حديقة الحيوانات
شجرة في الريح
بكلِّ هذا الرّصيدِ من الأوْهامِ
بنيت حديقتي الأرضيّةَ
مستعينا بجيشٍ من معماريّين فرس،
ورسّامين من النهضة الإيطالية
وعبيد فراعنة، وخطّاطين من الصّين والعرب
وبستانيّين من بابل…
جمعتهم من الكتب واللّوحاتِ
وأجّرتهم مقابل تحريرهم
من قيود مخيّلتي.
جلبت لحديقتي نمورا ناعسة من غابات إفريقيا
ثعابين مرحة من سهول أستراليا،
قافلة جمال من بادية اليمن
نسورا تغذّت على ضحايا الحروب والمجاعات.
واقترحت نفسي أسدا
أنام في مغارة حفرها إنسان بدائيّ
كنت قد صرعته في ليلة شتاء،
وأفيق لأجد غزالةً مقيّدة إلى شجرة هرمةٍ
أكتب على جذعها بمخالبي
وصيّتي للرّيح التي ستحطّم الشّجرة
وللمطر التي ستغسل دماء ولائمي
وللسّائح الذي سيتفرّج فيّ داخل قفص
ويدفع أمواله
مقابل خوف مصطنع بائخٍ
أرض الكتب
في طريق سفري إلى الله
سقطت منّي توبتي، واختفت
بين الأعشابِ والجنايات اليابسة
ولمّا رأى شيخي حيرتي
دلّني على الأرض التي أبدأ منها
حيث أبني كوخي،
وأغرس شجرتي
ثمّ أجلس منتظرا أوّلَ عابر سبيلٍ
تدلّه عليّ المتاهةُ
ليقاسمني فيءَ الشّجرة
ودفء الكوخ.
وانتظرت هناك، عمرا كاملا
وكان كلّ قمرٍ يأفل
أجمع شعاعه الذّائبَ من البحيرةِ،
لأحاججَ به النّائمين.
وكلّ شجرة تموت
أخبّئ أوراقها الذّابلةَ بين ثيابي المتّسخة،
لأتأكّد أكثر من عافية الرّبيع.
وفي حياتي،
فتحت كتبا صفراءَ تبلّلها حيرتي
وأغلقت كتبا صفراءَ تحرقها معرفتي
ولم يأت عابر السّبيل الذي انتظرته عمرا كاملا.
والحقيقة، أنّني كنت أجتهد
في إخصاب مخيّلتي بالزّيف والكذب
حتّى لا يأتي!
ثمّ إنّني نسيت كلام شيخي
وضيّعت علاماتِه بين أقمار تأفل،
وأوراق تذبل، وكتبٍ تُغلق وتُفتح
العمر
ينزل الرّبيعُ من شجرة العمر
وفي يده تفّاحة
نصفها أخضر، ونصفها الآخر أحمر
يمنحها لأوّل امرأة تأتي حافيةً من الصّحراء
تظلّ تتخاصم مع رغباتها: من أين تقضم التفّاحةَ!؟
ولا تنتبه، إلاّ وقد أتلفتها الدّيدانُ ونقرتها الغرْبانُ
تنادي الرّبيع لكنّه يكون بعيدا
تضع نظّاراتٍ حتّى تتأكّد
فلا ترى غير ظلّه النّحيف تأكله المساربُ
تضع سمّاعاتٍ حتّى تتأكّد أكثر
فلا تسمع غير حفيف نعليه ممزوجا برائحة الأعشاب والسّفر
يقدّ لها جارها النّجّار عكّازا من خشب شجرتها الهرمة
وفي حين تحاول جاهدة اللّحاق بالرّبيع
تغطّي العاصفةُ روحها المتعبةَ بما تناثر من أوراقها الذاّبلة.
تخطيط: حسين جمعان
الشّوكة المسمومة
وصف لي العماءُ الأرضَ التي
سوف أبلغها: حقول من النّرجس
تحرسها مصابيح ضاحكة!
ووعدتني الفاقةُ بالكنز
والغريب أنّني صدّقت، وسعيت
وكلّما بلغت سرابا
نحتُّ من عطشي مزمارا
وكلّما بلغت نهرا
ألقيت مزمارَ العطش للمقتفين، وعبرت…
على بعد متر من خطّ الوصول
الوصول إلى أرض العماء
حيث تدفن الفاقةُ كنزَها.
نفضْتُ آخرَ قشّةٍ
من مخلاة الصّبر
هجم عليّ حنيني
وداستني شعوب مثخنة
بالحروبِ والأميّة.
جاءت امرأةٌ متأخّرة
متأخّرة جدّا كالسّعادة
انتزعتني من كفّ التّراب
وقالت: هذا لي.
المسكينة، كانت تظنّ
أنّ حضنها أكثر دفئا من الضّياع!
نازعتها عليّ
مآس نحيفةٌ
مثل ماشية القرن الإفريقي
قالت: اتركي لي قلبه يا أرملة العدم!
وخذي أصابعه ومزماره وكنزه…
ودارت حولي حروب ضارية
انتهت بخسارة الحبّ
وبسيطرة اللّغة البذيئة
على جسدي المرهق.
وقبل أن يكتب المصير
آخر حرفٍ من نصّه القدريّ
أسفل جبيني
تاركا عينيّ مشنوقتين
سقطت من يديه الدّواة
حين رفعتها إليه
كانت شوكةً مسمومةً!
باب التّعيس
أعرف أنّها ستأتي في أيّ لحظة
وأنّها لن تجدني بالبيت
سوف تضع علامةً على بابي
مثلما حدث في قصّة علي بابا واللّصوص
وسوف تنتبه حبيبتي
فتضع علاماتٍ مشابهة
على أبواب العزّاب!
أعرف أنّها ستحاول ثانية
وترسل إليّ حمامةً زاجلةً
وسوف تنتبه تلك المرأة القلقة
التي تراجعت من وظيفة الحبيبة
إلى وظيفة الزّوجة.
فتذبح الحمامةَ
وتقدّمها لي في طبق العشاء
سأكون ساعتها مثل كلّ الرّجال
أفكّر بمعدتي
وأنظر إلى زنْدي زوجتي
من خلف البخار.
أعرف أنّها ستأتي كلّ ليلة
وأنّها لن تجدني بالبيت
وسوف يتعجّب الجيران خلف النّوافذ:
ترى ماذا تفعل السّعادة كلّ ليلة
قدّام باب التّعيس!؟
المصير
ولدْتَ، وفي عينيك
عائلة من شياطين تتعانق
وفي صدرك موسيقى وحشية
هي مزيج من آلام البؤساء
وعذاب القبر
لذلك تبرّأت منك أمّك الشّابةُ
وألقت بك في نهر كسولٍ
تصله الشّمس مرهقةً
فتغسل فيه أطرافها من غبار النّهار
وتنام تحت كرمة
تُعلّق عليها أحلامُ المخلوقاتِ.
دفعتك الرّيحُ إلى جزيرة نائيةٍ
حيث أرضعتك غزالةٌ
اصْطدتهَا حين اشتدَّ عودُك
رميتَها على كتفك الهزيل
ومضيت إلى كوخك المعزول
تاركا خلفك مسربا من دمٍ
اقتفاه ضميرك القَلِقُ
وشهد ضدّك أمام الله.
أنت لم تشتك من إهمال أمّك
أو من غزو الشياطين لعينيك
أو من غبار الأيّام الحزينة
فقط، دخلت الجحيم صاغرا
وتبعك إخوانك الذين رمتهم أمّهاتهم أيضا
في النّهر نفسه،
حاملين على أكتافهم غزالاتهم.