مختصر الكتب

المساواة بين الموجود والمنشود

تعتبر المجتمعات الحديثة المساواة قيمة مركزية، ورغم ذلك ما انفك التفاوت في توزيع الثروة يزداد اتساعا. لتفسير هذه المفارقة، يبين المفكر والأستاذ المحاضر بدار المعلمين العليا بباريس فلوران غينار في كتاب “شغف المساواة” أن العلاقة النفسية بالمساواة معقدة. إذا كان الناس في المجتمعات المتساوية (مثل مجتمعات الصيد والجني) يرغبون في المساواة في حدّ ذاتها، إما لكونها توطّد العلاقات بين الأفراد أو لأنها مصدر فخر وسمعة للجميع، في مجتمعات غير متكافئة كالمجتمعات الحديثة، فإن هذا الشغف لم يختف. لكنه تغير، حيث الفرد يتطلع إلى المساواة لذاته، لأن المقارنة بين مستويات المعيشة لها علاقة كبيرة بإحساسنا بالكرامة. وفي رأيه أن عدم المساواة في الثروة له تأثير كبير على عزة النفس، يعكس المشاعر التي ينشأ عنها جزء كبير من تطلعات الفرد اجتماعيا، ويقيم الدليل على أن تقليص فجوات الدخل والثروة ليس مجرد خيار سياسي، بل ضرورة تاريخية عميقة.

كيف نتجاوز العرقية والميز العنصري

بعد مؤلفاته الضخمة مثل “رأس المال في القرن الواحد والعشرين”، و”رأس المال والأيديولوجيا”، صدر لتوماس بيكيتّي الأستاذ بمعهد الاقتصاد بباريس، ومدير البحوث في المدرسة العليا للدراسات الاجتماعية كتيّب بعنوان “قيس العرقية، هزم الميز العنصري” ذكّر في مقدّمته بألا وجود لبلد استطاع ابتكار منظومة تامة الشروط لمقاومة العرقية والتفرقة العنصرية.

والرهان في اعتقاده يتمثل في تخيل نموذج جديد، عالميّ، عابر للحدود، يضع سياسة مناهضة التمييز في إطار شامل بغية وضع سياسة اجتماعية واقتصادية ذات هدف عالمي يقوم على المساواة، شرط أن نقر بوجود العرقية والميز العنصري لكي نوفّر لأنفسنا أسباب قياسها وتصحيحها، دون السعي إلى تجميد الهويات، التي هي دائمًا عديدة ومتنوعة.

ماذا وراء قتل الأمّهات أطفالهنّ

كيف تستطيع أمّهات أن يقتلن أطفالهن الرّضّع؟ هل هن وحوش أم مجنونات؟ ذلك هو موضوع “العنف الذي لا يسمَع” وهو بحث في الجرائم التي ترتكبها بعض الأمهات للتخلص من مولود جديد، استقت عالمة الاجتماع جولي أنسيان مادّته من المعنيات بالأمر من داخل سجونهن. وسردياتهن لا تكشف عن اختلال عقلي، بل تشهد على مسارات شابتها إرغامات قوية وإحباط شديد كالفقر وعنف الزوج، والعزلة، وغياب مؤازرة الأهل… وخلافًا للاعتقاد السائد، فإن التمتع بخدمات التنظيم العائلي أو وسائل منع الحمل الفعالة أو الإجهاض ليس مضمونا لجميع النساء.

ومع ذلك، فالعدالة، في تعاملها مع تلك الجرائم، تغضّ الطرف عن التفاوت الاجتماعي، وتتسامح مع الرجال العُنُف. وقد كشفت ملاحظات القضايا واللقاءات مع القضاة والمحامي أن المؤسسة القضائية تكرّس خطابا مضلّلا حول حرية تصرف النساء في أجسادهن. ومن ثَمّ، تستخلص الكاتبة أن العنف الذي يلقي بثقله على الخيارات الإنجابية للمرأة لا يزال غير مسموع إلى حد كبير.

العرقية الكولونيالية في الجزائر

في كتاب “علميات عاصمة الجزائر التأديبية، 1956. قصة عنصرية كولونيالية” تتوقف الباحثة الفرنسية سيلفي تينو عند الأحداث التي عقبت مقتل أحد دعاة “الجزائر الفرنسية” في 29 ديسمبر 1956، وقد وصفت أعمال العنف الموجهة ضد “المسلمين” بكونها عمليات تأديبية ضدّ الجرذان ratonnade، من raton وقد شاع استعمالها ضد سكان شمال أفريقيا منذ الثلاثينات.

استنادًا إلى عدة مصادر من بينها أرشيف الشرطة والقضاء الذي لم يسبق نشره، تنزّل المؤلفة تلك الأحداث ضمن المرحلة الاستعمارية الممتدة، لتكذب ما اعتبره بعض المؤرخين أعمال عنف مارستها السلطات الحاكمة وممثّلوها، وتؤكد أنها صادرة عن فرنسيين ولدوا هناك، وتربّوا على علاقة الهيمنة على العرب، وتبني كلّ أشكال الاضطهاد الممكنة (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية والثقافية) وأنها حدثت في فضاء حضري يعيش الميز العنصري.

حارة المغاربة في القدس

في أعقاب حرب الأيام الستة، في ليلة 10-11 يونيو 1967، قام الجيش الإسرائيلي بإخلاء حارة المغاربة من سكانه ثم تدميره في ساعات قليلة لخلق ساحة واسعة تمتد اليوم عند قدم حائط المبكى. وتمّ التعتيم على هذا الحدث منذ فترة طويلة. لأول مرة، يتتبع فانسان لومير مدير مركز البحوث في القدس في كتاب “حياة وموت حارة المغاربة” مراحل ذلك التدمير المخطط له، ومصير سكانها النازحين، وكذلك تاريخ ذلك الحي الذي أسسه صلاح الدين عام 1187 للترحيب بالحجيج المسلمين المغاربة والجزائريين والتونسيين الراغبين في البقاء ببيت المقدس.

لإعادة الحياة إلى تلك الحارة، قام المؤلف بالبحث عن وثائق متفرقة، من أرشيفات المؤسسات الإسلامية في القدس والأرشيف الخاص بالصليب الأحمر في جنيف، مروراً بالأرشيف العثماني في إسطنبول والأرشيف الإسرائيلي، وكذلك شهادات السكان والحفريات الأثرية التي كشفت مؤخرًا عن الأشياء المنزلية المردومة أثناء التدمير.

استشراف مجتمع الغد

تتضاعف الأزمات وتتنوع: أزمة مالية، أزمة صحية، وأزمة بيئية، أزمة مهاجرين، أزمة نظام أبوي، وأزمة ديمقراطية، وحتى أزمة الرأسمالية والليبرالية الجديدة… فهل أصبحت الأزمة هي الوضع الطبيعي الجديد للعالم المعاصر، فلا تثير ردود أفعال إلا في حالات الطوارئ؟ في كتاب “المجتمع الذي يأتي” الذي ساهم في تحريره عدة مفكرين تحت إشراف ديديي فاسّان، دعوة إلى التركيز على لحظة حرجة تدعو إلى تفكير جماعي في الأسئلة الحاضر الحارقة كمقدمة لأشكال أخرى من الحياة.

يفتح كل قسم آفاقًا حول القضايا الرئيسية التي تواجه المجتمع الفرنسي، والخطوط السياسية التي تسمه، والعوالم الاجتماعية التي تتجاور، والتفاوت الذي يقسّمه، والاستكشافات التي تثري الفهم بحثًا عن بدائل. من العولمة إلى الشعبوية، ومن الهجرة إلى الأوبئة، ومن التمييز إلى المشاعات، ومن العلمانية إلى العصيان، ومن المنصات الرقمية إلى الاقتصاد التضامني، يطرح الكتاب نظرة واعية في التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع الفرنسي بخاصة والأوروبي بعامة.

الأرض رأس مال البشرية جمعاء

في كتاب “الأرض رأس المال” يسرد أليساندرو ستانزياني، مدير البحوث في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية، تاريخ الزراعة منذ القرن الثاني عشر إلى القرن الواحد والعشرين، أي منذ المرحلة التي كانت الزراعة خلالها وسيلة لضمان العيش، إلى أن أصبحت رأسمالية قائمة على سعي محموم لتحقيق معدلات إنتاج لا تني ترتفع، وتحويل البذور والأنواع واستغلال المنتجين، ومصادرة المزارعين وفرض الأسمدة الكيمياوية والمبيدات الحشرية.

كتاب طموح يتتبع تاريخ الرأسمالية على المدى الطويل من أجل إيجاد حلول قابلة للتطبيق والخروج من نظام عفا عليه الزمن، يحاول أليساندرو ستانزياني التوفيق بين النمو الاقتصادي والديموغرافي والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة، مع إيلاء اهتمام خاص للإنتاج الزراعي والغذاء، حتى يتسنى للبشرية جمعاء أن تتمتع أخيرًا بـالأرض، كرأس مال مشترك للبشرية جمعاء.

التعدد مستقبل الديمقراطيات الغربية

تحول الديمقراطيات الغربية إلى مجتمعات متعددة الإثنيات هو “تجربة كبرى” وهو عنوان كتاب جديد للألماني الأميركي ياشا مونك الباحث المتخصص في العلوم السياسية، يؤكد فيه أن الديمقراطيات ذات الثقافة الواحدة والإثنية الواحدة تتقلص أمام مجتمعات أكثر تنوعا. غير أن بعضهم، من اليمين واليسار على حدّ سواء، يرون أن مخاطر هذا التحول باتت محسوسة: فشل الاندماج، اتساع التفاوت، صعود الشعبوية، حزازات بين الثقافات… ويتساءل الكاتب: كيف نحافظ على استقرار ديمقراطياتنا في هذه الحالة؟ نترك الأقليات على الهامش أم نصبر وننتظر الانصهار الثقافي؟ وفي رأيه أن تنوع الديمقراطيات هو واقع لا يمكن التراجع عنه. لذلك يجب أن ننجح في جعله يزدهر في هذا الإطار. واستنادًا إلى أمثلة ملموسة يؤكد أن التحدي هائل، ولكنه ليس مستحيلًا.

العالم تحت الحكم اللوجستي

في كتاب “تدفّق. كيف يحكم الفكر اللوجستي العالم” يؤكد عالم الاجتماع ماتيو كوت أن “اللوجستيات تتدخل حيثما أمكنها ذلك”. ولكنها ليس مجرد تنظيم لنقل البضائع في عصر العولمة، بل هي خدمات تحمل معها نهجًا عالميًا للاقتصاد وطريقة جديدة في التفكير لا نزال بعيدين عن قياس تحدياتها. ومن ثم يشرح أن التفكير اللوجستي، الذي هو عسكري في الأصل، غزا الصناعة أولاً، ثم الإدارة.

وإذا أصبح الأشخاص والبضائع متعاوضين، فذلك لأننا صرنا نفكر في ما يتعلق بإدارة التدفق، سواء تعلق الأمر بالمهاجرين أم ببيانات أم معاملات مالية، وحتى جائحة كوفيد، التي بدت جملة من المشاكل تتراوح بين تنقل الفايروس وتوجيه المرضى، مرورا بتوزيع الأقنعة واللقاحات… ولكن رغبتها في تبسيط كل شيء كالتحكم في سلسلة التوريد، وخفض التكلفة وتقصير الدوائر، جعلت هذه العقلانية الاقتصادية الجديدة كل شيء قابلا لحوسبة “معالجة البيانات” و”اتخاذ القرار”.

الفلسفة خارج أطرها الغربية

يؤكد المفكر الفرنسي روجي بول دروا في كتابه الجديد “رحلة في فلسفات العالم” أننا لا نفكر فقط في مكان آخر غير المهد اليوناني للفلسفة، ولكن ثمة عقل وتأمل في أنظمة التفكير خارج أوروبا غالبا ما نطلق عليها في الغرب صفات حكمة وروحانيات أو رؤية للعالم. ومن ثمّ، جاءت رحلته مبنية على مفاهيم وتصورات يعبّر من خلالها بعض المفكرين عن إقامتهم في العالم.

تبدأ الرحلة في الهند، وتستمر في الصين ثم تتواصل مع الفكر اليهودي عبر التاريخ وتنتهي بفكرة وحدة الحقيقة في العالم العربي الإسلامي. غير أنها لا تصل إلى القارات الأفريقية والأميركية، دون أن يعني ذلك أن الفلسفة هناك غائبة هناك، بل لأن عدم وجود آثار مكتوبة يمنع إعادة تشكيل تلك الفلسفات الشفوية. الكتاب دليل تعليمي جيّد يتجاوز أسطورة الفلسفة الغربية “الخالصة” جاء في وقت صار فيه فلاسفة مثل الطاوي تشوانج تسيو وابن رشد مفكر إسلام التنوير من الأعلام الذين يدرسون اليوم لطلبة البكالوريا.

النسوية تحت المجهر

“أين وصلن؟” كتاب للخبير الديمغرافي إيمانويل تود، يمضي فيه على محورين. فهو من ناحية، يفحص الأرقام والخرائط التي تشكل صورة رائعة عن تطور وضع المرأة، فنعلم أن النظام الأبوي هو حقيقة محدودة في التاريخ، وأن العلاقة بين الرجال والنساء، في مجتمعات الصيد والجني، كانت علاقة تعاون بهدف البقاء. ويُبين تود أن علاقة التعاون هذه بدأت تعود إلى الطبقة الوسطى، لأن النساء يعملن، ولديهن مستوى أعلى من التعليم، وأن دوافع البقاء عادت هي أيضا.

ومن ناحية أخرى، يلوي عنق الموضوعية حين يعتبر أن نسوية الموجة الثالثة وحركة “ميتو” وسواهما تقدم العلاقة بين الرجال والنساء على أنها متضاربة، بينما هي لم تكن أبدًا متساوية. من الصفحة الأولى، يعيب تود على الملاحظين مبالغتهم في تهويل قتل النساء، في حين أن عددهن قليل. في الواقع، عندما تكون ظاهرة ما متوطّنة في الأذهان، ولا نملك لحلّها وسيلة فإنها تنتهي إلى نوع من التسليم بالأمر الواقع.

نوابغ مستقبليون روس منسيون

استعمار الفضاء، صد الموت، إعادة الموتى إلى الحياة، خلق الكائن الحي، إنشاء شبكة عالمية، إطلاق العنان لقوة العقل، فهم العمليات الكونية والتحكم فيها، التلاعب بالظواهر الجوية، إنقاذ الأرض… كل تلك المشاريع، التي اكتمل بعضها وبعضها الآخر قد يتم قريبًا، لها تاريخ روسي. في مزيج من البحث العلمي العميق والميتافيزيقا البحتة والتصوف، شكلت الحركة المسماة الكونية القرن السوفييتي. هي أحد مصادر الإلهام لعلماء ما بعد الإنسانية في كاليفورنيا اليوم، فيما أخذ مختبر غوغل السري جميع تلك الأفكار.

لقد شكلت حياة وأفكار أولئك العلماء اللامعين والمزعجين مستقبلنا. في كتاب “لينين مشى على القمر” يروي ميشيل إلتشانينوف قصتهم، ويعيد اكتشاف نصوصهم  ومشاريعهم. للتأكيد على الصلة بين الماضي والحاضر، سيتضمن الكتاب أيضًا مقابلات مع علماء ومهندسين ومفكرين في روسيا وكاليفورنيا.