نهر الشعر
الكلام والحديث والكتابة، عن عصر الرواية، في العالم العربي، هو كلام بعض النقاد الذين أضاعوا الطريق. أولاً لم تصل الرواية في العالم العربي لتصبح نمط تفكير يتغلغل في الضمير الشعبي وإذا استثنينا نجيب محفوظ والطيب صالح وعبدالرحمن منيف وغائب طعمة فرمان وإلياس خوري وغالب هلسا وتيسير سبول ومحمد خضير ويوسف إدريس.. إلخ، فهؤلاء لم يتجاوزوا الطبقة الوسطى في المجتمع العربي وما كان وما يزال حتى هذه اللحظة هو في العمق السياسي إسقاط الطبقة الوسطى والأنتلجنسيا التي راهنت على مفهوم التعليم والأدب والعمران والتشكيل والموسيقى.
ينبغي علينا أن نفهم أن منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان الغرب قد حقق كل ذلك، وقبل ذلك، على جميع الأصعدة في الرواية والقصة والتشكيل والنحت والسينما والشعر أيضاً. غير أن الشعر هو كائن المستقبل. كان في الماضي ويعيش في الحاضر ويذهب إلى اللامكان أي أن الشعر لا ينتهي أبداً.
أما حديث الدكتور جابر عصفور فهو حديث يرتكز على مُغالطة تتعلق بسيادة الرواية الحديثة في العالم العربي أي بعد توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف حبشي الأشقر وفؤاد التكرلي وهاني الراهب وحنا مينا وآخرين، ثم إن السؤال نفسه يُحيلنا إلى بنية ثقافية لا وجود لها في الكتابة ولا في الاجتماع العربي.
لنتحدث عن البحر مثالاً في الرواية العربية سنذكر حنا مينا، عبدالرحمن منيف عن مدن الصحراء أو مدن الملح، عن الحرب الأهلية عند إلياس خوري، عن الإسكندرية عند إدوارد الخراط، ولكن هذا لا يكفي. هل هناك رواية عربية ذات بُعد ملحمي مثل موبي ديك لملفيل، هل هناك من كتب عن البحر مثل آرنست همنغواي أو جاك لندن؟
أرى أن الشعر في العالم العربي المعاصر يزدهر ويتصدر المشهد حتى على صعيد النشر، وهناك جيل شعري يتكون في العراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا واليمن وعُمان والمغرب وتونس والجزائر، هذا الجيل يبحث أيضاً عن العشبة الأبدية، الشعر يتصدر العالم، ليس دفاعاً عنه فحسب، وانما لأنه طفولة البشرية.