنوعية أفضل وربما على قدر المقاس. وأن الكاميرات باتت أصغر وأكثر دقة وبلا فيلم ينتهي بعد 32 صورة. وأن الكمبيوتر يصبح أرخص وأسرع وبشاشة بعرض لوحة فنية وبدقة تُجاري أفضل المطبوعات لونا وتفاصيل. نحن ندرك كل هذا، لكننا تعودنا على توزيع هذه الأشياء في أركان المنزل. التلفزيون أمامنا في غرفة الجلوس، والهاتف على الطاولة الجانبية، والكتاب على رف المكتبة، والصحيفة على الطاولة أمام الكنبة، والكمبيوتر على مكتب، والكاميرا بعيدا عن أيدي الصغار.
الهاتف الذكي طوّح بهذه الأدوات. سرق منها كل عزيز. الخبر المرئي والمسلسل والفيلم من التلفزيون. الخبر المكتوب من الصحيفة. النص من الكتاب. الصوت من الهاتف. الصورة والفيديو من الكاميرا. الغرور من الكمبيوتر. الهاتف الذكي انقلاب حقيقي كامل الأوصاف.
مع الهاتف الذكي تغيّرنا. لم نعد كما كنا. حرية الحركة جعلتنا نفكر بالأشياء بشكل مختلف. ومع هذا التغيير تغيّرت أشياء كثيرة. اُنظر ماذا حلّ بالإعلام. صارت القنوات تشتغل وعينها على الهاتف الذكي كمنصة. الصحف تنشر مقالات أقصر وبعناصر بصرية. الكتاب يتحوّل بالحجم الذي يناسب حجم الشاشة. الهاتف يعمل على الشبكات المدفوعة التقليدية لكنه يستخدم المكالمات عبر البرامج المجانية للتحادث والتواصل المرئي بدلا من المكالمات التقليدية. الكمبيوتر صار في جيبنا.
تغيرت ثقافة الاستهلاك تماما. أنت تتسوّق من خلال هاتفك الذكي وأنت في الباص. أنت تتسوّق من أمازون وليس من تلك المحلات الكبيرة التي تتصارع اليوم لاستعادة بعض من حصّتها. إذا كانت السلاسل الشهيرة للتسوّق قد قتلت الدكاكين الصغيرة في الحي والشارع، فإن التسوّق الإلكتروني صار يقتل فرص الجميع، الكبير قبل الصغير.
تغيّرت ثقافة النقل. سيارتك صارت شيئا ثانويا والتاكسي يعاني. بوجود أوبر هناك 10 سيارات تحوم حولك تنتظر الإذن. هاتفك الذكي يستقبل شفرة مفتاح سيارة زيبكار التي تركها زبون في الشارع، فتشغلها بالمفتاح الإلكتروني وتسوق بلا وجل.
تغيّرت ثقافة الثقافة. كل يوم تجد أبعادا جديدة للثقافة البصرية والأدائية من خلال منصة الهاتف الذكي. قبل سنوات، أول شيء فعله ابني بهاتفه الجديد أنه بدأ بمعالجة الصور التي التقطها بمؤثرات. ابني صار فنانا تشكيليا في ثوان. أنت منتج للثقافة ولست مستهلكا لها فقط.
تغيرت ثقافة العلاقة الاجتماعية. الكل ينظر في هاتفه الذكي. إذا وصلك فيلم على واتساب وتريد لصديقك الجالس بجانبك أن يراه، فأنت لا تحدثه به، بل ترسله. قلّت الحوارات الشفاهية وزادت النصوص المتبادلة. فيسبوك أعاد عزّ القبيلة وأعاد التواصل مع أصدقاء المدرسة والجامعة وزملاء الوظائف السابقة والأقارب. كلمة تغريد تعني محادثة مترامية الأطراف ولا علاقة لها بالبلابل. اليوم هناك أكبر كمية من الصور لك ولي ولمن تعرفهم على الشبكات الاجتماعية وبأدق التفاصيل الحياتية. كلها تأتي لكم وغيرها من البث الحي من محطة تلفزيون “الهاتف الذكي”.
لا يمكن بسهولة إحصاء التطبيقات المتوفرة على منصات الهاتف الذكي المختلفة. فلنقل ونبالغ، كما قالت العرب، إنها ألف ألف تطبيق. ومع كل تطبيق هناك ثقافة خاصة تنشأ. وفي كل بيئة من هذه الثقافات الجديدة، تتفرع أساليب وثقافات فرعية متشابكة بين ثقافة وأخرى. تطبيقات الصوت للغناء والموشحات الدينية وسماع الكتب بدلا من قراءتها. تطبيقات التسوّق للبيع والشراء، للثريّ والفقير، للجديد والمستعمل، وللمزاد. كل واحد منا يكمل حصته في الألف ألف تطبيق.
هذا الهاتف الذكي صار أذكى. فهناك في جزء من برمجياته ذكاء اصطناعي يعمل على مدار الساعة. يجمع المعلومات عنك ويحللها ثم يبدأ بالتفكير والاقتراح بالنيابة عنك. وإذا كان الفعل السابق للهاتف الذكي أنه سرق كل الأدوات القديمة وجعلها شيئا واحدا اسمه أيفون أو سامسونغ أو هواوي، فإن الذكاء الاصطناعي سيسرق ما سرقه الهاتف الذكي وكل تطبيقاته المختلفة ليبني ثقافته الخاصة، التي هي شيء خليط منك ومن مصباح علاء الدين وآخر ما وصلت إليه الشركات التي تبيع التطبيقات. لنسميه، تيمّنا بآخر موديلات هواتف أبل الذكية: المصباح السحري X أو بالأحرى المصباح الذكي X.