سؤال مربك
أكبر الفخاخ هو فخ التصنيف ”أدب نسوي” الذي يرفع أمام الكاتبة والأديبة سؤالا مربكا عن ماهية الأدب النسوي وكيف ومتى تم التصنيف وعلى أي أسس ومعايير مما يجعل الارتباك واقعا بحيث تظل تتساءل إن كان عليها أن تكون على سجيتها تكتب كما شاءت لها ملكاتها أم تلزم جانب الحذر والتوجس في كل ما تكتب.
أحسب أن الكتابة ليست سوى انفعال بهمّ إنساني يجعلك تعبر عنه بقصيدة أو قصة أو رواية أو مسرحية أو مقال. والهموم الإنسانية مشتركة بين الجنسين وما يهم الرجل يهم المرأة بدرجات متفاوتة والتعبير عنه يبرز قدرة أي منهما على الإبداع. التصنيف النوعي في الأدب يجعل الكثيرين يتوقعون من هذه المبدعة أو تلك روايات ذات نكهة محددة ويكبلونها بفكرة أن ما تحكي عنه ليس سوى تجربتها الشخصية وقد يدفعون بها إلى الهروب إلى مجالات يقصر قلمها عن التعبير فيها كما تود.
روايتي الأولى “الجدران القاسية” أثارت دهشة البعض إن لم يكن استنكارهم لأنها تناولت ما يحدث داخل المعتقلات من تعذيب وهو في رأيهم ليس بمجال تكون فيه المبدعة كما ينبغي أن تكون.
رؤيتي أن التعذيب قضية إنسانية أرهقت البشر على مدى التاريخ وأن تشكّل هذه القضية بعض اهتماماتي لهو أمر ملح. السياسة نفسها تدير أمور البشر وهي على نحو أو آخر تتدخل في حياتك أو حياة الأقربين لك وليس من المعقول أن تتجاهل تأثيراتها التي تكتب قصصا واقعية تتراوح بين المأساة والملهاة في كل يوم.
قبل أيام كنا نناقش في لقاء لبعض الأديبات السودانيات مسألة المتاعب التي تلاقيها الواحدة منا في عالم الكتابة وكان هناك شبه إجماع على أن الاحتفاء بالمبدعة ليس بدرجة تسهّل حظها في الانتشار، وربما النظرة ذاتها التي جعلت بعض أديبات القرنيْن التاسع عشر والعشرين في الغرب يلجأن إلى انتحال أسماء ذكورية ليجدن فرصة لنشر أعمالهن ما زالت سائدة على نحو آخر.
مشواري في عالم الأدب بدأ من المدرسة ثم الجامعة حيث كنت أكتب القصص القصيرة والشعر وأنشرهما في المجلات الحائطية وبعض إنتاجي أدخل مصطلح الجوائز في قاموسي.
أول إنتاجي الذي نشرته لي صحيفة الخرطوم التي كانت تصدر من القاهرة عبارة عن قصة قصيرة بعنوان “العريس″. الأثر الذي يحدثه نشر مادة لك لا يقل عن الأثر الذي تحدثه جائزة تنالها في مسابقة شعر أو قصة. أثر يزيد اطمئنانك إلى أن ما تكتبه جدير بالخروج إلى الناس.
النشر مهم للمبدع والمبدعة والطريق إلى الصحف ودور النشر والتوزيع ليس سهلا البتة مما يشكل نوعا من التحدي ويحتاج إلى جهود مشتركة ومكثفة لإخراج بعض الروائع من الأدراج المغلقة. المسابقات الأدبية في السودان ساهمت كثيرا في إخراج بعض الروائع إلى الناس؛ مثلا مسابقة الطيب صالح للرواية التي ينظمها مركز عبدالكريم ميرغني ومسابقة الطيب صالح للإبداع الكتابي التي تنظمها شركة زين وقد نلت فيها جائزة في دورتها الثامنة عن روايتي “الشاعرة والمغني” بلا شك دفعت بالكثير من الأسماء إلى عالم الأدب محليا وإقليميا وعالميا. مسرحيتي بالشعر العامي “فاطمة السمحة” نلت بها جائزة في مسابقة محمود عثمان صالح للتأليف المسرحي ونلت بها شرف عرض مسرحية من تأليفي على خشبة المسرح القومي.
الآن سأبدأ كتابة مسرحية جديدة وأنا مطمئنة إلى أن لدي ما يستحق الخروج للناس. ومن هنا أنا أدعو كل من يحجم أو تحجم ترددا أن يسارع أو تسارع إلى المشاركة في المسابقات علها تكون طريقا لفك الأسر عن إنتاج مستحق. التحديات الأخرى التي تواجه المبدعة لا تختلف عن تلك التي تواجه المبدع.
ضغوط الحياة اليومية وهم العيش وهم السيطرة على تحديات الواقع المعيش ومعادلات توزيع الوقت بين البيت والعمل والالتزامات الاجتماعية وإيقاع الحياة المتسارع الذي زادت من تسارعه قنوات السوشيال ميديا وغيرها كلها ضغوط وتحديات من شأنها أن تحدث ربكة في حياة كل شخص ومن شأنها أن تغير وجهة الأدب ليسير في اتجاه لم يكن يراود مخيلة أي منا قبل عقدين من الزمان.
شهادات أخرى من السودان: