النزوة و النص
الكتابة فعل إنساني استثنائي وذو اشتباكات وتفاعلات أحيانا تدخل اللامتوقع الذي لا يمكن فهمه أو تفسيره، لأنه هو السر في استثنائيتها وعمقها ذي الأبعاد المتعددة التي لا يمكن الاقتراب من كل تجلياتها وفهمها مهما امتلكنا من حس نقدي ومناهج وحدس في تبينها، تبقى عصية ومسيجة بالغموض، ولأنها مبنية على المتعدد وتحكمها الغائيات التي تسيج بوصلتها وإتجاهاتها وتوجهاتها، والخلفيات التي تبني وتحدد منطلقاتها.
فكيف تتجلى الكتابه؟ وما هو التجلي الأبرز لها؟ فكيف تتحدد الكتابة، كتجلي و تمظهر و تمفصل، له محدداته الوجودية، والبنيوية الخاصة بها؟
لا تتجلى الكتابة، إلا في النص، الذي يجب أن يمتثل، لمجموعة من المحددات، والمقومات، التي تجعل منه نصا، وتجعله واضح المعالم، في الاشتباكات التي ينتجها، كوجود خاص به، أو نتاج، له القدرة على التجاوز، والحياة، حتى من دون وجود منتجه، الذي أنتجه، وأحيانا اللغة التي أنتج ضمنها.
فما هي المقومات التي يستمد منها النص أسس بنائيته الخاصة؟
إن أي نص لا يحقق نصيته، ووجوده، بالقوة والفعل معا، إلا في الالتزام بهذه العناصر والأسس .
التجاوز :
بمعنى هي بنية المفارقة التي يحملها النص ذاتيا، والتي لا يتحقق وجودها الفعلي إلا في مفارقة السياقات التي ولد وأنتج ضمنها، ومن ضمنها المبدع، الذي أنتجه، وذلك بالارتكاز على القدرة، على تأسيس وجوده الخاص، المستقل، والحر، وذلك بإنجاز وتحقيق استثنائيته، في تجاور مع النصوص الأخرى، وتجاوز سياق الخطاب، الذي جاء فيه، إلى سياق النص .
العبورية:
بمعنى قدرة النص على العبور والانسيابية السلسة، بين اللغات والثقافات، مع الحفاظ على عمقه الإبداعي الخاص به، مهما أقام و طالت إقامته ضمن ثقافة ما، أو ثقافات متعددة أخرى، لها أبعادها، و مقوماتها، الخاصة بها .
الاشتباكية:
بمعنى القدرة على بناء التفاعليات المتعددة، مع كل معرفة إنسانية، و كل سياق إنساني يستدعي الإنساني كأفق للتفاعل، والاستهداف والاحتضان، مع استحضار الأبعاد المؤسسة للإنسانية، في هذه الاشتباكية، بالتأسيس الإيجابي لها، ضمنها، و جعلها فعلا يقظا، ومحفزا باستمرار .
الإبداعية:
بمعنى قدرة النص على بناء وجوده الإبداعي الخاص به، والمستمر مع القدرة التأسيس لعلاقة ذات أبعاد متعددة، مع فعل القراءة، رغم تغير القارئ، وزمن، وفعل القراءة، وما يرتبط بها من مناهج، وتعدد في المنطلقات، والخلفيات، والغائيات التي توجهه، وبالامتلاك الكبير للإدهاش كفعل مهمازي، محفز باستمرار .
إذا كانت هذه هي المقومات التي تحدد نصية النص ووجوده فكيف تحدد النزوة كفعل للكتابة موازي لوجود النص ويشوش عليه ويضلل الطريق إليه؟
من المحددات التي يمكن بها معرفة النزوة الكتابية مقارنة بالنص الذي تم تحديد مقوماته بالعناصر البنائية الأربع التجاوز و العبورية والاشتباكية والابداعية فالمحددات التي تحدد النزوة الكتابية تتجلى وتتمظهر في المكتوب .
التماهي القسري والمفتعل:
بمعنى التداخل بين النص والذات، لدرجة يغيب فيها النص كبنائية مستقلة، لها أسسها ومقوماتها، وتحضر الذات بكل أعطابها النفسية، وأمراضها الاجتماعية، حيث تنعس تلك الأمراض، بشكل فج وسمج، مما يجعل الذات عامل لقتل لإبداعية النص، وليس عامل لصنعها و إثرائها .
الوعي المغيب:
يتجلى هذا الغياب، في عدم إدراك الذات لفعل الكتابة، ومقوماتها، وعدم إدراكها لحدودها في الكتابة التي يجب أن تتجاوز مستوى الإنشائية ذاتيا، بأن تتجه إلى الإبداعية، التي لا تتأسس إلا بوعي موهبة الذات، مع تطوير هذه الموهبة، وأخذها بوعي، إلى تجاوز كل ما يثبطها، ويوقفها عن صيرورة التجديد والتجدد .
ما يمكن قولة عن الكتابة واللاكتابة هو تلك الحاجة النقدية الواعية التي تؤسس ممكناتها بالوعي المؤسس على الحدود الممكنة بين النص الذي له مقوماته وأسسه الخاصة به والنزوة كفعل طارئ على الكتابة وليس بإمكانه تأسيس النصية في النص .