تجربتي مع "الجديد"
في ديسمبر 2014 فاجأني الصديق الشاعر نوري الجراح بأنه يعمل على مشروع ثقافي مهمّ يتمثّل في إصدار مجلة ثقافية شهرية طليعية تحمل اسم “الجديد”، ويرأس تحريرها، وسيظهر عددها الأول قريباً، ويدعوني إلى الإسهام فيه. استقبلت المفاجأة بفرح غامر، وقلت لنفسي “ما أحوجنا اليوم إلى مجلة مثل هذه لتسدّ الفراغ الذي تعاني منه ثقافتنا العربية بعد انكفاء أو انقراض عدد من المجلات الرصينة والمغامرة؟”. وسرعان ما استجبت لدعوة الجرّاح الكريمة، فكتبت مقالاً بعنوان “الروح لا تفكر دون صور” نُشر في العدد الأول فبراير 2015. وحال صدور العدد كتبت مقالاً تعريفياً عنه نشرته في صحيفة “العرب” اللندنية. وقد حرصت أن أنقل فيه فقرات من افتتاحية العدد المكرّسة للتعريف بمشروع المجلة “تولد هذه المجلة في خضم زمن عربي عاصف شهد زلزالاً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً مهولاً، ضرب أجزاء من الجغرافيا العربية، وبلغت تردداته بقية الأجزاء، وأسمعت أصداؤه العالم. وعلى مدار أعوام أربعة منذ أن خرج التونسيون يرددون ‘الشعب يريد’ باتت الوقائع اليومية لما سيُعرَّف لاحقاً بأنه ‘ربيع عربي’ خبراً عالمياً يومياً، وموضوعاً مغرياً للسبق الصحافي نصاً وصوتاً وصورةً… على خلفية هذه اللوحة السريعة، تولد مجلة ‘الجديد’ لتلم بالجديد المغامر والمبتكر، أدباً وفكراً، وتكون منبره، لئلا تبقيه يتيماً، تعطيه الفرصة التي يستحقها المستقبل من الحاضر، وتؤدي له واجب الجديد نحو الأجدّ”. وقد آليت على نفسي، بعدئذ، أن أكتب عن أغلب أعداد المجلة في الصحافة المقروءة ومواقع التواصل الاجتماعي، وأظن أن ما كتبته قد أسهم نوعاً ما في استقطاب شريحة من القرّاء والكتّاب للمجلة.
وكانت الخطوة الأهم في تجربتي مع “الجديد” هي الملفات التي أعددتها لها، أو شاركت في إعدادها، والتي بلغت زهاء عشرين ملفاً، منها: المسرح العربي، القصة العراقية، القصة المغربية، الشخصية الروائية، أدب مهجر أم أدب منفى، القصة الليبية، صورة الرجل في أدب المرأة، كوميكس عربي، الأنوثة المقموعة، الكتابة المسرحية، صورة الكاتب في طفولته. إضافةً إلى ملفات عن البصرة، بيروت، نزار قباني، لطفية الدليمي، وحسب الشيخ جعفر. وقد وضعتني هذه الملفات، التي استكتبتُ فيها الكثير من الأدباء والكتّاب من مختلف الجغرافيات العربية، في مركز “العملية التحريرية” للمجلة. وكثيراً ما أطلعني رئيس التحرير على أعدادها قبل طباعتها أيام كانت تصدر ورقياَ، ثم إلكترونياً إثر توقف النسخة الورقية بسبب جائحة كورونا، داعياً إيايَ أن أبدي ملاحظاتي على موادها ولوحات أغلفتها، خاصةً عندما يتوفر لديه أكثر من لوحة لاختيار المناسب منها حسب رؤيتي.
احتضنتْ “الجديد”، فضلاً عن ذلك، فصولاً عديدةً من رواياتي قبل نشرها في كتب، مثل “أبناء الماء، جسر التفاحة، وردة الأنموروك، وتوأم البحر”، وكان آخرها فصلاً بعنوان “أنا وتمارا ورقصة دخان” في العدد 83 الصادر في ديسمبر 2021، وهو الفصل الأول من “توأم البحر” التي أواصل كتابتها الآن، وآمل أن أنشر فصلاً آخر منها في أحد الأعداد القادمة.
تحية لمجلة “الجديد” وهي تدخل عامها الثامن بنجاح منقطع النظير، قاطعةً شوطاً كبيراً في تحقيق توجهاتها واستهدافاتها التي حملتها على عاتقها، من خلال أبوابها الأدبية والفكرية والفنية المختلفة، وإسهام عشرات الكتّاب والكاتبات العرب في المشرق والمغرب وبلدان المنافي، الذين تلاقوا على صفحاتها بنصوصهم الإبداعية في الشعر والقصة والرواية والمسرحية، وسجالاتهم، وحواراتهم، ويومياتهم، وقراءاتهم ودراساتهم النقدية، وأفكارهم القلقة والجديدة التي طرحت الأسئلة الجارحة وبشّرت بالرؤى الحديثة.