مطالبون بتفسير ما يجري

الجمعة 2016/04/01

وكأن السؤال يستبطن نوعًا من التحريض النبيل “أيها الكاتب الجميل، أنت الذي تقف فوق عروش الفوضى ممسكًا بأوراقك وأقلامك، ماذا تفعل؟ وماذا تنتظر؟ ألا ترى الواقع من حولك يضجّ بالألم واللذة، وبالندم والتضحية والخيبة وكل شيء؟! ماذا تريد أكثر من هذا؟ هيا أنثر أوراقك فوق نهر الدّم الذي يجري أسفل منك، وستلتقط هي حكاياتها دونما جهد!؟”.

وبهذا المعنى، فالكاتب لا ينبغي أن يغفل كل هذا مهما شغلته مشاريعه الإبداعية، وألاّ يؤجل النظر إلى ما يجري حوله إلى وقت آخر، هذه هي ورطة السؤال. وهذا حق على كل حال، كما أنه فضيلة مطلوبة، لكن دعني أرجع خطوات إلى الوراء لأصوّر لك المشهد كما أراه.

الواضح أن لدينا فائضًا كبيرًا من الإيمان، وقدرًا مخيفًا من اليقين المطلق ومن العنف والاستبداد والإقصاء الطائفي المتبادل أكثر ممّا نحتاج أو نحتمل، وربما أكثر ممّا حفل به تاريخنا المضطرب، وبسببه طفحت هذه المنطقة بكراهية غير مسبوقة. أستطيع أن أقول كل أنواع الكراهية، وهي الآن تأخذ مداها مثل بقعة زيت عملاقة، تتمدد لتشمل مناطق أوسع وبلدانًا أبعد، وتشكل بإطارها وحوافّها الباردة صورتنا الهلامية القاسية في مخيّلة الآخر. هذا هو الواقع باختصار، وهو أسوأ ممّا يمكن أن يتخيله أيّ كاتب أو يطمح إليه إذا أراد أن يصوّر بشاعة هذه المرحلة ودمويّتها.

لكن متى نكتب هذا؟ وكيف نكتبه؟ بطبيعة الحال لكل كاتب زمنه الخاص وطريقته في التعبير عن مثل هذا الألم الإنساني. لكنّنا وفي كل الأحوال مطالبون بتقديم تفسيراتنا لما جرى ويجري ولا مهرب من ذلك.

مأساتنا اليوم تتعلق بالإرهاب، تتعلق بالاستبداد وبفهمنا للحرية، بفهمنا لأنفسنا وللآخر، بما نؤمن أو نكفر به، بحدود ذلك الإيمان وقدرته على التعايش مع ما يؤمن به الآخرون، مأساتنا هي انسداد الأفق والكفر بالأحلام، أنا أكتب عن هذا، لكن بطريقتي.

كتبتُ العام المنصرم روايتي الثانية “نبوءة السقا”، (التي صدرت عن دار التنوير)، وهي رواية تتناول الانتهازية السّياسية وأساليب تغليف المطامح الشخصية بالهموم الجماعية، ثم الصعود على حساب المغلوبين وآلامهم عطفًا على مغارم تاريخية عمرها ألف عام. هي حكاية النزعة السلطوية التي تستفيد من اشتعال الصراع الاجتماعي الطبقي ثم توظفه في الاتجاه الذي تريد، ولعل ما كتبته في هذه الرّواية يتطابق إلى حد كبير مع جذور الأزمات التي تمرّ بها هذه المنطقة.

على كلّ حال، الكتابة من داخل الحدث أو من داخل زمنه لا تمنحني النص الذي أرغب في كتابته، وأتصوّر كذلك أنها لا تمنح القارئ المعرفة الجميلة أو المتعة المحبّبة التي يريد، كما أن ذلك يعطي تفسيرًا ناقصًا للأحداث. الكتابة من خارج الحدث ومن خارج زمنه أنضج وأشمل، لذلك أحب أن آخذ هذه المسافة المهمة لكي أكتب ما أريد.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.