صلاة الرهينة
جزر النائم وحيدا
غبطته الطافية علی الماء مثل جزيرة
عالق سريرها بالهواء
نابتة بعشبها علی فم بئر
وحيدة بصفتها أنثی
هي جرسه النائم وطائر بلاغته الذي ينسلّ من شقائه
وهي فضيحته.
* * * * * * *
الجرس
لأن الحبر لا يسكن الكلمات مثلما الدم لا يصنع عاطفة
كانت جزيرة المرأة الوحيدة مضمخة بشهوات رجل لم يمر إلا بصفته لقية
لقد قرع بابها من غير أن يدخل وكان يرغب في الدعاء بين يديها صامتا
غير أن الألم عصف بأذنه مثل جرس.
* * * * * * *
لمعلم القرية جزيرته أيضا
شمسه وقد أخطأت الطريق إلى وسادته لا تزال تبعثر ضوءها بين أكف القرويات
معلم القرية الذي ينظر من نافذة قطار إلى الحقول المعتمة باحثا عن ظل شريد لأرنب
تلك هي المعجزة التي تربك مشيته وهو يرد التحيات بإهمال.
* * * * * * *
النسيان
أن تضع الساق علی الساق وتدخن في يوم شتائي
فيما الخراف تملأ بثغائها الطريق إلى المزرعة
ذلك ما يجعلك تنسى رائحة إبطيك
حيث ترقد أحلامك.
* * * * * * *
جزيرة الذكرى
الذئب الذي يتبعني يشم في خطواتي أثرا من سهاد
ما أن يشفق عليّ حتى يفاجئه عواء قديم.
* * * * * * *
المسرة
للرب وصيته: الأنعام فراش وطعام ولباس لكم
ولكن للأنعام دموعها التي لا يمكن تفاديها لحظة التوبة
في حلبة السباق نبدو متساوين في المسرة
وذلك وهم آخر.
* * * * * * *
الألم
للنسيان عبقرية ساخرة
في النهاية لن يكون هنالك أب في انتظارنا
ذلك هو الأقسى دائما
كالعرجون القديم
علی صحنه تنزلق الملائكة
وفي ثنيات ثوبه هواؤها
يغري الغرباء بالحضور إلى وليمته
رجلا جاء من أقصی الغابة يسعی
وكالعرجون القديم نبت ليذكر بها.
* * * * * * *
جزيرة النأي
بفرسي أنأى وقد علقت موجة بثيابي
عاريا تضمني اليابسة إلى نهارها
فأكون كمن خرج من البحر أعمی وفي يده لؤلؤة
خلفي يسعی قراصنة مرتبكون
خلفي تئن محارات قلقة
خلفي الحوريات وقد خذلتهن السعادة
خلفي القصيدة وقد هجرتها الألفاظ
خلفي وله العبيد بالظلال
ولان النعاس يدركني قبل أن أصل
أبدأ حياتي من جديد كمن يحلم.
* * * * * * *
الرهينة
دعاؤها يصل مرتبكا. الرهينة تصلي بلغات خاطفيها
دع الصفر غافيا. تقول الأرقام
حدق بالغبار من غير أن تصفه. تقول النافذة
أسرع بتمهل. يقول الفلاسفة
فيما الأصابع تلامس الزناد
ليست هناك مرآة، فما لا تراه الرهينة لا يليق به الوصف.
* * * * * * *
بعد ليل
متأخرا أصل
بعد أن تكسر الكؤوس، أمد يدي إلى الوليمة
كما لو أنها لم تمس
منعّما برخاء أجنحته
يضرب النورس أعالي الموجة بقدميه
هاذيا كراع أعمى تنفخ العاصفة الهواء في نايه
بعد ليل قضيته حالما، أصل مثل شبح أضاع جسده.
* * * * * * *
خفة
أمحو المنقار عن الزقزقة
فيشكرني العصفور
أكشط جناحيه عن خفقهما
فيطير
يكفي ما تبقى من ظله
لأرى صوته وهو يتبعني.
* * * * * * *
2
لجاراتي وهن من غجر الضواحي نبوءات مرحة
فالحمامة لن تعود إلا إذا انشق كل فم عن ثغاء خراف ضائعة
والكأس لن تشفّ إلا بين يدي شاعر هجرته الملائكة لحظة الوحي
والأقدام لن تهتدي إلى خطواتها إلا إذا تنفس العشب شقاءها
والربيع الذي يمرح من حولنا مثل عنزة هاربة هو كذبة غزاة كسالى
ولأني أبطأت في الإنصات إليهن فقد فاتني الكثير من وقائع حياتي التي لم أعشها.
* * * * * * *
جزيرة الكنز
زهدها يفني
فلا الزهرة تفتن الفراشة ولا الفراشة تفتك بالزهرة
لا العسل يلتهم الرحيق ولا الرحيق يجير العسل
لا الكلمة تملأ الفم ولا الفم ينعم بالكلمة
لا المتاهة تضيق ولا القدم تصف
للسان خفته الصامتة
وهي مصيدة.
* * * * * * *
نميمة البجعة
ريشها يصفني
البجعة طريدة مثلي
ينكسر ظلها على الماء فأباغت جسدي بالنظر
تحط على صخرة فتطوقني العاصفة
تحلق بعيدا فأختفي
ما يعيدني إلى البيت
نميمة تركتها البجعة في أذني:
دع سرابك وحده يتبعني.
* * * * * * *
لغز ما جرى
أتكلم كمن يخف إلى طاعة،
خشوعي يسبقني
الأسر هو الآخر يعلم الحب
في منأى عن العبادة.
* * * * * * *
ضريح
ما لا تكتبه الريح يحث على إنكارها
الدرب سائب كالنشيد
ثوب طفلة تذهب إلى المدرسة يذكره بدروب الغابة
في انتظار عشائه الأخير، الضيف يشيد ضريحه
مثل نبي يقود قافلة منسية.
* * * * * * *
بلغة الطير
أخيرا عثرت على معجزتي
الورقة بلسان فراشة
الحجر بقدمي حجلة
المساء بعيني فجر
الصيف بأنفاس مدخنة
كمن يمس الحاضرين بغيابه تهبني لغة الطير قناعا
فلا اسم يعيقني
ولا وجه يصفني
حينها أسكن رئة أول فتاة تتنفسني.
* * * * * * *
من نافذة قطار
كل مدينة مرّ بها القطار الذي يحملني وحيدا لا تزال ترعى التفاتة، كنت أظن أن الهواء محاها. فإذا كنت لا أملك ما يعينني على تعبئتها كلها في سلة أضمها إلى صدري، فإن ذلك لا يمنع من أن أترك ما يعينها على التفكير برجل مر بها، ولم يكن على عجلة من أمره، غير أن القطار الذي مضى به مسرعا منعه من أن يترك لديها التفاتة، تذكر به. من نافذة قطار كانت المدن تبدو لي شبيهة بالقطط التي لا ترى مني في مراياها سوى صورة الفأر الذي يفر حالما بالنجاة.
* * * * * * *
القصيدة
واقفة على ثلاثة أقدام
مثل كرسي مكسور
القصيدة في انتظار من يجلس عليها
بإمكانها أن تضحك
هناك دائما شفتان لمهرج مجهول
بإمكانها أن تبكي
هناك دائما دموع زائدة
غير أن القصيدة وهي تنتظر ضحيتها
تحلم باليد التي تمحو عنها حروفها.
* * * * * * *
وعد إبليس
في هذه البلاد هنالك ليل آخر يغري بالنوم مثل أي ليل
إن لم أعثر عليه فهذا لا يعني أبدا أنه ليس موجودا
ما أحتاجه من الليل ليس عتمته لأنام
بل وعدا يرتجله بنهار مؤجل
تفاحة بين يدي أدم
كانت بسعة الجنة.
* * * * * * *
3
الفاتح يصف الرماد أولا لكي يتسلق زهرته
الفاتح، ناره لا ترى إلا بعيني شهوته
الفاتح نداؤه بري مثلما هي حقوله
الفاتح زرقته تثقب مثل إبرة
لا يرى قدميه،
الفاتح، خطوته تلحق به
وهي سراج خيبته.
* * * * * * *
بحر الظلمات
قلت: الأرض. ونسبت الهذيان إلى طائر أعمى.
قلت: الناي. ورضيت بالحشرجة تغزو حنجرتي.
قلت: الشعر. وأنا أسحب طرف الخيط من فم اللقلق.
قلت المرأة. فيما فراشة ميتة تزين كتابي المدرسي.
قلت المتاهة. وأنا جالس تحت السرير أعد الخراف.
لقد أخطأ الإدريسي
هنالك ظلمات ليتها تسلمنا للبحار.
* * * * * * *
نثر فراقها
القافية معجزتها
وهي تسلي الوشاة المرحين
ليس لفراقها موسيقى
أناقتها تخدع الشعر
تحت حجر في الطريق الذي سلكته
هنالك قصيدة تغفر لنثرها جحوده
اللهب لا يسكن مرآة إلا مرة واحدة.
* * * * * * *
مكعبات
البيت ليس أقل من ساكنه
وليس أكثر من سلال أزهاره
على عتبته كرسي وحيد
فيما تفاحة نائمة في صحن هو الآخر وحيد،
الزخرفة دعاؤه الصامت
ما تلهمه يد طفل وحيد
هو بيت بحجم الكف،
لا يرى إلا بصفته مكعبا.
* * * * * * *
وسادة ابن زريق
حين أخطأ الخادم لم يستيقظ الرجل المقصود
فكانت بغداد على موعد مع ندم جديد
لقد ذهب شبيهه إلى السوق. شعر الوراقون الذين انتظروه بالخيبة. فقصيدته التي لم تصل كان بإمكانها أن تعيد قمر الكرخ إلى فضائه، أما شبيهه فقد مر كما الغائب، فيما الخان ينأى كصفحة في كتاب لم يكتب بعد.
* * * * * * *
بلاغة مدينة
تحت مطرها الذي عرفته مثلما عرفت دموعي،
تسحب المدينة أرصفتها من تحت قدمي
ببلاغة يوم الأحد تسلمني إلى الملائكة
من أجل ألا أبكي
أترك كإمبراطور أخير ابتسامة شاحبة
يشهق بها كل أحد
حجرا أورثته هوائي.
* * * * * * *
4
هناك طائر وحيد أنظر بعينيه، لا لأرى بل لكي أحلم
من فوق تأخذ الأشجار هيأة أطفال ولدوا لتوهم
بياض ثيابهم يشف عن زرقة ليال لم أعشها
فيما أجسادهم تعيدني إلى كوكبي
تلك الكرة الطرية،
حيث ما زال هناك دفتر يحلم بي.
* * * * * * *
خفيفا كريشة
الوديعة ما أخفها
الوصية ما أثقلها
أصعد إلى حيث تجلسين،
سلمك يهبني الخيلاء
فأنجو بفريستي
صخرتي تتبعني مثل ذئب مدجن
أيتها الوحشية اقتربي
دعي ناياتك تتفحصني
خفيفا مثل ريشة أفارق تلك الجهة من الجنة إلى جهة أخرى.
* * * * * * *
نهار القطة
صيحات الأطفال تصنع لها متاهتها
من مخبئها تدحرج القطة نهارها بين الأقدام
على صخرة، بين عشبتين
تزهر زرقتها،
هي ما تبقى من نعاسها
لترى بعينين من دخان، الأطفال وهم يكبرون
بنهارها تذهب القطة حين تنام إلى الأحلام.
* * * * * * *
يدها على كتفي
الساحرة، رمادها يكتظ بأصابعي
باحثا عن ظل لحمامة أرافقها
وهي التي طافت بي في السوق
يدها على كتفي،
مثل فتى ضائع أرسم لقدميها الطريق.
* * * * * * *
رحلة يومية
أبدأ من عتبة البيت
لأنتهي يوميا إلى الوسادة
مارا بالأشجار والأرصفة والأسواق والمقاهي والحدائق والمكتبات والصالونات والمقابر والكنائس والأسيجة والحانات والجسور والشواطئ والنوافذ والمطاعم والمناضد والمدارس والأعمدة والإعلانات والقوارب، حاملا ثغاء خرافي التي تتشبه بالملائكة.
* * * * * * *
حارسة اللامرئي
الشفيعة، زهرتها بين النهدين
وفمها يلوك قبلتي
حارسة اللامرئي
لفتتها تنشئ سلالم تقود إلى الله
حين على يدها أضع دمعتي
صفيرها يراق بين جناحين
من هوائه أصنع عاصفتي
المنسية مثل وعل جريح
فيما القطيع يهجر الغابة.
* * * * * * *
كلب
من غير أن أوقف قدمي،
كانت الخطوة تسبقني
كما لو أنها تود الذهاب وحدها
ما أتعس ما يراه
ذلك الذي يجر خطوته وراءه مثل كلب.
* * * * * * *
5
أتمعن في رخاء الغصون الهشة كمن يسلي ملكا
فيما تقبض عيني بين شظايا صحن مكسور على عصفور ولد لتوه
بجناحيه اخترع هوائي.
* * * * * * *
أقتفي أثر زهرة
على الفراش ارتمت، كما لو أن الضوء همس بها
الزهرة الوحيدة التي أبقت ظلها حارسا عند النافذة.
* * * * * * *
الأفعى
لن تخطئني هذه المرة
فحيحها يسيل من ثيابي
مذ ضاجعتها، صار بإمكان الأفعى أن تهتدي إليّ.
* * * * * * *
دعاء التائه
دع كلماتك تتنفسني
بعد أن محتني
رمادي لا يقوم
كذلك لهبي الذي يحلمك
الألوهية وقد ألهمتك الوحدة
هي شفيعتي إليك في غربتي
أنت مثلي
كل ما تريد أن تكون
ولم تكن أحدا
حتى أنت.