مشروع كلمة للترجمة جسر بين ثقافات العالم والثقافة العربية
يشكل مشروع كلمة للترجمة رفدا مهما للثقافة العربية، من خلال الدور الذي يلعبه في نقل الفكر والإبداع الإنسانيين إلى الثقافة العربية، بغية إقامة جسر للتواصل والحوار بين تلك الثقافات والثقافة العربية. أهمية هذا المشروع تتجاوز التنوع في الموضوعات والاهتمامات والفئات العمرية التي تتوجه لها، إلى سياسة النشر القائمة على احترام حقوق الملكية الفكرية للمؤلف، من خلال الاتفاق مع الجهات المعنية للحصول على موافقتها على ترجمة ونشر الكتب، إضافة إلى العمل على تحقيق مستوى متميز من الجودة في شكل الكتاب وإخراجه وطباعته بحيث يحافظ على سوية جيدة تمنحه تميزه ، وتكسبه هويته الخاصة في سوق صناعة الكتاب العربي والعالمي. إن أهمية ما يقدمه المشروع من مطبوعات تكمن في انفتاحه على مختلف الثقافات والتيارات الفكرية والأدبية في العالم، وعدم اقتصاره على الكتاب الموجه للنخبة أو لفئة عمرية محددة، إذ تحاول منشوراتها أن تنوع في مضامين منشوراتها وفي الفئات العمرية التي تتوجه إليها لاسيما فئة الفتيان من خلال ترجمة القصص والروايات الموجهة إليهم، إلى جانب كتب المعرفة لتوسيع دائرة معارفهم ومداركهم.
خلال هذا العام أصدر المشروع عددا لا يستهان به من الكتب التي تتناول قضايا فكرية وسياسية وثقافية سنحاول التوقف عند بعضها من خلال تناول ما تضمنته من أطروحات وأفكار تتعلق بقضايا فكرية وثقافية نشترك معها في الهواجس والانشغالات والتحديات التي تطرحها ما يغني رؤيتنا ويثري فهمنا لها ولكيفية التصدي لها وإيجاد الحلول المناسبة والعملية.
تاريخ الفكر الأوروبي
تنطلق جاكلين في دراستها للفكر الأوروبي من العنصر الحاسم، الذي شكل القاعدة أو الحامل الأساسي لوحدة الأوربيين، والمتمثل في اللغة اللاتينية، حيث سمح هذا العامل للأوروبيين بتخطي كل الموانع والانقسامات التي كانت تعصف ببلدانهم (ذلك أن أوربا قبل أن تكون مشروعا سياسيا، هي فكرة ولدت من مزيج صعب ساهم في صياغة جمالها، وأبعد من ذلك إنها فكرة فلسفية).
الكتاب كما تصفه الباحثة في مقدمتها يهدف إلى تقديم وصف لتاريخ الأفكار الأوروبية، الذي اتسم بوحدة المسار بدءا من الكتاب المقدس والإغريق، وصولا إلى ما انتهت إليه أوروبا من وحدة سياسية واقتصادية، كما تنبأ بذلك الفيلسوف الألماني نيتشه. هذه الوحدة لا تنفي التنوع في المفاهيم والأفكار التي شهدها تاريخ هذا الفكر. هذا الصيرورة استدعت من الباحثة أن تلجأ إلى بلورة رؤية منهجية تحاول من خلالها تفسير الأرضية الفكرية المعقدة، في تركيبها لهذا الفكر، الذي جاء نتاجا لرؤيتين اثنتين للعالم، شهدتا تصادما مستمرا منذ بدايات تاريخ الأمبراطورية الرومانية وحتى الآن، هما الرؤية المسيحية- اليهودية والرؤية الإغريقية، كان الفكر الأوروبي الذي جمع بين الفرادة والخصوصية بمثابة تتويج للوعي الذي أفرزه تاريخ هذا الصراع.
حياة الأفكار
تاريخ الأفكار كما تراه روس لا يمكن اختصاره بتاريخ الفلسفة، لأن الأفكار لا ينتجها الفلاسفة وحدهم. الفنانون والثوار والعلماء ومؤسسو الأديان والشعراء، مشاركون أيضا في إنتاجها من خلال تفكرهم في هذا العالم. الفكر الإنسان سعى دائما إلى تجاوز تجزئة العالم وصياغة مبدأ جامع له. الأفكار التي صاغها الإنسان لكي تعينه على فهم الطبيعة والسيطرة عليها، هي التي نظمت الفكر الأوربي أولا، ثم جاءت مفاهيم العقل والعلم والنظام والجدلية والصيرورة وغيرها، لكي تمنح هذا الفكر معناه. الأفكار الهيلينية والأفكار المسيحية هي أفكار نظرية، لم تمنع الأفكار التي تحرك الفرد والجماعة كالأخلاق والعدالة والسعادة والسياسة والديمقراطية أن تمتزج فيها هاتان الرؤيتان، وهما ما تحاول روس ملاحقة مضامين أفكارهما وتطورها من خلال مقاربة تاريخية لمغامرة هذا الفكر وأزماته، التي أصبح يواجهها في وقتنا الراهن.
إن أهمية ما يقدمه المشروع من مطبوعات تكمن في انفتاحه على مختلف الثقافات والتيارات الفكرية والأدبية في العالم، وعدم اقتصاره على الكتاب الموجه للنخبة أو لفئة عمرية محددة
جدل العولمة
يناقش الباحث والأكاديمي الكيني نغويي واثيونغو في كتابه جدل العولمة: نظرية المعرفة وسياساتها، قضايا العولمة والثقافة الوطنية في ظل الواقع الذي فرضت فيه السياسات الاستعمارية على بلدان المستعمرات ثقافاتها، حيث تأتي القارة الإفريقية في صدارة هذه البلدان، التي ما تزال تخضع لتأثيرات هذا الواقع، الذي آن له أن يتبدل حيث تصبح العلاقة بين مناطق العالم المختلفة متعددة الأطراف أو ذات بعد جدلي، خاصة بعدما حققته وسائل الاتصال الحديثة من واقع عولمي جديد، لم يعد معه الغرب هو المصدر الوحيد للأفكار والثقافة، أو لم تعد فيه الثقافة ذات اتجاه أحادي.
تتركز أطروحة نغويي على مطالبة الثقافة الغربية بضرورة الانتباه إلى ما تشكله الثقافات الأخرى من واقع كامن لم ينل الاهتمام الكافي، لكي يصبح فاعلا ومؤثرا كما ينبغي له أن يكون. ويعد الانتقال من مفهوم الأدب الغربي إلى مفهوم الأدب العالمي الأطروحة الأمثل عنده لفتح الباب أمام آداب الشعوب الأخرى، لكي تتشارك مع الآداب الأخرى المشهد الثقافي الإنساني. إن هذه الدعوة بما تشكله من تحول في واقع الثقافة العالمية وعلاقاتها تنبع من إدراك الناقد للتصورات الظالمة التي طرحها العديد من الباحثين والفلاسفة الغربيين، لاسيما حول إفريقيا بما فيهم هيغل الذي اعتبر مفهوم العبودية مناسبا للإفريقي، لأنها نقلته من الظلام إلى التاريخ. من هذه المفاهيم التي يتوقف عندها نغويي مفهوم جدلية العبد والسيد، التي يراها تحمل مضامين واسعة لحسم علاقات القوة غير المتكافئة، ما يستدعي إعادة تنظيم الفضاء الذي سوف تنتج عنه احتمالات متعددة للأدب، خاصة وأن الأدب هو منتج جماعي في ما هو إنساني.
اللغة والقومية والتنمية
يقدم كتاب اللغة والقومية والتنمية في جنوب شرق آسيا الذي حرره لي هوك غوان وليو سيريادينانا، وشارك في كتابة أبحاثة مجموعة من الباحثين( ترجمة ياسر شعبان) دراسة مستفيضة للنجاحات والإخفاقات التي واجهتها سياسات اللغة، في العديد من تلك الدول كأندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والفلبين، والحلول الناجعة التي قدمتها تلك الدول للخروج من دوامة الصراعات المحلية، وصولا إلى الاستقرار وتحقيق التنمية المطلوبة وفي مقدمتها مسألة الهوية، التي شغلت خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي حيزا مهما من النقاشات الجريئة في العالم.
الباحثون الذين أعدوا دراسات هذا الكتاب ركزوا على إظهار تأثير العولمة على عملية الإدراك المتزايد للعلاقة بين اللغة والتنمية، من حيث امتلاك المعرفة العلمية لأغراض التنمية الاقتصادية، الأمر الذي يدفعهم للتركيز على دراسة سياسة اللغة في دول جنوب شرقي آسيا وعلاقتها ببناء الدولة القومية والتنمية، وصولا إلى الكشف عن تأثير تلك السياسات على صعيد تحقيق الوحدة القومية والترابط الاجتماعي، وتكوين الهوية القومية والعرقية بعد الاعتراف المتزايد بأهمية الوصول إلى حلول لها، وأهمية الدور الذي تلعبه على صعيد تحقيق التنمية.
تاريخ الثقافية العالمية
قدَّم المفكران الروسيان دينيس أليكاندروفيتش تشيكالوف وفلاديمير أليكساندروفيتش كوندراشوف في كتابهما تاريخ الثقافة العالمية تعريفا محددا لها بوصفها منهجا للسلوك والاستمرارية والتراكم، ما يجعل مفهوم التنمية الثقافية تحمل طابعا تراكميا، بينما تعتبر الخبرة والتقاليد والابتكار عناصر مهمة للثقافة. منهج البحث في هذا الكتاب ينسجم مع التعريف الذي قدمه الباحثان للثقافة، والذي تتقاطع فيه الثقافة مع الحضارة في معناه، إذ أن كلا منهما يقوم على التراكم والاستمرارية.
لقد جاء التطور في استخدام الأدوات في مرحلة تالية ليحقق تحولا هامة تجلى في الانتقال من التنقيب عن المواد، إلى تصنيع المواد الغذائية مع ظهور الثورة الزراعية، الذي أدى إلى بروز الاقتصاد الانتاجي في منطقة غرب آسيا خلال القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد، بعد أن تمَّ استبدال الأدوات الحجرية بالأدوات النحاسية ومن ثم بالأدوات البرونزية والأدوات الحديدية. هذا التطور رافقه تعقيد آخر في الممارسات الاجتماعية وطقوسها، لكن الوعي الإنساني ظل غير قادر على التمييز بوضوح بين الذات والموضوع أو بين ما يحدث داخل الإنسان والعالم الخارجي..
يعتمد الباحثان المنهج التاريخي في تناولهما المكثف والمختصر لتاريخ الثقافة العالمية، حيث تأتي أولا ثقافة بلاد ما بين النهرين وسومر التي ظهرت في الألفية الرابعة قبل الميلاد مع بداية تشكل الدول، وكانت عبادة سكانها لآلهة على شكل البشر، ما يعني أن الطوطمية قد لعبت دورا ضئيلا في الدين المحلي. ولعل أهم ما كانت تتسم به الأديان فيها أن تلك الآلهة المتعددة قد تعايشت مع بعضها البعض بصورة سلمية، في حين كان الاعتقاد أن الآلهة هي التي ترعى حكام البلاد. ووفقاً للمكتشفات الأثرية فإن أولى النصوص الأدبية السومرية ظهرت ما بين بداية القرن الثالث والنصف الأول من الألف الثانية قبل الميلاد، وكان أكثر النصوص شهرة هو نص قصة الخلق البابلية وملحمة جلجامش ونص أسطورة الطوفان.
الثقافة في الصين
وتعد ترجمة مشروع كلمة بأبو ظبي لكتاب الباحث الصيني تشنغ يوي تشن (لمحات عن الثقافة في الصين) بمساهمة من الدكتور عبد العزيز حمدي عبد العزيز محاولة هامة للتعريف بتاريخ هذه الثقافة وأعلامها وموضوعاتها وفلسفتها بحيث يتمكن القارئ العربي من الإطلال إلى هذه الثقافة منذ عصورها القديمة وحتى اليوم.
يعيد الكتاب نشوء الإرهاصات الأولى للثقافة الصينية إلى ما قبل 800 عام قبل الميلاد حيث تشكلت تلك البدايات من تضارب آراء المدارس الفكرية المائة في أواسط الألفية الأولى قبل الميلاد، التي قادها مجموعة من الشرائعيين والطاويين والكونفوشيوسيين. مقدم الكتاب ومترجمه في إطلالة على تاريخ هذا البلد العريق يذكر أن الصين كانت تسمى جنة المؤرخين لأسباب عديدة منها أنها ظلت لآلاف السنين ذات مؤرخين يسجلون كل ما يحدث ولا يحدث فيها، وأن تاريخ الحضارة الصينية أكثر امتدادا وتعقيدا عن تاريخ أيي أمة أخرى، وأقل تشعبا منها، فهو تاريخ متصل ومتواصل، والتاريخ يشكل لهم عصب المعرفة والحبل السري الذي يربط بين أجيالها المختلفة وبين عصورها، مما ساهم في محافظة الصين على بكارتها التاريخية والثقافية والفلسفية، دون المساس بتقاليدها وأخلاقها لعدة قرون.
إن الجانب الأساسي في فهم الثقافة ودراستها يتجلى في دراسة الأفكار ووسائل الإبداع ولذلك تتوزع الثقافة على أربعة مستويات هي المستوى الثقافي المادي الذي يظهر في الأنشطة الإنتاجية المادية للفرد والمستوى الثقافي النظامي الدال على سلوكيات الناس المعيارية، والمستوى الثقافي السلوكي الذي يدل على العادات والتقاليد والأعراف، وأخيرا المستوى الثقافي النفسي الذي يشير إلى سيكولوجية البشر الاجتماعية وايديولوجياتهم.