النص الإبداعي وجنس الكاتب
بدأت الكتابة النسوية السودانية منذ أربعينات القرن الماضي من الرائدة ملكة الدار محمد، بالقصة القصيرة ثم روايتها “الفراغ العريض”، التي تطرقت فيها إلى بنية المجتمع في أوائل الخمسينات، إلا أنها لم تر النور إلا بعد وفاتها، ثم تلت ذلك كتابات متواترة بعضها تم نشره والبعض الآخر طمسه التاريخ لكن؛ حفظته القلوب فظل أسيراً بين شُرفات الحكاوي كـ(فاطمة السمحة) وغيرها من الحكايات الشعبية، من ضروب الإبداع المختلفة التي توفرت مادتها حسب المتاح وقتئذ وفق البيئة كشعر الحكامات، حيث عبرت من خلاله المرأة عن هموم وطنها، موقفها من الرجل، آمالها، رؤيتها للمستقبل، وخنوعها المتناقض مع تمرد الفكرة وتردد الكتابة.
تبقى الذات الكاتبة للمرأة، ذاتاً قلقة تُعبر عن همومها وفق ضرورة الرقيب الداخلي الذي يسكنها، تحمل مسؤولية الكتابة منحى جماليا يفوق سقف حريتها المسموح به، فالضلع الأعوج من الخوف لازال ينبري ويدافع عن المرأة الساكنة في الغرفة المغلقة، الاختلاف يغوص بها عميقاً فتتلكأ الكتابات هنا وتهرول هناك وتزيد حدة وتيرة النقاش بينهما ليخرج لنا نص مكتوب تتخلله شهقات تتوسل بالقبول، قبول النص أيا كان شكله بمكونه الأساسي من دون أن ترتفع أصابع الاتهام لكاتبته وربطه بحياتها الخاصة، فمحظوظة من حظيت بذلك القبول من دون معايير موضوعة مسبقاً بحسب أهلية ما تقدمه حيال الانتشار، وفق جمالها، معارفها، أصدقائها، ولربما؛ الصدفة التي تخلق مبدعة خارج حدود التمييز (النوع).
ولكن؛ هل القيمة الحقيقية للنص المنتج تكمن في (نوع) كاتبه أم يسمو المثقف ليقرأ النص ويكون الحكم بناءً على جدٌية المحتوى والقضايا التي تتصدر المشهد الآن؟ هل تساهم الروابط الاجتماعية والانتماء العرقي للكاتب في ذياع صيته؟ وهل يؤثر موقفه السياسي في ذات الأمر؟ هل يقيّم نجاح الكتاب بنسبة المبيعات؟ وهل يخلو المشهد الثقافي من هؤلاء الذين يتباهون بنصوص غير ناضجة، حتى يحتويها كتاب ويتقبلها كاتبها ذاته؛ فتمتلئ أرفف المكتبات بطبعات تحتكرها مجموعة من أصدقاء الكاتب تروج ثم لا تلبث أن تفتر بعد زوال مؤثر شهقة الفرحة الأولى، ليختفي الكاتب ويضيع الهتاف كأنه لم يكن! ويصبح استسهال الكتابة صنعة من لا حرفة له! أم هل لسلطة المصادرة أثر مباشر في الكتابة عن المنهي عنه؟ وهل معايير السلطة تؤهلها لتصنيف النصوص المقدمة لتكون موائمة لأيديولوجيتها؟
قد تكون همزه الوصل بين تلكم الأسئلة هي، ما تتحاشاه المرأة في الكتابة، وما تقدمة الأسرة دعماً لها، وما يتقبله المجتمع من امرأة تكسر ذات القيد لتعتلي سلم النجاح بأرجل تهتز وتحتاج من يشُد عضد توقعاتها فتصبح كاتبة، تعبر بنصوصها الناضجة عن المنحى الإبداعي الذي تجد ذاتها فيه، تعبر عن الرجل قبل المرأة تكتب عن إنسانية خالدة، تسير وفق هداها وبصيرتها، لتصل إلى مثقف واعي مُلم بقضايا الحياة المختلفة، لا يمثل غلاف الكتاب سواء كان لرجل أو امرأة فرقا لديه!
هنا في وطني الجميل حيث الثقافات المتباينة، والسحنات المختلفة، والأمزجة المولعة بالجديد، تتردد نصوص المرأة بين المسموح والجرأة بحسب عدد الكاتبات على قلتهن أو كثرتهن في ضروب الأدب المختلفة سواء في الشعر أو النثر أو القصة أو الصحافة أو الرواية، ولا يخلو المشهد من تغول بعضهن وإجادة البعض منهن، فالسؤال: هل كل من يكتب القصة يجيد الشعر والمقال والرواية؟ عطفاَ على ما سبق نجد أنفسنا مُقيدين أمام (نوعية) و(تقيُّم) لا يستند إلى قاعدة، تصبح نتيجته نصوص مشوهة، فهل نحن أمام مشهد يحتاج لمبضع جراح يعيد النصوص إلى نصابها، أم أن موضة التجريب ستستمر مع غياب النقد المختص!.
شهادات أخرى من السودان: