الملائكة لا تطير
أخيرا، أصبحت لي أسرار أتحسّسها بمتعة وألم، وربّما هذا ما يجعلني أضحك فيداهمني بكاء وأبكي فتتسلّل إليّ ابتسامة.
اعتدت كلّ ليلة أن أجلس إلى طاولتي أنشغل بدروسي وأنتظر اللحظة المناسبة. عندما يعمّ السّكون ويتحوّل البيت إلى مقبرة صامتة، أستلّ من محفظتي المدرسية مجلّة سرّية، ثمّ أتسلّل بهدوء وأندسّ في فراشي. أقرِّب إليّ قليلا الفانوس الصّغير وأفتح المجلّة تحت الغطاء. تستمتع عيناي بتلك الصّور ويدي في ذلك المكان، أقتفي أثر الشّهوة وأبحث عن اللذّة.
لا أدري من أين كان فارس يأتي بتلك المجلّات الخليعة التي تفتح صورها على الجسد العاري والجريء والسّعيد. كنت أدسّ تلك المجلّات بين كتبي ولا أسمح بأن يُقترب من محفظتي. أعود بها إلى البيت وأبحث فيها عن سعادتي، علّي أنسى لسعة المقصّ الحارقة.
في تلك الليلة، فَتحتُ المجلّة وصارت عيناي تَعُبّان من تلك الصور بلهفة شديدة تقودني إلى شهوة عمياء، أستدرج المتعة، ربما تحدث مفاجأة ويباغتني صهيل الجسد. فجأة أضاء النّور رِواق البيت وشعّ الضّوء في غرفتي من تحت الباب، ثم سمعت نقرات عليه فارتبكتُ وتلعثمت يداي. دسست المجلّة بين فخذي، وبسرعة استنجدت بالقرآن الذي كان مُلْقى على الطّاولة الصّغيرة حذو سريري. أطلّ أبي برأسه قائلا:
– لمحتُ ضوء غرفتك، لم تنامي بعد؟
كانت إجابتي جاهزة، فقلت بصوت حاولت أن أجعله متماسكا:
– بي من الأرق ما صرف النّوم عنّي، لذلك انشغلت بقراءة ما تيسّر من القرآن الكريم!
زمّ شفتيه: ممممممم
أضاف بابتسامة رضى:
– ليلتك زينة.
وأغلق الباب خلفه بشدّة. شعرت بأنّ لطم الباب ارتدّ صداه الحادّ في قلبي وصُعقت!
ماذا فَعلتُ اللحظة؟ هل حقّا كنت أضع القرآن الكريم بجواري للتقية؟
كأنّ أخرى سواي تفعل هذا، وكأنّي كنت أحتاج إلى وجه أبي الصارم أن يطلّ عليّ فجأة لأحملق حولي. صحيح أنّي أتشفى بخداع والدَيّ، ولكنّني لا أقصد أن أتجاسر على ربّي.
هل حقّا كنت أضع القرآن الكريم عن قصد قرب طاولتي وأنا أستمتع بصور الأجساد العارية في وضعيات فجّة وفي منتهى الإباحية والشّذوذ؟
هل ستعاقبني يا ربّي؟
قفزتُ بسرعة خارج الفِراش، كأنّي أريد أن أبتعد عن مكان الجريمة، أريد أن أبتعد عن المجلّة الإباحية التي تركتها تحت الغطاء وأن أبتعد عن القرآن الكريم ملقى على الطّاولة الصّغيرة.
هل تراه ذنبي أنّك خلقتني أنثى ووهبتني أبا يرى الشرف نابتا بين فخذي؟
أرغب في أن أنتقم منهما وأحبّ أن أحتمي بك يا ربّي. ما ذنبي أن أكون في بيت تنتشر فيه رائحة الندّ وتتكدّس فيه كتب صفراء لابن باز وابن عثيمين وابن عبدالوهاب وتصدّق فيه خرافات وجدي غنيم؟
كانت الدموع تنزل حارّة على خدّي.
أنت يا إلهي، مثلي، ضحية تخلّفهم وجهلهم. عليك أن تقتصّ ممّن يتاجرون باسمك ويسلبون الأرواح باسمك ويسرقون حياة النّاس باسمك.
انفجرت أبكي بحرقة وبمرارة.
بعد أن بكيتُ كثيرا حتّى استوفيت كلّ دموعي شعرت بأنّي أفضل. (تمسح أثر السّيول على خدها). قرّرتُ، ضمن جدول مطالعاتي المستقبلية، أن أقرأ أكثر عن تجّار الدّين الذين يستغلّون ربّي ويحوّلونه إلى ضحية مثلي، ثم اندسستُ في فراشي ثانية ومددت يدي أتلمّس المجلّة التي تكرمشت أسفل طيات الغطاء وفتحتها من جديد.