مختصر الكتب
حكم الجلاّد
ما الذي يذهلنا في ضحك الجلاد؟ ولماذا نرفض أن نأخذه مأخذ الجد؟ ذلك ما يعالجه عالم الاجتماع الألماني كلاوس تيفيلايت في إطار اشتغاله على الذكورية العنيفة، ويتوقف عند معاني ذلك الضحك، كعلامة جلية للانتصار، ودلالة على قوة منيعة معصومة من الاختراق. من وحدات الحماية النازية “إس إس” أو شوتزشتافل إلى أندرس بريفيك، ومن المبيدين الهوتو في رواندا إلى قتلة الدولة الإسلامية، يعبر مرتكبو المجازر الجماعية عن فرح غامض: من خلال ممارسة العنف الذي يتحول إلى أداء، كمزيج بين التعاليم والمسرح وتنفيذ جريمة، ينتقل القاتل إلى وضع سفاح ربّاني. فيزدري بعدها كل أنواع التشريعات، ويبدي أمام القضاء تكشيرة ساخرة أو ضحكا هستيريا، ضحك من سبق أن أصدر حكما ضد من هم بصدد محاكمته. “ضحك الجلاد” هو استكشاف للعنف ومتعته في المجتمعات كافة، وامتداد لأعمال تيفيلايت عن الفاشية وتاريخ الذكورية.
إماء داعش
“أسيرتان” كتاب لمراسل جريدة الأحد الفرنسية أنطوان مالو، يسرد فيه صراعين، صراع أمّ إيزيدية وابنتها بعد وقوعهما في الأسر أثناء تغوّل الدولة الإسلامية وسعيهما للتخلص من قبضة الدواعش واستعادة حريتهما. وكانت المرأتان قد اختطفتا عام 2014 في العراق، وفصل بينهما طيلة سنة كاملة كي تصبحا أمَتين لرجال التنظيم الإرهابي، وتصبحان بذلك فريستين لوحشيتهم وساديتهم.
عدول الأمّ بيعت لمقاتلين، بينما ظلت ابنتها راميا أسيرة كبار القادة في ذلك التنظيم، ولم تكن قد تجاوزت الثانية عشرة من عمرها. كلتاهما تروي قصة أسرها ومعاناتها، وتصف الأساليب الوحشية التي عوملت بها، وتروي من خلال ذلك ما شاهدته من تمرد وخضوع، وخيانة ومقاومة، ويأس ورغبة في التحرر. هي شهادة صادقة عما عاناه الإيزيديون عامة، ونساؤهم خاصة، وقد تحولن إلى جوار وإماء يبعن في سوق النخاسة.
الاستنكار والانتصار للعقل
في كتابه الجديد “استنكار تام” يبيّن الفرنسي لوران دو سوتر أن مرحلتنا هذه تتميز بالفضيحة العامة. من الصباح إلى المساء، من المكتب إلى الحانة، ومن العطل إلى مآدب العشاء الأسري، لا نعدم ظرفا يقدم لنا فرصة الاستنكار، من السياسة حينا، والاقتصاد حينا آخر، وأحيانا يكون الاستنكار أخلاقيا أو إيكولويجا وحتى استيتقيا. ما يوحي بأن كل مجالات الحياة أصابها الخلل والانخرام والحماقة والفظاعات التي تثير حنقا يتجمل بالفضيلة والأخلاق وسلامة الذوق والعقلانية وما إلى ذلك.
ويتساءل الكاتب عن معنى ذلك النزوع إلى الاستنكار، وعمّا يقول له لنا، وعن الطريقة التي نفكر بها فيه. وفي رأيه أن مرد هذا الاستنكار ليس سوى إلى هوسنا بالعقل، وأن عصر الفضيحة هو عصر انتصار العقل، فإذا أردنا أن نتخلص من الفضيحة فعلينا أولا أن نبحث عن الكيفية التي يمكن بوساطتها أن نتخلص من الانتصار للعقل، ويختم بقوله: ألا يكون الوقت قد حان كي نكف عن ادعاء امتلاك الحقيقة، ونتعلم أن نكون مخطئين؟
فلسفة الذكاء الاصطناعي ونهاية الفرد
أيّ مستقبل للفرد وحرياته في عصر الذكاء الاصطناعي؟ للإجابة عن هذا السؤال، أدى غاسبار كونيغ، أستاذ الفلسفة بمدرسة العلوم السياسية بباريس، جولة قادته عبر عدة مدن من سان فرنسيسكو إلى بيكين، ومن أكسفورد إلى واشنطن وكوبنهاغن، التقى خلالها بعدد كبير من الأستاذة والمقاولين والمثقفين والسياسيين والفنانين وحتى السحرة. وأكد في كتاب بعنوان “نهاية الفرد” وجود فلسفة حقيقية للذكاء الاصطناعي، لا تهدد وجود الإنسان العاقل كما لا تهدد الروبوتات وظائف البشر، ولكن الذكاء الاصطناعي يضع أساس الأنوار، أي حرية الفرد الذاتية والمستقلة، موضع مساءلة، من خلال نشر تقنيات لبلوغ الكمال واستشراف مستقبل البشر والتصرف في مكوّناته على نطاق واسع. فالذكاء الاصطناعي في رأيه يعدّ قوانين بلا ديمقراطية، وفنا بلا فنانين، وعلما بلا سببية، واقتصادا بلا سوق، وعدالة بلا مذنب، وحبا بلا فتنة وإغراء. والكاتب يدعو إلى مواجهة ذلك بالدعوة إلى استرجاع حق الفرد في التيه.
الشرق الأقصى بين عصرين
“الغابات الحمراء” رواية ممتعة لجان نويل أورنغو، يسرد فيها وقائع تدور ما بين نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، بين رزوح جنوب شرق آسيا للاستعمار الأوروبي ونهضة الصين التي تستعد لبسط سيطرتها على العالم. وما بينهما حكاية ثورة وحب جنوني بطلها كسا براسيت، وميدانها الغابات الحمراء. عبر مغامرات مثيرة، يكتشف القارئ مصائر مناضل كمبودي، وصداقته في باريس مع سالوت سار، الذي سيتخذ اسم بول بوت لاحقا، وارتقائه إلى رتبة ضابط في صفوف الخمير الحمر، مسؤولا عن البروباغندا، ثم انفصاله عنها بعد المجازر الفظيعة التي ارتكبها بول بوت ضد الشعب الكمبودي، بعد أن عهد بابنته إلى أسرة فرنسية مباشرة عقب سقوط العاصمة بنوم بنه. رواية بوليفونية تعيد إلى الأذهان الانقلاب الذي شهد انحدار الغرب وبزوغ فجر الشرق الأقصى، وتحتفي بإرادة التحرر من ربقة الاستعمار.
الهندسة المعمارية وسيرورة التاريخ
بعيدا عن النظريات الكلاسيكية، يطرح كتاب لودغر شفارت، أستاذ الفلسفة بدوسيلدورف، “فلسفة الهندسة المعمارية” تاريخا موثقا عن الجانب السياسي في هذه الفلسفة، ويقدمها كفن هندسة الممكنات. وإذا كان ميشيل فوكو قد اعتبر أن الهندسة المعمارية هي تكنولوجيا السلطة، فإن شفارت لا ينظر إليها من الناحية الجمالية أو الرمزية بل من الناحية السياسية، ويحاول أن يرصد دورها في حركات التحرر والانفتاح، مستندا في ذلك إلى أفلاطون والمهندس الروماني فيتروفيوس، ليؤكد مثلا أن الجماهير التي نزلت إلى شوارع باريس وساحاتها خلال الثورة الفرنسية ما كانت لتثور بتلك الطريقة لو لم توجد تلك الشوارع والميادين الفسيحة. ومن ثم يتساءل عن الشروط الهندسية للديمقراطية، ويبين أن سيرورة التاريخ مرهونة ببناء الفضاء، وأن كل فضاء عام حقيقي هو فوضوي بالأساس.
الإنسان صانع الكوارث الطبيعية
كيف نفهم الظاهرة الإيكولوجية الجديدة والمخيفة التي تمثلها الحرائق الضخمة، التي لا يمكن السيطرة عليها، ولا تقدر الوسائل التقنية الحالية على الحدّ منها. فمن حرائق كاليفورنيا إلى حرائق اليونان مرورا بحرائق البرتغال، صارت الحرائق تتخذ أحجاما غير مسبوقة، بدأت تغير الطبيعة، وصارت مثار قلق البشر في العالم، حتى أنه يمكن اعتبار التصدي إلى الحرائق من أولويات حماية البيئة، لكونها تهدد بكوارث بيئية رهيبة. ذلك ما تعالجه جويل زاسك، أستاذة الفلسفة بجامعة إيكس مرسيليا، في كتاب “عندما تحترق الغابة – تأمّل في الكارثة البيئية الجديدة”، مؤكدة أن كل سيناريوهات الكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغيرات المناخية، سواء نتجت عن حادث أو بفعل فاعل فهي من صنع الإنسان. أي أن السبب الأساس في رأيها يتمثل في التباس جوهري في علاقتنا بالطبيعة.
موتى بلا هوية
الإيطالية كريستينا كاتينيو، طبيبة شرعية وأستاذة بجامعة ميلانو، وصاحبة القانون الذي صوّت عليه البرلمان الإيطالي لوضع قاعدة معلومات عمّا أسمتهم “موتى بلا أسماء”. وهو ما تتناوله في كتابها الجديد “غرقى بلا وجوه: لنمنح ضحايا المتوسط اسما”، لتفسر مسعاها، الذي شرعت فيه لاستقصاء هوية الذين تنتهي رحلة العذاب التي ينطلقون فيها من شتى الجهات بالغرق في مياه المتوسط. في هذا الكتاب، تصف كاتينيو عملها الاستقصائي خلال أشهر قضّتها بمليلي بجزيرة صقلية بعد غرق سفينة باركوني التي كانت تقل ألف شخص. وهي مهمة تتطلب منها جهدا وصبرا وإصرارا وتثبتا لا يرغب غيرها في تحملها، بل إن بعضهم يتساءل عن جدوى التثبت من هوية غرقى لا نعلم من أين جاؤوا ولا من الذي يمكن أن يطالب بتسلم جثثهم. ورغم ذلك، قوبل كتابها في طبعته الإيطالية بترحاب كبير من البابا الذي أبدى تأثره العميق، وشجعها على مواصلة عملها لإعادة الاعتبار إلى موتى بلا اسم، ولا شواهد، حفاظا على إنسانيتنا، كما قال.
أزمة بريطانيا في عمل روائي
كيف وصلنا إلى هذا؟ يتساءل جوناثان كو في روايته الجديدة “قلب إنكلترا” التي يسرد فيها بسخرية لاذعة التاريخ السياسي لإنكلترا خلال العشريتين الأخيرتين، من حكومة التوافق الأولى في المملكة البريطانية إلى أحداث لندن عام 2011، ومن الحمّى التي اجتاحت الشعب أثناء أولمبياد 2012 إلى استفتاء البريكسيت، ويستكشف من وراء ذلك الخيبات الخاصة والعامة لأمّة في أزمة. خلال هذه المرحلة المضطربة التي انقلبت فيها مصائر فردية وجماعية، يستعيد أفراد عائلة تروتر، أبطال رواياتها السابقة، مهمتهم السابقة، حيث ينخرط بنيامين في مشروع أدبي، وتعود أخته لويس إلى همومها القديمة، وتتساءل أخته الثانية صوفي ما إذا كان البريكسيت حجة موضوعية للطلاق، بينما لا يرغب أبوهم سوى التصويت لخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي. أما الكاتب فهو يغوص بدهاء في المنابع الكبرى للضيق الراهن، كالقومية والتقشف والهويات، وما يجدر وما لا يجدر في السياسة والمجتمع.
مراقبة الأطفال في العصر الرقمي
جديد جوسلان لاشانس الأستاذة المحاضرة في علم الاجتماع بجامعة بو الفرنسية كتاب بعنوان “العائلة المتصلة”، تبين فيه كيف أن الأولياء، في حرصهم على حماية أطفالهم من عالم غالبا ما يبدو في عيونهم خطيرا، يستعملون وسائل رقمية للتواصل معهم، سواء للسؤال عنهم أو لمراقبتهم، وهي وضعية لم يعرفوها في طفولتهم ولا في مراهقتهم. وتتساءل كيف يمكن إيجاد التوازن في هذا الظرف غير المسبوق؟ أين تضبط الحدود الفاصلة بين المراقبة المشروعة، الحدِبة، وبين الرقابة الذي يكبح حرية الطفل ويعرقل استقلاليته؟ فضل هذا الكتاب أنه يكشف عن آثار تكنولوجيا المعلومات والاتصال، ويراهن على قدرة الأولياء على فهم تأملاته عسى أن يساعدهم، بحسب الظروف والوضعيات، على اتباع أفضل الخيارات في مجال الاستعمال الرقمي داخل العائلة، للوصول إلى مسافة معقولة منها، لا إفراط فيها ولا تفريط.
ثورة براديغمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية
تحت إشراف عالمي الاجتماع، البلجيكي فريدريك فندنبيرغ والبريطانية مارغريت أرشر، صدر كتاب بعنوان “الواقعية النقدية، أونطولوجيا جديدة لعلم الاجتماع”، يتساءل عن نوع العلموية التي ينبغي على العلوم الإنسانية والاجتماعية اتخاذها مرجعا. بعد مرجعيات باشلار والقطيعة الإبستيمولوجية والفلسفة الوضعية المنطقية أو التجريبية، ومآخذ بوبر وتوماس كون وإمري لاكاتوس، كادت المسألة يطويها النسيان لصالح اعتبارات منجية ذات مرمى قصير أو متوسط. من هنا تكتسي العودة إلى الواقعية النقدية التي صاغها الأميركي روي بهاسكار في أواخر السبعينات، انطلاقا من نقد راديكالي للفلسفة الوضعية وفلسفة ما بعد الحداثة، ليفتح بابا نحو فكر مترابط بين البناء الاجتماعي والثقافة والأشخاص الذين يسلمون السلطة للفاعلين. وفي رأي المشرفين، أن إدخال الواقعية النقدية إلى الساحة الفكرية الفرنسية سوف يؤدي إلى ثورة براديغمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.
حق الجميع في الممارسة الثقافية
توجد سوسيولوجيا ممتلكات الثقافة وممارساتها، ولكنها ليست اقتصادا برأس ماله وفوائده وسوقه. فالذي يفسر ذائقة موسيقية هو في الأصل جيل انتماء بعض الأشخاص وليس موقعهم الاجتماعي، فيما قيمة هذا المسلسل أو ذاك تتم مقارنتهما بمسلسلات من نفس النوع لا بمسلسلات أخرى. وعندما يكون للأعمال قيمة جمالية مستقلة عن الوضع الاجتماعي لمن يمارسها، فذلك معناه أن عددا معينا من التغييرات النظرية والمفهومية يصبح ضروريا. إن تحليل الممارسات الثقافية في فرنسا ظل مدينا لنظرية “التمييز” التي جاء بها بورديو عام 1979، وفي كتابه الجديد “التمييز، أذواق ومعارف وتجارب ثقافية” يقترح هيرفي غليفاريك نظرية مغايرة تدحض فرضيتين من أهم الفرضيات الأولية للبراديغم الموضوعي لبورديو، ونعني بهما المحدد الاجتماعي في الموسيقى والسينما والمطالعة والعروض، ومنح الطبقات العليا وحدها مشروعية الممارسات الثقافية.