في الفراغ بين حجرين
إلى إيفا
أغانٍ مفقودة
تلك الأرصفة التي تبلّلت بضحكاتنا
تسنّ في جسدي حزناً
تحمله الطيورُ ببطء نحو الخواء.
==================
افتراق
لحظة ركضي خلف الباص الأحمر
قدماي كانتا خفيفتين
لم تشعرا بحرارة الإسفلت
توقفتا
فيما الباص قطرةُ دمٍ
يمتصّها أفق الطريق من جوانبها.
=============
تلكارت
ثمّة لحظاتٌ
لم تقبض عليها كاميراتنا
بل نامت بهدوءٍ في الممرات الداخلية للمدينة،
حدث ذات يومٍ
أنّني رفعت سمّاعة هاتف الكابين
ووضعت بطاقتي فيه
لم يأتني صوتك وقتها
بل انفجرت في أذني أصوات تلك اللحظات مفجوعة.
================
طيور
ساروا بتؤدة على الرصيف
ابتسموا لكِ
وابتسموا لي
ليدلّونا على مدينةٍ
استسهلنا الوصول إليها.
==================
أغنية
ارفعي يديكِ
ارسمي قمراً مكتملاً
لعلّ بظلاله
يكملُ ما احترق في الأزقّة.
====================
تشبيهات ساذجة
بين ساحتي “التل” و”الشيخ ضاهر”
جربنا مراراً أن نقارن الأشياء ببعضها
كراجات التكاسي
الحمالون بثيابهم الرثة
الباعة المتجوّلون
مطاعم الفول والساندويش
والشمس التي تلطعُ أجسادنا
كان يكفي أن نتعانق
لنرى الوجهين مدينة واحدة.
====================
البحر
أدرت وجهي
فيما كنت أحاول سحب صورة من عينيّ
لأعلقُ وجهي في المدينة
كما تعلّق أسمالُ الصيادين.
==============
شبحي الراحل
كان لوجهي أن يحوم في الحارات يوماً كاملاً
ماسحاً نفسه بغبار الجدران
لربّما ترك فيها رائحةً
لم تتركها قدماي
لكن
ولمّا انقبض اتساع السماء
لملمَ دمعه ببطءٍ
واختفى.
====================
آخر أصوات المغادر
سعالي
بقي شاخصاً بصداه على الكورنيش
أشتمه
فيما تقولين لي “صحة”
بقي على الكورنيش
ينزلقُ في الفراغ بين حجرين
ليسمعه المتعبون
قبل وصولهم إلى الفراش.
=================
رؤية
إيه… إيه…
رأيتُ وجهكِ كأنبوبةِ ماءٍ شبه فارغةٍ يبلُ العابر بها ريقه
تنزلقُ الماء فيه
كطفلٍ في مدينة الملاهي.
في دمك
دمك المقذوفِ إلى وجهي المسن
دمكِ المتجدّد كقناعِ النعناع لوجهي
وضعت زورقي
وكرّجته بهدوءٍ.
متى رأى الحجرُ ما فيكِ تحوّل إلى مدينة.
الريح
هي أيضاً تغادرُ البحر
حين تضعين قدميكِ عليه.
================
لوجهٍ يتركُ ملامحه في مدينةٍ بحرية
عيناكِ تغسلان الغبار المتروك فوق الكومودينا
عيناكِ تسبحانِ في الميناء
وتتبللان كتفاحة
عيناكِ حوضانِ صغيران
تغطّسُ فراشة فيهما رجليها.
في الرصيف المخرّب بلاطه
يجلس الناس ويتراشقون بالمزاحِ لئلّا يبكوا
أنتِ المزحة الوحيدة
التي يرفقون برشقها.
البارحة أقفلتُ جرّة الغاز في منزلي
ثمّة وجهٌ-وجهُكِ ينظرُ إليّ من البحر وهو يحملُ لي رائحة البنّ المحمص.
في لقائنا يولد الحب وتنتهي مأساة المدينة.
==================
مدينة الإضاءة المغمضة
شوارعُ الظلال
بقايا الغرافيتي الموسومة بطلقةٍ عصبيّة
أخرجي أصابعكِ بهذه اللحظة
وأبرزيها أمام طقّة بطونِ الكاميرات في التلفونات
فقط.
ما يروى
عن ثالثِ طابقٍ في آخر لمبةٍ كهربائيّة في الشارع:
هات “قمراً أوّل النفق”
وقل للذين نسوا إطفاءه منتصف الليل
من أكله الغيم أكله
قد يكون للحظة قريباً كإصبع سقراط
وقد يكون بعيداً
كحلم العاطلين عن العمل.
هذه المدينة التي حاولت الوجوه ألا تغفو داخلها
ما زالت تغنّي كغجريّة قطع وتر غيتارتها
في أذنَي
في المقبرة الأخيرة للموسيقى
تسير
في فارق التوقيت
أسير مقطوع الرأس
واضعاً بقدميّ ظلال المسافة المعتمة.
شاعر من لبنان