مايليق بي كلاجئ
5 قصائد
ظلّي الذي يلاحقني
- لماذا تركتني وحدي في المأتم، تسألني بهاتف الجيب
- تطلعتُ الى نهديكِ، لم أتحملْ
كنتُ ساتقيأ على عمكِ وهو يثرثرُ في التابوت،
لم أستطعْ ان افعلَ حتى هذا
***
امدُّ يدي، التقطُ موزاً من شاحنةٍ بطيئة
اسمعُ السائقَ، وهو بدينٌ، يشتمني بينما آكلُ
أمضي، وانا في نهايةِ حياتي،
الى شغلي اليومي في منجمٍ للذهب
***
عليّ الوصول إلى هناك،
روحي تصبو إلى اناشيد مهاجرين، أنساها حالما أدخلُ نفقاً
ومنهُ إلى عربةِ قطارٍ لأتوارى عن ظلّيَ:
أراهُ، من بعيدٍ، يعدو ليلحقَ بي
***
أنامُ حينَ اتعبُ. قبلهُ اصرخُ،
وأنا في فراشي، على شاشة كومبيوتري
فينغلقُ البابُ والشباك. عندي برنامجُ خدماتٍ مثل هذا
على اسطوانةٍ صلبةٍ، يكفيني لعشر سنوات مقبلة
***
أرى بلزاك حائراً أمام الحاحِ شخصيات رواياته
للسفر الى مجرةٍ اخرى، توزيع الادوار من جديد
في اعمالهِ، ليشغلَ حصانٌ وظيفة وسيطٍ
حول كمية الهواء النظيف لكلٍ منهم.
***
اخذتني الى غرفتها، حلتْ شعرها الجميل
بداتُ أنزعُ حذائي، اخرجتُ واقيةً وقرص فايغرا
أصارحكَ، قالت، ما زلتُ عذراء
فهربتُ فوراً، ناسيا الواقية، قرص الفايغرا وحذائي.
عن اخصائيّ في الببغاء
سياراتُ تمضي بين الغيوم
أتلفتُ الى الجهاتِ كلها، أرى شمسينِ
واحدة في الشمال، تبدو صغيرة
والأخرى واقفةٌ جنوباً وأشعتها اقل
اشاهدُ طيوراً كثيرة، بعضها يهاجرُ
بعضها الآخر يزورُ أماكنه الاولى.
لأني أخصائيّ في الببغاء، وأحبّ الزرقاء منها
أناديها، تأتيني، تحومُ فوقي وهي تثرثرُ
أفهمُ ما تقولُ، فأبتهجُ
أغنية
لم أعدْ اسكنُ عند ضفةِ نهر
مياهٌ ملوثة، رملٌ تصخبُ
صخورٌ تستلقي منذ سنوات
وحيوانٌ نافقٌ هناك
هذا لا يناسبني الآن
تأقلمتُ في الماضي مع سلطعونات هنا
وكنتُ الجارَ المفضّلَ لهذا النهرِ الوحيد
ها أنا، للمرة الأخيرةِ، حباً بذلكَ الماضي
أدخلُ النهرَ حابساً أنفاسي التي تلهثُ،
رافعاً حاجبيّ الكثّينِ لأنّ شجاعتي تفاجئني
حينَ أجعلُ النهرَ ملعبي وطريقي إلى شاعر.
جميلاتٌ وأرامل في سوق مظلات
انا شديد الهيامِ بصديقتي الصينية
تكدحُ طوال اليوم، تحزنُ في اية عطلة
بخيلةٌ قليلاً، اتفهمُ ذلك
لستُ كفوءً مثلها، بسببِ الشعرِ
وأوهامٍ عن نفسي والعالم
مع اني عملتُ في إدامة قطارات
بين بغداد والبصرة
وسكرتُ، مرةً في الاسبوع، في مقبرة
غناء حفارينَ سكارى متعني
أو مع أصدقاء حول مشروبٍ مهرّب
من إحدى القرى الآشورية، رخيصٌ وقوي
نشتريه من إمرأةٍ بدينة في البتاوين
عندما تعودُ في الليلِ، منهكة
تحت وطأةِ شغلها اليومي
امتعها بطرائفَ وقصصٍ، وقد طبختُ لنا
رغم هذا كلهِ تبقى كئيبةً، تماماً كراهبة
ولأني جريءٌ، استطيعُ فتحَ اي شباكٍ
او نافذة وقتما اريدُ او ارغبُ،
احملها الى البانيو ( اظنها تحبّ هذا دائماً)
لنتحمّم
ازورها، حيثُ تعملُ، بين فترة واخرى
لأتبجّح لها شعوري وشوقي اليها
ثم اتجولُ في سوقٍ لمظلاتٍ واسماكٍ مجفّفة
لأثرثرَ مع جميلات وأرامل:
معنوياتي ضعيفة، في جيبي مفتاح البيت
وكلبي ينتظرُ امام الباب
***
لا يبهرني شيء ـ هناكَ ثعبانٌ صغيرٌ، نائمٌ
في مزهريتي، تتناهى اليّ اصواتُ غاضبة
لنساءٍ يتشاتمنَ. سوف اقتني اليوم عطراً لنفسي
وليس لصديقتي ولا لأحدٍ ثانيةً
***
أترجلُ من سيارتي، اذهبُ للتنزهِ في حديقةٍ شاسعة
عند المدخلِ أصادفُ شحاذا يلتمسُ مني صدقةً
لا اعطيهِ شيئاً رغم جمال عينيه:
ربما بسببِ اسمالهِ البالية
|
عجوزٌ يراقصُ مانيكاناً
اطلّ من الطابق الرابع لمستشفى
عجوزُ يراقصُ مانيكاناً في الحديقة.
كان امبراطوراً، اتخيلهُ،
ثاروا عليه، عثرَ في احدى مناماتهِ
على هذه المدينة، صارت مأواه.
***
تحملُ جراباً من احجار نادرة
انت الواقفُ منذ سنوات في ظلّ زيزفون
يظنك الجميعُ ـ المارّة، القطط الضالة، باعة المخدرات،
تمثالاً مهاجراً، تعودتْ عليك هذه الارصفة
والبيوت المحيطة. لا ينافسك احدٌ
رغم ذلك، تتسلقٌ الاغصان العالية
لتتناولُ وجباتكَ هناك.
***
اي طريقٍ اختارُ لأصلَ اليك؟
ارافقُ سربَ غربان؟
اختبىءُ في طائرةٍ تتجهُ الى الأمازون؟
اتبعُ رصيفاً مهجوراً، ثم اجدني بين أيائل مستاءة
ولا تطيعني؟
اقتفي اثر جنودٍ فروا من ثكنة، والثكنةُ هربتْ
من حربٍ طويلة، والاخيرة اندفعتْ
الى اقصى مدينةٍ، لكن اين هي الآن؟
سأمسكُ بوميضِ برقٍ، اجعلهُ دليلي اليها
حتى النهاية.
***
على مدى البصر بيوتٌ وابنيةٌ
ريفيّون يعرضونَ فواكهَ رخيصة
باعةُ اكفانٍ عند مفترقاتِ طُرق
وعلى جدرانٍ كثيرة معلقة او ملصقة
صور سياسيينَ تافهين، معظمهم قتلة
واقوالِ قادةِ جيوشٍ هّزموا،
بحارّة سكارى يغنونَ في حانةٍ صغيرة
قوارب تتمايلُ بين امواج،
الصيفُ هنا ايضاً، تعقّبني في السنة الماضية
حتى غضبتُ وتعريتُ من ملابسي
فاومأ موافقاً، وهو يبتسمُ، وتركني.
هذا ما بقي لي
الى داخلي كل الدروب والبوابات مغلقة
بشظايا دنانٍ وندائفِ ثلج
احتاجٌ وثباتٍ طويلة، كالكنغارو
لكني من سلالةٍ معذبة بآلام الركبتين
***
فرحي، هذا المساء، ذكرياتٌ يحملها قاربٌ اليّ
ملء كفينِ من تراب وطني، نايٌ من احد الرعاة
في جبل، فالةٌ نسيها مشحوفٌ جاء لزيارتي
ولم يعثر عليّ في مدينتي.
احجارٌ تتنفسُ
حتى في هذا العمر، تحاولُ جارتي اغوائي
مع اني صديقُ زوجها
فكرتُ كثيراً في هذا، ومازلتُ
افهمُ الآنَ لماذا لمستْ ذراعيّ
في سوقٍ لبيع السمك ـ
تأخرتُ في ادراكِ نواياها
قالت بأني رجلٌ مشعّرٌ وأبيض ايضاً.
من الغدِ سابحثُ عن غرفة اخرى
بعيدة، وامنحُ كلبي خيارَ البقاء معي
او الهجرة الى جزيرة قريبة،
كما تفعلُ الكلابُ هنا
حتى في هذا العمر لا ملاذ لي
من ماضيّ ومن إمرأةٍ هنا او هناك
ساذهبُ الى البحرِ واشكو اليه حالي
اسمعُ نصائحهُ، فهو معلمي
منذ سنواتٍ طويلة.
***
رعودٌ لا تتوقفُ هذه الليلة
احتمي بسردابٍ باردٍ، مصباحهُ ضعيف
كانَ فيلٌ يقيمُ هنا
حتى قُتل. مازلتُ اسمعُ هذيانهُ احياناً:
ذات ليلة خرجَ، وقفَ امام البيت
ملوحاً بخرطومهِ الى السماء
التي كانت بلا نجوم او سحب
فجأةً ضربتهُ صاعقة برقٌ، سقطَ ولم يقمْ
لن اكررَ ما فعلَ، سابقى في هذا المكان الموحش
الذي لا يراهُ ولا يعرفهُ اي برق.
***
اصدقائي لن يعودوا، ارشدتهم فراشات
ثم احرقتهم حممُ بركانٍ بعيد.
طرقٌ كثيرة، خالية، إلا من ظلال
اتبعُ آثار خطى حيواناتٍ خرجت سالمةً
من اوحالِ جدولٍ جفّ
متفادياً اغنياء وخصوماً يتشمسون في مقبرة
بعدما هربَ موتاها الى المدينة
***
اي لغزٍ هذه الحياة؟
روحي تسألُ واسمعها بوضوحٍ
تضطربُ عندما ترى احجاراً تتنفس
ترافقني اينما ذهبتُ، يقرفني ذلكَ قليلاً
لكن ماذا افعلُ؟
اليوم تتبعنا علاماتٍ اخذتنا الى مضيقٍ
وجدنا فيهِ نجمةً تسترخي:
تلائمني لأجدَ فيها مياهاً واضواء جديدة
وان اطلّ على المعنى الآخر
لكل زهرةٍ وكلمة.
***
اضغطُ على زرٍ، اسمعُ صوتاً يسألني من انا
لكنهُ صوتي ويشبهُ ايضاً صوت حارسٍ
كان يحمي، قبل اعوامٍ، بوابةً تؤدي
الى حديقةٍ في حنجرتي.
هذا ما يليقُ بك كلاجىء
قبل أعوامٍ اخترتُ بلدتي هذه بالقرعة
وكان هلالً ينقلُ ما بقي من الليلِ
إلى الجهة الاخرى من هذه الجزيرة .
لا أحتاجُ الخروجَ من هنا
درتُ كثيراً حول الأرض
التقيتُ في كل مكانٍ باحياءٍ وموتى
من الموتى تعلمتُ أن لا اشكو ولا أعاتب
من الاحياءِ لم اتعلمْ حكمة بعد.
***
أمورهُ سهلةٌ هنا
عندما يغادرُ جسدَهُ ، متجهاً الى مجاهلَ
يتركهُ في حمايةِ إحدى قصائدهِ
حتى يعود.
***
وحدهُ، وقت الفجر، أمشي بكبرياءٍ:
في صدري أعشاشٌ لطيورٍ لا أعرفها
ليس اللقلقُ أحدها.
أدركُ هذا حين أصلُ جسراً لا أعبرهُ
فانا تنقصني جرأة الكلامِ عن عشقي
للضفائر الطويلة، تماماً كريحٍ ضائعةٍ في زقاق
لا تعرفُ كيفَ تخرجُ أو تستنجدُ .
هذه حقائقي، لا أهمية لها
إلا عندما تصبو إلى المطلق
***
لستُ جديراً بالموت بعدُ
ذلك يتطلبُ حملَ محراثٍ غير مرئي
لسنواتٍ مقبلة، وأن تفرّ من طريدتك
معتذراً لها بما يليقَ بك كلاجىء
وكشجرةٍ مقلوعةٍ تحاولُ العودةَ إلى مكانها الضائع
***
أنا نفسي تبهرني أحلامي
حين تأتي من طرف برقٍ
أراها بعيني الثالثة التي في فمي.
***
أنفخُ ، مكشوف الرأس، في بوقي
لأستفزّ كلاباً نائمة في الفردوس.
إنني أتكلمُ الآن مثل مهرّج لأن مطراً يحاصرني
قربَ بركان، وهناك تماثيل مصطفّة أمامي تصفّقُ
وتسخرُ مني.