بين القصيدة والرواية
أيهما أكثر تعبيرا عن الوعي الإجتماعي؛ والاقتصادي؛ والسياسي؛ والثقافي؛ في زمن الاعتراف والاستنطاق؛ وانتزاع الحياة من جوف الإختلاف؟
ما هو التعبير الثقافي الذي استطاع أن ينتصر للحياة ضد الموت بقاموس لغوي أكثر دقة وابداعا. بعيدا عن تدجين الأفكار في قالب مشروخ؟
وهل استطاعت الرواية في عصرنا تقليص المسافة بين رؤية الكاتب باعتباره مؤرخا تنويريا، هذه الرؤية الغير القابلة للتأويل الهلامي بشكل من الأشكال، وبين واقع تشتت فيها الطاقة الإيجابية بين الممكن والغير الممكن من أجل رفع القطيعة بين العلاقات الإنسانية والإنتصار لقضايا متفق على فاعليتها في تغيير وتطوير المنظومة الأخلاقية والحضارية.
أم تجاوزت لغة الشاعر حدود لغة الرواية في رسم ملامح الواقع والانتفاض للحقيقة في مسالك العصر ومتاهاته؟
أرى، من وجهة نظري، أن الشاعر وهذا ليس حكما جاهزا؛ هو من يقبض على الضوء في الزمن لاسيما في المجتمعات التي أفسد قوائمها الركض العشوائي والسباق نحو تأثيث خريطة حضورها.
نعم لطالما كانت الرواية تلك الدراسة المستوفية لشروط نقد الكاتب لما يجري حوله ناقلا إحساسه؛ وغربته وتعاطفه؛ ورفضه لكل ما استفز مداده ليكتب ناقلا لنا دهشته نحو العالم، وقلقه المشبع بالأسئلة، باحثا فيها عن ممر أو ممرات للخروج إلى شمس الحقيقة، معبرا ومؤرخا التفاصيل المهملة لذاته وللآخر والعالم من حوله، بفنية مدهشة؛ موظفا اللغة بشكل تفاعلي غير معتاد. لغة قادرة على تحقيق الإمتاع والتماهي مع الجمال؛ وإبداع ذاكرة جديدة لغة والعالم وممارسة تمارين القبض على النور للخروج من نفق الجمود.
إن إجهاض الفعل الفكري في المجتمع من قبل السلطة السياسية في عالمنا العربي قلص من جرأة الراوي في فهم المجتمع وممارسة الحكي بحرية منفعلا ومتفاعلا؛ بمهارة تحرره من أسر مجرة الخوف من الفشل في تحقيق التماهي مع العالم المحيط ومن الخوف من المجازفة بتعرية سوءات المسكوت عنه، وتخطي الحدود الوهمية بين أبطال روايته والمشكل الاجتماعي والسياسي، وهو ما أفرز، غالباً نمطية في الحكي تكررت عند أغلب كتاب الرواية في عصرنا؛ ولا ننسى مساحيق تجميل اللغة في الكتابة الروائية، والتي أحبط توليد الدهشة في الكتابة، على عكس القصيدة الشعرية التي كسرت حدود الممكن وغير الممكن بواسطة طلاقة خيال الشاعر لتأتي لغته أكثر تحررا وأكثر جرأة، فتتحرك بوتيرة سريعة تلاحق الصور والخيالات والافكا، تصول وتجول رافعة النقاب عن مكنون الدرر في بحر الكلمات وآماد الإبداع.