لم تكن صحراء تلكَ التي وسمتني بألف خيمة
(مقطعان)
1
كان عليّ ألاّ أهرب من وجه الفلاّحة
وأسخر من تقوّسها وهي تشمّ التراب.
ألوذ بالريح وألوّنها كما الفصول.
أخشى من تشقّقات يديها أن تكسر مفاهيم
كتب الفلسفة وحنيني للمدن الكبيرة.
لو شممتُ وحل حذائي على باب الشّتاء
لصارت الشّهوة نبتة عنيدة للحياة.
كان عليّ أن أسألها وأنا أسرق
بازلاء حقلها: ماذا يحدثُ تحت سرير الأرض؟
(فرصة نادرة لمعرفة متأخّرة عن معاني الحبّ تحتَ الأسرّة الواسعة)
كنت سأعترف للشجرة التي أصبحت أعلى من سقف بيتي
أنّها ولودٌ أكثر منّي
-رأسي تدوخ كلّما راقبت خصبها وذبول مواسمي.
مواسمُ كثيرة ضاعت والفلاّحة
تعلّم الأرض وضعيات الحمل السريع
وطقوس النشوة الكبرى
وأنا أصدّها بكتاب مدرسيّ مفتوح لريح زرقاء.
كان عليّ أنْ ألقي التحيّة ولو مرّة واحدة
أتعلّم من وجهها الصّباحيّ كيف أفهم غمزات
نساء الحيّ وهنّ يجمعن توت العين
ولماذا يتركنه يسيلُ على شفاههن الجافّة.
كانَ عليّ أنْ أتخيّل فلاّحة تشمُّ التراب
وتسرق كتابي
وتهديني توتا أحمر ألوّن به فصولي.
والريح.
منذُ هويتُ ملاحقة قصاصات الورق الّتي تحملها الريح نحو أكواخنا
وأدمنتُ سرقة الكتب من مكتبة عمّي الشّاب
منذ كنتُ أخنق العربيّة في حافلة ملغّمة بشبيبة الصهيونيّ العجوز
وأفتّتُ البدويّة قبل أن تفضحني مخارج الألفاظ
كما أنّي لم أحسم أمر المكتبة المتنقّلة مع أمّي (ما زالت تقول أنّها لم تكن يوما)
فلا أعرف إذا كنتُ أستطيع أن أقول: منذ أن كنتُ أجلس على حافة مكتبة متنقّلة…
منذُ فهمتُ أنّ الخطيئة فوقَ السرّة بقليل
صارت الكلمات خارج التأويل
والعورة “مختلف فيها”.
2
مضغتُ الكثير من الورود فاحمرّت ذاكرتي.
خدّي، منذ صفعني أبي صباح العيد، ظلّ يعاني من عمى الألوان.
من باب المجاز كان العيدُ عصا الأعمى.
ونعم، من باب التلاعب اللفظيّ أضفتُ لقاموسي “احمرّت وجنتاي”.
شممتُ بخورا بلديّا لطرد الحسد والحقد والطائفيّة
قفزت من فوقه سبع مرّاتٍ
وصارت السنوات عجافا
سبعٌ وعشرٌ…
لممتُ قشر الثوم
وقلبت السكين
ولم تجد العرّافة في فنجاني سوى وردة ميّتة
وقبرا مفتوحا على احتمالات الحياة.