بوركهارت في جزيرة العرب
كان الهدف الأصلي من رحلة الشاب الأرستقراطي السويسري يوهان لودفيش بوركهارت المعروف باسم جون لويس بوركهارت والمعروف أيضاً باسم الشيخ حاج إبراهيم المهدي بن عبدالله بوركهارت اللوزاني (24 نوفمبر 1784 – 15 أكتوبر 1817) هو “العثور” على مدينة تمبكتو (Timbuktu) أو “المدينة الضائعة” عاصمة إمبراطورية مالي الغابرة في غربي أفريقيا وذلك بتكليف من الجمعية الأفريقية في بريطانيا كما يرد تفصيله لاحقاً.
إنما، لا بد من توضيح ظروف هذه الرحلة التي قام بها بوركهارت إلى الحجاز وزيارته المشاعر المقدسة وأدائه مراسم الحج في حين لم يكتب له تحقيق الهدف الأصلي من رحلته. وهو الوصول إلى تمبكتو فنظراً إلى الغموض الذي يحيط برحلاته ولموته المبكر بات من الضروري تسليط بعض الضوء على حياته ورحلاته.
كانت خطة الرحلة تقضي الذهاب إلى أفريقيا واستكشاف المناطق الواقعة على أطراف نهر النيجر صعوداً مع مجرى النهر على أمل الوصول إلى هذه المدينة التي طالما شغلت أذهان الأوربيين نظراً لاقتران اسمها بالذهب والثراء، حتى أنهم أطلقوا عليها تسميات مختلفة من وحي الخيال مثل “مدينة الذهب والعبيد” و”إلدورادو الصحراء” وغير ذلك من الأسماء. ومن المعروف أن مدينة تمبكتو كانت عاصمة إمبراطورية مالي القديمة التي ازدهرت في الفترة ما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر وقد اشتهرت بشكل خاص بتجارة الذهب والعبيد. وكان الاعتقاد السائد في أوروبا آنذاك أن هذه المدينة غنية جداً بالذهب وأن كميات الذهب الموجودة في مناجمها تزيد عما تضمه مناجم المكسيك وبيرو معاً. غير أن أوروبا التي بدأت منذ أوائل القرن الخامس عشر في استكشاف مختلف المناطق المجهولة في العالم لم تكن تعرف آنذاك موقع مدينة تمبكتو تحديداً ولا الطرق المؤدية اليها؛ فقد انقطعت أخبار هذه المدينة مع زوال إمبراطورية مالي واقتصرت على ما تتناقله عنها الحكايات والأساطير مع ما يلف تلك الحكايات عادة من غموض ومبالغات؛ وهكذا عرفت هذه المدينة في أوربا باسم “المدينة الضائعة” (The Lost City).
ومنذ القرن الخامس عشر تسابقت كل من البرتغال وهولندا وفرنسا وبريطانيا العظمى على تنظيم بعثات استكشافية نحو أفريقيا بحثاً عمّا ظل مجهولاً من القارة السوداء، ولاسيما هذه المدينة الأسطورية، وتبعتها في ذلك دول أوربية أخرى لاحقاً. وانطلق عشرات المغامرين والمستكشفين الأوروبيين في هذه البعثات فرادى وجماعات، ودفع العديد منهم حياته ثمناً لمغامراته. فمنهم من سقط فريسة أمراض لم يكن جسمه مستعداً للتكيف معها، ومنهم من قتل بأيدي القبائل الأفريقية البدائية، وتاه آخرون في مجاهل أفريقيا وانقطعت أخبارهم ولم يعرف عنهم شيء. وقد نجح بعض هؤلاء الرحالة والمستكشفين في الوصول إلى هذه البقعة أو تلك من أفريقيا ومهدوا لقدوم الأوربيين اليها وترسيخ أقدامهم فيها واستعمارها لاحقاً؛ إلا أن أياً منهم لم يحالفه الحظ بالوصول إلى مدينة تمبكتو حتى ذلك الحين.
وإزاء هذا العجز عن حل لغز مدينة تمبكتو السحرية والذي عدته الأوساط الأكاديمية الأوروبية محرجاً، وبغية تنظيم عملية الاستكشافات الجغرافية على أسس صحيحة ومنظمة في ضوء اتساع حركة التجارة الدولية في أوربا بعد الثورة الصناعية، أقدم تسعة من كبار شخصيات المجتمع البريطاني من المعنيين بالأمر على تأسيس جمعية في لندن بتاريخ 9 يونيو 1788 بهدف تنظيم وتمويل رحلات لاستكشاف الأجزاء المجهولة من أفريقيا وفي مقدمتها مدينة تمبكتو. وسميت هذه الجمعية باسم:
“The Association for Promoting the Discovery of the Interior Parts of Africa” أي “جمعية تشجيع استكشاف مجاهل أفريقيا” وعرفت اختصاراً باسم “The African Association” أي “الجمعية الأفريقية”. وقد رعت هذه الجمعية ونظمت العديد من الرحلات الاستكشافية إلى أفريقيا وأولت اهتماماً خاصاً بالعثور على موقع مدينة تمبكتو واكتشاف الطريق الموصل إليها. ففي الفترة من عام 1795 إلى عام 1804، أي قبل وصول بوركهارت إلى لندن، نظمت الجمعية الأفريقية خمس بعثات استكشافية إلى أفريقيا بهدف الوصول الى مدينة تمبكتو خصيصاً، انتهت كلها بالفشل ولم تحقق الهدف المنشود. ويذكر أن هذه الجمعية تم دمجها لاحقاً مع الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية (The Royal Geographical Society) التي تأسست سنة 1830، وأصبحت جزءاً منها. وتولت الجمعية الجغرافية الملكية بعد ذلك مهمة تنظيم الرحلات الاستكشافية، حيث رعت وأشرفت على رحلات العديد من المستكشفين المشهورين من أمثال شارلز داروين وديفيد ليفنغستون وروبرت سكوت وغيرهم.
خلفيات رحلة بوركهارت
تزامن في تلك الفترة وصول نابليون بونابارت إلى سدة الحكم في فرنسا وبدأت جيوشه تجتاح أوروبا شمالاً ويميناً فيما عرف بحروب الثورة الفرنسية. وكان لسويسرا موطن بوركهارت نصيب من هذه الحروب، حيث احتلها نابليون في سنة 1798 وألغى النظام الاتحادي فيها وأقام نظام حكم مركزياً. انقسمت البلاد بين أنصار النظام الاتحادي التقليدي وبين دعاة الإصلاح المؤيدين للنظام المركزي الجديد والمدعوم من نابليون. وكان والد جون لويس، واسمه يوهان رودولف بوركهارت، ضابطاً في الجيش السويسري برتبة عقيد وأحد أشد المعارضين للاحتلال الفرنسي لبلاده. قُدم العقيد بوركهارت الى المحاكمة بتهمة ترك موقعه والتخلي عن قلعة بلدة هونينغن (Hüningen) ([1]) الاستراتيجية لصالح النمساويين في إحدى المعارك التي خاضها الجيش الفرنسي ضد الجيش النمساوي في الفترة 1796 – 1797. وعلى الرغم من أن المحكمة المعنية لم تجد أدلة كافية لإدانة العقيد بوركهارت، تيقن الرجل أن اسمه قد وضع على قائمة الأشخاص الذين قررت فرنسا التخلص منهم. ولكي يأمن بوركهارت الأب على حياة ابنه الشاب، شجعه على مغادرة سويسرا والذهاب الى إنجلترا التي كانت بمأمن عن مخاطر حروب الثورة النابليونية في حينها.
قدم الشاب بوركهارت إلى لندن في يوليو 1806 مباشرة بعد إكمال دراسته الجامعية في سويسرا وألمانيا، وذلك هرباً من الأوضاع الشاذة في بلاده وبحثاً عن وظيفة مناسبة. وكان يحمل معه رسائل توصية من أساتذته في الجامعة إلى بعض الشخصيات البريطانية، ومن بين هذه الرسائل رسالة توصية ممتازة من استاذه عالم التاريخ الطبيعي البروفسور بلومنباخ (Blumenbach) إلى السير جوزيف بانكس (Sir Joseph Banks) عالم النبات والتاريخ الطبيعي البريطاني وأحد مؤسسي الجمعية الأفريقية.
علم بوركهارت بعد وصوله إلى لندن بخطط الجمعية الأفريقية الرامية إلى استكشاف أفريقيا، فقدم في مايو 1808 طلباً إلى السير جوزيف بانكس وإلى الدكتور هاملتن (Dr. Hamilton)، العضو الآخر في الجمعية، يعرض فيه أن يقوم برحلة إلى أفريقيا ليتولى مهمة البحث عن “المدينة الضائعة”. درست الجمعية مقترح بوركهارت وبعد مداولات مستفيضة وافقت عليه وأبلغته موافقتها رسمياً في 25 يناير 1809 وزودته بالتوجيهات والتعليمات المطلوبة للبدء بالرحلة. وهكذا تم تكليف جون لويس بوركهارت بمهمة العثور على مدينة تمبكتو نظير مكافأة نقدية مقدارها 250 جنيه إسترليني تدفع له بعد إكمال المهمة، بالإضافة إلى تغطية نفقات الرحلة. ولم يكن السفر إلى الحجاز أو المرور بها ضمن خطة الرحلة إذ لا ترد أيّ إشارة إلى ذلك في أوراق الرحلة، كما لم يكن بوركهارت ينوي الذهاب إلى جزيرة العرب وزيارة المشاعر المقدسة في الحجاز أو أداء مراسم الحج فيها، بل كان الهدف الرئيس من الرحلة كما ذكرنا سابقاً الوصول إلى غربي أفريقيا والعثور على الطريق المؤدية الى مدينة تمبكتو؛ وأغلب الظن أن الأمور لو سارت كما خُطط لها ربما لما كان لهذه الرحلة إلى الحجاز أن تتم ولما كانت هناك هذه اليوميات التي نحن بصددها في هذا الكتاب.
غادر بوركهارت بريطانيا بتاريخ 2 مارس 1809 على ظهر باخرة تجارية متجهة إلى البحر الأبيض المتوسط من ميناء كاوز (Cowes) في جزيرة وايت (Isle of Wight) الواقعة جنوب شرقي بريطانيا ليبدأ بذلك رحلته الاستكشافية التي ستأخذه إلى الشرق في طريقه إلى أفريقيا، وليكون بذلك أصغر رحالة ومستكشف يأخذ على عاتقه القيام بمثل تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر، إذ لم يكن عمره في بدء الرحلة يتجاوز الـ25 عاماً. وكانت خطة الرحلة تقضي بأن يذهب أولاً الى سوريا لتعلم اللغة العربية ومبادئ وأصول الشريعة الإسلامية، حيث ارتؤي أن تزوّده بتلك المعارف سوف يسهل عليه أداء مهمته. وبعد إكمال هذه المرحلة التحضيرية في سوريا عليه أن يتوجه إلى القاهرة، ومنها إلى طرابلس في ليبيا، حيث يلتحق هناك بالقافلة المتجهة إلى مدينة فزان في الصحراء الليبية، ومن فزان يتوغل في غربي أفريقيا باتجاه أعالي نهر النيجر ومالي بحثاً عن مدينة تمبكتو في تلك الأرجاء.
وقبل البدء في هذه الرحلة، استغل بوركهارت فترة مكوثه في بريطانيا ودرس اللغة العربية في لندن وكمبرج كما درس بعض العلوم الاخرى التي قد تكون ضرورية لنجاح مهمته مثل الكيمياء وعلم الفلك، وعلم المعادن، والطب، والجراحة. وفضلاً عن ذلك، مارس تدريبات جسدية شاقة مثل السير حافي القدمين وحاسر الرأس تحت أشعة الشمس والنوم على الأرض والاكتفاء بتناول الخضراوات والماء استعداداً للرحلة وما قد يصادفه من مشاق في اثنائها. ولتسهيل مهمته، ارتأى أن يقلد المسلمين في هيئته، فأطلق لحيته وارتدى الملابس الشرقية.
وفي أثناء رحلته البحرية من بريطانيا إلى مالطا في طريقه إلى سوريا، تنكر بهيئة تاجر مسلم من الهند وادّعى أنه أمضى معظم حياته في لندن وأنه ذاهب إلى مدينة حلب ليسلم رسائل من شركة الهند الشرقية إلى وكيلها هناك السيد باركر (Mr. Barker) الذي كان يشغل أيضاً وظيفة القنصل البريطاني في حلب. غير أن أحداً من المسافرين لم يقتنع بهذه القصة بسبب مظهره وعدم إجادته اللغة الهندية.
إقامته في سوريا ورحلاته فيها وفي المناطق المجاورة
في منتصف أبريل 1809 وصل بوركهارت إلى مالطا على ظهر الباخرة التي أقلته من بريطانيا، ومكث فيها سبعة أسابيع قبل أن يتوجه إلى سوريا. وهنا في مالطا وفي هذه المرحلة المبكرة من الرحلة، ظهرت إلى السطح إحدى أبرز سمات شخصية هذا الشاب المغامر والتي نجدها ملازمة له طوال رحلاته وتنقلاته في الشرق وأفريقيا على مدار أكثر من ست سنوات. فبدلاً من أن يستقل إحدى البواخر المتجهة من مالطا الى أحد الموانئ السورية وأن يذهب مباشرة إلى مدينة حلب ليبدأ فيها بدراسة اللغة العربية كما كان مقرراً في برنامج رحلته، نجده يختار طريقاً غير مباشر للذهاب إلى سوريا وذلك عبر قبرص وتركيا. فقد قرر من تلقاء نفسه إدخال هذه التعديلات على برنامج رحلته والذهاب الى حلب براً عبر تركيا ليتمكن من زيارة أكبر عدد من المدن والبلدات والمناطق المثيرة للاهتمام والتي يمكن أن يصادفها في طريقه. وقد اعتاد اتخاذ مثل هكذا قرارات وإجراء ما يراه مناسباً من تعديلات على برنامج رحلته ليقوم لاحقاً بإخبار الجهات المشرفة على رحلته في لندن بذلك من خلال رسائل مطولة يحاول أن يشرح فيها الأسباب والمبررات التي دعته إلى ذلك. وما هي رحلته إلى الحجاز وقبل ذلك رحلته الى بلاد النوبة إلا أمثلة عملية على مثل هذه القرارات. وهكذا استغرقت هذه الرحلة القصيرة من مالطا إلى حلب التي يفترض ألا تزيد عن بضعة أيام أكثر من خمسة أشهر، حيث وصلها أواخر شهر سبتمبر 1809، واستقر فيها لدراسة اللغة العربية والشريعة الإسلامية بحسب خطة الجمعية الأفريقية. وهناك اتخذ شخصية تاجر مسلم قادم من البلدان الإسلامية في أوروبا واختار لنفسه اسم إبراهيم بن عبدالله والذي عرف به حتى وفاته.
أمضى بوركهارت أكثر من سنتين ونصف في سوريا، وكان مستقره في حلب حيث درس اللغة العربية على يد أحد أساتذة اللغة العربية وأجادها حد الإتقان، كما انخرط في دراسة الشريعة الاسلامية وأشهر إسلامه هناك. وللتأكد من صحة ادعائه اعتناق الاسلام، أجرى له عدد من كبار العلماء المسلمين في حلب اختباراً صعباً في مسائل الشريعة والدين تمكن من اجتيازه بنجاح. وفي هذه الفترة كتب إلى السير جوزيف بانكس المشرف على رحلته في الجمعية يخبره بأنه أتقن اللغة العربية وقرأ لبعض كبار المؤلفين العرب وختم القرآن الكريم مرتين وحفظ العديد من آياته.
قام بوركهارت خلال فترة إقامته في سوريا بعدد من الجولات والرحلات المهمة في سوريا ولبنان والأردن والأراضي المقدسة في فلسطين. وقد دأب في أثناء هذه الرحلات، ولاحقاً في تنقلاته ورحلاته كلها في أفريقيا والجزيرة العربية، على أن يدوّن رؤوس أقلام وملاحظات عن كل صغيرة وكبيرة تصادفه في المناطق التي يزورها وكذلك عن أحوال الناس والطبيعة والجو وأية معلومات أخرى مفيدة في دفاتر ملاحظات صغيرة يحملها معه. وعندما تسنح له الفرصة بعد انتهاء تنقلاته وعودته إلى مكان إقامته، يقوم بكتابة يوميات مفصلة عن مشاهداته والمعلومات التي يكتشفها اعتماداً على تلك الملاحظات ومستعيناً بذاكرته القوية ويبعثها إلى لندن على شكل تقارير ورسائل مطولة. ولم يكن شغفه بالبحث عن أماكن غير معروفة واستكشافها دافعه الوحيد للقيام بهذه الرحلات، بل كان يرى فيها أيضاً تدريباً وإعداداً له للرحلة الأصلية التي جاء من أجلها. وقد اعتاد في رحلاته وتنقلاته في سوريا والمناطق المجاورة لها أن يتخذ هيئة رجل عربي فقير وأن ينام على الأرض ويأكل مع حداة الإبل.
زار بوركهارت لبنان الذي كان يشكل جزءاً من بلاد الشام خلال الفترة 22 سبتمبر ـ 17 أكتوبر 1810 وتوغل في مناطق جبل لبنان وسلسلة جبال لبنان الشرقية وسهل البقاع وبعلبك وزحلة وأماكن أخرى. وفي فصلي الخريف والشتاء من السنة ذاتها قام بجولة كبيرة في وادي حوران في سوريا. ثم قام برحلة أخرى من حلب إلى دمشق عبر وادي نهر العاصي وجبل لبنان وذلك في شهري فبراير ومارس 1812. وقام بجولة أخرى من دمشق إلى وادي حوران في شهري أبريل ومايو 1812 زار خلالها غور الأردن والجبال الواقعة إلى الشرق والجنوب الشرقي من بحيرة طبريا حيث زار بيسان، ومن هناك ذهب إلى مدينة البلقاء حيث زار آثار فيلادلفيا الواقعة على مسافة خمس ساعات ونصف منها. وزار أيضاً آثار عصبة الديكابوليس أو المدن العشر (Decapolis) وهي عبارة عن تحالف يضم عشر مدن أو بالأحرى دويلات – مدن أقامها الإمبراطور الروماني بومبيوس العظيم (Pompey the Great) عام 64 ق. م. وضمت العصبة عشر مدن تقع في الوقت الحاضر في أراضي الأردن وسوريا. ثم زار الناصرة والجبال الواقعة إلى الشرق والجنوب الشرقي من بحيرة طبريا في الفترة من 21 أبريل إلى 9 مايو 1812.
وعندما انتهت المدة المقررة لبقائه في سوريا، كان عليه أن يتوجه الى القاهرة بحسب خطة الرحلة إلى أفريقيا، وكان من المفترض أن يسلك الطريق المعتاد آنذاك من دمشق إلى القاهرة والذي يمر عبر مدينة القدس وغزة. غير أنه حرص قبل أن يغادر إلى القاهرة أن يقوم برحلة أخرى إلى وادي حوران بموازاة الحدود الشرقية للبحر الميت بهدف زيارة بعض المناطق شبه المجهولة التي لم يتمكن من الوصول إليها في زيارته الأولى للوادي واستكشاف ما موجود فيها، وكذلك التوغل داخل القسم الجبلي والصخري من جزيرة العرب والمعروف منذ عهد الرومان باسم البتراء (Arabia Petraea) وزيارة المناطق الواقعة بين شرقي البحر الميت والبحر الأحمر. وكان هدفه الرئيس من هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر زيارة الآثار التي سمع بوجودها قرب جراسيا (مدينة جرش) وكذلك الآثار الموجودة في فيلادلفيا (عمان)، حيث لم يتسن له في جولته السابقة في وادي حوران الوصول إلى هاتين المنطقتين.
ولتنفيذ هذه الخطة قرر أن يسلك الطريق الصحراوي للذهاب إلى القاهرة بدلاً من سلوك الطريق المعتاد لكي يتمكن من التجوال في هذه المنطقة للمرة الأخيرة واكتشاف معالمها. وكانت خارطة الطريق التي رسمها لنفسه تقضي بأن يذهب من دمشق إلى مدينة السلط ومن هناك ينتقل إلى بلدة الكرك التي يصفها بأنها قرية واقعة إلى الشرق من البحر الميت ومنها إلى مدينة السويس ليجد من هناك من يوصله إلى القاهرة. وعلى الرغم من وعورة هذا الطريق الصحراوي وصعوبة التنقل عليه دون دليل، كان مقتنعاً بأن سلوكه هذا الطريق سوف يمكنه من زيارة أماكن غير معروفة ويتيح له فرصة البحث عن بعض الآثار والأطلال التي طالما سمع البدو يتحدثون عنها.
كتب إلى الجمعية الأفريقية بتاريخ 30 مايو 1812 يخبرها بخطته ويحاول تبرير تغيير خط سيره بأنه يحاول استغلال فرصة وجوده بالقرب من تلك المناطق لاستكشاف أماكن لم يكن بحسب رأيه سهلاً على الرحالة الأوروبيين الوصول إليها، لاسيما بعد أن أتقن اللغة العربية مما يسهل عليه القيام بهذه المهمة، ووعد الجمعية بأنه لن يخيب ظنها فيما هو مقدم عليه، وذكر بأنه يأمل بأن يكون في القاهرة في 20 يوليو من تلك السنة.
استعد بوركهارت لهذه الرحلة الصحراوية استعداداً كاملاً ولبس ملابس البدو ولم يكن يحمل معه سوى المبلغ القليل من المال الذي بقي عنده وامتطى فرساً حرص على ألا تكون من الصنف الأصيل مما قد يغري البدو على محاولة سرقتها منه. وكان من ضمن استعداداته الحصول على رسالة توصية من إحدى الشخصيات التركية في دمشق الذي كان متزوجاً من إحدى نساء الكرك الى زعيم أو شيخ بلدة الكرك واسمه الشيخ يوسف المجالي.
غادر بوركهارت دمشق بتاريخ 18 يونيو 1812 بعد غروب الشمس بعد أن حصل على رسالة التوصية وأمضى ليلته الأولى في كفر سوسه. وفي اليوم الثاني وصل إلى قرية داريا وبعدها مر بقرية القنيطرة التي يصفها بأنها أصبحت أطلالاً وأن سكانها قد هجروها منذ أن مرت بها القوات العثمانية المتجهة إلى مصر وأصبحت مجرد محطة تتوقف عندها القوافل القادمة من عكا لقضاء الليل فيها. وفي يوم 20 يونيو عبر نهر الأردن من فوق جسر بني يعقوب الذي كان أحد المعابر الرئيسة للزوار الذاهبين إلى القدس. زار بوركهارت في هذه الرحلة العديد من القرى والبلدات الواقعة في فلسطين والاردن مثل صفد وطبريا والناصرة وبيسان، كما أخذته هذه الرحلة إلى بلدة السلط، ثم البلقاء، ثم عمّان التي كتب عن أحوالها في تلك السنة وقدم شرحاً وافياً عن آثارها، كما زار مأدبا والقرى الواقعة في الطريق من عمان إليها. وقد شكلت الملاحظات والتقارير المفصلة التي كتبها عن مشاهداته في هذه الرحلة أجزاء مهمة من يوميات رحلاته في بلاد الشام والتي نشرت فيما بعد في كتاب منفصل.
اكتشاف آثار البتراء
ولعل أهم إنجاز حققه بوركهارت في هذه الرحلة هو اكتشاف آثار مدينة البتراء التاريخية في أطراف مدينة جرش الأردنية في صيف سنة 1812، ليكون بذلك أول أوروبي تقع عيناه على تلك الآثار ويكتب عنها وصفاً مفصلاً. وصل بوركهارت إلى بلدة الكرك في أواسط يوليو 1812 ودخلها من بوابتها الشمالية حيث الأحياء المسيحية للبلدة. ويصف بإسهاب في يومياته كيف استقبله الأهالي بحرارة ورحبوا به دون أن يعرفوا من هو وما الغرض من زيارته. وبعد أن تحادث مع قس البلدة عن سبب مجيئه إلى هناك، قرر أن يقوم بزيارة مجاملة إلى رئيس بلدة الكرك الشيخ يوسف المجالي ويسلمه رسالة التوصية التي يحملها له. استقبله الشيخ بأدب ورحب به وحين علم بنيته التوجه جنوباً نحو الصحراء أخبره بأنه شخصياً متوجه إلى تلك المناطق مع عدد من رجاله ونصحه بأن ينتظر حتى يحين موعد سفره وينضم إليهم لأن من الخطورة بمكان أن يذهب بمفرده أو بصحبة دليل الى تلك الأماكن. بعد ذلك جرت مساومات بينه وبين أحد مساعدي الشيخ حول الأجرة التي يجب أن يدفعها الى الشيخ نظير حصوله على هذه الخدمة. وفي النهاية تم الاتفاق بينهما على أن يدفع مبلغ خمسة عشر قرشاً لمرافقة الشيخ حتى جبل شراه.
مكث بوركهارت مدة عشرين يوماً في بلدة كرك قبل أن ينطلق مع الشيخ يوسف وموكبه المكون من أربعين رجلاً مسلحاً نحو الجنوب. وصل الموكب ومعهم بوركهارت إلى قرية بصيرة الواقعة على مسافة ست عشرة ساعة من مدينة كرك، وهناك ترك الشيخ يوسف بوركهارت بعهدة بدوي من عرب الحويطات ليكون دليله في السفر إلى القاهرة. وقبل أن يتركه الشيخ أخذ منه معظم مقتنياته وبعض أمواله بذريعة الخوف من تعرضه إلى السلب على أيدي اللصوص، كما أخذ منه بالإكراه سرج حصانه لجودته وأعطاه السرج الخاص به؛ واُجبره أيضاً على أن يتبادل ركاب حصانه مع ركاب حصان ابنه الذي كان يرافقه في الرحلة.
وفي مخيم عرب الحويطات حدث خلاف بينه وبين الدليل البدوي الذي عرّفه إليه الشيخ يوسف بسبب عدم التزام الدليل بالاتفاق المبرم بينهما. فاضطر بوركهارت إلى أن ينقل الموضوع إلى شيخ الحويطات الذي أصدر حكما بتسوية الخلاف لصالح بوركهارت، ولكنه طلب منه في المقابل أن يعطيه بندقيته هدية له؛ ولم يكن أمام بوركهارت سوى النزول عند رغبة الشيخ والتنازل عن بندقيته له. غير أنه نجح في إخفاء آخر ما تبقى لديه من المال تحت ملابسه وهكذا ظل محتفظاً بثمانين قرشاً ذهباً.
اتفق بوركهارت مع رجل آخر من عرب الحويطات ليكون دليلاً له، وطلب منه أن يأخذه إلى وادي موسى قبل أن ينطلقا في طريقهما إلى مصر وذلك لكي يتمكن من مشاهدة الآثار والأطلال الموجودة قرب مدينة جرش والمناطق القريبة من الوادي والتي سمع عنها الكثير. رفض الدليل أن يصطحبه إلى تلك المناطق، ولكن بوركهارت أقنعه بأنه نذر أن يذبح ماعزاً عند قبر هارون كما جرت العادة بين الناس في ذلك الوقت ولا بد أن يذهب بنفسه عند قبر هارون ليوفي بالنذر. وافق الدليل على طلبه إذ خاف أن تحل عليه لعنة هارون إن هو رفض مرافقته. وكان بوركهارت يعلم أن قبر هارون يقع في أقصى وادي موسى وأنه في طريقه إلى هناك سوف يمر ببلدة جرش آملاً بأن تتاح له الفرصة لرؤية الآثار التي سمع بوجودها في تلك البلدة. وأخيراً وبتاريخ 22 أغسطس 1812 وصل بوركهارت إلى بلدة جرش واطلع على آثار مدينة البتراء التاريخية عاصمة الأنباط في القرن الأول قبل الميلاد وتجول في أرجائها والمناطق المجاورة لها وأعد ملفاً تفصيلياً عن مشاهداته وعما وجد فيها من آثار وبقايا مبان وصفها في ملاحظاته بأنها “أفضل آثار شهدها في سوريا” على حد تعبيره.
وغني عن القول إن تاريخ البتراء يعود إلى فترات أقدم من ذلك وتحديداً إلى القرن الحادي عشر قبل الميلاد بحسب بعض المؤرخين، عندما كانت عاصمة لمملكة إيدوميا (Idumea) التي سادت في الأجزاء الجنوبية من أراضي الأردن المعاصرة. وقد ظلت البتراء مجهولة بالنسبة إلى أوروبا إلى أن سلط بوركهارت الضوء عليها، وإليه ينسب فضل إعادة اكتشافها وتعريف العالم بها، حتى أن العديد من الكتاب والمؤرخين يطلقون عليه اسم مكتشف البتراء، ويحددون سنة 1812 عام اكتشاف هذه المدينة الأثرية. ويُذكر أن الأوساط الأكاديمية والثقافية العالمية احتفلت في سنة 2012 بذكرى مرور مائتي سنة على اكتشاف بوركهارت للبتراء. ويعد اكتشاف آثار مدينة البتراء التاريخية أهم إنجاز حققه بوركهارت في رحلته في بلاد الشام والمناطق المجاورة قبل أن يتوجه إلى القاهرة.
عاد بوركهارت إلى مخيم عرب الحويطات بعد أن أكمل جولاته في تلك المنطقة وزيارته الاستكشافية لآثار البتراء، وفي يوم 26 أغسطس انطلق من المخيم مستأنفاً رحلته إلى القاهرة عبر الصحراء الجنوبية لشرق الأردن وشبه جزيرة سيناء برفقة إحدى القوافل التي سلكت طريق الحج، وأخيراً وصل إلى القاهرة بتاريخ 4 سبتمبر 1812.
مكوثه في القاهرة
تزامن وصول بوركهارت إلى القاهرة مع تطورات مهمة في المنطقة تركت آثارها عليها. فقبل ذلك التاريخ بخمسين سنة ظهرت الحركة الوهابية في نجد وتعاظم شأنها وتمكن أنصارها من بسط سلطانهم على معظم أنحاء نجد والحجاز بعد أن تحالف معهم أمير الدرعية محمد بن سعود آل مقرن، ثم امتد نفوذها ليصل إلى العسير واليمن وأطراف العراق والشام. كما تمكن الوهابيون في وقت لاحق من الاستيلاء على مدن مكة والطائف والمدينة المنورة. شعرت الدولة العثمانية بأن تعاظم نفوذ الحركة الوهابية بات يشكل تحدياً لسلطانها وأن فصل الحجاز عن ممتلكات الدولة العثمانية وخروج الحرمين الشريفين من سيطرتها سوف يقوض سلطتها الدينية ويفقدها زعامة العالم الإسلامي فقررت مواجهة الحركة الوهابية عسكرياً. فأصدر السلطان العثماني مصطفى الرابع أوامره إلى خديوي مصر محمد علي باشا بشن الحرب على الحركة الوهابية والقضاء عليها.
أرسل محمد علي حملة كبيرة إلى الحجاز بقيادة ابنه الثاني أحمد طوسون باشا الذي تمكن من الوصول إلى مدينة الدرعية معقل الوهابيين وانتزع منهم مفاتيح الكعبة، ولكنه تعرض إلى الهزيمة لاحقاً وجرح في أثناء المعركة، فاضطر إلى طلب المساعدة من مصر. قاد محمد علي بنفسه حملة عسكرية كبيرة انطلقت من مصر بتاريخ 26 أغسطس 1812 الموافق ليوم 17 شعبان 1227 هـجرية. وصلت القوات التركية إلى جدة بحراً وبدأت من هناك بشن هجمات على معاقل الوهابيين. ونتيجة لهذه الحروب التي استمرت سنوات عدة، تأثرت مواسم الحج وتوقفت العديد من قوافل الحجاج ومنها قافلة فزان التي كان بوركهارت ينوي الالتحاق بها للذهاب إلى غربي أفريقيا.
وإزاء هذه الظروف والتطورات الخطيرة، ارتأى المشرفون على رحلة بوركهارت في الجمعية الأفريقية أنه من الأفضل له أن يمكث بضعة أشهر في القاهرة إلى حين تهدئة الأوضاع ضماناً لسلامته وأيضاً لكي يتعرف إلى البلاد ويتكيف مع ظروف العيش فيها قبل أن يواصل رحلته إلى طرابلس وفزان.
الرحلة إلى بلاد النوبة
لم يمض بوركهارت وقتاً طويلاً في القاهرة حتى تحركت فيه من جديد روح المغامرة والاستكشاف، وقرر أن يستغل هذا التأخير الاضطراري لتحقيق “بعض المكاسب لجغرافية أفريقيا” على حد تعبيره في إحدى رسائله إلى الجمعية. وبدلاً من البقاء في القاهرة في انتظار موعد استئناف رحلات القوافل التي توقفت بسبب حروب محمد علي قرر القيام برحلة في بلاد النوبة متتبعاً مجرى نهر النيل.
توجه بوركهارت من القاهرة إلى مدينة أسوان في صعيد مصر التي وصلها بتاريخ 22 فبراير 1813، ومن أسوان سار مع مجرى نهر النيل حتى وصل مدينة دُنقلا (Dongola) ومدينة الدِر (Al Derr) في بلاد النوبة، ثم توجه بعدها لزيارة ديار المحس (Mahas) على التخوم الشمالية لدُنقلا وهناك التحق بقافلة قطعت الصحراء النوبية ووصل إلى مدينة بربر في شمال السودان، ومن هناك توجه إلى مدينة شندي إحدى أسواق العبيد الرئيسية للتجار القادمين من مصر ودارفور وكردفان وسنعار. مكث شهراً في شندي وهناك اشترى عبداً عمره أربعة عشر عاماً مقابل 16 دولاراً([2]) ليرافقه في رحلاته ويقوم على خدمته.
لم يتمكن بوركهارت من التوغل بعيداً في بلاد النوبة بسبب عدم توفر قافلة متجهة جنوباً، وقرر أن ينتظر حتى تتهيأ مثل هذه القافلة لينضم إليها لاستكمال رحلته والوصول إلى ميناء مصوع وبلاد الحبشة. وفي انتظار استكمال إجراءات هذه الرحلة الثانية وانطلاق القافلة، فضل ألا يعود إلى القاهرة بل رجع إلى مدينة أسوان في 31 مارس من السنة نفسها (1813) وأقام في بلدة إسنا (Esne) القريبة منها. ولم تتم الرحلة الثانية التي تعد رحلته الأساسية في بلاد النوبة إلا في سنة 1814، حيث غادر صعيد مصر في 2 مارس 1814 ووصل إلى ميناء سواكن في السودان في 7 يوليو 1814.
كان بوركهارت ينوي أن يكمل رحلته إلى مصوع ومنها إلى بلاد الحبشة، ولكنه علم مرة أخرى أنه لا توجد هناك قافلة تنطلق قريباً وعليه أن ينتظر بعض الوقت في ميناء سواكن حتى يكتمل إعداد القافلة. مرة أخرى وبدلاً عن الانتظار وقضاء الوقت حتى تتهيأ القافلة التالية، صرف النظر عن إكمال رحلته إلى مصوع وبلاد الحبشة، وقرر أن يعبر البحر الأحمر ويقوم بزيارة المشاعر المقدسة في الجزيرة العربية على أن يعود إلى القاهرة في غضون عشرة أشهر أي بعد انقضاء موسم الحج، على أمل أن يجد قافلة فزان جاهزة للانطلاق عند عودته حتى يستأنف رحلته الأساسية للبحث عن مدينة تمبكتو. وهكذا تهيأت الظروف لكي يبدأ بوركهارت رحلته الشهيرة في جزيرة العرب والتي دون مذكراته وملاحظاته عنها في يوميات مفصلة وموثقة، لتقوم الجمعية الأفريقية بجمعها ونشرها في كتاب في سنة 1829 بعد وفاته المبكرة.
الرحلة إلى الحجاز
استقل بوركهارت إحدى البواخر المتجهة من ميناء سواكن إلى ميناء جدة التي وصلها بتاريخ 20 يوليو 1814، وكان الهدف الرئيس لرحلته هذه زيارة المشاعر المقدسة للمسلمين في الحجاز وأداء مراسم الحج، لاسيما بعد أن تعرف إلى الإسلام وأشهر إسلامه في أثناء وجوده في حلب. كما يجب ألا نغفل حبه للاستكشاف والتعرف الى أماكن جديدة والاطلاع على تفاصيل الحياة فيها. ومن ميناء جدة بدأت رحلته الشهيرة وتنقلاته في الحجاز والتي أخذته من هناك إلى الطائف أولاً ثم إلى مكة المكرمة فالمدينة المنورة وأخيراً إلى ميناء ينبع ومنه عاد إلى مصر بحراً، كما سنجد تفاصيل ذلك في فصول هذا الكتاب.
وفي أثناء وجوده في مصر أجرى بوركهارت بعض الترتيبات مع أحد كبار التجار المصريين تحوطاً لتأمين احتياجاته المالية في أثناء رحلته إلى حين وصول بعض الأموال إليه من لندن. وقد زوده هذا التاجر بورقة تجارية أو ما يعرف أيضاً باسم سند إذني إلى أحد كبار تجار مدينة جدة يخوله فيها بأن يدفع هذا الأخير إلى بوركهارت مبلغاً معيناً من المال على أن تتم التسوية فيما بعد بين التاجرين من خلال التعاملات المالية الجارية بينهما.
زار بوركهارت هذا التاجر حال وصوله إلى مدينة جدة للتزود بالمال بحسب الاتفاق، ولكن التاجر الجداوي امتنع عن اعطائه المبلغ المحدد في السند بحجة أن تاريخ الورقة يعود إلى أكثر من سنة مضت، وربما أيضاً بسب مظهر بوركهارت الرث الذي كان أقرب إلى مظهر المتسولين. وإزاء هذا الوضع اضطر بوركهارت إلى بيع عبده بمبلغ 48 دولاراً والذي كان قد اشتراه بمبلغ 16 دولاراً وهكذا حقق ربحاً معقولاً يمكن أن يكفي لتغطية مصاريفه إلى حين وصول مبلغ من المال إليه من مصر.
تزامن وصول بوركهارت إلى مدينة جدة مع وجود محمد علي باشا والي مصر في مدينة الطائف. وكانت معارك شرسة تدور رحاها منذ وقت ليس بالقليل بين محمد علي وابنه أحمد طوسون باشا من جهة والحركة الوهابية من جهة أخرى. لم يستطع محمد علي في البداية بسط نفوذه في المناطق الخاضعة للوهابيين كلها، فاضطر إلى الانسحاب من مدينة القنفذة التي سبق أن دخلها، كما تعرض ابنه طوسون باشا إلى الهزيمة في بلدة تَربَة. وصادف في هذه الفترة أن توفي سعود بن عبدالعزيز أمير الدولة السعودية الأولى وخصم محمد علي في هذه الحرب بتاريخ 27 أبريل 1814 وخلفه في الإمارة ابنه عبدالله. ويبدو أن الأمير الجديد كان يفتقر إلى الإمكانات والقدرات التي تمتع بها والده ولم يكن قادراً على مواجهة الجيش المصري، فتغلب محمد علي باشا على الجيش الوهابي في وادي بسل كما سيطر على بلدة تَربة ودخل ميناء القنفذة، في حين سيطر طوسون باشا على القسم الشمالي من نجد. وبعد انتهاء هذه المعارك قرر محمد علي أن يمكث بعض الوقت في مدينة الطائف انتظاراً لحلول موسم الحج حيث أراد أن يؤدي فريضة الحج قبل أن يعود الى مصر.
علم بوركهارت بعد وصوله إلى جدة بوجود محمد علي باشا في الطائف، وكانت هناك معرفة شخصية سابقة بين الاثنين حيث التقاه في القاهرة من قبل. فكتب إليه رسالة يشرح فيها خطة رحلته وما تعرض إليه من سرقة في طريقه إلى مصر وطلب منه أن يقرضه مبلغاً من المال لمساعدته على إكمال رحلته ووعده بأن يعيد إليه المبلغ عندما يعود إلى القاهرة.
وفي أثناء فترة وجوده في جدة التي استغرقت شهراً بانتظار رد محمد علي باشا، وجد بوركهارت عن طريق الصدفة حلاً لمشكلته المالية ولو إلى حين. فقد علم أن يحيى أفندي الطبيب الخاص لطوسون باشا موجود في جدة، وكانت بين الاثنين معرفة سابقة من أيام وجودهما في القاهرة. زار بوركهارت يحيى أفندي وفي أثناء الحديث معه علم أن لديه مبلغاً قدره 3000 قرش (ما يقارب 100 جنيه إسترليني) وأنه يريد إرسال هذا المبلغ إلى أسرته في القاهرة، ولكنه لم يجد الشخص الموثوق أو الوسيلة المناسبة لإرساله. فاقترح عليه بوركهارت أن يعطيه المبلغ على سبيل الدين ويقوم هو بالطلب من المسؤولين البريطانيين في القاهرة خصم هذا المبلغ من الحوالة التي سترسلها له الجمعية الأفريقية وإعطائه إلى أسرة يحيى أفندي. اتفق الرجلان على ذلك فشعر بوركهارت بالأمان من الناحية المالية حيث أصبح بمقدوره الآن تغطية نفقات سفره وتنقلاته في الحجاز.
أمضى بوركهارت شهراً في جدة بانتظار ورود رد محمد علي على رسالته. وكعادته أمضى هذه الفترة في التنقل في أرجاء هذه المدينة وأطرافها، ولم ينس في أثناء تنقلاته تدوين ملاحظاته ومشاهداته لتتحول هذه الملاحظات بعد ذلك إلى تقارير مفصلة على شكل يوميات، وتأخذ حيزاً مهماً من يوميات رحلته إلى الحجاز كما ترد في هذا الكتاب. وقد وصف فيها أحوال المدينة وصفاً دقيقاً وكتب عن حكومتها وسكانها وذكر أن معظمهم من الأجانب الذين يمتهنون التجارة، وعدّ جدة ميناءً لمكة ومصر والهند والجزيرة العربية كلها حيث تمر من خلالها البضائع المتجهة الى السوق المصرية.
ما أن علم محمد علي باشا بوجود بوركهارت في الحجاز حتى أرسل رسولاً لاصطحابه إلى الطائف فوراً. وصل الرسول إلى جدة وأبلغ بوركهارت بأوامر الباشا بالتوجه معه إلى الطائف دون تأخير، ولم يسمح له بدخول مكة عند المرور بها كما كان يتمنى وذلك تنفيذاً لأوامر الباشا.
وصل بوركهارت إلى الطائف يوم 28 أغسطس وهناك قابل محمد علي باشا الذي كان ينظر إليه بعين الريبة والشك ويعتقد أنه ذاهب إلى الهند ليقدم تقريراً إلى حكومة الهند عن التطورات الجارية في شبه الجزيرة العربية. وكان هدف محمد علي من استدعاء بوركهارت مختلفاً عن السبب الذي دعا بوركهارت إلى أن يكتب له. فقد أراد محمد علي أن يعرف منه بوصفه أوروبياً إن كانت لديه أيّ معلومات عن آخر تطورات الحروب النابليونية وعن خطط نابليون المستقبلية، إذ كان يخشى أن نابليون سوف يوجه جيوشه نحو مصر بعد أن تستتب له الأمور في أوروبا. التقى الباشا ببوركهارت خمس أو ست مرات، ولكنه لم يتطرق في هذه اللقاءات إلى ما طلبه منه بوركهارت في رسالته أي إقراضه مبلغاً من المال لتغطية نفقات رحلته. كما لم يثر بوركهارت هذا الموضوع لاسيما بعد أن عقد الاتفاق المشار إليه أعلاه مع طبيب طوسون باشا. وظل ماكثاً في الطائف إلى أن أذن له محمد على باشا بالمغادرة ومتابعة رحلته. وقدم له الباشا مبلغ 500 قرش هدية بالإضافة إلى تزويده بملابس جديدة. وهكذا غادر بوركهارت الطائف يوم 7 سبتمبر متوجهاً إلى مكة المكرمة. ويوضح هذا سبب مكوثه في جدة وذهابه إلى الطائف.
توجه بوركهارت من الطائف إلى مكة المكرمة وصادف وصوله إليها حلول شهر رمضان سنة 1229 هجرية (سبتمبر 1814)، فأمضى الشهر في مكة المكرمة صائماً ومؤدياً الشعائر المعتادة. ولم يغادرها بعد انتهاء شهر رمضان، بل مكث فيها في انتظار موسم الحج في تلك السنة، أي أنه أمضى في مكة أشهر سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر من تلك السنة. وباستثناء بعض الفترات القصيرة التي خرج خلالها في رحلات قصيرة في الجوار، بقي معظم الوقت في مكة المكرمة حتى حان موسم الحج الذي صادف في تلك السنة شهر نوفمبر 1814 فأدى مراسم الحج كاملة شأنه شأن الحجاج الآخرين. ويقول في إحدى رسائله إنه في يوم 10 نوفمبر 1814 وقف على صعيد جبل عرفات مؤدياً أهم ركن من أركان الحج. وخلال فترة بقائه في مكة، تمكن من الدخول إلى جوف الكعبة مرتين، إذ جرت العادة على فتح بابها مرة في رمضان ومرة في أثناء موسم الحج حتى يدخل من يستطيع من الحجاج والمعتمرين للصلاة في داخلها كما فعل بوركهارت، وقد وصف ما شاهده في داخل الكعبة كما يرد على صفحات هذا الكتاب.
أتاحت له فترة بقائه في مكة فرصة التعرف إلى أدق التفاصيل عن هذه المدينة المقدسة وبناياتها ومحلاتها وتجارتها ومنتجاتها ونظام الحكم فيها، كما تعرف إلى سكانها وتقاليدهم وعاداتهم وعباداتهم وغير ذلك من التفاصيل. وقد أتاح له أداؤه فريضة الحج فرصة إضافية دوّن خلالها تفاصيل هذه الشعيرة الإسلامية وواجبات الحاج وما يجب عليه القيام به، حيث يتضمن الكتاب فصلاً كاملاً مخصصاً للحديث عن فريضة الحج. وبعد الانتهاء من مراسم الحج توجه إلى المدينة المنورة حيث أدى مراسم زيارة قبر النبي (ص) أسوة بالحجاج الآخرين، ولم ينس كعادته من تدوين ملاحظاته ويومياته في المدينة المنورة أيضاً. ويضم الكتاب فصولاً عن الحياة الاجتماعية والسياسية في المدينة. وبعد الانتهاء من رحلة الحج وزيارة قبر النبي (ص)، توجه من المدينة المنورة إلى ميناء ينبع ومكث هناك أسابيع عدة قضى معظمها طريح الفراش حيث عاوده مرض الزحار الذي أصيب به في مرحلة من مراحل رحلته، وكانت تغشاه نوبات شديدة من الحمى وكاد يموت في تلك المدينة. وحين تحسنت صحته بعض الشيء، تمكن بصعوبة من الحصول على مكان له على ظهر إحدى البواخر المتوجهة إلى مصر حيث أن رحلات البواخر كلها تقريباً كانت محجوزة لجيش محمد علي العائد إلى مصر بعد القضاء على الحركة الوهابية. وأخيراً غادر ميناء ينبع بتاريخ 15 مايو 1815 على ظهر إحدى مراكب السنبوك ونزل في ميناء القصير المصري الواقع على البحر الأحمر ومن هناك أكمل رحلته على ظهر الدواب إلى القاهرة التي وصلها يوم 24 يونيو 1815.
استغرقت رحلة بوركهارت في الحجاز وتنقلاته بين مدنها المختلفة بما في ذلك مكوثه في مكة المكرمة ما يقرب من عشرة أشهر، بدءاً من تاريخ وصوله إلى جدة في 20 يوليو 1814 وحتى مغادرته ميناء ينبع في 15 مايو 1815 عائداً إلى مصر.
وتعد هذه الرحلة أهم وأشهر رحلة قام بها بوركهارت على الرغم من أنها لم تكن مقررة أصلاً، كما أنها الرحلة ما قبل الأخيرة في حياته إذ وافته المنية بعد أقل من سنتين من عودته من الحجاز الى القاهرة دون أن يُكتب له القيام بالرحلة الأصلية التي جاء من أجلها وهي الذهاب إلى مدينة تمبكتو. ولم يتمكن بعد العودة إلى القاهرة من الخروج في رحلة أخرى سوى الرحلة التي قام بها في شبه جزيرة سيناء ودير سنت كاترين والخليج الشرقي للبحر الأحمر حتى مشارف العقبة، وذلك خلال الفترة 20 أبريل ـ 14 يونيو 1816.
إتقانه اللغة العربية والاستعانة بالمصادر العربية
أتقن بوركهارت اللغة العربية من خلال الدراسة في لندن وكمبرج وبعد ذلك في سوريا كما أسلفنا، وفي أثناء وجوده وتنقلاته في سوريا وفي مصر اقتنى عدداً من المخطوطات العربية المهمة، ولاسيما بعض المصادر والمؤلفات التي تتحدث عن تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة. وقد قرأ تلك الكتب ودرسها بدقة واستعان بها في كتابة يوميات رحلاته وبخاصة رحلته الى الحجاز، وكان يستشهد بها ويقارن المعلومات الواردة فيها مع ما يشاهده على أرض الواقع. وفي المقدمة القصيرة التي كتبها ليومياته يشير إلى هذه المؤلفات والمخطوطات. ونظراً إلى أن هذه المؤلفات متاحة على مواقع الانترنت، فقد استشرتها في أثناء الترجمة للتأكد من بعض المعلومات والمقارنات التي يوردها بوركهارت مستشهداً بتللك المصادر. ولزيادة الفائدة وضعت العناوين الكاملة لتلك المؤلفات في قائمة منفصلة لمن يريد الرجوع إليها.
ومن فوائد إجادة بوركهارت اللغة العربية أنه في يوميات رحلته التي كان يبعثها إلى لندن بين حين وآخر، حرص على ذكر أسماء الأشخاص والأماكن وغيرها باللغة العربية بعد أن يكتبها باللغة الإنجليزية. ويعد هذا توثيقاً لتلك المسميات والمواقع في تلك الفترة وكيف كان الناس ينطقونها لاسيما وأن العديد منها قد تم تغييره بمرور الزمن. وبعد وفاته، ولغرض تسهيل طبع اليوميات، قام السيد وليم أوزلي، محرر الكتاب بحذف الأسماء العربية من متن الكتاب وجمعها في ملحق خاص في نهاية الكتاب مع ذكر أرقام الصفحات التي وردت فيها. ويجد القارئ صوراً مستنسخة لصفحات هذا الملحق في نهاية الترجمة وفيه تلك الأسماء كما أوردها بوركهارت. ومع أن بعض هذه الأسماء مختلفة بعض الشيء في الوقت الحاضر، غير أني قصدت أن أوردها في الترجمة كما ذكرها المؤلف حفاظاً على دقة الترجمة.
إسلامه
من الأمور التي لم تلق ما تستحقه من اهتمام سواء من الباحثين العرب والمسلمين أو من الكتاب الغربيين حقيقة اعتناق بوركهارت الإسلام. والاعتقاد السائد أن إشهار بوركهارت إسلامه لم يكن حقيقياً، بل إنه تظاهر باعتناق الإسلام لغرض تسهيل مهمته والوصول إلى الأماكن التي لا يسمح بدخولها إلا للمسلمين. عند الرجوع إلى المراسلات والوثائق الخاصة بالرحلة لا يوجد هناك ما يشير إلى طلب الجمعية منه التظاهر باعتناق الإسلام، بل إنه كلف بدراسة اللغة العربية والشريعة بما يساعده على إنجاز المهمة التي جاء من أجلها. ولا بد أن فكرة تقمص شخصية رجل مسلم كانت في البداية من بنات أفكاره هو شخصياً لاعتقاده بأن ذلك يمكن أن يسهل من أدائه لمهمته، بدليل أنه حين ركب الباخرة التي نقلته من بريطانيا في طريقه إلى سوريا تنكر على هيئة تاجر هندي مسلم وادعى أنه أقام فترة طويلة في بريطانيا وأنه في طريقه إلى حلب لتسليم رسالة إلى مندوب شركة الهند الشرقية. ولكن حين وصل إلى سوريا، وفي ضوء هذه التجربة، ولكي يسهل على نفسه الاختلاط مع الناس، اتخذ لنفسه اسم إبراهيم بن عبدالله وادعى أنه مسلم قادم من الأجزاء الاسلامية من أوروبا واتخذ اللباس العربي والإسلامي رداءً له ولم يغيره حتى وفاته.
ربما كان دافع بوركهارت في البداية في الإعلان عن نفسه بأنه مسلم هو لتسهيل مهمته في بيئة غريبة عنه، ولكن من المؤكد أن إيمانه بالإسلام قد تأصل في نفسه بمرور الوقت في أثناء عيشه وتنقلاته في البلاد العربية، ورضي بالإسلام ديناً عن صدق وقناعة بعد أن تعمق في دراسة الشريعة الإسلامية وتعرف إلى الإسلام، وخاصة بعد رحلته إلى الحجاز وأدائه شعائر الحج كاملة وزيارة قبر النبي (ص) وقبل ذلك صيامه شهر رمضان وهو مقيم في مكة قبل حلول موسم الحج. والحقيقة أن قرار السفر إلى الحجاز وأداء مراسم الحج كان قراراً شخصياً لا دخل للجمعية فيه ولم يكن بإيعاز منها، بل هو من كتب للجمعية يخبرها بأنه ذاهب لأداء مراسم الحج.
والدليل الذي لا يقبل الشك والطعن على ذلك هو نص محضر وصية بوركهارت وهو على فراش الموت وفي اللحظات الأخيرة من حياته. وهذا النص موجود في مكتبة جامعة كمبرج ضمن الأوراق الخاصة ببوركهارت وقد اطلعت بنفسي على نسخة من نص الوصية ضمن عملية البحث والتمحيص التي قمت بها عند ترجمة هذا الكتاب. ولعل الكلمات الأخيرة التي نطق بها قبل أن يسلم الروح ووصيته بأن يسلم جثمانه إلى المسلمين وأن تجري له مراسيم دفن إسلامية ويدفن في مقابر المسلمين هو خير دليل على صحة اعتناقه الإسلام عن قناعة وإيمان. فعندما شعر بدنوّ أجله، طلب حضور القنصل البريطاني العام في القاهرة ليملي عليه وصيته. وكانت آخر فقرة في وصيته أن طلب من القنصل البريطاني أن يسلم جثمانه إلى المسلمين ليتم دفنه في مقابر المسلمين في القاهرة وهذا ما تم بالفعل. وهذه الواقعة موثقة وتمت بحضور الدكتور ريتشاردسون الذي أشرف على علاجه وشخص آخر بريطاني اسمه السيد أوزمان. ولو أنه لم يكن يؤمن بالإسلام ديناً عن قناعة، لما كان مضطراً إلى أن يطلب هذا الطلب من القنصل البريطاني وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. كما أن الصفحة الخاصة ببوركهارت في النسخة الإنجليزية من موسوعة ويكيبيديا تذكر أن ديانته هي الإسلام وأنه من أتباع المذاهب السنية.
مؤلفاته
لم يكن بوركهارت بصدد تأليف ونشر كتب عن رحلاته وتنقلاته، بل كان جل اهتمامه منصباً على تنفيذ المهام الموكولة إليه على أحسن وجه وتقديم تقارير مفصلة ودقيقة إلى المشرفين على رحلته تتضمن وصفاً وشرحاً لكل ما يصادفه ويلاحظه في تلك الرحلات. وهذا تحديداً ما قام به منذ أن وطأت قدماه أرض مالطا وأيضاً حين استقر في سوريا وتنقل في لبنان والأردن وفلسطين ومن ثم رحلته في بلاد النوبة والحجاز وحتى آخر جولة قام بها في شبه جزيرة سيناء قبيل وفاته. وقد دأب على تسجيل ملاحظات ورؤوس أقلام عن كل ما يشاهده ويصادفه في حله وترحاله وتدوينها في دفاتر ملاحظات صغيرة بحجم كف اليد كان يحملها معه ضمن متاعه. وقد لجأ إلى استخدام هذه الدفاتر الصغيرة لسهولة حملها ولإخفائها عمن يمكن أن يشك فيه بأنه بصدد جمع معلومات عن بعض الأماكن التي قد توجد فيها أشياء ثمينة تمهيداً لسرقتها أو سلبها، حيث كانت هذه الممارسة شائعة جداً بين بعض الرحالة الغربيين. واعتاد أن يسجل ملاحظاته وهو فوق بعيره أو حين يتوقف للاستراحة بظل شجرة وحيثما دعت الحاجة إلى ذلك. وبعد أن يكمل مشوار سفره وينتهي من زيارة أحد المواقع ويعود إلى مكان إقامته أو حين يقطع مرحلة من مراحل رحلته ويستقر بعض الوقت في مكان ما، يبدأ بكتابة يومياته وتدوين ملاحظات مفصلة عن كل صغيرة وكبيرة صادفته في تنقلاته معتمداً بالدرجة الأولى على ذاكرته القوية وقوة ملاحظته ومستعيناً بتلك الملاحظات المقتضبة التي سبق ودونها في دفاتره مرتبة بحسب تسلسلها الزمني. وقد جاءت هذه اليوميات على شكل رسائل وتقارير مطولة كان يكتبها ويقوم بإرسالها إلى الجمعية الأفريقية في لندن بين الحين والآخر. وبالإضافة إلى تلك اليوميات، اعتاد بوركهارت أن يكتب رسائل شخصية مطولة موجهة معظمها إلى السير جوزيف بانكس يوضح فيها الظروف التي تصادفه والتغييرات التي تطرأ على خطة رحلته وغير ذلك من الأمور التفصيلية.
وأما الكتب التي تحمل اسم جون لويس بوركهارت مؤلفاً فهي نتاج هذه اليوميات والرسائل وقد ظهرت جميعاً بعد وفاته، ويعود الفضل في إصدارها إلى الجمعية الأفريقية. فبعد وفاته وجدت الجمعية نفسها أمام كمّ كبير من اليوميات والتقارير التي دونها بوركهارت في رحلته. ولم تكن هذه التقارير مرتبة لتصدر على شكل كتاب، بل إن السمة التنظيمية الوحيدة لها أنها كانت مؤرخة وتتبع التسلسل الزمني لكتابتها، كما أن كل مجموعة منها تخص منطقة جغرافية معينة كانت مسرحاً لجولاته وتنقلاته.
أدرك المسؤولون في الجمعية أهمية وغزارة المعلومات الواردة في هذه اليوميات، ونظراً إلى أن رحلة بوركهارت قد نظمت في الأساس بهدف العثور على مدينة تمبكتو في غربي أفريقيا واكتشاف الطريق المؤدي إليها، اتجهت النية إلى إصدار كتاب يضم يوميات رحلاته وتنقلاته في بلاد النوبة على اعتبار أن مسرح هذه الرحلات كان أفريقيا أيضاً. ولم تكن هناك في البداية أيّ نية لدى الجمعية لإصدار يوميات الرحلات الأخرى التي قام بها بوركهارت في مناطق مثل بلاد الشام وفلسطين والحجاز لأنها ببساطة تتحدث عن مناطق تقع خارج أفريقيا وليس هناك ما يبرر الحديث عنها. ولو كان الأمر كذلك، لابتدأت الجمعية بنشر يوميات رحلاته في بلاد الشام أولاً لأنها سبقت رحلته في بلاد النوبة أي أنها تأتي في المقدمة من حيث التسلسل الزمني.
كلفت الجمعية أحد أعضائها واسمه الكولونيل ليك (Colonel Leak) بمهمة مراجعة وترتيب يوميات بوركهارت التي كتبها عن رحلته في بلاد النوبة بهدف إعدادها للنشر على شكل كتاب، وبعد أن أكمل الكولونيل ليك مهمة المراجعة والتحرير، صدرت هذه اليوميات في كتاب حمل عنوان (Travels in Nubia) “رحلة في بلاد النوبة” في لندن في سنة 1819 أي بعد أكثر من سنتين من وفاة بوركهارت. ويضم الكتاب تفاصيل رحلته وتنقلاته في بلاد النوبة كما وردت في يومياته، بالإضافة إلى فصل خاص عن رحلته الأخيرة في شبه جزيرة سيناء حيث تجول فيها وزار دير سنت كاترين ووصل إلى مشارف خليج العقبة، وذلك على الرغم من الفارق الزمني الكبير نسبياً بين الرحلتين، ربما على أساس أن هذه المنطقة أيضاً تقع في أفريقيا.
غير أن الإقبال الكبير الذي لقيه هذا الكتاب من لدن القراء والباحثين على حد سواء، دفعت الجمعية إلى أن تفكر في نشر يوميات رحلات بوركهارت الأخرى على الرغم من أنها لم تكن مرتبطة ارتباطاً مباشراً برحلته الأصلية في أفريقيا. فأصدرت بعد ثلاث سنوات من تاريخ صدور الكتاب الأول، أي في سنة 1822 كتاباً ثانياً يضم يوميات رحلاته وتنقلاته في بلاد الشام ولبنان والأردن وفلسطين، وقد حمل هذا الكتاب عنوان “Travels in Syria and the Holy Land” أي “رحلات في سوريا والأراضي المقدسة” وقد حرره الكولونيل ليك نفسه.
وبعد صدور هذين الكتابين، انشغل الكولونيل ليك بمهام أخرى، فكلفت الجمعية عضواً آخر من أعضائها هو السير وليم أوزلي (Sir William Ousley) بمهمة تحرير وتنظيم وإعداد ما تبقى من يوميات بوركهارت. وقد بدأ السير وليم عمله بمراجعة وتنظيم يوميات رحلة بوركهارت في الجزيرة العربية.
دون بوركهارت يوميات هذه الرحلة في القاهرة بعد عودته من الحجاز معتمداً على ملاحظاته اليومية المكتوبة في أثناء الرحلة. وبعد الانتهاء من تدوين يوميات رحلته الحجازية بعثها إلى لندن بتاريخ 20 فبراير 1817 أي قبل أشهر قليلة من وفاته. وصدر الكتاب أول مرة في سنة 1829 عن دار نشر هنري كولبرن في لندن، وعنوانه الكامل بالإنجليزية: “Travels in Arabia: Comprehending An Account of Those Territories in Hedjaz which the Mohammedans Regard as Sacred” وتعني بالعربية: “رحلة في جزيرة العرب، وتضم وصفاً لأقاليم الحجاز التي يعدها المسلمون مقدسة”. لقي كتاب “رحلة في جزيرة العرب” إقبالاً كبيراً عند نشره، فأعيد طبعه في سنة 1833 ومرة ثانية في سنة 1835، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن صدرت عشرات الطبعات من هذا الكتاب ومن كتبه الأخرى، ولا تزال تصدر منها طبعات حديثة حتى الوقت الحاضر في المملكة المتحدة وفي الولايات المتحدة، لاسيما بعد أن سُلطت الأضواء ثانية على الكاتب وسيرته خاصة لمناسبة الذكرى المئوية الثانية لاكتشاف آثار مدينة البتراء. وقامت جامعات مختلفة في سويسرا والولايات المتحدة وأستراليا ودول أخرى بتوفير نسخة رقمية من الكتاب وإتاحتها للجمهور على الإنترنت. وفي هذه الترجمة تم الاعتماد على النسخة الرقمية المستندة على الطبعة الأولى من الكتاب والصادرة عام 1829.
وبالإضافة إلى الكتب الثلاثة التي وثقت يوميات رحلات بوركهارت في بلاد الشام وبلاد النوبة والحجاز، أصدرت الجمعية كتابين آخرين هما نتاج ملاحظاته واطلاعه العميق على الحياة في مصر وجزيرة العرب في أثناء مكوثه فيهما واتقانه اللغة العربية. يحمل الكتاب الأول عنوان: “Arabic Proverbs, or the Manners and Customs of Modern Egyptians” أي “الأمثال العربية، أو العادات والتقاليد لدى المصريين المحدثين” ويتناول الكتاب الأمثال العربية المتداولة في مصر آنذاك بالاعتماد على مؤلف لشخص يدعى شرف الدين بن أسد عاش في القاهرة قبل قرن من ذلك الزمان. ويضم كتاب شرف الدين الذي عثر بوركهارت على نسخة مخطوطة منه في أحد أسواق القاهرة 999 مثلاً شائعاً في مصر وقت تأليفه. ونظراً لإتقان بوركهارت اللغة العربية أعجب بالكتاب وقرر نقله الى اللغة الإنجليزية. اختار 782 مثلاً من مجموع الأمثلة الواردة في المخطوطة بعد أن استبعد الأمثلة التي وجد أنها غير مناسبة بسبب لغتها المبتذلة أو مضمونها غير اللائق. ولم يكتف بترجمة الأمثلة كما وردت في الأصل، بل أورد أولاً النص العربي لكل مثل وأتبعه بترجمة له ثم ذكر إزاء كل مثل طريقة نطقه بالأحرف الإنجليزية. وأضاف إلى كل مثل نصاً باللغة الإنجليزية يشرح فيه سياق وروده ومناسبته ومعناه العام كما كان شائعاً بين المصريين ولاسيما أبناء الطبقات الشعبية في القاهرة آنذاك. وقد أنهى بوركهارت العمل على هذا الكتاب في 25 مارس 1817 وصدر عن الجمعية الأفريقية في سنة 1830.
وأما الكتاب الآخر لبوركهارت فهو يحمل عنوان “Notes on the Bedouins and Wahabys” أي “ملاحظات عن البدو والوهابيين” وقد صدر في سنة 1831، وهو نتاج دراسة ميدانية قام بها في أثناء وجوده في الحجاز وتناول فيه مجتمعات البدو وأسلوب معيشتهم وتاريخهم وعاداتهم وثقافتهم، بالإضافة إلى بحث مستفيض عن الحركة الوهابية، حيث صادف وجوده في الجزيرة العربية فترة الحروب الوهابية وحملة محمد علي للقضاء عليها. وعلى الرغم من أن المحور الرئيس لهذا الكتاب يدور حول البدو والحركة الوهابية كما يبدو من عنوانه، ولكن بوركهارت خصص جزءاً مهماً منه للحديث عن الخيول العربية وأنواعها وأهم مميزاتها. وهكذا اكتسب الكتاب شهرة إضافية كبيرة بوصفه أول مؤلف غربي يتناول الخيول العربية فضلاً عن أنه أقدم مؤلف غربي يتناول الحركة الوهابية، يضاف إلى ذلك ما عرف عن مؤلفه من نظرة ثاقبة ودقة في البحث.
والقائمة التالية تتضمن عناوين الكتب التي ألفها بوركهارت باللغة الانجليزية بحسب تاريخ صدورها:
● Travels in Nubia, 1819
● Travels in Syria and the Holy Land, 1822
● Travels in Arabia, 1829
● Arabic Proverbs, or the Manners and Customs of Modern Egyptians, 1830
● Notes on the Bedouins and Wahabys, 1831
وإلى جانب هذه المؤلفات، هناك كم كبير من الرسائل التي كتبها بوركهارت وأرسلها إلى الجمعية الأفريقية ومعظمها لم تنشر بعد وهي ما زالت موجودة لدى جامعة كمبرج بحسب وصيته، وهذه الرسائل منفصلة عن يوميات رحلاته، وهي موجهة إلى المشرف على رحلته وتتحدث عن الظروف العامة التي عاشها طيلة فترة سفره وتنقله والحوادث العامة التي اعتقد بوركهارت أنها غير ذات صلة مباشرة برحلته. وقد كتب رسالته الأولى من حلب بتاريخ 2 أكتوبر 1809 بعد أن وصلها قادماً من مالطا وتحدث فيها عن أمور كثيرة علم بها في أثناء الرحلة. وللدلالة على اتساع نطاق المسائل التي كان يغطيها في رسائله يكفي أن نذكر أنه يخبر الجمعية في هذه الرسالة عن المعلومات التي توفرت لديه حول قيام طبيب الماني اسمه الدكتور سيتزن أرسله دوق ساكس ـ جوثا إلى الشرق للقيام بجمع ما يستطيع من مخطوطات وتحف شرقية، حيث ذكر أن هذا الشخص قد تمكن من الحصول على 1500 مخطوطة وثلاثة آلاف قطعة مختلفة وقام بإرسالها إلى ألمانيا، وأنه ينوي الذهاب إلى الجانب الشرقي من البحر الأحمر ومن هناك إلى أفريقيا لاستكشاف مجاهل أفريقيا. بعد ذلك يكتب بوركهارت عن بيك طرابلس، واسمه أحمد كرملي، الذي كان هارباً ولاجئاً في مالطا بعد أن أبعده عن المنصب أخوه قبل ست سنوات من ذلك التاريخ، ويقدم تفاصيل هذا النزاع بين الأخوين والصراع بين مقاطعة طرابلس وإقليم درنا. ثم يتحدث بإسهاب عن ثورة بركان إتنا التي حدثت قبل وقت قليل من وصوله إلى المنطقة وعشرات المواضيع الأخرى. وقد وردت هذه المواضيع كلها في رسالة واحدة.
مرضه ووفاته
أصيب بوركهارت في مرحلة ما أثناء رحلته إلى الشرق بمرض الزحار (الديزنتري) الذي ظل يعاوده بين الحين والآخر، ومن أعراض هذا المرض كما هو معروف حدوث التهابات في الجهاز الهضمي والإسهال والحمى الشديدة والتقيؤ وفقدان الوزن. وحين يعاوده المرض بين فترة وأخرى، كانت تمر عليه أيام يشرف خلالها على الموت، ولكنه كان يتعافى في كل مرة بعد معاناة طويلة. ولعل أكبر انتكاسة صحية ألمّت به كانت تلك التي أصابته عندما وصل إلى مدينة ينبع في طريق عودته إلى مصر بعد أداء مراسم الحج. فقد اضطر إلى المكوث فيها مدة شهر أمضى أكثر من نصفه طريح الفراش حتى ظن أنه ميت لا محالة.
وبعد عودته إلى مصر تحسنت صحته بعض الشيء، غير أن المرض عاوده مرة أخرى واشتدت أعراضه بدءاً من يوم 4 أكتوبر 1817. ومع اشتداد المرض عليه، أرسل في طلب طبيب بريطاني اسمه الدكتور ريتشاردسون صادف وجوده في القاهرة في ذلك الوقت إذ كان يرافق أحد النبلاء البريطانيين واسمه اللورد بيلمور في سفرته في مصر. وعلى الرغم من محاولات الطبيب، اشتدت عليه وطأة المرض وشعر بدنوّ أجله. وفي صباح يوم 15 أكتوبر استأذن من الطبيب أن يبعث في طلب السيد هنري سولت (Henry Salt) القنصل البريطاني العام في القاهرة ليملي عليه وصيته. وعندما حضر السيد سولت، طلب منه أن يحضر قلماً وورقة وأن يكتب ما يمليه عليه. وفي هذه الوصية التي وثقها السيد سولت في رسالة إلى الجمعية الأفريقية، خوله بوركهارت أن يتسلم نيابة عنه مكافأته البالغة 250 جنيها إسترلينيا من الجمعية وأن يسدد منها بعض النفقات المتنوعة وأن يدفع جزءاً منها إلى خدمه وأن يرسل مبلغ 1000 قرش إلى فقراء مدينة زوريخ. وأوصى كذلك أن تهدى الكتب العربية الموجودة لديه وكذلك اليوميات والتقارير التي بعثها إلى السير جوزيف بانكس إلى جامعة كمبرج. وأما كتبه الأوروبية والبالغ عددها ثمانية فقد تركها للسيد سولت. وبعد أن أوصى بإبلاغ تحياته إلى والدته، أوصى القنصل العام البريطاني بأن يسلم جثمانه إلى المسلمين ليدفن في مقابرهم. وإلى جانب القنصل العام البريطاني الذي تولى كتابة الوصية، كان حاضراً في تلك اللحظات الدكتور ريتشاردسون والسيد أوزمان وهو مواطن بريطاني كان أسيراً لدى محمد علي باشا وقد تمكن بوركهارت من إقناع الباشا بعتق رقبته من العبودية. وبعد ست ساعات من إملاء وصيته، توفي بوركهارت وكانت وفاته في 15 أكتوبر 1817 ودفن في مقابر المسلمين بناء على وصيته، ولا تزال شاهدة قبره قائمة في إحدى مقابر القاهرة وقد كتب عليها: “هو الباقي، هذا قبر المرحوم الى رحمة الله تعالى الشيخ حاج إبراهيم المهدي ابن عبدالله ابن بركهرت اللوزاني، تاريخ ولادته محرم سنة 1199 من الهجرة وتاريخ وفاته الى رحمة الله بمصر المحروسة في ذي الحجة 1232 سنة 1288”.
ملاحظة أخيرة
يتردد في الكتاب ذكر اسم النبي محمد (ص) وعدد من الصحابة في مواقع عديدة، ويجد القارئ ذكر عبارة (ص) أو (رض) بعد كل اسم. هذه العبارات لم ترد في النص الأصلي للكتاب، بل هي إضافة من المترجم، وقد وجب التنويه لذلك توخياً للدقة والأمانة العلمية. كما أنني أدخلت بعض الشروح والهوامش حيثما وجدت ضرورة لذلك، وقد وضعت تلك الهوامش بين قوسين مربعين مع ذكر كلمة المترجم تمييزاً لها عن هوامش المؤلف الواردة في أصل الكتاب.
قائمة بالمؤلفات والمخطوطات العربية التي استعان بها بوركهارت في رحلاته
● “أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار” لمحمد بن عبدالله بن أحمد الأزرقي (المتوفي سنة 250 هـ).
● “المختصر في أخبار البشر” تأليف أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمود الأيوبي (المتوفى سنة 732هـ).
● “العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين” لتقي الدين أبوالطيب محمد بن أحمد بن علي الفاسي المكي المالكي الحسني (المتوفى سنة 832هـ).
● “خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى”، تأليف علي بن عبد الله بن أحمد الحسني السمهودي (المتوفى سنة911هـ).
● “الإعلام بأعلام بيت الله الحرام” تأليف قطب الدين النهروالي المكي الحنفي (المتوفي سنة 990هـ).
الهوامش:
([1]) بلدة هونينغن بلدة صغيرة تقع في المثلث الحدودي بين فرنسا وسويسرا وألمانيا وتبعد نحو أربع كيلومترات عن مدينة بازل السويسرية وتخضع في الوقت الحاضر للسيادة الفرنسية إذ انها جزء من مقاطعة ألزاس ـ لوران الفرنسية وتعرف أيضاً باسمها الفرنسي إينينغ (Huningue) (المترجم).
([2]) الدولار المشار إليه هنا هو الدولار الإسباني ويسمى أيضاً قطعة من ثمانية ريالات بالإسبانية (Real de a ocho) وكان عبارة قطعة معدنية من الفضة ويعادل ثمانية ريالات إسبانية. وقد جرى التداول به منذ عام 1497 في الإمبراطورية الإسبانية وأصبح العملة الرئيسية للتجارة الدولية حتى القرن التاسع عشر (المترجم).