لورنس فيرْلِينْغيتِّي.. الشّعْرُ، فَنُّ الفِتْنَةِ الكُبْرى
باستثناء نصوص شعرية متفرقة ترجمت له إِلى العربية، لا أعرف – في حدود علمي – أَن للشاعر الأمريكي الكبير لُورَنسْ فِيرْلينْغِيتِّي (من مواليد 24 مارس – آذار 1919) كتباً تُرجمت إِلى اللغة العربية. أعرف أن الشاعر العربي الراحل سركون بولص كان من أوائل مَنِ اهتموا بشعْرهِ وتجربته الإبداعية والنضالية في النصف الثاني من الستينيات، ضمن اهتمام مبكر بشعراء الطليعة الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية. وكذلك الحال الناقد العربي الكبير خلدون الشمعة الذي ترجم ونشر له في السبعينات عددا من قصائده إلى جانب حوار أجراه معه في لندن في مطلع السبعينات. (نشر مع عدد كبير من القصائد في "الجديد" العدد 73 شباط/فبراير 2021، أي قبل شهر من رحيله عن مائة عام وعام.).
ينبغي القول إِن فِيرْلينغيتي على أهميته الشعرية والاجتماعية والثقافية في المَشْهَد الشعري والأدبي الكوني، لم تُترجَم بعض كتبه إلا إلى تِسع لغاتٍ (بينها الفرنسية والإيطالية التي يمكنني الوصول إليه عَبْرَهُما). ويمكن أن نلاحظ أن معظم الذين اهتموا به في العَالَم أَثارهم أساساً شَغَبُه وخطابُه الراديكالي المتحمس والمندفع في مواجهة النظام السياسي لبلاده، وانخراطه في معظم الحركات والتظاهرات الاحتجاجية التي واجهت التوجهات الأَمريكية الرسمية والنزوع الحربي لبعض القادة الأمريكان (خليج الخنازير في كوبا، الڤيتنام، أمريكا اللاتينية، حرب الخليج وغيرها)، حتى إنه قال مرة: "أنتظر أن يكتشف أَحدٌ مَّا أمريكا ويبكي".
كان الاهتمام بمواقفه وتصريحاته وبياناته غالباً على حساب الاهتمام بنَصِّه الشعْري، وإِن بدأنا نلمس مؤخراً بعض الأصوات الشعرية العربية الشابة تتمثل شعريته بل وتستنسخها في بعضِ ما نقرؤه لها من قصائد.
لورنس فيرلينغيتي، الشاعر والكاتب المسرحي والناشر والرسام والنشيط الاجتماعي والسياسي، هو – بالتأكيد – أحد أهم أركان حركة جماعة شعراء سان فرانسيسكو (بيتْ جينرايشون Beat Generation)، إِلى جانب غينسبيرغ وكيرواك وغريغوري كورصو وآخرين. وقد وفرت مكتبته الشهيرة في تلك المدينة الكاليفورنية الجميلة "سيتي لايتز" (City Lights Books) نقطة التقاء للجماعة، وفضاء مخصباً لحواراتها وسجالاتها الداخلية والخارجية. تلك المكتبة التي سرعان ما تحولت أيضاً إلى دار للنشر اشتهرت خصوصاً بسلسلتها "شعراء الجيب" التي نشرت فيها أعمال شعراء مشاغبين جدد تفاعلوا مع التغيرات السوسيوثقافية العميقة التي كانت تعيشها الولايات المتحدة خلال ستينيات القرن العشرين.
قضى لورنس فيرلينغيتي طفولته الأولى في فرنسا التي ذهب إليها برفقة إِحدى قريبات أسرته، وذلك في أعقاب عزل والدته المريضة عقلياً في أحد المعازل الطبية. ثم أعيد في سن الخامسة إلى مسقط رأسه حيث بدأ دراسة الإنجليزية. عاش مراهقة صعبة ومضطربة، التحق خلالها بإحدى الجماعات الجانحة من قرصان الأَحياء (الفُتُوات) ليُعتقل على إِثرها قبل أن تتيح له برامج إعادة التربية الاستفادة من عدة إمكانيات لمتابعة دراسة انتهت بحصوله على شهادات عليا بما فيها دكتوراه من جامعة كولومبيا بنيويورك، إحدى أهم الجامعات في العالم.
يُعْرَف عن لورنس، شغفه اللانهائي بشعر بودلير، ونزوعه الروحاني والأخلاقي البوذي الذي تلوح ملامحه في شعره وبياناته الشعرية النارية. وهو الآن، في سِنِّهِ المتقدمة، يقضي معظم وقته في ضيعته على ساحل "البِيغْ سور" معترفاً، أخيراً، بأَن الإنسانية لم تكن – ولا تزال حتى الآن – غير جاهزة لتقبل بالأَفكار "الفوضوية" (الأَنَارْشيا) التي كرَّس لها سنوات وافرة من حياته. ومع ذلك ليس بإمكان أَحدٍ مِنَ المهتمين بالحركة الشعرية الأمريكية والكونية المعاصرة أن ينكر الدور الهام لهذا الشاعر الكبير (الكبير شِعْراً وسنّاً وخبرة جمالية وفكرية) في تحريك سواكن الكتابة الشعرية الإنسانية. ولا تخفى إِضافاته النوعية – هو وغينسبيرغ وكيرواك وكورْصُو، وحُلفاء آخرين مثل شارل بوكوفسكي – في تثوير اللغة الأدبية وتغيير قاموسها التقليدي الجامد، وفتح الشعر على هوامش الواقع الاجتماعي والتحولات البنيوية العميقة في الثقافة والفكر والسياسة، واستيعاب معاجم المُهَمَّشين البذيئة والوَقِحَة وتوظيف المرجعيات الروحانية الشرقية والمِثْلية ولغات المدمنين والسكارى، وإيلاء الاعتبار للثقافة السياسية للحركة "الفوضوية" و"خرابها الجميل".
اعتبر لورَنْسْ فيرلينغيتي أن "الشِّعْر هو الصرخة التي نطلقها ونحن نستيقظ في غابة معتمة وسط طريق حياتنا". شعر يحتفي به رأي للاري سميث Larry Smith، بالقول "إِنه يكتب قصائد لا تُنْسى، تظل حية في ذاكرة وضمير القراء، وتسهم في الوعي بضرورة التغيير. كتابة تغني مع الموسيقى الحزينة في الشارع".
ورغم قيمته المركزية في حركة "البِيتْ جِينِرَايْشون"، قال فيرلينغيتّي "لم أكتُبْ أبداً شعْرَ بيتْ Beat بل شعر الانفتاح الكبير". وهو يفضل في أحد حواراته الصحفية تعبيره الانفتاح الكبير (Wild-open) في وصف شعره. قال له نيرودا، حين التقاه سنة 1950 في لقاء داعم للثورة الكوبية إِبَّان بداياتها: "أحب شِعْرَكَ الأكثر انفتاحاً"، ومن ثَمَّ جاءت هذه التسمية التي يقول عنها فيرلينغيتي مُتَفكِّهاً إِنه لا يعرف حتى الآن ما إِذا كان نيرودا يقصد المضمون الواسع لشِعْري أم كان يلمح إِلى أشعاري النابضة بروح الحياة!
وشأن باقي أعضاء جماعة سان فرانسيسكو الشعرية، غينسبيرغ بالأَخص، لم يُولِ فيرلينغيتي لكبار الشعراء الأَمريكان المكرَّسِين عالمياً الاعتبار، فهاجم بدوره إِزْرَابَّاونْد. لقد اعتبروا دائماً أَنه "يكتب الشّعْر من خِلَل القراءة والكتب لا من خِلَل التجربة الإنسانية الحية، ويكتب انطلاقاً من المتحف الأَدبي!". كما تبادل شعراء الجماعة عبارات التمجيد وظلوا يوزعونها فيما بينهم: "كيرواكْ هو أعظم شاعر أمريكي!" مع أنه عرف واشتهر أساساً كروائي؛ "أعتقد أن كورْصُو نابغة وخَلاَّق كبير مثل كيتْس" يقول غينسبيرغ مميزاً فيرلينغيتي إلى جانب والن (Whalen) وسنايدر (Snyder) "الشعراء الأكثر حكمة ويمكن أن يُعوَّل عليهم!". كما نال شعراء آخرون نفس النظرة الاحتفائية أمثال ماك كلور (Mc Clure) ووينرز (Wieners) وأولسن (Olson) وأوهارا (O'Hara) وأشبري (Ashbery) وكوتش (Koch)...
لقد رفضت جماعة "البِيتْ" كل أنواع التعاقد الاجتماعي والأَخلاقي التي من شأنها تعطيل حرية الشاعر في التخيّل والتصرف والتحرك والكتابة، "فالمرءُ لا يكون حرّاً إِلا إِذا كان متحرِّراً من كُلِّ إِكراه، خارجي أو باطني، مادي أو معنوي – وحين لا يكون خاضعاً لأَيِّ إكراه، لا من طرف القانون ولا بسبب الضرورة"، بالمعنى الذي كان يقول به سكايلَرْ في كتابه "الجماليات الأَدبية" (1845) وتَبنَّاه شعراء الجماعة. إِن الأخلاق التي يفرضها الاشتغال الإيديولوجي المهيمن تقتل الخيال وحرية الفعل لدى الإنسان، هذه الأَخلاق التي لها راياتها وشعاراتها و"دولاراتها" التي تمتنع عن التَّملُّك"!
فيرلينغيتي، مثلما غينسبيرغ أيضاً – وهما أبرز أعضاء الجماعة الشعرية – سخِرَ في شعره وفي بياناته الشعرية عالية النبرة والغضب من أمريكا وقوتها الاستعراضية، وكذا من "الحلم الأمريكي" الذي ظل دائماً "مجرد حلم"!
وفي الاعتقاد، كما في القصيدة والخطاباتِ الموازية كلها، لاحَتْ أمريكا لدى هؤلاء الشعراء الغُلاَة المتحرّرين وطناً للاجئين والتائهين والمعذبين والبؤساء واليائسين. كما وصفوها بأنها مجرد "حفرة كبيرة" تحاول أن تنهض في عتمات بنوكها ومؤسساتها المالية فتعاود السقوط في متاهتها اللانهائية بلا استقرار حقيقي وبلا هوية متجانسة. إن أمريكا بكُلّ قُوَّتِها النوَوية، وكل الثراء الفاحش اللاَّيُستَنْفَد لأَراضيها الشاسعة، وكل مجتمعها القائم على النكران والتجاهل والجحود، لن تستطيع شراء إِثنية منسجمة، ولا ترميم ماضٍ وطني مشترك، ولا أن تمنح للبلاد جذوراً خالية من الاستيلاب".
إِن "الحلم الأمريكي" هو مجرد حلم!
هُنَا، محاولة أولى للاقتراب من بعض البيانات الشعرية لِفِيرْلينْغيتِّي (الشعر، فَنّ الفتنة الكبرى) على أمل أن نواصل تعريب وتقديم باقي بياناته وبعض كتاباته الشعرية.
الشّعْرُ، فَنُّ الفِتْنَةِ الكُبْرى
أبْعَثُ إِليكَ بإِشَارَةٍ منْ خِلَلِ اللُّهُب.
القُطْبُ الشَّمَالي غَيَّرَ مَكانَهُ.
المَصِيرُ الظَّاهِرُ لم يَعُدْ ظاهِراً.
الحَضَارَةُ تُخَرِّبُ ذَاتَهَا.
نيمِيسِيسْ تَطْرُقُ البَابَ.
مَا الحَاجَةُ إِلى شُعَرَاء في عَصْرٍ كَهَذَا؟
وفِيمَ يُجْدِي الشِّعْر؟
المَطْبَعَةُ جعَلَتِ الشِّعْرَ صَامِتاً، إِذِ افْتَقَدَ فيهَا غِنَاءَهُ. فَاجْعَلْهُ أَنْتَ يُغَنِّي مِنْ جَديد!
إِنْ كُنْتَ تُريدُ أَنْ تُصْبِحَ شَاعِراً، أَبْدِعْ أَعْمالاً قَادِرَةً عَلَى رَفْعِ تَّحَدِّيَاتِ قِيَّامَةٍ مَّا، وعِنْدَ الضَّرُورَةِ، بِنَبَرَاتٍ قِيَّامِيَّةٍ.
أَنْت وَيتْمانْ، أَنت بُّو، أنت مَاركْ تْوَينْ، أَنْت إِميلي ديكنْسُون وإِدْنَا سانت ڤانْسَانْ مِيلاَيْ، أَنْت نِيرُودَا ومَايَاكُوفْسكي وبَّازُوليني، أَمريكي(ة) أو لا، بإِمكانك أَنْ تَغْزُوَ الغُزَاةَ بِالكَلِمَاتِ.
إِذا كُنْتَ تُريدُ أَنْ تُصْبِحَ شِاعِراً، أكتُبْ صُحُفاً حَيَّةً. كُنْ مُرَاسِلاً مسْتَطْلِعاً في الفَضَاءِ، وابْعَثْ بقُصَاصَاتِكَ إِلى أَعْلَى رئيسِ تحريرٍ يريدُ الحَقيقَةَ، لا شَيءَ غَيْرَ الحَقيقَةِ، ولَيْسَ البْلاَبْلاَ [الهَذَر].
إِذا كنْتَ تُريدُ أن تُصبحَ شَاعِراً كبيراً، جَرِّبْ كُلَّ أَنْواعِ الشِّعْرِيَّاتِ، النَّحْوِياتِ الإِيرُوسيةِ الضَّاريَةِ، دِيَانَاتِ الشَّطْحِ، التدفُّقاتِ الوَثَنيَّةِ المجنونة، الخِطَابَاتِ العُمُوميَّةِ البَاذِخَةِ، الخَرْبَشَاتِ الأوتوماتيكية، الإِدْرَاكاتِ السُّورْيَالية، تَموُّجَاتِ الوَعْي، الأَصْواتِ المَوْجُودَةِ، الصَّرخاتِ والاعتراضاتِ – واخْلُقْ صَوْتَكَ القَاطِعَ كالنَّصْلِ، صَوْتَكَ التَّحْتَانِي، صَوْتَكَ، الصَّوْتَ الذي لَكَ.
إِنْ كُنْتَ تَقُولُ عن نَفْسِكَ إِنَّكَ شَاعِر، لا تَبْقَ بِغَبَاءٍ على كُرْسيِّكَ. ليْسَ الشِّعْرُ نَشَاطاً مقيماً، ولاَ أَريكَةً تُتَّخَذُ. إِنْهَضْ وأَظْهِرْ لَهُمْ ما تَسْتَطِيعُ أَنْ تفْعَلَهُ.
إِزْرَعْ رؤْيَةً شاملةً، ولْتُعَانِقِ العَالَمَ كلُّ نَظْرةٍ منْ نَظَراتِكَ. عَبِّرْ عنِ الوُضُوحِ الشَّاسِعِ لِلعَالَم الخَارِجي، عَنِ الشَّمْسِ التي ترَانَا جميعاً، القَمَرِ الذِي يَنْثُرُ عَليْنَا ظِلالَهُ، البِرَكِ الهَادِئةِ في الحَدَائِقِ، أَشْجَارِ الصَّفْصَافِ حيثُ تُغنِّي مخْتبئَةً عَصَافيرُ السُّمَان، الغَسَقِ الذِي يَهْبطُ على مَجْرَى المَاءِ والفَضَاءَاتِ الكُبْرى التي تَنْفَتِحُ على البَحْر... عَلَى مَدِّ البَحْرِ وصَرْخَةِ البَلَشُون... والنَّاسِ، النَّاسِ، نَعَمْ، جميعاً حول العَالَم، يتكلمون لُغَاتِ بَابِل. إِمْنَحْهُم جَميعاً صَوْتاً.
سيَكونُ عليْكَ أَن تُقَرِّرَ ما إِذَا كانتْ صرخاتُ الطُّيُورِ من انْتِشَاءٍ أَمْ مِنْ يأْسٍ. وإِذن سَتَعْرِفُ ما إِذَا كُنْتَ شَاعِراً تْراجِيدياً أَمْ شَاعِراً غِنائياً.
إِنْ كُنْتَ تريدُ أَنْ تُصْبحَ شَاعِراً، إِكْتَشِفْ صِيغَةً جَديدَةً لِسَكَنِ البَشَرِ عَلَى الأَرْضِ
إِنْ كُنْتَ تريدُ أَن تُصْبحَ شاعراً، اخْتَلِقْ لغَةً جَديدَةً يستطيع كل واحدٍ أن يَفْهَمَها.
إنْ كُنْتَ تُريدُ أَنْ تُصْبِحَ شَاعِراً، أَعلِنْ عن حقائِقَ جديدةٍ لا يَسْتطيعُ العَالَمُ أَنْ يُنْكِرَهَا.
إِنْ كنْتَ تريدُ أَنْ تُصْبحَ شَاعِراً كبيراً، أجهِدْ نَفْسَكَ كي تُدوِّنَ ضَميرَ السُّلاَلَةِ.
بِالفَنِّ، أَبْدِعِ النِّظَامَ انْطِلاقاً مِنْ فَوْضَى الحَيَاة.
إِجْعَلِ الأَخْبَارَ جَديدَةً.
أُكْتُبْ فِيمَا ورَاءَ الزَّمَن.
اخْتَرِعْ منْ جَديدٍ فِكْرَةَ الجَمَال.
في أَولِ خُيُوطِ الضَّوْءِ، تَجَاسَرْ عَلَى البَذَخِ الشِّعْري. إِنَّ اللَّيْلَ، بَذَخٌ مَأْسَاوي.
أَنْصِتْ لِحَفِيفِ الأَوْرَاقِ ولِزَخِّ المَطَر.
ضَعِ الأُذُنَ عَلَى التُّرَابِ واسْمَعِ الأَرْضَ تَدُورُ، البَحْرَ يَدْفُقُ، الحيواناتُ المُحْتَضَرَةُ تَنُوحُ.
إِفْهَمِ الحُبَّ بِمَنْأَى عَنِ الجنْس.
ضَعْ كُلَّ شَيْءٍ والعَالَمَ كُلَّهُ مَوْضِعَ سُؤَال، حَتَّى سُقْرَاط نفْسهُ، الذي كان يُسَائِلُ كُلَّ شيءٍ.
إِسْأَلِ "اللَّهَ" وَعِبَادَهُ عَلَى الأَرْض.
كُنْ مُدَمِّراً، لاَ تَتَوقَّفْ عَنْ أَنْ تَتَّهِمَ الوَاقِعَ والوَضْعَ الرَّاهِنَ.
أَجْهِدْ نَفْسَكَ لِتُغَيِّرَ العَالَم، ولَسْتَ في حَاجَةٍ إِلى أَنْ تكُونَ مُنْشَقّاً.
إِنَّ الهِيبّْ-هُوبْ (Hip-hoppe) والرَّابّْ (rappe) طَرِيقُكَ نَحْوَ التَّحرُّر.
جَرِّبْ هَذَا: أَنْ تَكُونَ حَيوَاناً مُغَنِّياً أَصْبَحَ وَسيطاً (Proxo) لمَلِكٍ مُسَالِم.
إِقْرأْ مَا بَيْنَ الحَيَواتِ، أُكْتُبْ ما بَيْنَ الأَسْطُر.
قَصَائِدُكَ ينبغي أَنْ تكُونَ شَيْئاً أَكْثَرَ منْ مُجرَّدِ إِعلانٍ عن قُلُوبٍ مُنْكَسِرَة.
عَلَى القَصيدَةِ أَنْ تُغَنِّيَ وأَن تَطَّايَرَ مَعَكَ، وإِلاَّ فهي بَطَّةٌ مُنْهَكَةٌ بِرُوحِ النَّثْرِ.
عَلَى القَصيدَةِ الغِنَائيةِ أَنْ تَرْتَفِعَ فَوْقَ الأَصْواتِ المَوْجُودَةِ في حَسَاءٍ مِنَ الحُروف.
دَوِّن كَلِمَاتِ رُوَّادِ الفَضَاءِ الذين رَأَوْا، بِمَعِيَّةِ هنْريش أولبِرْسْ (H. Olbers)، المَكَانَ الذي كُلُّ شيءٍ فيهِ ضَوْء.
تَذَكَّرْ: "إِنَّ اللَّيْلَ، [وهُوَ] بَعْضُ نُجُومٍ" يمتِلِكُ من قُوَّةِ الشِّعْر أكثر من أَيِّ كَاطَالُوغ [يُعرِّفُ] بالسَّمَاوَات.
عَلَى صُوَرِكَ في القَصيدَةِ أَنْ تَكُونَ (مِمَّا لَمْ نَرَهْ أَبداً) jamais vu لا (مِمَّا سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ) déjà vu.
الكَلِمَاتُ دائماً، حِينَ تَعْجِزُ الأَسْلِحَة.
قَرِّرْ مَا إِذَا كانَتْ قَصيدَتُكَ سُؤَالاً أَو تَصْرِيحاً، تَبَصُّراً أَو صُرَاخاً.
أَعِدِ اخْتِراعَ أمْريكَا والعَالَم.
تَسَلَّقْ تِمثَالَ الحُرِّية.
تَحَدَّ المِيتَافيزيقَا، ولْتَكُنْ لَكَ ثِقَةٌ في الخَيَالِ وخَصِّبْهُ.
بَدَلاً مِن أَنْ تَرْغَبَ في الهُرُوبِ مِنَ الوَاقع، أَلْقِ بنَفْسِكَ في لَحْمِ العَالَم.
إِنْ كنْتَ تَزْعُمُ بأَنَّكَ شَاعِر، غَنِّ شعْرَكَ بَدَلاً منْ أَنْ تُكَرِّسَهُ.
لاَ تَدَعْ أَحَداً يَقُلْ عَنْكَ إِنَّ خَيَالاً راكداً يُغْرِقُ ذَوَبَانَ جَليدِ قَلْبِكَ.
صَالِحِ الحِكايَةَ مع الصَّوْتِ الحَيِّ.
كُنْ حَكَوَاتياً يحكي الحِكَايَاتِ العَظِيمةَ، بمَا فِيهَا الحِكَايَاتُ الأَكْثَرُ غُمُوضاً.
إِمْنَحْ صَوْتاً لِلشَّارِعِ الذي بِلاَ لِسَان.
إِجْعَلِ الأَسْمَاءَ المُشْتَرَكَةَ أَقَلَّ اشْتِراكاً.
إِسْتَثِرْ خُصُومَةَ العُشَّاقِ مَعَ مَصِيرِ البَشَر.
قَبِّلِ المِرْآةَ، وفي أَعْلاَهَا، أُكْتُب مَا تَرَاهُ، مَا تَسْمَعُهُ.
أَيُّها الشَّاعِرُ، كُنْ جَاسُوسَ الرَّبِّ إِنْ كانَ الرَّبُّ مَوْجُوداً. أَيُّها الرَّسَّامُ، أُرْسُمْ عَيْنَهُ، إنْ كانَتْ لَهُ عَيْن.
كُنْ كَلْباً غَامِضاً يَنْبَحُ أَمَامَ خِيَامِ الوُجُودِ.
أُنْظُر إِلى الوَرْدَةِ بِنَظَّارَاتٍ بأَلْوَانِ العَالَم.
كُنْ عَيْناً بَيْنَ العُمْيَانِ.
أُرْقُصْ مع الذِّئَاب وعُدَّ النُّجُومَ، بما فِيهَا تِلْكَ التي لم يصِلْنَا بعْدُ ضَوْؤُهَا.
كُنْ عَفْوِياً، لاَ صَلِفاً، كَمَا لو أَنَّكَ تَحُطُّ الآنَ عَلَى الأَرْضِ، مُنْدَهِشاً بهَذَا الذي تَسْقُطُ فَوْقَهُ.
اسْتَفْسِرْ بِقَلْبٍ صَافٍ عن مَعْنَى الأَشْيَاءِ الذي لا يُمْكِنُ سَبْرُهُ، وعن مَصِيرِنَا التراجِيدِي – الكُومِيدي.
هَلْ لَكَ هِبَةُ الافْتِتَان؟ هل أَنْتَ مُسَلَّحٌ بِالتَّعَجُّب؟ هل لَديْكَ صَوْتُ الجُنُون؟ كُنْ أَبْلَهَ "الزِّنْ".
إِنَّ شَمْسَ الشِّعْر تُلْقي بِالظِّلاَلِ. فَارسُمْهَا أَيْضاً.
لَنْ تَرَى، لَنْ تَسْمَعَ، لَنْ تَشُمَّ أَبَداً أَكْثَر. هَذَا إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تتَحمَّلَ.
أَجْهِدْ نَفْسَكَ لِتَسْتَرِدَّ العَيْنَ البَريئَةَ التي كانَتْ لَكَ، حِينَ كُنْتَ طفلاً.
أَلِّفْ في اللِّسَانِ، لا عَلَى الصَّفْحَة.
مِثْلَ بُوذِيٍّ، أَنْصِتْ لِنَفَسِكَ.
إِخْفِضْ صَوْتَكَ، واجْعَلِ الرَّنِينَ في صَدْرِكَ لاَ في الأَنْفِ.
عِنْدَمَا تَقْرؤُ قَصَائِدَكَ، لاَ تَبْحَثْ عَمَّا بِهِ تُفَجِّرُ الوَاجِهَاتِ الزُّجَاجَ في الدائرة المُجَاورَة...
في هَذَا الفَنّ، لَنْ يكُونَ لَكَ مُعَلِّمٌ لِلْغِنَاءِ، لاَ شَيْءَ سِوَى أُذُنِكَ البَاطِنيَّة.
لَنْ تُسَاوِيَ إِلاَّ مَا تُسَاوِيهِ أُذُنُكَ.
أَسَفاً عَلَيْكَ إِنْ كانَتْ نَشَازاً.
كَالبَشَرِ، لِلْقَصَائِدِ عُيُوبٌ قَاتِلَة.
غَنِّ تَهْليلَةَ التحِيَّةِ، Hello!
أُكْتُبِ القَصيدَةَ دُونَ نِهَايَةِ حَيَاتِكَ عَلَى الأَرْضِ أو عَلَى غَيْرِهَا، شِعْراً أَكْبَرَ من الطبيعةِ.
عَلَى القَصيدَةِ العَظيمَةِ أَنْ تُولَدَ مِنْ حَصِيلَةِ جَمِيعِ قَصَائِدِكَ، وأَنْ تَرْويَ أَكْثَر مِمَّا يَرْويهِ الوَاقِعُ المُسَطَّحُ، أكثر مما "يَحْدُثُ أَمَامَ النَّافِذَة".
أُعْثُرْ عَلَى وَاِقعِ الآخِرَةِ إِنْ كَانَ مَوْجُوداً.
عَلَى لُغَتِكَ أَنْ تُغَنِّيَ، بقَافِيَةٍ أَوْ بِدُون، لكي تُبَرِّرَ شَكْلَ طِبَاعَتِهِا الشِّعْرِي.
أَكْثَرُ مِنَ الشِّعْرِ "الَّذِي يَتَكَلَّم"، أُكْتُبْ شِعْراً يُغَنِّي.
لِكي تَدْعَمَ صَوْتَكَ، [ثَمَّةَ] آلَةٌ لِلْمُوسِيقَى أو أَصْوَاتٌ أُخْرَى، وَلْتُزْهِرْ قَصَائِدُكَ في أُغْنِيَةٍ.
كِيفْ (Kiffe) *المُغَنِّينَ الشَّعْبيِّينَ، الشُّعَراء الحَقِيقيِّينَ الذين غَنَّوْا بالأَمْسِ ويُغَنُّونَ اليَوْمَ.
إِقْرأْ ما بَيْنَ أَسْطُرِ الخِطَابِ الإِنْسَانِي.
عَلِّمْ رُوحَكَ كَيْفَ تَشُقُّ سَبيلاً نَحْوَ القَلْبِ.
حَيَاتُكَ، هِيَ شِعْرُكَ. إِنْ لَمْ يكُنْ لَكَ قَلْبٌ، سَتَكْتُبُ شِعْراً بِلاَ قَلْب.
تَجَنَّبِ المَحَلِّي. وَامْضِ نَحْوَ الكَوْني.
لاَ تُقَطِّعِ الأَحْجَارَ. أَلْقِ بِنَفْسِكَ في البَحْرِ حَيْثُ كُلُّ قَصِيدَةٍ سَمَكَةٌ حَيَّة.
قُلْ مَا لاَ يَنْقَالُ، واجْعَلِ اللاَّمَرْئيَ مَرْئيّاً.
فَكِّرْ ذَاتياً، واكْتُبْ ذَاتياً.
كُنْ حَرْفِيَّ الخَيَال. المَلْمُوسُ هو حَيْثُ الأَكْثَرُ شِعْريةً.
فَكِّرْ أَفْكَاراً طَويلَةً في جَمُلٍ قَصيرَةٍ.
إِنْ أَردْتَ أَنْ تَجْعَلَ من نَفْسِكَ شَاعِراً، لا تَحْمِلْ أَفْكَارَكَ الخَرْقَاءَ صَوْبَ الشِّعْر.
ثَلاثَةُ أَسْطُرٍ لاَ تَصْنَعُ قَصيدَةَ هَايْكُو. لاَبُدَّ مِنْ كَشْفٍ لكي تَنْبَجِسَ.
بَعْدَ قِرَاءَةٍ شِعْريةٍ، لاَ تَسْتَسْلِم أَبداً لِجَلْسَةٍ من الأَسْئِلَةِ والأَجْوِبَة. الشِّعْرُ يَسْمُو بالمُسْتَمِع. الأَسْئِلةُ والأَجوبةُ تُسْقِطُهُ ثانيةً في النَّثْر. هل يُطْلَبُ من المُغَنِّين تَفْسِيرَ أَغَانِيهِم؟
مِثْلَ حَقْلِ عَبَّادِ الشَّمْسِ، ليْسَ لِلْقَصيدَةِ ما تُفَسِّرُهُ.
إِذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُفَسَّرَ قَصِيدَةٌ، مَعْنَاهُ أَنَّ الاتِّصَالَ انْقَطَع.
ليْسَ لِلشَّاعِرِ ما ينَاقِشُهُ حوْلَ فَنِّهِ الشِّعْري أو حَوْلَ سَيْرورَتِهِ الإِبْداعية. إِنَّهُ أكثَرُ من مُجرَّدِ سِرٍّ مِهَني، بل هو سِحْرٌ عَجيبٌ في حد ذاتِهِ لاَ يُمْكِنُ سَبْرُهُ.
كُلُّ مَا يُمْكِنُ لِشَاعِرٍ أَنْ يَقُولَهُ حول عَمَلِهِ هو اعْتِذَارٌ لا ينْبَغي أَنْ يُقَدِّمَهُ.
أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ كَاتِباً كبيراً أَمْ أَكَادِيمياً عظيماً، شاعراً بورجوازياً أَمْ رَادِيكَالياً (جذْريّاً) مُشْتَعِلاً؟
هَلْ يُمكِنُكَ أَنْ تَتَخَيَّلَ شِيللِّي (Shelley) في مُحْتَرَفٍ شِعْرِيٍّ؟
ومَعَ ذلك، فَإِنَّ بِإِمْكَانِ مُحْتَرَفِاتِ الشِّعْرِ أَنْ تَخْلُقَ جمَاعَاتٍ من العَائِلاتِ الشِّعْرِية، في قَلْبِ أَمريكا حيْثُ يَتَسكَّعُ كثيرٌ من العُزَّلِ بَحْثاً عن أَرْوَاحٍ شَقِيقَاتٍ.
إِذَا كَانَ عَلَيْكَ أَنْ تُعَلِّمَ الشِّعْرَ، حُكَّ سَبُّورَتَكَ السَّوْدَاء بِطَبَاشيرَ من ضوْءٍ.
لاَ فِكْرَةَ تَأْتي مِنَ الحَوَاسِّ
Nihil in intellectu quod non prius in sensu
إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُصْبحَ شاعراً كبيراً، ارْتَبِطْ بِشُعَراءَ عَاقِلِينَ. إِنَّهُم نَادِرُونَ.
الشِّعْرُ الذي يُفَكِّرُ لَيْسَ في حَاجَةٍ إِلى إِقْصَاءِ الوَجْد.
إِقْرَأْ الرِّوَائيينَ المَلْحَميِّينَ، الشُّعَراءَ الرُّؤْيَويِّينَ، الحَكَواتِيِّينَ الكِبَار، أُولي النُّفُوسِ الكُبْرى.
تَرَدَّدْ عَلَى المَكْتَبَاتِ.
فِيمَ تُفَكِّرُ؟ مَا الَّذِي في رَأْسِكَ؟ إِفْتَحْ فَمَكَ وتَوَقَّفْ عِنِ الهَمْهَمَة.
لِتَكُنْ لَكَ رُوحٌ مُنْفَتِحَةٌ، ولَكِنْ لَيْسَ إِلَى الحَدِّ الذِي يسْقُطُ فِيهِ دِمَاغُكَ.
لِتَكُنْ رُوحاً جَديدَةً، وَلْتَتَجَدَّدْ.
إِكْنِسْ أَنْسِجَةَ العَنْكَبُوت.
إِزْرَعِ الاِنْشِقَاقَ والفِكْرَ النَّقْدِيَّ. الفكْرَةُ الأُولَى تَكونُ دَائماً الأَسْوأَ.
لاَحِقِ الحُوتَ الأَبْيَضَ، ولكِنْ بدُونِ أَنْ تَصْطَادَهُ. الْتَقِطْ بالأَحْرَى غِنَاءَهُ.
أَتِحْ لِنَفْسِكَ لَحظَاتِ طَيَرَانٍ بَاهِرَةً –
لَحَظَات طَيَرَانٍ مِنْ خَيَالٍ جَامِحٍ.
تَجَاوَزْ الانْتِظَارَاتِ العَالِيَةَ جِدّاً، النُّبُوءَاتِ الأَكثَرَ إِنْذَاراً بالخَطَر.
إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَصيرَ شَاعِراً كبيراً، كُنْ ضَمِيرَ السُّلاَلَةِ.
قَاوِمْ كثيراً، واخْضَعْ أَقَلّ.
تَحَدَّ الرَّأْسمَالِيةَ المُنْدَسَّةَ تَحْتَ قِنَاعِهَا الدِّيمُوقْرَاطي.
تَحَدَّ الدُّوغْمائيَّاتِ السيَّاسيةَ كُلَّهَا، وحَتَّى الشَّعْبَويةَ الرَّاديكَاليَّةَ والهُوليغَانيزْمْ الاِشْتِراكي.
تَأَمَّلِ الصُّوفيةَ، خُصُوصاً انْتِشَاءَهَا التَّانْتَرا* حيثُ الشِّعْرُ يُهْدِي مِنَ اللِّسَانِ إِلى القَلْب وُصُولاً إِلى الرُّوح.
تَلَذَّذ بتَشَاؤُمِ الفِكْرِ وتَفَاؤُلِ الإِرَادَة.
لاَ تَنْفُثْ فُقَاعَاتِ اليأْس.
إِنَّ الشِّعْرَ نَبَاتٌ مُنْجِمٌ وحَبَّاتُ زَرْعٍ، ولَيْسَ سَاقَ نَبْتَةٍ. فَدَخِّنْهُ** وحَلِّق عَالِياً.
أَسْهِمْ في الفَرَحِ الجمَاعِي في مُوَاجَهَةِ الضَّجَرِ المُحِيطِ.
حَرِّرْ سِرِّياً كُلَّ كائِنٍ تَرَاهُ في قَفَص.
إِعْتَقِ المَحْرُومينَ واجْعَلِ الطُّغَاةَ يُصَابُونَ بالسُّعَار.
إِرفَعْ صَوْتَكَ (بالعَوَاءِ) مثل مُتَوَحِّشٍ فَوْقَ سُقُوفِ العَالَم.
زَقْزِقْ الزَّقْزَقَة الكُبْرى.
رُشَّ قَصَائِدَكَ بِمِلْحِ الأَرْض.
تَكَلَّمْ بِاسْمِ الحَمْقَى والمَجَانين.
أُنْظُرْ إِلى الأَبَدِيَّةِ في أَعْيُن الحَيَواناتِ.
أُنْظُر إِلى الأَبَدِيَّةِ، لاَ أَبَديَّة المَسَاءِ الآخَر بل أَبَديَّة المَسَاءِ الذي سَيَأْتي.
فَسِّرْ مَا لاَ يُفَسَّر.
لاَ تَحْتَجِبْ عَنْ رَجُلِ الشَّارِع.
كُنْ طَائِراً يُغَنِّي لا بَبَّغَاء.
كُنِ الكَنَارِي في مَنْجَمِ الفَحْم. (إِنَّ كَنَارياً مَيِّتاً مُشْكِلَة، وليس فحسب بالنسبة لعُلَمَاءِ الطيور).
كُنْ أَيضاً دِيكاً وأَيْقِظِ العَالَم.
أُكْتُبْ قَصَائِدَ مُقْتَضَبَةً بأَصْواتِ الطَّيْر.
لَيْسَتْ أَصْواتُ الطَّيْرِ نَتيجَ آلاتٍ. إِمْنَحْ أَجْنِحَةً لِقَصَائِدِكَ، وَلْتَطِرْ حَتَّى شِعَافِ الأَشْجَار.
لاَ تَتَنَازَلْ، خُصُوصاً لِلجَمْهور، ولاَ لِلقُرَّاءِ أو النَّاشِرِينَ.
لا تُقَدِّم الحَسَاءَ إِلى الذّهْنِيةِ المتَوسِّطَةِ لأَمْريكَا ولا إِلى مُجْتَمَعِ الاِسْتِهْلاكِ. كُنْ شَاعِراً، لاَ مندوباً تجارياً (VRP).
لا تَنْتَقِدْ بِسُوءِ نيَّةٍ المُتَعَلْمِنينَ الذِين يَعْتَقدونَ أَنَّ عَلَى القَصيدَةَ أَنْ تَكُونَ مُمْتَلِئَةً، مُتَنَاغِمَةً، مُبْتَهِجَةً، حَقيقيَّةً، جَميلَةً وطَيِّبَة.
سِرْ فَوْقَ البَحْرِ عَلَى مَتْنِ سَفينَةٍ، أَو اشْتَغِلْ قُرْبَ الماء، وامْتَحِنْ نَفْسَكَ من أَجْلِ فُلْكِكَ.
لماذا ستُنْصِتُ للنُّقَّادِ الَّذِينَ لم يَكْتُبوا أَبَداً آثاراً أَدَبيةً كُبْرى؟
لاَ تُنْتِجْ شِعْرَ مُعَلِّمٍ (حَتَّى ولو بطَريقَةِ إِزْرَا بَّاوْنْدْ).
لاَ تَكْتُبْ إِعَادَاتِ نَشْرٍ للوَقَائِع الافْتِراضية.
كُنْ ذِئْباً في مَرْعَى الصَّمْتِ.
لاَ تَنْزَلِقْ فَوْقَ قِشْرَةِ مَوْزِ العَدَمِيَّةِ، حتى حِينَ تُنْصِتُ لِزَئيرِ العَدَم.
إِمْلأ الهَاوِيَةَ المُعْتِمَةَ التي تتَثَاءَبُ خَلْفَ كُلِّ وَجْهٍ، كُلِّ حَياةٍ وكُلِّ أُمَّة.
أُخْلُقْ مِنْ كُلِّ تَجْرِبةٍ قَصيدَةً جَديدَةً وتَجَاوَزْ غَشَاوَةَ اللَّحْظَةِ الرَّاهِنَة.
الْتَقِطِ اللَّحْظَةَ، كُلُّ ثَانيةٍ هِيَ دَقَّةُ قَلْبٍ.
أَبْعِدْ هَاتِفَكَ المَحْمُولَ وكُنْ هُنَا الآنَ.
إِبْحَثْ عَنِ المُدَاوَمَةِ في المَحْوِ والاِنْفِلاَتِ.
حَرِّكْ أَموَاجاً دَائِمةً وليْسَ فقط فوق رَأْسِ المُتَأَنِّقَات.
لاَ تَمْكُثْ في الكُهُوفِ بِلاَ أَمَلٍ، وتَلُفّ شَارِبَيْكَ فيمَا أَنْتَ تكْتُبُ كِتَابةً غَامِضَةً لاَ تُفْهَم.
لِماذَا تَعِيشُ في الظِّلِّ؟ خُذْ مَكَانَكَ عَلَى مَرْكَبَةِ الشَّمْسِ.
لاَ تَدَعْ أَحَداً يَقُلْ لَكَ إِنَّ الشَّعْرَ لا قيمة له.
لاَ تَدَعْ أَحَداً يَقُلْ لَكَ إِنَّ الشِّعْرَ للطَّيْر.
إِضحَكْ باستِخْفَاف عِنْدَمَا تَسْمَعُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الشُّعَراءَ هَامِشيُّون، إِرْهَابِيُّون مُفْتَرَضَونَ يُشَكِّلُونَ خَطَراً عَلَى بِلادِهِم.
لاَ تَدَعْ أَحَداً يَقُلْ لَكَ إِنَّ الشِّعْرَ فُصَامٌ لاَ يُشْفَى مِنْهُ البَعْضُ أَبَداً.
إِضْحَك بِقُوَّة مِنْ أُولئكَ الَّذِينَ يَحْسِبُونَ أَنَّ الشِّعْرَ هو الأَثَر الأَدبي لِلرُّوحِ القُدُسِ، وأَنَّكَ لَسْتَ سِوَى نَاسِخٍ لَهُ.
لاَ تُصَدِّقْ بِالأَخَصّ أَنَّ الشِّعْرَ لاَ يَصْلُحُ لأَيِّ شيءٍ في العُصُور المُظْلِمَة.
لاَ تَدَعْ أَحَداً يَقُلْ لَكَ إِنَّ الشُّعَراءَ عَنَاصِرُ تَشْويش.
إِضْحَكْ حَدَّ الاستهزاء مِنْ أُولَئِكَ الذين يَقُولُونَ لَكَ إِنَّ الضَّمَانَ الاجْتِمَاعِي يُموِّلُ الشِّعْر.
لاَ تُصَدِّقْهُم عندما يَقُولونَ لَكَ إِنَّ الحركَةَ الشِّعْرِيةَ لاَ تُسَاوي شيئاً في سُوقِ بُورْصَةِ ثَقَافَتِنَا، ثَقَافَةِ الكَازينُو.
لاَ تَفْتَحِ الفَمَ إِلاَّ إِنْ كُنْتَ فِعْلاً في حَاجَةٍ إِلى الغِنَاء.
إِذَا لم يَكُنْ لَدَيْكَ شَيءٌ تَقُولُهُ، فَلا تَقُلْ شَيْئاً.
تَوَقَّفْ عِنِ التَّكَلُّمِ بِاغْترَارٍ هَكَذَا. إِنَّ المَنْعَ مَمْنُوعٌ.
إِهْزَأْ بأُولئِكَ الذين يَقُولونَ لَكَ إِنَّكَ تَعِيشُ في أَحْلاَمِكَ. أُحْلُمْ بِوَاقِعِكَ. إِمْضِ وعَسْكِرْ عَلَى حَافَاتِ الوَاقِع.
إِضْحَك مُسْتَخِفّاً مِنْ أُولئِكَ الذِينَ يَقُولُونَ لَكَ: "أُكْتُب نَثْراً، أَيُّها الشَّابّ، أُكْتُبِ النَّثْر".
أُخْرُجْ مِنْ خِزَانَتِكَ. إِنَّ الجَوَّ مُعْتِمٌ في دَاخِلِهَا.
تَجَرَّأْ وكُنْ مُحَارِباً شِعْريّاً غَيْرَ عَنِيفٍ، بَطَلاً مُضَادّاً.
لَطِّفْ صَوْتَكَ اللِّطِيفَ جِدّاً بإِشْفَاقٍ.
إِسْتَخْلِصِ النَّبيذَ الجَديدَ مِنْ أَعْنَابِ الغَضَب.
تَذَكَّرْ أَنَّ الرِّجَالَ والنِّسَاءَ كَائِنَاتٌ انْتِشَائِيةٌ بِشَكْلٍ لاَنِهَائيٍّ، مُتَوجِّعَةٌ بشَكْلٍ لاَنهَائي.
إِرْفَعِ السَّتَائِرَ، إِفْتَحِ المَصَارِيعَ والنَّوافِذَ، إِرْفَع السَّقْفَ، فُكَّ ثُقُوبَ الأَبْوَاب، ولَكِنْ لاَ تَرْمِ اللَّوَالِبَ.
لاَ تُدَمِّرِ العَالَمَ إِذَا لَمْ يَكُن لَدَيْكَ شَيْءٌ أَفْضَلُ تُبَادِلُهُ.
تَحَدَّ نيميسِيسْ، المُنْتَقِمَة، الحَسُودَ.
إِنْخَرِطْ فِي أَمْرٍ مَّا يتَجَاوَزُكَ.
أَنْجِزْهُ بِشَغَفٍ.
إِذَا كَان عَلَيْكَ أَنْ تَنْتَزِعَ الانْتِصَارَ مِنْ بَيْنِ اللُّهُب، فأَيْنَ قَوْسُكَ المُشْتَعِلَة، أَيْنَ نِبَالُ الرَّغْبَةِ التي تَخُصُّكَ، ورُوحُكَ المُتَأَجِّجَة؟
حِينَ يُنْزِلُ الشَّاعِرُ سِرْوَالَهُ، عَلَى "شَيْئِهِ" الشِّعْري (arse poetica) أَنْ يكُونَ بَديهِيّاً وأَنْ يُظْهِرَ حَالاَتِ انْتِصَابٍ غِنَائيَّةً.
الطَّبَقَةُ الحَاكِمَة تُعْلِنُ عَنِ الحَرْب، والطَّبَقَةُ الشَّعْبِيَّةُ تَذْهَب لِتُحَاربَ. إِنَّ الحُكُومَاتِ تكْذِبُ. صَوْتُ الحُكُومَاتِ لَيْسَ هُوَ صَوْتُ الشَّعْب.
خُذِ الكَلِمَةَ. تَحَرَّكْ. إِنَّ الصَّمْتَ مُتَوَاطِئٌ.
كُنِ الذُّبَابَةَ العَالِقَةَ في الدَّوْلَةِ الخِنْزِيرَةِ، ولكِنْ أَيضاً كُنْ قُطْرُبَهَا.
وإِذَا كَان لَدَيْكَ قُرْصَانِ مِنَ الخُبْزِ، إِفْعَلْ كما فَعَلَ الإِغْريقُ: بِعْ وَاحِداً، وبدِرْهَمِ المَمْلَكَةِ إِشْتَرِ عَبَّادَ شَمْسٍ.
اسْتَيْقِظْ، إِنَّ العَالَمَ يَحْتَرِقُ!
إِقْضِ نَهَاراً طيِّباً.
* * *
يَا أَنْتُمْ، أَيُّها الَّذِينَ تَجْنُونَ
رَمَادَاتِ الشِّعْرَ الرّقيقَةَ
رَمَادَاتِ اللَّهَبِ الأكْثَرَ بَيَاضاً
لِلشِّعْرِ
فَكِّرُوا فِي أُولئِكَ الَّذينَ احْتَرَقُوا
مِنْ قَبْلِكُمْ
فِي النَّارِ الأَكْثَرَ بَيَاضاً
بَوْتَقَة كِيتَسْ وكَامْبَّانَا
بْرُونُو وسَافُو
رَامْبُو وبُّو وكُورْصُو
وشِيللِّي مُحْتَرِقاً عَلَى شَاطِئِ ڤْيَارِيدْجُو
والآنَ في اللَّيْلِ
فِي الاِحْتِرَاقِ العَام
هُوَ ذَا الضَّوْءُ الأَبْيَضُ
لاَ يَزَالُ يُحْرِقُنَا
أَيُّهَا المُهَرِّجُونَ الصِّغَار
مَعَ مَا تَبقَّى مِنْ شَمْعِنَا
المُتَمَدِّدِ صَوْبَ اللَّهَب!
هُنَا، ترجمة للفصل الأول من كتاب فيرلينغيتي: الشعر، فن الفتنة (أو فن الانشقاق)
Poésie، Art de l’insurrection – Edition maelström revolution – Bruxelles، 2012.
*كِيفْ كِيفْ (مِثْلَ)، كلمة مغربية تناقَلَها الشباب الأمريكي إِبان سنوات الهِيبِّيزْم، خصوصاً منهم أولئك الذين كانوا يترددون على المغرب خلال ستينيات وسبعينيات القرن 20).
*التَّانْترا (Tantrisme / Tantra)، مجموعة معتقدات وطقوس ذات صلة بالبراهمانية والبوذية، تتَغَيَّا تحقيق الخلاص والسكينة عن طريق معرفة الشرائع المتعالية للطبيعة.
*يستحضر فيرلينغيتي، هُنَا، قارئاً أمريكياً اعتَادَ تدخين العُشْب [الحشيش]. وهي إشارة ضمنية إِلى عادة الإدمان التي سادت بين الأجيال الأمريكية الجديدة في نهايات الستينيات الماضية.
ترجمة عن الفرنسية: حسن نجمي