نحوَ مَهْدِ العالَم
اسمُه الكامل غويدو غوسْتافو غوتْسانو، وُلِدَ في 19 كانون الأوَّل/ ديسمبر 1883 في مدينة تورينو الإيطاليَّة، وتوفِّي فيها وله من العمر 32 عاماً فقط إثر إصابته بالسل. ارتبط اسمُه بالغُروبيَّة أو الغسقيَّة، وهي مذهب في الشِّعر الإيطالي شاع في أوائل القرن العشرين ويخلط بين السُّخرية والكآبة. تأثَّر في بداياته بشعر غابرييل دانُّونتسو، ولكنَّ اكتشافه لقصائد جوفانِّي باسكولي فيما بعد قرَّبه من مذهب الشُّعراء الباطنيِّين Intimisti الذين عُرفوا فيما بعد بالغروبيِّين.
عن غويدو غوتْسانو
في سنة 1903، نشرَ قصائده الأولى في مجلَّة «جُمعة الكونتِسَّة» التي كانت تصدر في تورينو. وفي سنة 1907 صدرت مجموعته الشِّعريَّة الأولى «طريق اللجوء»، وقد ضمَّت 30 قصيدةً استقبلها النُّقَّاد بترحابٍ كبير. وفي 1911 أصدرَ منجزَه الشِّعريَّ الأهم «المسامَرات»، المكوَّن من ثلاثة أجزاء، والذي لقي نجاحاً منقطع النَّظير انهالت في إثره على الشَّاعر رسائل من أهم الصُّحف والمجلَّات تلتمس منه الكتابة فيها.
في 1912 قام برحلةٍ إلى الهند، حيث أقام هناك بين شباط ونيسان، ليتمخَّض عن هذه الرِّحلة كتاب «رسائل من الهند» الذي نشِر بعد سنةٍ من موتِه. في سنة 1914 نشر في مجلَّة La Stampa مقاطع من قصيدته الطَّويلة «الفراشات» التي لم يكمل إنجازها؛ وفي العام نفسِه نشرَ ستَّ حكاياتٍ جميلة في كتابٍ عنوانه «ثلاث تعويذات”.
في سنة 1916، سنةِ موتِه، عمل على سيناريو فيلمٍ عن القدِّيس فرنسيس الأسيزيِّ، ولكنَّ الفيلم لم يبصر النُّور.
* * *
يهيمن على لغة غوتْسانو الشِّعريَّة كآبةٌ وإحساسٌ بالموت، ولكنَّ فيها أيضاً رغبةً رومانسيَّةً في الفرح والحب لا تلبث أن تصطدم بالحقيقة اليوميَّة لمرضِه، وبيأسٍ مرير. كان مونتالِه من أشدِّ المعجبين بشِعرِه، وقد ثمَّن عندَه قدرته على «جعل الشِّعر البلاطيِّ يناطح الشِّعرَ النَّثريَّ ليُخرج من ذلك بريقَ شِعرِه». من بين الموضوعات الأساسيَّة في شِعره صورُ مدينته المعشوقة تورينو التي احتضنت كلَّ ذكرياته الحزينة، وبنفس القدْر أيضاً كان حبُّه لمدينة تورينو القديمة التي حرَّضت في نفسِه تلك القصائد المثقلة بالحنين. إلى جانب ذلك تأثَّر غوتْسانو بطبيعة كانافيسِهْ السَّاحرة التي قال عنها «إنَّها الحقيقة الوحيدة الطَّيِّبة التي تستحقُّ المعرفة»، ولعلَّ فراشاته في تلك القصيدة غير المكتملة برهانٌ أكيدٌ على شفافيَّة روحه وحساسيَّته الشِّعريَّة الرَّهيفة تجاه كلِّ ما يحيا على هذه الأرض. أمَّا مرضه وإحساسه بالموت فقد تركا بصمةً كبيرةً على جميع قصائد «المسامَرات» تقريباً ولاسيما على الجزء الموسوم بـ«على العتبات». حتَّى في كتابه النَّثري الرَّائع «رسائل من الهند» حين يصف غوتْسانو تلك الرِّحلة فإنَّه يصف أيضاً الرِّحلةَ الأخرى، رحلةَ الموت.
توطئة
من الجيِّد أنَّ القارئ، بعدَ أن يُغلقَ هذا الكتاب الذي وَضَعَه فقيدُنا الغالي غويدو غوتْسانو، قد يتأخَّرُ قليلاً قبل أن يصل إلى خُلاصةٍ حول مغزاه وقيمته.
سوف يسمع، حينئذٍ، فيضاً من أصواتٍ واهنةٍ وثقيلةٍ تتآلفُ في انسجامٍ مُغْرٍ وحزينٍ؛ وسوف يرى غُمَارةً من بقعٍ لونيَّةٍ، بقعٍ كانت تبدو له من قبلُ وكأنَّها أُلقيَتْ عشوائيَّاً، تلتئمُ عند الحوافِّ وتشكِّل لوحةً. الألوان الابتدائيَّةُ والصَّريحةُ التي كانت تبدو لنا، طوالَ قراءتنا الكتابَ، متجاورةً، سوف تُعَدِّلها ذاكرتنا، مثلما يحدُث حين نترك مسافةً بيننا وبين بعض لوحاتِ سيغانتيني [1] وبريفياتي [2].
في البداية لا نرى أيَّ نظامٍ وقانونٍ غير نظامِ وقانونِ حبِّ استطلاعِ الغرائب. يتبادرُ إلى أذهاننا أنَّنا حيالَ دي أميتْشِيس [3] آخرَ أقلَّ ثقافةً وجرأةً، أو حيالَ بارتْزيني [4] آخرَ أقلَّ خبرةً وبأساً. وإنَّ إيطاليا لَتَدينُ بالكثير لهذه الطَّائفة الغريبة من الكتَّاب، وجميعهم إيطاليُّون أقحاح. فبعد قرونٍ من تثبيت القَدَم في تربة الوطن، ومن العصبيَّة المحلِّيَّة التي لا تخلو من رائحة الثُّوم، هيَ ذي إيطاليا الجديدة والمتعطِّشة لكلِّ جديدٍ، إيطاليا اليابانيَّة قليلاً لقلقها من المستقبل، والأميركيَّة قليلاً لازدرائها القيود التَّقليديَّة. هناك، بالفِعل، إرهاصةُ مستقبليَّةٍ في هذا السَّفر لأجل السَّفر، في هذه الرِّحلةِ المختلفةِ كلِّيَّاً عن الرِّحلات الحميمة والنَّفسيَّة للرُّومانسيِّين، في هذه الارتيادات الاستكشافيَّةِ للشَّمال والشَّرق، للعواصم الضَّبابيَّة وجبهاتِ القتال. لم تُسهم أسرابٌ من الرَّحَّالة وكِبارِ المراسلين الصَّحفيِّين، بعد عودتهم إلى ديارهم، في إدخال الويسكي والصُّودا وآلة الحلاقة الأوتوماتيكيَّة فحسب، بل أسهمَتْ أيضاً في إدخال عددٍ معيَّنٍ من الانطباعات الجديدة والأفكار المرنة التي كانت مفيدةً لتركيز انتباهنا جيِّداً على الهدف، وكذلك في إدخال عددٍ معيَّنٍ من الكلمات الفتيَّة، والصُّوَر اللَّاذعة، والمجازفات النَّحويَّة التي جعل منها الأسلوبُ التَّجريبيُّ للمدارس الشِّعريَّة الجديدة آنذاك فضاءً للعربدة، وإنْ كانت ستعطي بعض الثِّمار الجيِّدة في شِعر الغد. دانُّونتْسو [5] نفسُه في أنشودته إلى هرمس، كما في شخصيَّة كورَّادو براندو [6] وفي سائر شخصيَّاته الأوديسيوسِيَّة، قد ارتبطَ، جزئيَّاً على الأقلِّ، بهذا الاتِّجاه الذي أُعلِنَ عنه فِعليَّاً في أناشيد كاردوتْشي [7] إلى القاطرة البخاريَّة.
في رحلته إلى الهند يستخلصُ غوتْسانو المصادرَ والأساليبَ من هذه المدرسة. ولكنَّه، في قرارةِ نفسه، أكثر رومانسيَّةً وعاطفيَّةً وشَبَهاً بالرَّحَّالة السِّتيرنيِّين [8] ممَّا يبدو عليه في الظَّاهر. لقد ذهب إلى الهند باحثاً، قبل كلِّ شيءٍ، عن ذاتِه، ذاتِه بشقَّيها الجسديِّ والنَّفسيِّ: عن القليل من الصِّحَّة الجيِّدة، والقليل من السَّكينة والنِّسيان الموعود بهما مِن قِبَل نيرفانا لديه رؤيةٌ ضبابيَّةٌ عن مبادئها، أو ربَّما باحثاً عن امتدادٍ لأفقه الكانافيسانيِّ [9] العذب. ذهب باحثاً، كذلك، عن الفراشات التي كان يعشقها، هو النَّحيلُ والهشُّ والمُحاذِرُ، والأشبه بفراشةٍ مسكينةٍ احترقَتْ أجنحتُها: فراشاتٍ تحت أقواسٍ أكبر من قوسِ تيتوس [10].
محاولاتُه الاهتمامَ بالأشياء الظَّاهريَّة، كما هي في حقيقتها، ليست غائبةً كلِّيَّاً، ولكنَّها متصدِّعةٌ، وضعيفةٌ، وسرعان ما كان يتخلَّى عنها مع تلك الإيماءة الشَّاحبة والمحمومة التي يرفض بها مَن لا أمل في شفائه الجرعةَ المقرَّبةَ من شفتيه بأملٍ غرَّتْهُ الأمانيُّ. لا ملوحةُ الهواء يمكنها أن تعيدَ بناءَ رئتيه، ولا الأرضُ الغريبةُ يمكنها أن تغذِّي روحَه التي أكملَتْ دورتَها وبدأتْ تتآكل من الدَّاخل. هو لا يجهلُ كبلينغ [11] بالطَّبع، ومع ذلك فإنَّه لا يأتي على ذِكره أبداً [12]، وإنْ كان يتهيَّبُ في دخيلة نفسه ذلك الشَّرَهَ البريطانيَّ الإمبرياليَّ إلى الوجود؛ وعيناه، تانكَ العينان الطَّافحتان مُسبَّقاً بغُبْشِ الظِّلال، لا تحتملان فيضَ الألوان الصَّاخبة التي ارتحلَ غوغانُ [13] ناشداً إيَّاها في البِحار الجنوبيَّة. كان مُعجَباً بالغزاة والمؤسِّسين الإنجليز، ولكن دون أن يتجاوزَ هذا الإعجابُ النَّبرةَ الصَّحفيَّةَ أو يلمسَ عتبةَ التَّاريخ. لقد فهم في الحال، ليس دون شعورٍ بالامتلاء والملل، تلك الأشياء القليلة التي يرويها لنا؛ وبالنِّسبة إليه، هو المشارفُ على جليد الأبديَّة، فإنَّ التَّاريخ ليس سوى مسرحيَّةٍ مُبْكِيةٍ من المداوَراتِ والموارَباتِ ضمن سيناريو مُبَهْرَج. وقد بدا له هذا السِّيناريو، حتَّى قبل ذلك بزمنٍ، غيرَ قابلٍ للتَّغيير؛ وليس هناك ما يُنكر الملحميَّة الكاردوتْشيَّة [14] بقَدْر «صديقة جدَّتي سبيرانتْزا» [15]، هذا الإنكار العدميُّ المعبَّر عنه بلغةٍ أكثر حسماً وتطرُّفاً وإن بدَتْ أكثر بساطةً وودِّيَّةً في تواضُع خطابها. ولذلك، فإنَّ صِدْقَ إقراره بأنَّه، قبل النُّزول بالهند، كان يخلط بين البارْسِيِّين والمنبوذين [16]، أمرٌ يكاد لا يكلِّفه أيَّ جهدٍ. وعليه، فإنَّنا لا نقع في هذا الكتاب على أيِّ إخفاءٍ للجهل، ولا على أيِّ تظاهرٍ بالمعرفة. الأشياء التي يراها هي في أغلب الأحيان «سخيفةٌ ومُضحكةٌ». «سخيفٌ ومُضحكٌ هذا البرجُ المحاطُ بنخلٍ باسقاتٍ متعاقباتٍ مع أعمدة الكهرباء وأعمدة التِّلغراف؛ سخيفةٌ ومُضحكةٌ هذه السَّيَّارة؛ وسخيفون ومُضحكون نحن المتوقِّفون على هذا المنحدَر كما لو أمامَ ساحةِ مطارٍ، أو أمامَ مضمار سباقٍ غربيٍّ…». بين ماضٍ غامضٍ ومستقبلٍ مستحيلٍ يترنَّحُ غوتْسانو في تموُّجٍ غير متساوقٍ – تموُّجٍ هو الإيقاعُ الغنائيُّ لنصوصه النَّثريَّة هذه – كَمَنْ يمضي قُدُماً، على جسرٍ نخرَهُ السُّوسُ، متيقِّناً في قلبه أنَّه بين لحظةٍ وأخرى لا مناصَ واقعٌ في الهاوية.
ثمَّ عادَ إلى إيطاليا. وحلَّتْ أيَّامُ هذا المشهد التَّاريخيِّ الكبير. كان عليه أن يؤمن بحقيقة التَّاريخ، أو أن يختفي. ولكنَّه، هوَ غوتْسانو، منذُ أمدٍ طويلٍ كان يحبُّ الفراشات، الحيوانَ الرَّامزَ إلى نكران الذَّات في نار التَّجلِّي. وكان منذ أمدٍ طويلٍ قد قال وداعاً للنِّساء، وللأصدقاء، وللصُّوَر الأثيرة. فغادرَ بصمتٍ – في رحلةٍ أطول – نحوَ الغرب الأسطوريِّ المظلم هذه المرَّة، حيث تغربُ شمسُ الرَّغبة.
* * *
حتَّى في ذلك الوقت، في أثناء وجوده في الهند، كان يحلم بهذه السَّكينة. كانت معرفته بالعقائد الشَّرقيَّة ضبابيَّةً. ولكنَّه كان تَعِباً جدَّاً ويائساً للقيام بحجٍّ زُهديٍّ؛ وكان في أعماق نفسِه يكابدُ كثيراً وطأةَ إكراه نفسه على التَّكفير. في الأرض التي أُنكِرَتْ فيها «دورةُ الأشياء»، ومُجِّدَ الصَّمتُ، كان يسمع بدلاً من ذلك ضجيجَ بوليفونيَّةٍ [17] وثنيَّةٍ وبربريَّة. وكان عليه أن يعترف، ولو على نحوٍ غامضٍ، بأنَّه كان بارعاً جدَّاً ليجِدَ تجريمَ الحواسِّ أمراً في غاية السُّهولة.
ثمَّة رائحةُ حسِّيَّةٍ غريبةٍ تنتشر هنا وهناك عبْرَ صفحات هذا الكتاب. ولكنَّها رائحةٌ يتخلَّلها شيءٌ منغلقٌ، شيءٌ ذاوٍ، كما لو أنَّها مرقَّشةٌ بِحَرْواتِ عفونةٍ نفيسة. «لقد اعتدتُ الفواكهَ الغريبةَ التي تنفلق مُغدِقةً عُصارةً باردةً، خاثرةً كمشروبٍ مثلَّجٍ، ذاكيةً كريحِ المسكِ وروحِ القطران: فواكهَ غريبةً قد يحسبُها المرءُ من عَمَلِ صانعِ حلوى، وصانعِ عطورٍ، وصيدلانيٍّ. وقد يحسبُ الأُركيداتِ التي أمامي من عَمَلِ صائغٍ؛ بتلاتٌ مصبوغةٌ ببرنيقيٍّ متعدِّد الألوان، ومُغبَّرةٌ باللُّكَاث، وحُلُوقٌ بديعةٌ ومقهقِهةٌ باستهزاءٍ كحُلُوق تنانين يابانيَّةٍ، بتلاتٌ محدودبةٌ، وقرناءُ، وبَطينةٌ، وفي الدَّاخل قزحيَّةُ الألوانِ كتلك الألوان التي تتراءى في الصُّدور المفتوحة للحيوانات المذبوحة؛ الباقةُ تولِّدُ كابوسَ الطَّاعونِ والشَّرِّ، وفي قيظ الظَّهيرة تُرسِل رائحةً كريهةً لا تُطاق». هكذا، دون طموحاتٍ ميتافيزيقيَّةٍ، وفي تحالفاتٍ قسريَّةٍ وغريزيَّةٍ نراها متبوعةً على محيَّاه بشحوبٍ مبلَّلٍ بالعَرَق، وبتشنُّجِ محتضرٍ في النَّزع الأخير، يضبِّبُ مرَّاتٍ أخرى أيضاً الرَّغبةَ في الحياة برائحة التَّفسُّخ. هيَ ذي رقصةُ الدِّيفاداسي [18]، وها هما تانكَ العاهرتان الفرنسيَّتان البائستان اللَّتان ترغبان في ممارسة البغاء مع سلطان المغول الذي توفِّي قبل ثلاثمِئة عام. هوَ ذا عُريٌ مرئيٌّ خطفاً، عُريٌ مثاليٌّ لدرجة أنَّ الشَّاعر يتبجَّح معترفاً بأنَّه نقيٌّ ومحصَّنٌ من الشَّهوة الجنسيَّة: هيَ ذي الذِّكرى المجلجِلة، ذكرى السَّيِّدة آنغو.
كانت رغبته في الحياة قد شارفَتْ على النَّفاد، ورغبتُه في الموت كانت ما تزال تتلكَّأ. أراهُ مقشعرَّاً بكلِّيَّته من البرد ومتشنِّجاً، طفلاً أثيراً شاحباً وهزيلاً، أمام النَّار الضَّئيلة المتزعزِعة، نارِ حياته، كما رأيتُه من قبلُ، ذاتَ نهارٍ غزيرِ البَرَد، أمام موقد قاعة الطَّعام، في نُزُلٍ جبليٍّ صغيرٍ نزلَ به، قبل نزوله بالهند، ناشداً بعضَ العافية.
* * *
ما زلتُ أتذكَّره في صورةٍ أخرى أيضاً، كما رأيتُه في يومٍ من أيَّام آب من عام 1913، على شاطئ ليغوريا. ذكرى المحبَّة والتَّقدير اللذَين كان يُكنُّهما لي (كنتُ أبدو له عالِماً واسعَ العلم والمعرفة: يا للطِّفل الأثير المتواضع والهيَّاب الذي يخشى الفروضَ المدرسيَّةَ ويوقِّر الأساتذةَ والأوائلَ على صفِّه!) هي من بين الأشياء الرَّائعة والنَّبيلة التي وهبَتْني إيَّاها الحياة. كان قد جاء ليراني ويتحدَّثَ معي. وكان وجهه ما يزال مسفوعاً من الرِّحلة الطَّويلة، مع قناعِ نضارةٍ خدَّاع. راحَ يتحدَّث بهدوءٍ، ويحدِّق في البعيد وفي الغرب الخامل الآخذ في الإعتام، بنظرةٍ ليوبارديَّة [19]. كان قد عَبَرَ السِّياجَ؛ هوَ، خليفةُ ليوباردي، كان قد عَبَرَ السِّياجَ وأبحرَ نحو اللَّانهائيِّ. كان بارداً، خائبَ الأمل، وموطَّدَ العزم.
لقد آمنَ بالفراشات، بهجةً لناظِرَيه؛ وبالأفلام السِّينمائيَّة، خبزاً لأيَّامه؛ وببعض الأصدقاء. وآمنَ، قبل كلِّ شيءٍ، بالشِّعر؛ ولكن بشِعرٍ مكتوبٍ «للذَّات وبكلماتٍ قليلةٍ»[20]، ومطبوعٍ في نُسَخٍ قليلةٍ غير مُشتراةٍ بالرَّشوة، ومأخوذٍ حتَّى أقاصي التَّجريد التَّعبيريِّ، ومختزَلٍ إلى نفسه: من دون جلجلةٍ أسلوبيَّةٍ ومن دون ملاحقةٍ لهالة المجد. حدَّثني عن القصائد النَّقيَّة والعارية التي كتبها في الهند، والتي لا أعرفها.
لا يفتقر هذا الكتابُ إلى أصداءٍ شعريَّةٍ غنائيَّة. فهناك تاجُ محل بسَرْوِه البرونزيِّ وسمائه الكوبالتيَّة (بعضٌ من ذلك الشَّيء «الخارق لنواميس الطَّبيعة» الذي كان يأملُ العثورَ عليه في الهند)؛ وهناك جايبور [21] (««لا يوجد ما هو أقلُّ نفعاً من هذه المدينة الكبيرة ذات اللَّون الورديِّ» – «سوف أتذكَّر جايبور…»)؛ وتلك الصَّفحةُ عن الفواكه والأزهار؛ وفاتحُ غوا [22]. وهناك ذلك «الخَبَلُ البهيجُ الذي يُصاحبُ الآلامَ اللَّامتناهية لبعض المسلولين»؛ وعن النِّهاية، هناك نعيقُ الغربان الختاميُّ: « الصَّوت الآخر الذي يمثِّلُ النُّوتةَ الصَّوتيَّةَ للهند، الصَّوت الذي على المرء أن يعتادَه كما يُعتاد في بعض البلدان هديرُ البحر أو السُّيول: نعيقُ الغربان الفائقُ الرَّتابةِ والمثابَرةِ، والذي لا يكسرُ الصَّمتَ، بل يُبرِزُه: نعيقٌ – ترنيمةٌ إلى التَّعفُّن يتفجَّرُ فيها التَّتابعُ الصَّوتيُّ لكلِّ الرَّاءات، حتَّى لكأنَّ الأُذنَ تتبيَّن فيها كلَّ الكلمات غير الجذلى: تذكَّرْ! تذكَّرْ! الاحتضار! الموت! سوف تموت.» وهناك، فوق كلِّ شيءٍ، تلك النَّبرة الغنائيَّة الخفيَّة التي تُضافرُ هذا النَّثرَ البسيطَ برمَّته؛ ولكنَّ هذه وتلك، الموسيقى الخفيَّةَ والأصداءَ المحسوسةَ، مستقلَّةٌ عن إرادة الكاتب، وتتخلَّلُ هذا النَّثر الهادئ والمتواضع رغمَ أنفه إذا جازَ القول. ذلك أنَّه لم يعد يحبُّ (أو ربَّما لم يحبَّ أبداً) هذه التَّرصيعات المبهَمة، وصارَ يزدري، من غير شحناءَ خطابيَّةٍ، بازارَ الأشياءِ البرَّاقة. لقد أراد هنا أن يقدِّم ملاحظاتٍ بسيطةً وعاتمةً، يوميَّاتِ سائحٍ فضوليٍّ، لعددٍ كبيرٍ من القرَّاء: القليلَ من التَّصوير السِّينمائيِّ البديع، إذا جاز القول. ولكن، بالنِّسبة إلى الشَّاعر وإلى رهطٍ من أحبَّائه، كان على الشِّعر أن يولَدَ في مكانٍ آخر، في روحه وفي أدراجه. كان على الشِّعر أن يكون، الآن، أكثر زهداً، وأكثر صدقاً: عريٌ حشيمٌ لا يعرض نفسه في السَّاحات، وصدقٌ لا يلجأ إلى التَّوكيد، لأنَّ استمالةَ الجمهور لا تليق به.
لقد سبق قبل قليلٍ أن ذكرتُ كلمةَ «صدقٍ» في الحديث عن غوتْسانو. ولستُ نادماً على تكرارها. فهو بسبب هذا بالتَّحديد كان ويبقى من أساطين الشِّعر: لأنَّه أسهمَ في ترميم شِعرنا الغنائيِّ بأن أعادَ إليه مسحةَ البوحِ الرَّصين والمُخافِت، والتَّصريحِ بالتَّجربة الباطنيَّة كما هي، ووضْعِ القيمةِ الشِّعريَّةِ في إبراز الكلمة أكثر ممَّا في الحصيلة المعجميَّة؛ ومِن ثَمَّ لأنَّه عملَ على إعادة حقيقةِ العاطفة وصِدْقِ الكلمة إلى الصَّدارة.
باريس، نيسان/ أبريل 1917
جوزِبِّهْ أنطونيو بورغيزِهْ
أبراجُ الصَّمت
هذا ليس عنوانَ مجلَّدٍ من الأشعار الرَّمزيَّة.
أبراجُ الصَّمت: هي الجولةُ التي يقترحُها أيُّ صبيِّ طاهٍ [23] في بومباي على السَّائح المتحيِّر في وجهته. برجُ الصَّمت: بل أبراجُه، لأنَّ هناك خمسَ دَخْماتٍ [24] يقدِّم البارْسِيُّون فيها جثامينَ موتاهم للنُّسور. كنتُ أظنُّها من اختلاق بعض روايات المغامرة، ذلك النَّوع من الرِّوايات التي تستهوينا في سنِّ المراهقة، والتي يُخدَّرُ فيها غدراً مستكشفٌ شابٌّ انغوى بالعينين الذَّابلتَين لابنة أحد المهراجات، ثمَّ يُلَفُّ بمُلاءَةٍ ويُقَدَّم لنسور الصَّرح الخرافيِّ، ولكنَّ خادماً مؤمناً ينقذه في اللَّحظة الأخيرة، ويعود ليقترن بعشيقته في حفل زفافٍ مهيب.
ولكنَّ الأبراج موجودةٌ حقَّاً وما تزال على حالها التي كانت عليها قبل ألف عامٍ؛ كلُّ شيءٍ على حاله في هذه الهند البريطانيَّة؛ كلُّ شيءٍ كما هي الحالُ في الكتب والصُّوَر المطبوعة بالألوان: رقصاتُ باياديراتٍ [25]، ومعابدُ ضخمةٌ، ودراويشُ [26] رُشَقاء؛ وويلٌ لمن ينفرُ من المبتذَل، أو يتوقُ إلى ما لم يُسمَع به؛ فالأديبُ هنا معرَّضٌ باستمرارٍ لندمٍ جارحٍ، ولضيقٍ لا يمكن تعريفُه يختبرُه المرءُ حين يقلِّدُ الواقعُ الأدبَ. لا خلاص آخر سوى الخروج من الفندق بلا دليلٍ وبلا أصدقاء، والضَّياع في الحاضرةِ الشَّاسعةِ المضيئةِ بمبانيها المخروطيَّةِ ومصاطبِها وشرفاتِها وأدراجِها المكلَّلَةِ كلِّها بالنَّخل والأزهار؛ مبانٍ على الطِّراز القوطيِّ الإنجليزيِّ، منمَّقةٍ بمقتضياتِ المناخ، ومحصَّنةٍ من طراز الفنِّ الحديث العَفِن الذي ابتُليَتْ به المدنُ الأوروبِّيَّةُ الكبرى؛ مبانٍ أشبه بقلعةِ الحسناء النَّائمة بينما هي في الواقع مبنى مجلس البلديَّة، ومبنى الأرشيف، ومستشفى الأمراض المُعْدِيَة، والمحكمة، ومكتب البريد، وما إلى ذلك. وحينئذٍ تعثرُ على الغريبِ الطَّارفِ في الأشياء اليوميَّة الصَّغيرة: السِّباهيُّ [27] الذي يقف بانتباهٍ إذا سألتَه بعضَ الإرشادات، وعيناه مصبوغتان بصِبغةٍ زرقاء ممدودةٍ إلى صدغيه لتحميه من عين الغرباء اللَّامَّة؛ والسَّائقُ الذي رسمَ تحت مقدَّم قبَّعته المصنوع من السِّلُّولويد، بالأحمر السَّاطع، رمحَ فيشنو الثُّلاثيَّ الشُّعَب؛ والحافلةُ الكهربائيَّةُ المكتظَّةُ بركَّابٍ محلِّيِّين يجلسون دائماً على كعبَين متصالبَين، بحيث يتولَّد لدى النَّاظر ذلك الانخداع البصريُّ الأليمُ بأنَّه يرى حافلاتٍ كهربائيَّةً تمرُّ مشغولةً بالكامل ببؤساء مبتوري الأرجُل؛ وأزهارُ أوركيدٍ خبيثةٌ تمدُّ فرعاً من سورِ حديقةٍ؛ وطفلان هندوسيَّان يتعاركان على علبة سردينٍ فارغةٍ؛ ووليٌّ صالحٌ يتأمَّلُ جالساً على درجاتِ نَصْبِ الملكة فيكتوريا التَّذكاريِّ؛ وعصافيرُ المونيا الحمراء [28] الصَّغيرة التي تعشِّش في مقبض سيفِ الملك إدوارد…
بدلاً من ذلك، يوظِّف أصدقائي في بومباي جهودَهم لجعلي أرى من الهند الأشياءَ التي يقرأها المرءُ عنها في الكتب ويراها في اللَّوحات. فهذه أيضاً موجودةٌ في الحقيقة. وهكذا، بفضل السَّيِّد ليبو، الوكيل الشَّهير لحديقةِ حيوانِ هاغنبيك الشَّهيرة، سأشهدُ ربَّما صيدَ النُّمور؛ وبفضل المساعي الحميدة للدُّكتور فارالْيَا، الطَّبيبِ الإيطاليِّ الذَّائع الصِّيتِ في بومباي، سأرى رقصةَ باياديرا في إحدى العائلات البراهميَّة الأقلِّ انفتاحاً على الأوروبِّيِّين. منذ ثلاثة أيَّامٍ وهم يرغبون في أخذي إلى أبراج الصَّمت. ولكنَّ أحداً لم يمُتْ.
اليوم، دخلَت السَّيِّدة هارفِت، وهي سيِّدةٌ مسنَّةٌ فائقةُ الجمال، بيضاءُ الثَّوبِ والوجهِ والقبَّعةِ والشَّعرِ، بيضاءُ بالكامل سوى من زرقةِ عينيها، دخلَتْ قاعةَ القراءة في فندق «ماجستيك» تصيحُ منتشيةً: – لقد مات! – وتبعها ابنُها والدُّكتور فارالْيَا يصيحان هما أيضاً بنشوةٍ: – لقد مات! لقد ماتَ، في اللَّيلة الماضية، بارْسِيٌّ على قدْرٍ من الأهمِّيَّة، المهندسُ المعماريُّ دونالد أنتِسْكا – كابيسا؛ وسوف تُقام مراسمُ التَّشييع اليوم، في السَّادسة مساءً: إنَّكَ محظوظٌ؛ لدينا الوقتُ لنتمشَّى في الإسبلانيد ولنصعدَ ربوةَ مالابار لكي نتفرَّج على المراسم. سوف نتناول الغداء [29] في حديقة البرج [30]؛ الزَّادُ معنا…
وها نحن في السَّيَّارة ننطلق بأقصى سرعةٍ، – أنا الذي أفضِّل الذَّهابَ ببطءٍ، مشياً على الأقدام، متذوِّقاً في أيَّامي الأولى هنا لذَّةَ وَطْءِ أرضٍ جديدةٍ – والمدينةُ تهربُ عن جانبينا مثل شريطٍ سينمائيٍ مُدارٍ بسرعةٍ مدوِّخة. وها هو مَنْزَهُ الإسبلانيد حيث يمتزج زفيرُ السَّيَّارات وقرقعةُ الآلات بلغطِ حشدٍ مكوَّنٍ من عشرة أعراق مختلفةٍ وبعزفِ عشرين فرقةً موسيقيَّةً عسكريَّة. إنَّه المَنْزَه، غابةُ بولونيا [31] بومباي: مكانٌ شائقٌ، ومتنوِّعٌ، ومخالفٌ للمنطق، مثلَ لوحةٍ مستقبليَّة. ههنا كلُّ أجناس المركبات: عرباتُ أجرةٍ محلِّيَّةٌ تجرُّها ثيرانُ دَرْبانيٍّ حدباءُ مذهَّبةُ القرون، وفِيَلَةٌ مجلَّلَةٌ إلى الأرض بمُخْمَلٍ نفيسٍ، ولا تظهر منها إلَّا أقدامُها الأربع الضَّخمة، والنَّابان المقطوعان، والخرطومُ، والأذنان المهتزَّتان باستمرارٍ مثل مروحتَين؛ وعرباتٌ تجرُّها خيولٌ ناصعةُ البياض مسبوقةً بمُنادين يصيحون لاهثي الأنفاس، ففي الدَّاخل تجلسُ متَّكِئةً مُرتَفِقةً زوجةُ أو ابنةُ مسؤولٍ بريطانيٍّ كبيرٍ، وقد ارتدَتْ آخرَ صرعاتِ الموضة الأوروبِّيَّة، بينما شُقرتُها تخلق تناقضاً طريفاً مع الفخامةِ الغريبةِ والعتيقةِ للحاشية، مع عمائم الحوذيِّين وكِسْواتِهم المُخْمَل، ومع العُرْيِ البرونزيِّ للمُنادين؛ وهناك سيَّارةُ بارْسِيٍّ ثريٍّ، سيَّارةُ مُطرانِ بومباي، الذي يبتسم بين اثنين من الأساقفة ويبارك بلا انقطاعٍ بيده المرفوعة الحشدَ الذي ينحني أو يجثو بوقار.
في هذه السَّاعةِ المتوقِّدَةِ الحركةِ من النَّهار، وعلى الرَّغم من سِكَكِ الحافلات الكهربائيَّة، ومن السَّيَّارات والملابس الباريسيَّة، تذكِّرُ المدينةُ ببابل والإسكندريَّة وروما وبيزَنطة، بتلك الأزمان الأسطوريَّة؛ وتعطي شعوراً بالغِنى والوفرة؛ وتولِّدُ حسداً طفوليَّاً لا مندوحةَ عنه، وبغضاً مُجحِفاً، ضدَّ هؤلاء الإنجليز الأقوياء جدَّاً والأثرياء جدَّاً، أسيادِ نصفِ الأرض…
أسيادُ بومباي، بعد الإنجليز، هم البارْسِيُّون. وينبغي عدمُ الخلط بين البارْسِيِّين والهندوس (أنا نفسي خلطتُ بينهم وبين المنبوذين: مزعجٌ حقَّاً جهلُ مَن يسافرُ فجأةً عشرين درجةً من خطوط العرض دون أيِّ اطِّلاعٍ تمهيديٍّ)، كما ينبغي عدمُ الخلط بينهم وبين المحمَّديِّين، أو بينهم وبين الأفغان، الذين يختلفون عنهم اختلافَ الألمانيَّة عن العربيَّة. البارْسِيُّون هم أحفادُ الفُرس القُدامى الذين هاجروا من بلاد فارس إلى الهند بعد الفتح الإسلاميِّ. وإنَّه لَتوراتيٌّ ومهيبٌ حقَّاً مصير هؤلاء الزَّرادشتيِّين الذين لكيلا ينكروا الشَّمسَ، إلهَهُم، رحلوا عن وطنهم قبل نحو اثني عشر قرناً، ووصلوا إلى الهند مشرَّدين مضطهَدين، فلجأوا أوَّلَ الأمر إلى ديو [32]، ثمَّ إلى طابْلي [33] حيث تفاوضوا مع المهراجا للحصول على ضيافةٍ لا ينغِّصُها شيء. ولكنَّ عيشَهم نُغِّصَ أشدَّ التَّنغيص طوال ألف عامٍ تقريباً، ولم يحصلوا على السَّلام والازدهار إلَّا مع دخول الإنجليز الذين أدركوا محاسنهم فشجَّعوها ونَصَروها. أكبرُ حواضر بومباي اليومَ هي في أيدي البارْسِيِّين. جزءٌ كبيرٌ من الحياة السِّياسيَّة يتحكَّم فيه البارْسِيُّون، ومن البارْسِيِّين يخرجُ أكبرُ التُّجَّار وأفضلُ خرِّيجي الجامعات. ومع ذلك، ليس هناك مَن هو أكثر تعلُّقاً بماضيه من البارْسِيِّين، وليس هناك مَن هو أقلُّ تأثُّراً بالعادات الإنجليزيَّة منهم. الكثير من الهندوس يضعون قبَّعةً عاليةً [34] ويرتدون قمصاناً مفتوحةَ الصَّدر. أمَّا البارْسِيُّون فيلبسون كما كانوا يفعلون قبل ألف عامٍ، عندما أتوا من برسبوليس [35] لاجئين؛ فالرِّجالُ يرتدون بُردةً بيضاء ويضعون على رؤوسهم تاجاً أسودَ عالياً يشبه البُرْطُلَّ [36] (هو أكثر ما يَدْهَشُ له الأوروبِّيُّ الواصلُ حديثاً)؛ والنِّساءُ يتلفَّعن بحريرٍ زاهي الألوان، أصفرَ كبريتيٍّ، وليلكيٍّ، وأحمرَ كرَزيٍّ، وأخضرَ صَفصافيٍّ، ما يخفِّفُ من فحومةِ شَعرهنَّ ومن الشُّحوبِ الكهرمانيِّ الذي يكسو وجوههنَّ. ومثلما هم شديدو التَّعلُّق بزيِّهم، كذلك فإنَّهم شديدو التَّعلُّق بعقيدتهم وبطقوسهم: عقيدةِ زرادشت المستلهَمةِ من ديانة العناصر الخالقةِ والحافظةِ، وفي مقدَّمتها الشَّمسُ والنَّار، النَّارُ التي هي رمزُ الشَّمس على الأرض. إنجلترا، التي تتسامحُ مع جميع المعتقدات، تتسامح أيضاً مع برج الصَّمت ومع تقاليد البارْسِيِّين الجنائزيَّة، تقاليدَ هي من دون شكٍّ أقلُّ التَّقاليد انسجاماً مع عاطفتنا الغربيَّة.
نصعدُ ربوةَ مالابار. تصغرُ المدينةُ بوتيرةٍ سريعةٍ وتمنحُ نفسَها كاملةً للنَّاظرِ المشرفِ عليها والملتذِّ بها كالملتذِّ بنابولي من أعالي بوسِيلِّيبو [37]: إنَّها نابولي مضاعفةٌ ثلاثة أضعافٍ، مسترخيةٌ بين جبال الدِّكن، وجبل بورغات، وبحر العرب، والمحيط الهنديِّ؛ ومتوَّجَةٌ بغطاءٍ نباتيٍّ وحشيٍّ لا يتلاءم مع مناخنا، وغاطسةٌ في ضياءٍ لا يُحتمَلُ تحت سمائنا هذه. تصعدُ السَّيَّارةُ على طول الدَّربِ المحمرَّةِ، في ظلِّ أشجار جوز الهند وأشجار الأَثْأَب [38] بجذورها الكثيرة التَّشعُّب صعوداً ونزولاً وتكثيراً لجذوعها إلى ما لا نهاية. نبلغُ قمَّة الرَّبوة، ونهبطُ في حديقةٍ بديعةٍ وسطَ مساكبَ فسيحةٍ من ورود البنغال. نتَّخذُ لنا مكاناً تحت شرفةٍ تحابكَتْ عليها نباتاتُ جُرَيسٍ ضخمةٌ وغريبةٌ، وفي الحال يؤتى من السَّيَّارة بالطَّاولة المحمولة وبالزَّاد الذي تقوم السَّيِّدةُ هارفِت بوضعه في صينيَّةٍ كبيرةٍ من تلك الصَّواني التي هي مهرجانُ طعامٍ لشهيَّة الإنجليز التي يُحسَدون عليها، صينيَّةٍ تضمُّ عشرين منتَجاً من كلِّ المناخات: حليبٌ، وعسلٌ، وشايٌ، ومُرَبَّياتٌ محلِّيَّةٌ وأوروبِّيَّةٌ، وفواكه مُسَكَّرةٌ، ومخلَّلٌ، ومقبِّلاتٌ مملَّحةٌ، وفواكه استوائيَّةٌ… أستخلصُ لبَّ ثمرةٍ، حبَّةٍ من جوزِ جَنْدُمَ [39]، وهي فاكهةٌ تؤكَل في قشرتها مثلَ مشروبٍ مثلَّجٍ، بعدَ تخفيف حلاوتها العطريَّةِ للغايةِ بعصير اللَّيمون. أُجيلُ النَّظرَ حولي: الحديقةُ الجذلى تُشرِفُ على كلِّ بومباي، ولكنَّها مشوَّهةٌ بخزَّانٍ ضخمٍ أقامته شركةُ الغاز بين الجذوع السَّامقة لأشجار النَّخيل.
– خزَّانُ غازٍ؟ لا. إنَّه برجُ الصَّمت، أكبرُ أبراج الصَّمت. تلك الأخرى هي دَخْماتٌ أصغر حجماً، لا تُستَخدَمُ إلَّا في حالة الإصابة بوباء.
خيبةُ أملي كبيرةٌ. برجُ الصَّمت [40]: التَّسميةُ الشِّيليانيَّةُ [41] لم تكن تعدُني بهذه الأسطوانة المبيَّضة بالجير، ولكن بشيءٍ لم ينحتْ شعرُ الموت في الحجَر ما هو أكثر غرائبيَّةً منه.
يحيطُ بالبرج خندقٌ مائيٌّ بلا ماءٍ مُدَّ فوقه جُسَيران يؤدِّيان إلى بابٍ بيضاويٍّ صغيرٍ، صغيرٍ جدَّاً، هو الفتحةُ الوحيدةُ في هذه الكتلة البيضاء. وفجأةً، بين بياض الصَّرح وزُرقة السَّماء، يظهرُ تكوينٌ ضخمٌ أسودُ ومشؤومٌ: النَّسرُ الأوَّل؛ ثمَّ الثَّاني، فالثَّالث؛ ثمَّ ها هي ستَّةُ نسورٍ، سبعةٌ، تتوِّجُ البرجَ، مُضيفةً إلى وحشته عنصراً زخرفيَّاً قاتماً. عنقاواتُ الموتِ هؤلاء يفُقْنَ حقَّاً هَوْلَ كلِّ التَّوقُّعات؛ حتَّى لَيُمكن القولُ إنَّ الطَّبيعةَ الأمَّ قد شكَّلَتْهُنَّ وفقاً لمصيرهنَّ القاتم؛ فلديهنَّ جناحان هائلان، جبَّاران في الطَّيران، مخلوقان لمهاوي السَّماء، مع أنَّهنَّ في الاسترخاء يتركْنَهُما يتدلَّيان على جانبَي الجسم، ويَجْرُرْنَهما في الغبار بكلالةٍ بذيئةٍ؛ ومخالبُ عظيمةٌ، ولكن يُعْوِزُها التَّقوُّسُ الأشمُّ الذي لمخالب العقبان، مخالبُ خُلِقَتْ لتغوص في اللَّحم الفاسد، لا للقتال مع فريسةٍ حيَّة. وعند قاعدة الصَّدر، فوق طوق الرِّيش الكثيف، رُكِّبَ حيوانٌ آخر، جذعُ ثُعبانٍ عارٍ، مُصْفَرٍّ ومجعَّدٍ، أصلع الرَّأس، مع منقارٍ داكنٍ وعينَين لا تُحتمَل نظرتُهما تتقلَّبان بين الوحشيَّةِ الشَّرِهةِ وبين الدَّناءةِ والكآبة.
الدَّخمةُ متوَّجةٌ بالنُّسور، والنُّسورُ لم تعد هادئةً في طَوَافها التَّأمُّليِّ الواهن، بل أصبحَتْ مهتاجةً، تمدُّ أعناقها الثُّعبانيَّةَ نحو شيءٍ جديد. على امتداد الطَّريق، في منتصف المسافة بين أسفل الرَّبوة وقمَّتها، يتلألأ الموكبُ الجنائزيُّ أبيضَ بين حُمرةِ الغبار وخُضرةِ أوراق الشَّجر. كلُّ ما فيه ناصعُ البياض؛ عادةٌ غريبةٌ تخالفُ عادتنا التي توشِّح آلامَ الوداع الأخير بأحجبةٍ سُود.
– هل سندخلُ البرجَ نحن أيضاً؟ أسألُ، ليس من دون أن يعتريني قلقٌ لمثل هذا الاقتراح.
– لا أحد، ولا حتَّى الإمبراطور، يمكنه الدُّخول. وحدهما فرقةٌ صغيرةٌ من الحانوتيِّين والدَّاستورُ [42] المرافقُ لها يمكنهما الدُّخول.
– التَّصميمُ بسيطٌ جدَّاً. – يقولُ الطَّبيبُ ويرسمُ لي بالقلم الرَّصاص مدرَّجاً مقسَّماً إلى ثلاث دوائر متَّحدةِ المركزِ مقسَّمةٍ بدورِها بأنصاف أقطارٍ تشكِّل عدداً كبيراً من الخلايا الصَّغيرة المفتوحة: – هوَ ذا: الدَّائرة الدَّاخليَّة ذات الخلايا الأصغر مخصَّصةٌ للأطفال، والوُسطى للنِّساء، والخارجيَّة للرِّجال. هذه هي البئر المركزيَّة حيث تُكَوَّمُ العِظامُ المجرَّدةُ من اللَّحم التي تحملها قناةٌ تحتَ أرضيَّةٍ إلى البحر. منطقٌ همجيٌّ؟ وعلامَ تظنُّه همجيَّاً؟ بالنِّسبة إلى البارْسِيِّين فإنَّ النَّار هي المظهر الذي يتجلَّى فيه الله، بل إنَّها الله نفسه، كما هو الخبزُ القربانيُّ المقدَّسُ بالنِّسبة إلى المسيحيِّين. ولذلك فإنهم يَفْرَقُون من فكرة تقديم جثامين موتاهم لنار المحرقة، كما يفعل الهندوس، لئلَّا يهينوا الألوهيَّةَ باللَّحم المتفسِّخ؛ وهم يعارضون الدَّفنَ لأنَّ الأفِستا، نصَّهم المقدَّسَ، تحرِّمُ أن يُتْرَكَ للتَّحلُّل الأرضيِّ البطيء الجسدُ الذي كان وعاءَ الرُّوح. وربَّما كانت النُّسور، الطَّيرُ المقدَّسةُ لشعيرةٍ تعود إلى آلاف السِّنين، هي الأنسب لإزالة المادَّةِ الميِّتةِ البائسةِ وإعادتها إلى دورة الحياة…
ها هو الموكب. عشرون شخصاً، أو نحو ذلك، يتسربلون كلِّيَّةً بالبياض، ورؤوسهم ووجوههم مغطَّاةٌ بحُجُبٍ ناصعة البياض. أربعةُ حمَّالين يحملون الجثمانَ المتسطِّحَ والمغطَّى بكفنٍ خفيفٍ تُرَى من تحته أكتافٌ حادَّةٌ، لمحةٌ جانبيَّةٌ، وأرجُلٌ رفيعةٌ. يسيرُ المشيِّعون وقد اتَّحدوا اثنين اثنين بمنديلٍ مفتولٍ: إنَّه كراتي [43] آخر، كراتي جنائزيٌّ، صورةٌ رمزيَّةٌ للتَّحالف في وقت الشِّدَّة. الصُّورةُ بسيطةٌ جدَّاً ومهيبةٌ جدَّاً، تكاد تكون مجرَّدةً من الحزن؛ وتذكِّر ببعض التَّصوُّرات الضَّرائحيَّة المجرَّدة المنحوتة في الرُّخام. عند الجسر الأوَّل يتوقَّف الموكب برمَّته، كما لو عن سابق اتِّفاقٍ وتفاهُمٍ، ولا يتبعُ الجثمانَ سوى عددٍ قليلٍ من الهيئات البِيض: أقرب الأقرباء، الأمُّ، والأبُ، وأخٌ. توضَعُ المحفَّةُ أمام الباب الصَّغير المفتوح، ويقف المشيِّعون لبضع ثوانٍ أمام الجثمان، ربَّما لأجل صلاةٍ وداعيَّة. قُبالتَهم يقف الدَّاستورُ، الكاهنُ البارْسِيُّ مع اثنين من المعاوِنين. لا أحد غيرهم؛ لا أحد آخر؛ لا أنينٌ، ولا دموعٌ، ولا أيُّ حركةٍ تراجيديَّة. ربَّما كانت ديانةُ البارْسِيِّين أيضاً، كما في الدِّيانتَين البراهميَّة والبوذيَّة، قد شطبَتْ كلَّ المعاني التي نملكها نحن الغربيُّون عن الأنا، فخفَّفَتْ فلسفتُها الألفيَّةُ من بُرَحاء الرَّحيل بلا عودة. تختفي المحفَّةُ في الباب الصَّغير الذي يُوصَدُ بصمتٍ، وترجعُ الظِّلالُ البيضاءُ اثنين اثنين أدراجَها، وهي ما تزال متَّحدةً بالكتَّان الجنائزيِّ، وتبتعدُ دون الالتفات إلى الوراء، كما تقضي الشَّعائر، وتختفي بين أشجار النَّخيل.
ولكن عالياً، في الهواء، تحوم زوبعةٌ كثيفةٌ ومخيفةٌ من الظِّلال السَّوداء. من أعماق الزُّرقة تخرجُ مقتربةً، تكبرُ شيئاً فشيئاً، وتنقضُّ بسرعةِ حجَرٍ يهوي، عنقاواتُ الموت. على زُرقة السَّماء، وعلى بياض البُرج، تبدو الأجنحةُ المكفهرَّةُ وكأنَّها تُشَدُّ وتُدْفَعُ من قِبَلِ زوبعةٍ عدائيَّةٍ، مذكِّرةً بالأجنحة الهائلة للملائكة الملعونين. ولكن لا زعيقٌ، ولا عِراكٌ، بل صريرٌ ملجومٌ وحزينٌ فحسب، كأنَّها تخشى أن توقظ نائماً.
تسري في ظهري قشعريرةٌ خفيفةٌ، إذْ يعتريني الخوفُ من التَّنكيل الذي لا أراه.
– .. كان شابَّاً عظيماً. امتلكَ كلَّ مقوِّمات المعماريِّ البارع، وقد فاز في مسابقةٍ معماريَّةٍ لتصميم متحف الصَّحَّة. عمُّهُ هو المحامي ماكالَّا…
مهندسٌ معماريٌّ، مُحامٍ: رجالٌ مثلنا، درسوا كتبَنا، واستوعبوا صيَغَنا وأفكارنا، واستطاعوا التَّوفيق بينها وبين مشاعرهم البعيدة عن مشاعرنا والمبغوضة منها، كمشاعرهم حيالَ هذه المذبحة الوحشيَّة الأكثر تعطُّشاً للدِّماء. يبدو لي أنَّ الهاوية بين الإنسان والآخر تزدادُ هولاً وتصبحُ غيرَ قابلةٍ للرَّأب، وأنَّ العالَم يزدادُ صريراً ويصبحُ سخيفاً وعبثيَّاً. سخيفٌ ومُضحكٌ هذا البرجُ المحاطُ بنخلٍ باسقاتٍ متعاقباتٍ مع أعمدة الكهرباء وأعمدة التِّلغراف؛ سخيفةٌ ومُضحكةٌ هذه السَّيَّارة؛ وسخيفون ومُضحكون نحن المتوقِّفون على هذا المنحدَر كما لو أمامَ ساحةِ مطارٍ، أو أمامَ مضمار سباقٍ غربيٍّ…
– .. ليس هناك أيُّ عذاب. يؤتى على الجُثمان في غضون عشرين دقيقةً، – يَشرحُ لي الدُّكتور فارالْيَا وهو يقضم شطيرته الثَّالثة، – ويُجَرَّدُ من لحمه بلذاذةٍ دينيَّةٍ حقيقيَّةٍ؛ بينما يبقى الهيكلُ العظميُّ مصوناً في مَنْسَكِهِ، منضَّداً كما لو كان مُعَدَّاً لغرفةِ التَّشريح. بضربة منقارٍ واحدةٍ تنفتح الجمجمة حيث يُرَصُّ العظمُ الجبهيُّ إلى قفا العُنُق…
– صديقكَ لم يأكل ولم يشرب شيئاً، – تعلِّق السَّيِّدةُ هارفِت بأدبٍ. – لن تتحمَّلَ مناخَ بومباي إذا لم تضاعف وجباتك.
الهوامش:
[1] جوفانِّي سيغانتيني (1858 – 1899) فنَّانٌ تشكيليٌّ إيطاليٌّ من أهمِّ وجوه الحركة التَّقسيميَّة أو النُّقَطيَّة؛ (م).
[2] غايتانو بريفياتي (1852 – 1920) فنَّانٌ تشكيليٌّ إيطاليٌّ جمعَ بين الرَّمزيَّة والتَّقسيميَّة؛ (م).
[3] إدْموندو ماريو ألبرتو دي أميتْشِيس (1846 – 1908) روائيٌّ وصحفيٌّ إيطاليٌّ اشتُهرَ بروايته “قلب” التي تندرج في باب أدب الطِّفل؛ (م).
[4] لويجي بارتْزيني (1874 – 1947) صحفيٌّ وكاتبٌ إيطاليٌّ عُرِف بجرأته في تغطية أخبار الحروب، وما يزال التَّحقيق الذي أعدَّه عن معركة موكدن، المعركة الأخيرة في الحرب الرُّوسيَّة اليابانيَّة، يُعَدُّ إلى يومنا هذا تحفةً بديعةً في الصِّحافة الحربيَّة؛ (م).
[5] غابرييلِهْ دانُّونتْسو (1863 – 1938) روائيٌّ وشاعرٌ ومسرحيٌّ إيطاليٌّ. من أعماله: «البريئة» (رواية)، و«انتصار الموت» (رواية)، و«المدينة الميِّتة» (مسرحيَّة)، و«ابنة يوريو» (مسرحيَّة)، و«السَّفينة» (مسرحيَّة)، و«أرضٌ عذراء» (قصصٌ قصيرةٌ)؛ وفي الشِّعر: «أغنيةٌ جديدةٌ» و«قصيدةٌ فردوسيَّةٌ»، وغيرها؛ (م).
[6] اسم شخصيَّة البطل في مسرحيَّة «أكثر من مجرَّدِ حُبٍّ» لدانُّونتْسو؛ (م).
[7] جوزويه كاردوتْشي (1835 – 1907) شاعرٌ وكاتبٌ وناقدٌ أدبيٌّ إيطاليٌّ، هو أوَّلُ إيطاليٍّ يحصل على جائزة نوبل للأدب في عام 1906. من دواوينه الشِّعريَّة: «أشعارٌ جديدةٌ»، و«قصائد متوحِّشة»؛ (م).
[8] نسبةً إلى لورانس ستيرن (1713 – 1768) الرِّوائيِّ الأيرلنديِّ صاحب رواية «رحلةٍ عاطفيَّةٍ عبْرَ فرنسا وإيطاليا»؛ (م).
[9] نسبةً إلى كانافيسِهْ، وهي منطقةٌ جغرافيَّةٌ وتاريخيَّةٌ في شمال شرقي إيطاليا تأثَّر غوتْسانو تأثُّراً كبيراً بجمال طبيعتها، وانعكس ذلك في صوره الشِّعريَّة التي عكسَتْ بدورها رقَّته الشَّديدة حيالَ كلِّ شيءٍ حيٍّ. في كانافيسِهْ، مثلاً، استوحَى غوتْسانو قصيدته غير المكتملة «الفراشات»؛ (م).
[10] قوسٌ تشريفيٌّ يعود إلى القرن الأوَّل للميلاد، ويقع في شارع «فيَّا ساكْرا» في روما؛ (م).
[11] روديارد كبلينغ (1865 – 1936) كاتبٌ وشاعرٌ وقاصٌّ بريطانيٌّ وُلِدَ في الهند البريطانيَّة، وكان مؤيِّداً للاستعمار البريطانيِّ. من أهمِّ أعماله «كتابُ الأدغال»؛ (م).
[12] بخلاف ما يُورِدُه كاتبُ المقدِّمة هنا، يأتي غوتْسانو على ذِكْر كبلينغ مرَّةً واحدةً في هذا الكتاب؛ (م).
[13] بول غوغان (1848 – 1903) رسَّامٌ فرنسيٌّ من أتباع مدرسة ما بعد الانطباعيَّة. رحل إلى تاهيتي التَّابعة لفرنسا الاستعماريَّة ليكرِّس حياته للرَّسم، وهناك أقام بين السُّكَّان المحلِّيِّين واتَّخذ من جمال فتياتها البدائيِّ مادَّةً لأروع لوحاته الزَّاخرة بالألوان؛ (م).
[14] نسبةً إلى جوزويه كاردوتْشي ولغته الشِّعريَّة الأقرب إلى الملحميَّة؛ (م).
[15] عنوان نصٍّ شعريٍّ لغوتْسانو؛ (م).
[16] البارْسِيُّون، بالإيطاليَّة Parsi، مجموعةٌ عرقيَّةٌ دينيَّةٌ تمثِّل جزءاً من الزَّرادشتيِّين الذين يعيشون في شبه القارَّة الهنديَّة، وهم في الأصل زرادشتيُّون إيرانيُّون استوطنوا غربَ الهند قبل ألف عامٍ؛ والمنبوذون، بالإيطاليَّة Paria، مجموعةٌ إثنيَّةٌ في الهند لا تنتمي في عُرف الهنود إلى أيَّة فئةٍ اجتماعيَّةٍ. ربَّما عاد خلْطُ غوتْسانو بين الفئتين إلى التَّشابه بين لفظتَي اسميهما بالإيطاليَّة؛ (م).
[17] تعدُّد الأصوات أو النَّغمات؛ (م).
[18] الدِّيفاداسي، في أجزاءٍ من جنوبي وشرقي الهند، فتاةٌ صغيرةٌ تكرِّس حياتها لخدمة الآلهة الهندوسيَّة أو المعبد الهندوسيِّ، ويشكِّل الرَّقص والموسيقى عنصرَين أساسيَّين من طقوس العبادة، وعلى فتيات الدِّيفاداسي أن يتعلَّمن مهارات الموسيقى والرَّقص كرقصة «أوديسِّي» ورقصة «بهاراتاناتْيَام». بدأ فنُّ الدِّيفاداسي بالزَّوال منذ عام 1988 حين أُقِرَّ عدمُ قانونيَّته في جميع أنحاء الهند؛ (م).
[19] نسبةً إلى جاكومو ليوباردي (1798 – 1837) الفيلسوف والشَّاعر الإيطالي؛ (م).
[20] في الأصل باللَّاتينيَّة: Sibi et paucis؛ (م).
[21] مدينةٌ في شرقي الهند معروفةٌ بالمدينة الورديَّة؛ (م).
[22] ألفونسو دي ألبوكيرك (1453 – 1515) الجنرالُ البحريُّ ونائب حاكم الهند البرتغاليَّة الذي مكَّنَتْه حنكته العسكريَّة من غزو وإخضاع منطقة المحيط الهندي تحت راية الإمبراطوريَّة البرتغاليَّة. حكمَ غوا الهنديَّة (إحدى ولايات الهند اليوم)، وعزَّزَ تحصيناتها، وأبرمَ صلحاً مع مدينة كاليكوت؛ (م).
[23] في الأصل بالإنجليزيَّة: Cook’s boy، صبيُّ الطَّاهي؛ (م).
[24] يعود أصلُ التَّسمية إلى الفارسيَّة: دخمه؛ والدَّخمةُ برجٌ ذو شكلٍ دائريٍّ يُقام على قمَّة ربوةٍ أو جبلٍ منخفضٍ في منطقةٍ صحراويَّةٍ بعيدةٍ عن التَّجمُّعات السُّكَّانيَّة، ويستخدمه عادةً أبناءُ الدِّيانة الزَّرادشتيَّة لوضع جسد المتوفَّى في أعلاه حيث تنزل الطُّيور الجارحة لتأكله؛ وللدَّخْمات وجودٌ في العديد من المناطق التي سكنها وما يزال يسكنها الزَّرادشتيُّون مثل يزد وكرمان في إيران، وولاية غوجرات في الهند؛ (م).
[25] جمع باياديرا، التَّسمية الغربيَّة للدِّيفاداسي. مرَّ شرحُها سابقاً؛ (م).
[26] أو الفقراء “Fakir” كما يُسَمَّى الزُّهَّاد الهندوس في الهند؛ (م).
[27] تعني جنديَّاً بالفارسيَّة، وقد دخلَتْ هذه الكلمة بعضَ لغاتِ الهند بهذا المعنى لتُطلَق بالتَّحديد على أيِّ جنديٍّ هنديٍّ تحت الحُكم البريطانيِّ؛ (م).
[28] نوعٌ من العصافير ينتمي إلى فصيلة Estrildidae، واسمُه اللَّاتينيُّ: Amandava amandava. يُطلق عليه أيضاً أفادافات؛ (م).
[29] في الأصل بالإنجليزيَّة : lunch (م).
[30] في الأصل بالإنجليزيَّة: Tower’s Garden؛ (م).
[31] في الأصل بالفرنسيَّة: Bois de Boulogne، وهي حديقةٌ شاسعةٌ تقع غرب باريس؛ (م).
[32] جزيرة تقع أمام السَّاحل الجنوبيِّ لولاية غوجرات؛ (م).
[33] Tabli، هكذا وردَتْ في النَّصِّ الإيطاليِّ وفي نصِّ التَّرجمة الإنجليزيَّة، ولم أقع على ذِكْرٍ لهذا المكان في المراجع التي بحثتُ فيها؛ (م).
[34] قبَّعةٌ أسطوانيَّةٌ طويلةٌ مسطَّحةُ التَّاج، لبسها الرِّجال في القرن التَّاسع عشر وأوائل القرن العشرين؛ (م).
[35] أو “تخت جمشيد”، عاصمة الإمبراطوريَّة الأخمينيَّة بين 550 و330 ق.م؛ (م).
[36] تاج الأُسْقُف؛ (م).
[37] هضبةٌ في مدينة نابولي الإيطاليَّة؛ (م).
[38] أو تين الهند، أو تين البنغال؛ (م).
[39] أو زهرة الحجَر أو مانغوستين، فاكهةٌ استوائيَّةٌ مستديمة الخضرة يُعتَقَدُ أنَّ أصلها جُزُر سوندا وجُزُر الملوك؛ (م).
[40] في الأصل بالإنجليزيَّة: Tower of Silence؛ (م).
[41] نسبةً إلى الشَّاعر الإنجليزيِّ بيرسي بيش شيلي (1792 – 1822)؛ (م).
[42] كاهنٌ زرادشتيٌّ؛ (م).
[43] Crati، نهرٌ في كالابريا. يشبِّه غوتْسانو مسيرَ المشيِّعين بتدفُّق هذا النَّهر؛ (م).